الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالظلم كله بأنواعه ظلمات يوم القيامة، يعاقب أهلها على قدر ظلمهم، ويجازى المظلومون من حسنات الظالمين، فإن لم يكن لهم حسنات أو فنيت أخذ من سيئاتهم فطرحت على الظالمين.
والعدل كله نور يوم القيامة: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحديد: 12]
والله تعالى حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرما. فالله تعالى على صراط مستقيم في أقواله وأفعاله وجزائه، وهو العدل. وقد نصب لعباده الصراط المستقيم الذي يرجع إلى العدل، ومن عدل عنه عدل إلى الظلم والجور الموصل إلى الجحيم.
والظلم ثلاثة أنواع: نوع لا يغفره الله، وهو الشرك بالله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]
ونوع لا يترك الله منه شيئا، وهو ظلم العباد بعضهم لبعض، فمن كمال عدله: أن يقص الخلق بعضهم من بعض بقدر مظالمهم.
ونوع تحت مشيئة الله: إن شاء عاقب عليه، وإن شاء عفا عن أهله، وهو الذنوب التي بين العباد وبين ربهم فيما دون الشرك.
[حديث انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تنظروا إلى من هو فوقكم]
الحديث التاسع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» مُتَّفَقٌ عليه.
يا لها من وصية نافعة، وكلمة شافية وافية، فهذا يدل على الحث على شكر الله بالاعتراف بنعمه، والتحدث بها، والاستعانة بها على طاعة المنعم، وفعل جميع الأسباب المعينة على الشكر. فإن الشكر لله هو رأس العبادة، وأصل الخير، وأوجبه على العباد، فإنه ما بالعباد من نعمة ظاهرة ولا باطنة، خاصة أو عامة إلا من الله. وهو الذي يأتي بالخير والحسنات، ويدفع السوء والسيئات. فيستحق أن يبذل له العباد من الشكر ما تصل إليه قواهم، وعلى العبد أن يسعى بكل وسيلة توصله وتعينه على الشكر.
وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدواء العجيب، والسبب القوي لشكر نعم الله. وهو أن يلحظ العبد في كل وقت من هو دونه في العقل والنسب والمال وأصناف النعم. فمتى استدام هذا النظر اضطره إلى كثرة شكر ربه والثناء عليه، فإنه لا يزال يرى خلقا كثيرا دونه بدرجات في هذه الأوصاف، ويتمنى كثير منهم أن يصل إلى قريب مما أوتيه من عافية ومال ورزق، وخلق وخلق، فيحمد الله على ذلك حمدا كثيرا، ويقول: الحمد لله الذي أنعم علي وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا.
ينظر إلى خلق كثير ممن سلبوا عقولهم، فيحمد ربه على كمال العقل، ويشاهد عالما كثيرا ليس لهم قوت مدخر، ولا مساكن يأوون إليها، وهو مطمئن في مسكنه، موسع عليه رزقه.
ويرى خلقا كثيرا قد ابتلوا بأنواع الأمراض، وأصناف الأسقام وهو معافى من ذلك، مسربل بالعافية. ويشاهد خلقا كثيرا قد ابتلوا ببلاء أفظع من ذلك، بانحراف الدين، والوقوع في قاذورات المعاصي، والله قد حفظه منها
أو من كثير منها.
ويتأمل أناسا كثيرين قد استولى عليهم الهم، وملكهم الحزن والوساوس، وضيق الصدر، ثم ينظر إلى عافيته من هذا الداء، ومنة الله عليه براحة القلب، حتى ربما كان فقيرا يفوق بهذه النعمة - نعمة القناعة وراحة القلب - كثيرا من الأغنياء.
ثم من ابتلي بشيء من هذه الأمور يجد عالما كثيرا أعظم منه وأشد مصيبة، فيحمد الله على وجود العافية وعلى تخفيف البلاء، فإنه ما من مكروه إلا ويوجد مكروه أعظم منه.
فمن وفق للاهتداء بهذا الهدي الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل شكره في قوة ونمو، ولم تزل نعم الله عليه تترى وتتوالى. ومن عكس القضية فارتفع نظره وصار ينظر إلى من هو فوقه في العافية والمال والرزق وتوابع ذلك، فإنه لا بد أن يزدري نعمة الله، ويفقد شكره. ومتى فقد الشكر ترحلت عنه النعم، وتسابقت إليه النقم، وامتحن بالغم الملازم، والحزن الدائم، والتسخط لما هو فيه من الخير، وعدم الرضى بالله ربا ومدبرا. وذلك ضرر في الدين والدنيا وخسران مبين.
واعلم أن من تفكر في كثرة نعم الله، وتفطن لآلاء (1) الله الظاهرة والباطنة، وأنه لا وسيلة إليها إلا محض فضل الله وإحسانه، وأن جنسا من نعم الله لا يقدر العبد على إحصائه وتعداده، فضلا عن جميع الأجناس، فضلا عن شكرها، فإنه يضطر إلى الاعتراف التام بالنعم، وكثرة الثناء على الله، ويستحي من ربه أن يستعين بشيء من نعمه على ما لا يحبه ويرضاه، وأوجب له الحياء من ربه
(1) نعمه.