الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما النوع الثاني، فهو الحسب الحقيقي الذي هو وصف للعبد، وجمال له وزينة، وخير في الدنيا والدين، وهو حسن الخلق المحتوي على الحلم الواسع، والصبر والعفو، وبذل المعروف والإحسان، واحتمال الإساءة والأذى، ومخالقة طبقات الناس بخلق حسن.
وإن شئت فقل: حسن الخلق نوعان:
الأول: حسن الخلق مع الله، وهو أن تتلقى أحكامه الشرعية والقدرية بالرضى والتسليم لحكمه، والانقياد لشرعه، بطمأنينة ورضى، وشكر لله على ما أنعم به: من الأمر والتوفيق، والصبر على أقداره المؤلمة والرضى بها.
الثاني: حسن الخلق مع الخلق، وهو بذل الندى، واحتمال الأذى، وكف الأذى، كما قال تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]
فمن قام بحسن الخلق مع الله ومع الخلق، فقد نال الخير والفلاح. والله أعلم.
[حديث جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي فقال لا تغضب
. . .]
الحديث الحادي والسبعون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي. فَقَالَ: لَا تَغْضَبْ. ثُمَّ رَدَّدَ مِرَارًا فَقَالَ: لا تغضب» . رواه البخاري.
هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي، وهو يريد أن يوصيه النبي صلى الله عليه وسلم بكلام كلي، ولهذا ردد. فلما أعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، عرف أن هذا كلام جامع
، وهو كذلك؛ فإن قوله:«لا تغضب» يتضمن أمرين عظيمين:
أحدهما: الأمر بفعل الأسباب، والتمرن على حسن الخلق، والحلم والصبر، وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخَلق، من الأذى القولي والفعلي. فإذا وفق لها العبد، وورد عليه وارد الغضب، احتمله بحسن خلقه، وتلقاه بحلمه وصبره، ومعرفته بحسن عواقبه، فإن الأمر بالشيء أمر به، وبما لا يتم إلا به، والنهي عن الشيء أمر بضده، وأمر بفعل الأسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه، وهذا منه.
الثاني: الأمر - بعد الغضب - أن لا ينفذ غضبه: فإن الغضب غالبا لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده، ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه. فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه من الأقوال والأفعال المحرمة التي يقتضيها الغضب.
فمتى منع نفسه من فعل آثار الغضب الضارة، فكأنه في الحقيقة لم يغضب. وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية، والقوة القلبية، كما قال صلى الله عليه وسلم:«ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» .
فكمال قوة العبد: أن يمتنع من أن تؤثر فيه قوة الشهوة وقوة الغضب الآثار السيئة، بل يصرف هاتين القوتين إلى تناول ما ينفع في الدين والدنيا، وإلى دفع ما يضر فيهما.
فخير الناس من كانت شهوته وهواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وغضبه ومدافعته في نصر الحق على الباطل.
وشر الناس: من كان صريع شهوته وغضبه. ولا حول ولا قوة إلا بالله. .