الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حديث عائشة: فإن قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» - أو «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رد» فيدل بالمنطوق وبالمفهوم.
أما منطوقه: فإنه يدل على أن كل بدعة أحدثت في الدين ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة، سواء كانت من البدع القولية الكلامية، كالتجهم والرفض والاعتزال وغيرها، أو من البدع العملية كالتعبد لله بعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله، فإن ذلك كله مردود على أصحابه، وأهله مذمومون بحسب بدعهم وبعدها عن الدين. فمن أخبر بغير ما أخبر الله به ورسوله، أو تعبد بشيء لم يأذن الله به ورسوله ولم يشرعه فهو مبتدع، ومن حرم المباحات، أو تعبد بغير الشرعيات فهو مبتدع.
وأما مفهوم هذا الحديث: فإن من عمل عملا، عليه أمر الله ورسوله - وهو التعبد لله بالعقائد الصحيحة، والأعمال الصالحة: من واجب ومستحب: فعمله مقبول، وسعيه مشكور.
ويستدل بهذا الحديث على أن كل عبادة فعلت على وجه منهي عنه فإنها فاسدة ; لأنه ليس عليها أمر الشارع، وأن النهي يقتضي الفساد. وكل معاملة نهى الشارع عنها فإنها لاغية لا يعتد بها.
[حديث الدين النصيحة
. . .]
الحديث الثالث عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم.
كرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة اهتماما للمقام، وإرشادا للأمة أن يعلموا حق العلم أن الدين كله - ظاهره وباطنه - منحصر في النصيحة. وهي القيام التام بهذه الحقوق الخمسة.
فالنصيحة لله: الاعتراف بوحدانية الله، وتفرده بصفات الكمال على وجه لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه، والقيام بعبوديته ظاهرا وباطنا، والإنابة إليه كل وقت بالعبودية، والطلب رغبة ورهبة مع التوبة والاستغفار الدائم؛ لأن العبد لا بد له من التقصير في شيء من واجبات الله، أو التجرؤ على بعض المحرمات. وبالتوبة الملازمة والاستغفار الدائم ينجبر نقصه، ويتم عمله وقوله.
وأما النصيحة لكتاب الله: فبحفظه وتدبره، وتعلم ألفاظه ومعانيه والاجتهاد في العمل به في نفسه وفي غيره.
وأما النصيحة للرسول فهي الإيمان به ومحبته. وتقديمه فيها على النفس والمال والولد، واتباعه في أصول الدين وفروعه، وتقديم قوله على قول كل أحد، والاجتهاد في الاهتداء بهديه، والنصر لدينه.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين - وهم ولاتهم، من الإمام الأعظم إلى الأمراء والقضاة إلى جميع من لهم ولاية عامة أو خاصة -: فباعتقاد ولايتهم، والسمع والطاعة لهم، وحث الناس على ذلك، وبذل ما يستطيعه من إرشادهم، وتنبيههم إلى كل ما ينفعهم وينفع الناس، وإلى القيام بواجبهم.
وأما النصيحة لعامة المسلمين: فبأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويسعى في ذلك بحسب الإمكان، فإن من أحب شيئا سعى