الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوه، أو أبدان، أو مساقاة، أو مزارعة: فكلها صحيحة، إلا شروطا تحلل الحرام، وعكسه كالتي تعود إلى الجهالة والغرر.
ومثل شروط الواقفين والموصين في أوقافهم ووصاياهم من الشروط المقصودة: فكلها صحيحة، ما لم تدخل في محرم.
وكذلك الشروط بين الزوجين، كأن تشترط دارها أو بلدها، أو نفقة معينة أو نحوها، فإن أحق الشروط أن يوفى به هذا النوع.
[حديث مطل الغني ظلم]
الحديث الأربعون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ. وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مليء فليتبع» . متفق عليه.
تضمن هذا الحديث الأمر بحسن الوفاء، وحسن الاستيفاء، والنهي عما يضاد الأمرين أو أحدهما.
فقوله: «مطل الغني ظلم» أي: المعاسرة في أداء الحق الواجب ظلم ; لأنه ترك لواجب العدل، إذ على القادر المبادرة إلى أداء ما عليه، من غير أن يحوج صاحب الحق إلى طلب وإلحاح، أو شكاية. فمن فعل ذلك مع قدرته على الوفاء، فهو ظالم.
" والغني " هو الذي عنده موجودات مالية يقدر بها على الوفاء.
ومفهوم الحديث: أن المعسر لا حرج عليه في التأخير. وقد أوجب الله على صاحب الحق إنظاره إلى الميسرة.
ونفهم من هذا الحديث: أن الظلم المالي لا يختص بأخذ مال الغير بغير حق، بل يدخل فيه كل اعتداء على مال الغير، أو على حقه بأي وجه يكون.
فمن غصب مال الغير، أو سرقه، أو جحد حقا عنده للغير، أو بعضه، أو ادعى عليه ما ليس له من أصل الحق أو وصفه، أو ماطله بحقه من وقت إلى آخر، أو أدى إليه أقل مما وجب له في ذمته - وصفا أو قدرا - فكل هؤلاء ظالمون بحسب أحوالهم. والظلم ظلمات يوم القيامة على أهله.
ثم ذكر في الجملة الأخرى حسن الاستيفاء، وأن من له الحق عليه أن يتبع صاحبه بمعروف وتيسير، لا بإزعاج ولا تعسير، ولا يرهقه من أمره عسرا، ولا يمتنع عليه إذا وجهه إلى جهة ليس عليه فيها مضرة ولا نقص. فإذا أحاله بحقه على مليء - أي: قادر على الوفاء غير مماطل ولا ممانع - فليحتل عليه، فإن هذا من حسن الاستيفاء والسماحة.
ولهذا ذكر الله تعالى الأمرين في قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] فأمر صاحب الحق أن يتبع من عليه الحق بالمعروف، والمستحسن عرفا وعقلا، وأن يؤدي من عليه الحق بإحسان.
وقد دعا صلى الله عليه وسلم لمن اتصف بهذ الوصف الجميل، فقال:«رحم الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذ قضى، سمحا إذا اقتضى» .
فالسماحة في مباشرة المعاملة، وفي القضاء، والاقتضاء، يرجى لصاحبها كل خير: ديني ودنيوي، لدخوله تحت هذه الدعوة المباركة التي لا بد من قبولها.
وقد شوهد ذلك عيانا. فإنك لا تجد تاجرا بهذا الوصف إلا رأيت الله قد صب عليه الرزق صبا، وأنزل عليه البركة. وعكسه صاحب المعاسرة والتعسير، وإرهاق المعاملين، والجزاء من جنس العمل، فجزاء التيسير التيسير.