الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإعدادهم، وإمدادهم بكل ما هم محتاجون إليه من جميع الوجوه، ليس لأحد منها غنى عنه مثقال ذرة، في كل حالة من أحوالها.
فالصمد: هو المصمود إليه، المقصود في كل شيء، لكماله وكرمه وجوده وإحسانه. ولذلك {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] فإن المخلوقات كلها متولد بعضها من بعض، وبعضها والد بعض، وبعضها مولود. وكل مخلوق فإنه مخلوق من مادة. وأما الرب جل جلاله، فإنه منزه عن مماثلتها في هذا الوصف، كما هو منزه عن مماثلتها في كل صفة نقص.
ولهذا حقق ذلك التنزيه، وتمم ذلك الكمال بقوله:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] أي: ليس له نظير ولا مكافئ ولا مثيل، لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في جميع حقوقه التي اختص بها.
فحقه الخاص أمران: التفرد بالكمال كله من جميع الوجوه، والعبودية الخالصة من جميع الخلق.
فحق لسورة تتضمن هذه الجمل العظيمة: أن تعادل ثلث القرآن، فإن جميع ما في القرآن من الأسماء الحسنى، ومن الصفات العظيمة العليا، ومن أفعال الله وأحكام صفاته، تفاصيل لهذه الأسماء التي ذكرت في هذه السورة، بل كل ما في القرآن من العبوديات الظاهرة والباطنة، وأصنافها وتفاصيلها، تفصيل لمضمون هذه السورة. والله أعلم.
[حديث لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ]
الحديث الثامن والثمانون عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا حَسَدَ إِلَّا
فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الحسد نوعان: نوع محرم مذموم على كل حال، وهو أن يتمنى زوال نعمة الله عن العبد - دينية أو دنيوية - وسواء أحب ذلك محبة استقرت في قلبه، ولم يجاهد نفسه عنها، أو سعى مع ذلك في إزالتها وإخفائها، وهذا أقبح، فإنه ظلم متكرر.
وهذا النوع هو الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
والنوع الثاني أن لا يتمنى زوال نعمة الله عن الغير، ولكن يتمنى حصول مثلها له، أو فوقها أو دونها.
وهذا نوعان محمود، وغير محمود.
فالمحمود من ذلك: أن يرى نعمة الله الدينية على عبده، فيتمنى أن يكون له مثلها، فهذا من باب تمني الخير، فإن قارن ذلك سعي وعمل لتحصيل ذلك، فهو نور على نور.
وأعظم من يغبط: من كان عنده مال قد حصل له من حلة، ثم سلط ووفق على إنفاقه في الحق، في الحقوق الواجبة والمستحبة، فإن هذا من أعظم البرهان على الإيمان، ومن أعظم أنواع الإحسان.
ومن كان عنده علم وحكمة علمه الله إياها، فوفق لبذلها في التعليم والحكم بين الناس، فهذان النوعان من الإحسان لا يعادلهما شيء.
الأول: ينفع الخلق بماله، ويدفع حاجاتهم، وينفق في المشاريع الخيرية، فتقوم ويتسلسل نفعها، ويعظم وقعها.
والثاني: ينفع الناس بعلمه، وينشر بينهم الدين والعلم الذي يهتدي به