الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم]
الحديث الخامس والسبعون عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بضعفائكم» ؟) . رواه البخاري.
فهذا الحديث فيه: أنه لا ينبغي للأقوياء القادرين أن يستهينوا بالضعفاء العاجزين، لا في أمور الجهاد والنصرة، ولا في أمور الرزق وعجزهم عن الكسب.
بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قد يحدث النصر على الأعداء وبسط الرزق بأسباب الضعفاء، بتوجههم ودعائهم، واستنصارهم واسترزاقهم.
وذلك: أن الأسباب التي تحصل بها المقاصد نوعان.
نوع يشاهد بالحس، وهو القوة بالشجاعة القولية والفعلية، وبحصول الغنى والقدرة على الكسب. وهذا النوع هو الذي يغلب على قلوب أكثر الخلق، ويعلقون به حصول النصر والرزق، حتى وصلت الحال بكثير من أهل الجاهلية أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر، ووصلت بغيرهم إلى أن يتضجروا بعوائلهم الذين عدم كسبهم، وفقدت قوتهم، وهذا كله قصر نظر، وضعف إيمان، وقلة ثقة بوعد الله وكفايته، ونظر للأمور على غير حقيقتها.
النوع الثاني: أسباب معنوية، وهي قوة التوكل على الله في حصول المطالب الدينية والدنيوية، وكمال الثقة به، وقوة التوجه إليه والطلب منه.
وهذه الأمور تقوي جدا من الضعفاء العاجزين الذين ألجأتهم الضرورة إلى أن يعلموا حق العلم، أن كفايتهم ورزقهم ونصرهم من عند الله، وأنهم
في غاية العجز. فانكسرت قلوبهم، وتوجهت إلى الله، فأنزل لهم من نصره ورزقه - من دفع المكاره، وجلب المنافع - ما لا يدركه القادرون. ويسر للقادرين بسببهم من الرزق ما لم يكن لهم في حساب؛ فإن الله جعل لكل أحد رزقا مقدرا.
وقد جعل أرزاق هؤلاء العاجزين على يد القادرين، وأعان القادرين على ذلك، وخصوصا من قويت ثقتهم بالله، واطمأنت نفوسهم لثوابه فإن الله يفتح لهؤلاء من أسباب النصر والرزق ما لم يكن لهم ببال، ولا دار لهم في خيال.
فكم من إنسان كان رزقه مقترا، فلما كثرت عائلته والمتعلقون به، وسع الله له الرزق من جهات وأسباب شرعية قدرية إلهية.
ومن جهة وعد الله الذي لا يخلف: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39]
ومن جهة: دعاء الملائكة كل صباح يوم: «اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلقا» .
ومن جهة أن أرزاق هؤلاء الضعفاء توجهت إلى من قام بهم، وكانت على يده.
ومن جهة أن يد المعطي هي العليا من جميع الوجوه.
ومن جهة أن المعونة من الله تأتي على قدر المؤنة، وأن البركة تشارك كل ما كان لوجهه، ومرادا به ثوابه. ولهذا نقول:
ومن جهة إخلاص العبد لله، وتقربه إليه بقلبه ولسانه ويده، كلما أنفق، توجه إلى الله وتقرب إليه. وما كان له فهو مبارك.
ومن جهة قوة التوكل، وثقة المنفق، وطمعه في فضل الله وبره. والطمع والرجاء من أكبر الأسباب لحصول المطلوب.
ومن جهة دعاء المستضعفين المنفق عليهم، فإنهم يدعون الله - إن قاموا