الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويدخل في ذلك: السبق إلى صيد البر، والبحر، وإلى المعادن غير الظاهرة، وغير الجارية. والسبق إلى أخذ حطب أو حشيش أو منبوذ رغبة عنه.
والسبق إلى الجلوس في المساجد والمدارس والأسواق والربط إن لم يتوقف ذلك على ناظر جعل له الترتيب والتعيين، فيرجع فيه إلى نص الواقفين والموصين.
فمن سبق إلى شيء من المباحات التي لا مالك لها، فهو أحق بها. والملك فيها مقصور على القدر المأخوذ.
وكذلك من سبق إلى الأعمال في الجعالات التي يقول فيها صاحبها: من عمل لي هذا العمل فله كذا: فهو المستحق للتقديم والجعل.
وكذلك من سبق إلى التقاط اللقطة واللقيط، وغيرها، فكله داخل في هذا الحديث. والله أعلم.
[حديث ألحقوا الفرائض بأهلها]
الحديث السادس والأربعون عن ابن عباس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . مُتَّفَقٌ عليه.
[حديث إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حقه فلا وصية لوارث]
الحديث السابع والأربعون عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . رَوَاهُ أبو داود والترمذي وابن ماجه.
هذان الحديثان اشتملا على جل أحكام المواريث، وأحكام الوصايا. فإن الله تعالى فصل أحكام المواريث تفصيلا تاما واضحا، وأعطى كل ذي حق
حقه، وأمر صلى الله عليه وسلم أن تلحق الفرائض بأهلها، فيقدمون على العصبات. فما بقي فهو لأولى رجل ذكر. وهم العصبة من الفروع الذكور، والأصول الذكور، وفروع الأصول الذكور، والولاء.
فيقدم من هذه الجهات إذا اجتمع عاصبان فأكثر: الأقرب جهة. فإن كانوا في جهة واحدة، قدم الأقرب منزلة. فيقدم الابن على ابن الابن، والعم مثلا على ابن العم. فإن كانوا في منزلة واحدة، وتميز أحدهم بقوة القرابة ولا يتصور ذلك إلا في فروع الأصول، كالإخوة والأعمام مطلقا وبنيهم: قدم الأقوى - وهو الشقيق - على الذي لأب.
وهذا هو المراد بقوله رضي الله عنه: «لأولى رجل ذكر» أي: أقربهم جهة، أو منزلة، أو قوة، على حسب هذا الترتيب.
وعلم من هذا: أن صاحب الفرض مقدم على العاصب في البداءة، وأنه إن استغرقت الفروض التركة سقط العاصب في جميع مسائل الفرائض، حتى في الحمارية، وهي ما إذا خلفت زوجا، وأما، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء: فللزوج النصف، وللأم السدس؟ وللإخوة لأم الثلث.
فهؤلاء أهل فروض ألحقنا بهم فروضهم، وسقط الأشقاء ; لأنهم عصبات. وهذا هو الصحيح لأدلة كثيرة. هذا أوضحها.
ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» على أن الفروض إذا كثرت وتزاحمت ولم يحجب بعضهم بعضا، فإنه يعول لهم، وتنقص فروضهم بحسب ما عالت به كالديون إذا أدلت على موجودات الغريم التي لا تكفي لدينهم ; فإنهم يعطون بقدر ديونهم. وهذا من العدل.
فكل مشتركين في استحقاق شيء لا يمكن أن يكمل لكل واحد منهم، وليس لواحد منهم مزية تقديم: فإنهم ينقصون على قدر استحقاقهم. وذلك في الهبات والوصايا والأوقاف وغيرها، كما أن الزائد لهم بقدر أملاكهم واستحقاقهم.
ويدل الحديث أنه إذا لم يوجد صاحب فرض، فالمال كله للعصبات على حسب الترتيب السابق.
وكذلك يدل على أنه إذا لم يوجد إلا أصحاب الفروض، ولم يوجد عاصب، فإنه يرد عليهم على قدر فروضهم، كما تعال عليهم ; لأن من حكمة فرض الفروض وتقديرها: أن تبقى البقية للعاصب. فإذا لم يوجد رد على المستحقين لعدم المزاحم.
ويدل الحديث على صحة الوصية لغير الوارث. ولكن في ذلك تفصيل: إن كان الموصي غنيا ويدع ورثته أغنياء، استحبت. وإن كان فقيرا وورثته يحتاجون جميع ميراثه، لفقرهم أو كثرتهم، فالأولى له أن لا يوصي، بل يدع ماله لورثته.
وأما الوصية للوارث، فالحديث دل على منعها. وعلل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حقه، فلا وصية لوارث» .
فمن أوصى لوارث فقد تعدى حدود الله، وفضل بعض الورثة على بعض. وسواء وقع ذلك على وجه الوصية أو الهبة للوارث، كما هو اتفاق العلماء، أو على وجه الوقف لثلثه على بعض ورثته.
وشذ بعضهم في هذه المسألة، فأجازها. وهو مناف للفظ الحديث ومعناه.