الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن الأسباب التي تحصل بها المحبوبات الدنيوية قسمان: أمور محسوسة، تدخل في إدراك الحواس، ومدارك العقول. وأمور ربانية إلهية قدرها من هو على كل شيء قدير، ومن جميع الأسباب وأمور العالم منقادة لمشيئته، ومن تكفل بالكفاية للمتوكلين، ووعد بالرزق والخروج من المضايق للمتقين. قال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2 - 3]
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما نقصت صدقة من مال» بل تزيده، فكيف بالصدقة والهدية على أقاربه وأرحامه؟
وفي هذا الحديث دليل: على أن قصد العامل، ما يترتب على عمله من ثواب الدنيا لا يضره إذا كان القصد من العمل وجه الله والدار الآخرة. فإن الله بحكمته ورحمته رتب الثواب العاجل والآجل، ووعد بذلك العاملين؛ لأن الأمل واستثمار ذلك ينشط العاملين، ويبعث هممهم على الخير، كما أن الوعيد على الجرائم، وذكر عقوباتها مما يخوف الله به عباده ويبعثهم على ترك الذنوب والجرائم.
فالمؤمن الصادق يكون في فعله وتركه مخلصا لله، مستعينا بما في الأعمال من المرغبات المتنوعة على هذا المقصد الأعلى، والله الموفق.
[حديث المرء مع من أحب]
الحديث الرابع والثمانون عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
«المرء مع من أحب» هذا الحديث فيه الحث على قوة محبة الرسل، واتباعهم بحسب مراتبهم،
والتحذير من محبة ضدهم، فإن المحبة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه، ومناسبته لأخلاقه، واقتدائه به، فهي دليل على وجود ذلك، وهي أيضا باعثة على ذلك.
وأيضا من أحب الله تعالى، فإن نفس محبته من أعظم ما يقربه إلى الله، فإن الله تعالى شكور، يعطي المتقرب أعظم - بأضعاف مضاعفة - مما بذل، ومن شكره تعالى: أن يلحقه بمن أحب، وإن قصر عمله، قال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]
ولهذا قال أنس: " ما فرحنا بشيء فرحنا بقوله صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أحب» قال: فأنا أحب رسول الله، وأبا بكر، وعمر، فأرجو أن أكون معهم ".
وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [الرعد: 23] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ (1) مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]
وهذا مشاهد مجرب إذا أحب العبد أهل الخير رأيته منضما إليهم، حريصا على أن يكون مثلهم، وإذا أحب أهل الشر انضم إليهم، وعمل بأعمالهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله، فلينطر أحدكم من يخالل» ، و «مثل الجليس الصالح، كحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وِإِمَّا أَنْ تجد معه رائحة خبيثة» .
(1) نقصناهم.