المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد] - بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة

[عبد الرحمن السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[حديث إنما الأعمال بالنيات

- ‌[حديث مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ منه فهو رد]

- ‌[حديث الدين النصيحة

- ‌[حديث مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهل الجنة فلينظر إلى هذا]

- ‌[حديث. . . قل آمنت بالله ثم استقم]

- ‌[حديث الْمُسلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ

- ‌[حديث أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا

- ‌[حديث يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا من خلق كذا

- ‌[حديث كل شيء بقدر حتى العجز والكيس]

- ‌[حديث مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأجر مثل أجور من تبعه]

- ‌[حديث مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدين]

- ‌[حديث الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ المؤمن الضعيف]

- ‌[حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا]

- ‌[حديث اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ما شاء]

- ‌[حديث أنزلوا الناس منازلهم]

- ‌[حديث مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شق]

- ‌[حديث اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تمحها]

- ‌[حديث الظلم ظلمات يوم القيامة]

- ‌[حديث انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تنظروا إلى من هو فوقكم]

- ‌[حديث لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حتى يتوضأ]

- ‌[حديث عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ

- ‌[حديث الماء طهور لا ينجسه شيء]

- ‌[حديث إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ والطوافات]

- ‌[حديث الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رمضان مكفرات لما بينهن

- ‌[حديث صلوا كما رأيتموني أصلي]

- ‌[حديث أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قبلي

- ‌[حديث أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌[حديث إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلا غلبه

- ‌[حديث حق المسلم على المسلم ست]

- ‌[حديث إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ ما كان يعمل صحيحا مقيما]

- ‌[حديث أسرعوا بالجنازة

- ‌[حديث لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صدقة]

- ‌[حديث ومن يستعفف يعفه الله]

- ‌[حديث ما نقصت صدقة من مال]

- ‌[حديث كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إلا الصوم

- ‌[حديث إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فقد آذنته بالحرب]

- ‌[حديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا]

- ‌[حديث نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر]

- ‌[حديث الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حلالا أو أحل حراما

- ‌[حديث مطل الغني ظلم]

- ‌[حديث على اليد ما أخذت حتى تؤديه]

- ‌[حديث قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم]

- ‌[حديث يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أحدهما صاحبه]

- ‌[حديث إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثلاث صدقة جارية

- ‌[حديث مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مسلم فهو له]

- ‌[حديث ألحقوا الفرائض بأهلها]

- ‌[حديث إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حقه فلا وصية لوارث]

- ‌[حديث ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب يريد الأداء

- ‌[حديث يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ]

- ‌[حديث لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤِمْنِةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خلقا رضي منها آخر]

- ‌[حديث لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها

- ‌[حديث من نذر أن يطيع الله فليطعه

- ‌[حديث المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم

- ‌[حديث مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضامن]

- ‌[حديث ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم]

- ‌[حديث لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المعروف]

- ‌[حديث إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ

- ‌[حديث لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قوم وأموالهم]

- ‌[حديث لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا مجلود حدا

- ‌[حديث مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فكل]

- ‌[حديث إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة

- ‌[حديث حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم خيبر الحمر الإنسية ولحوم البغال

- ‌[حديث لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرجال]

- ‌[حديث مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شفاء]

- ‌[حديث الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ]

- ‌[حديث مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يعنيه]

- ‌[حديث مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ مِنْ نُحْلٍ أَفْضَلَ من أدب حسن]

- ‌[حديث مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ ونافخ الكير

- ‌[حديث لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين]

- ‌[حديث لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ وَلَا حَسَبَ كحسن الخلق]

- ‌[حديث جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي فقال لا تغضب

- ‌[حديث لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مثقال ذرة من كبر]

- ‌[حديث قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ الله بما آتاه]

- ‌[حديث إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ

- ‌[حديث هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم]

- ‌[حديث يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يدخلان الجنة

- ‌[حديث لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه]

- ‌[حديث إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فيها

- ‌[حديث الإيمان بضع وسبعون شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌[حديث مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليس بينه وبينه ترجمان

- ‌[حديث دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم

- ‌[حديث مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ]

- ‌[حديث مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وينسأ له في أثره فليصل رحمه]

- ‌[حديث المرء مع من أحب]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سفر كبر ثلاثا

- ‌[حديث خذوا عني مناسككم]

- ‌[حديث قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ]

- ‌[حديث لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ]

- ‌[حديث اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى]

- ‌[حديث مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر]

- ‌[حديث إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا به شيئا

- ‌[حديث. . . خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بنيك]

- ‌[حديث لَا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ]

- ‌[حديث كل واشرب والبس وتصدق من غير سرف ولا مخيلة]

- ‌[حديث. . . أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ أو يحبه الناس عليه

- ‌[حديث رِضَى اللَّهِ فِي رِضَى الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ في سخط الوالدين]

- ‌[حديث ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ المسلمين

- ‌[حديث إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ لَا تَكَادُ تَجِدُ فيها راحلة]

- ‌[حديث يِأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الْقَابِضُ عَلَى دِينِهِ كالقابض على الجمر]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[حديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد]

‌[حديث إنما الأعمال بالنيات

. . .]

الحديث الأول عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى ما هاجر إليه» متفق عليه.

[حديث مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ منه فهو رد]

الحديث الثاني عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ» - وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنا - فهو رد» متفق عليه.

هذان الحديثان العظيمان يدخل فيهما الدين كله، أصوله وفروعه، ظاهره وباطنه. فحديث عمر ميزان للأعمال الباطنة، وحديث عائشة ميزان للأعمال الظاهرة.

ففيهما الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول اللذان هما شرط لكل قول وعمل، ظاهر وباطن. فمن أخلص أعماله لله متبعا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الذي عمله مقبول، ومن فقد الأمرين أو أحدهما فعمله مردود، داخل في قول الله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]

والجامع للوصفين داخل في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125] الآية، [النساء: 125] . {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112]

ص: 5

أما النية: فهي القصد للعمل تقربا إلى الله، وطلبا لمرضاته وثوابه. فيدخل في هذا: نية العمل، ونية المعمول له.

أما نية العمل: فلا تصح الطهارة بأنواعها، ولا الصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع العبادات إلا بقصدها ونيتها، فينوي تلك العبادة المعينة. وإذا كانت العبادة تحتوي على أجناس وأنواع، كالصلاة، منها الفرض، والنفل المعين، والنفل المطلق. فالمطلق منه يكفي فيه أن ينوي الصلاة. وأما المعين من فرض أو نفل معين - كوتر أو راتبة، فلا بد مع نية الصلاة أن ينوي ذلك المعين. وهكذا بقية العبادات.

ولا بد أيضا أن يميز العادة عن العبادة. فمثلا الاغتسال يقع نظافة أو تبردا، ويقع عن الحدث الأكبر، وعن غسل الميت وللجمعة. . ونحوها، فلا بد أن ينوي فيه رفع الحدث، أو ذلك الغسل المستحب. وكذلك يخرج الإنسان الدراهم مثلا للزكاة، أو للكفارة، أو للنذر، أو للصدقة المستحبة، أو هدية. فالعبرة في ذلك كله على النية.

ومن هذا: حيل المعاملات إذا عامل معاملة ظاهرها وصورتها الصحة، ولكنه يقصد بها التوسل إلى معاملة ربوية، أو يقصد بها إسقاط واجب، أو توسلا إلى محرم، فإن العبرة بنيته وقصده، لا بظاهر لفظه فإنما الأعمال بالنيات. وذلك بأن يضم إلى أحد العوضين ما ليس بمقصود، أو يضم إلى العقد عقدا غير مقصود. قاله شيخ الإسلام.

وكذلك شرط الله في الرجعة وفي الوصية: أن لا يقصد العبد فيهما المضارة.

ص: 6

ويدخل في ذلك جميع الوسائل التي يتوسل بها إلى مقاصدها، فإن الوسائل لها أحكام المقاصد، صالحة أو فاسدة، والله يعلم المصلح من المفسد.

وأما نية المعمول له: فهو الإخلاص لله في كل ما يأتي العبد وما يذر، وفي كل ما يقول ويفعل، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]

وقال: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3]

وذلك أن على العبد أن ينوي نية كلية شاملة لأموره كلها، مقصودا بها وجه الله، والتقرب إليه، وطلب ثوابه، واحتساب أجره، والخوف من عقابه. ثم يستصحب هذه النية في كل فرد من أفراد أعماله وأقواله، وجميع أحواله، حريصا فيه على تحقيق الإخلاص وتكميله، ودفع كل ما يضاده: من الرياء والسمعة، وقصد المحمدة عند الخلق، ورجاء تعظيمهم، بل إن حصل شيء من ذلك فلا يجعله العبد قصده، وغاية مراده، بل يكون القصد الأصيل منه وجه الله، وطلب ثوابه من غير التفات للخلق، ولا رجاء لنفعهم أو مدحهم. فإن حصل شيء من ذلك دون قصد من العبد لم يضره شيئا، بل قد يكون من عاجل بشرى المؤمن.

فقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أي: إنها لا تحصل ولا تكون إلا بالنية، وأن مدارها على النية. ثم قال:«وإنما لكل امرئ ما نوى» أي: إنها تكون بحسب نية العبد صحتها أو فسادها، كمالها أو نقصانها، فمن نوى فعل الخير وقصد به المقاصد العليا - وهي ما يقرب إلى الله - فله من الثواب والجزاء الجزاء الكامل الأوفى. ومن نقصت نيته وقصده، نقص ثوابه، ومن توجهت نيته إلى غير هذا المقصد الجليل، فاته الخير، وحصل على ما نوى من

ص: 7

المقاصد الدنيئة الناقصة.

ولهذا ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالا ليقاس عليه جميع الأمور، فقال:«فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهجْرَتُهُ إلى الله ورسوله» أي: حصل له ما نوى، ووقع أجره على الله «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» خص فيه المرأة التي يتزوجها بعدما عم جميع الأمور الدنيوية لبيان أن جميع ذلك غايات دنيئة، ومقاصد غير نافعة.

وكذلك حين سئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، أو حمية، أو ليرى مقامه في صف القتال " أي ذلك في سبيل الله؟ " فقال:«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» وقال تعالى في اختلاف الإنفاق بحسب النيات: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [البقرة: 265] وقال: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 38]

وهكذا جميع الأعمال.

والأعمال إنما تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص، حتى إن صاحب النية الصادقة - وخصوصا إذا اقترن بها ما يقدر عليه من العمل - يلتحق صاحبها بالعامل، قال تعالى:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]

وفي الصحيح مرفوعا «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ ما كان يعمل صحيحا مقيما» ، «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم - أي: في نياتهم وقلوبهم وثوابهم - حبسهم العذر» وإذا هم

ص: 8

العبد بالخير، ثم لم يقدر له العمل، كتبت همته ونيته له حسنة كاملة.

والإحسان إلى الخلق بالمال والقول والفعل خير وأجر وثواب عند الله، ولكنه يعظم ثوابه بالنية. قال تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]

أي: فإنه خير، ثم قال:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114] فرتب الأجر العظيم على فعل ذلك ابتغاء مرضاته. وفي البخاري مرفوعا: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» فانظر كيف جعل النية الصالحة سببا قويا للرزق وأداء الله عنه، وجعل النية السيئة سببا للتلف والإتلاف.

وكذلك تجري النية في المباحات والأمور الدنيوية، فإن من قصد بكسبه وأعماله الدنيوية والعادية الاستعانة بذلك على القيام بحق الله وقيامه بالواجبات والمستحبات، واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه ونومه وراحاته ومكاسبه: انقلبت عاداته عبادات، وبارك الله للعبد في أعماله، وفتح له من أبواب الخير والرزق أمورا لا يحتسبها ولا تخطر له على بال. ومن فاتته هذه النية الصالحة لجهله أو تهاونه، فلا يلومن إلا نفسه. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إنك لن تعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليه، حتى ما تجعله في في امرأتك» .

فعلم بهذا: أن هذا الحديث جامع لأمور الخير كلها. فحقيق بالمؤمن الذي يريد نجاة نفسه ونفعها أن يفهم معنى هذا الحديث، وأن يكون العمل به نصب عينيه في جميع أحواله وأوقاته.

ص: 9