المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم - بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة

[عبد الرحمن السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[حديث إنما الأعمال بالنيات

- ‌[حديث مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ منه فهو رد]

- ‌[حديث الدين النصيحة

- ‌[حديث مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهل الجنة فلينظر إلى هذا]

- ‌[حديث. . . قل آمنت بالله ثم استقم]

- ‌[حديث الْمُسلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ

- ‌[حديث أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا

- ‌[حديث يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا من خلق كذا

- ‌[حديث كل شيء بقدر حتى العجز والكيس]

- ‌[حديث مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأجر مثل أجور من تبعه]

- ‌[حديث مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدين]

- ‌[حديث الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ المؤمن الضعيف]

- ‌[حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا]

- ‌[حديث اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ما شاء]

- ‌[حديث أنزلوا الناس منازلهم]

- ‌[حديث مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شق]

- ‌[حديث اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تمحها]

- ‌[حديث الظلم ظلمات يوم القيامة]

- ‌[حديث انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تنظروا إلى من هو فوقكم]

- ‌[حديث لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حتى يتوضأ]

- ‌[حديث عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ

- ‌[حديث الماء طهور لا ينجسه شيء]

- ‌[حديث إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ والطوافات]

- ‌[حديث الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رمضان مكفرات لما بينهن

- ‌[حديث صلوا كما رأيتموني أصلي]

- ‌[حديث أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قبلي

- ‌[حديث أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌[حديث إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلا غلبه

- ‌[حديث حق المسلم على المسلم ست]

- ‌[حديث إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ ما كان يعمل صحيحا مقيما]

- ‌[حديث أسرعوا بالجنازة

- ‌[حديث لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صدقة]

- ‌[حديث ومن يستعفف يعفه الله]

- ‌[حديث ما نقصت صدقة من مال]

- ‌[حديث كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إلا الصوم

- ‌[حديث إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فقد آذنته بالحرب]

- ‌[حديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا]

- ‌[حديث نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر]

- ‌[حديث الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حلالا أو أحل حراما

- ‌[حديث مطل الغني ظلم]

- ‌[حديث على اليد ما أخذت حتى تؤديه]

- ‌[حديث قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم]

- ‌[حديث يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أحدهما صاحبه]

- ‌[حديث إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثلاث صدقة جارية

- ‌[حديث مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مسلم فهو له]

- ‌[حديث ألحقوا الفرائض بأهلها]

- ‌[حديث إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حقه فلا وصية لوارث]

- ‌[حديث ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب يريد الأداء

- ‌[حديث يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ]

- ‌[حديث لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤِمْنِةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خلقا رضي منها آخر]

- ‌[حديث لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها

- ‌[حديث من نذر أن يطيع الله فليطعه

- ‌[حديث المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم

- ‌[حديث مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضامن]

- ‌[حديث ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم]

- ‌[حديث لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المعروف]

- ‌[حديث إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ

- ‌[حديث لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قوم وأموالهم]

- ‌[حديث لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا مجلود حدا

- ‌[حديث مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فكل]

- ‌[حديث إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة

- ‌[حديث حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم خيبر الحمر الإنسية ولحوم البغال

- ‌[حديث لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرجال]

- ‌[حديث مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شفاء]

- ‌[حديث الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ]

- ‌[حديث مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يعنيه]

- ‌[حديث مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ مِنْ نُحْلٍ أَفْضَلَ من أدب حسن]

- ‌[حديث مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ ونافخ الكير

- ‌[حديث لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين]

- ‌[حديث لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ وَلَا حَسَبَ كحسن الخلق]

- ‌[حديث جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي فقال لا تغضب

- ‌[حديث لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مثقال ذرة من كبر]

- ‌[حديث قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ الله بما آتاه]

- ‌[حديث إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ

- ‌[حديث هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم]

- ‌[حديث يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يدخلان الجنة

- ‌[حديث لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه]

- ‌[حديث إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فيها

- ‌[حديث الإيمان بضع وسبعون شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌[حديث مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليس بينه وبينه ترجمان

- ‌[حديث دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم

- ‌[حديث مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ]

- ‌[حديث مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وينسأ له في أثره فليصل رحمه]

- ‌[حديث المرء مع من أحب]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سفر كبر ثلاثا

- ‌[حديث خذوا عني مناسككم]

- ‌[حديث قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ]

- ‌[حديث لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ]

- ‌[حديث اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى]

- ‌[حديث مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر]

- ‌[حديث إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا به شيئا

- ‌[حديث. . . خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بنيك]

- ‌[حديث لَا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ]

- ‌[حديث كل واشرب والبس وتصدق من غير سرف ولا مخيلة]

- ‌[حديث. . . أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ أو يحبه الناس عليه

- ‌[حديث رِضَى اللَّهِ فِي رِضَى الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ في سخط الوالدين]

- ‌[حديث ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ المسلمين

- ‌[حديث إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ لَا تَكَادُ تَجِدُ فيها راحلة]

- ‌[حديث يِأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الْقَابِضُ عَلَى دِينِهِ كالقابض على الجمر]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[حديث دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم

ورودها، فهل إلى صدوره منها سبيل؟ لا سبيل إلى ذلك إلا برحمة الله، وبما قدمت يداه من الأعمال المنجية منها.

ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على اتقاء النار ولو بالشيء اليسير، كشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة.

وفي هذا الحديث: أن من أعظم المنجيات من النار، الإحسان إلى الخلق بالمال والأقوال، وأن العبد لا ينبغي له أن يحتقر من المعروف ولو شيئا قليلا، والكلمة الطيبة تشمل النصيحة للخلق بتعليمهم ما يجهلون، وإرشادهم إلى مصالحهم الدينية والدنيوية.

وتشمل الكلام المسر للقلوب، الشارح للصدور، المقارن للبشاشة والبشر، وتشمل الذكر لله والثناء عليه، وذكر أحكامه وشرائعه.

فكل كلام يقرب إلى الله ويحصل به النفع لعباد الله، فهو داخل في الكلمة الطيبة، قال تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وقال تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46] والله أعلم.

‌[حديث دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم

. . .]

الحديث الحادي والثمانون عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا منه ما استطعتم» . متفق عليه.

ص: 163

هذه الأسئلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها: هي التي نهى الله عنها في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]

وهي الأسئلة عن أشياء من أمور الغيب، أو من الأمور التي عفا الله عنها، فلم يحرمها ولم يوجبها، فيسأل السائل عنها وقت نزول الوحي والتشريع، فربما وجبت بسبب السؤال، وربما حرمت كذلك، فيدخل السائل في قوله صلى الله عليه وسلم:«أعظم المسلمين جرما: من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته» .

وكذلك ينهى العبد عن سؤال التعنت والأغلوطات، وينهى أيضا عن أن يسأل عن الأمور الطفيفة غير المهمة، ويدع السؤال عن الأمور المهمة، فهذه الأسئلة وما أشبهها هي التي نهى الشارع عنها.

وأما السؤال على وجه الاسترشاد عن المسائل الدينية من أصول وفروع، عبادات أو معاملات، فهي مما أمر الله بها ورسوله، ومما حث عليها، وهي الوسيلة لتعلم العلوم، وإدراك الحقائق، قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]

إلى غيرها من الآيات. وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ به خيرا يفقهه في الدين» وذلك بسلوك طريق التفقه في الدين دراسة وتعلما وسؤالا، وقال:«ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال» .

وقد أمر الله بالرفق بالسائل، وإعطائه مطلوبه، وعدم التضجر منه. وقال في سورة الضحى:{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10] فهذا يشمل

ص: 164

السائل عن العلوم النافعة والسائل لما يحتاجه من أمور الدنيا، من مال وغيره.

ومما يدخل في هذا الحديث: السؤال عن كيفية صفات الباري، فإن الأمر في الصفات كلها كما قال الإمام مالك لمن سأله عن كيفية الاستواء على العرش؟ فقال:" الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ".

فمن سأل عن كيفية علم الله، أو كيفية خلقه وتدبيره، قيل له: فكما أن ذات الله تعالى لا تشبهها الذوات، فصفاته لا تشبهها الصفات، فالخلق يعرفون الله، ويعرفون ما تعرف لهم به من صفاته وأفعاله، وأما كيفية ذلك، فلا يعلم تأويله إلا الله.

ثم ذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أصلين عظيمين:

أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا نهيتكم عنه فاجتنبوه» فكل ما نهى عنه النبي من الأقوال والأفعال، الظاهرة والباطنة، وجب تركه، والكف عنه، امتثالا وطاعة لله ورسوله.

ولم يقل في النهي: " ما استطعتم " لأن النهي طلب كف النفس، وهو مقدور لكل أحد، فكل أحد يقدر على ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله، ولم يضطر العباد إلى شيء من المحرمات المطلقة، فإن الحلال واسع، يسع جميع الخلق في عباداتهم ومعاملاتهم، وجميع تصرفاتهم.

وأما إباحة الميتة والدم ولحم الخنزير للمضطر، فإنه في هذه الحالة الملجئة إليه قد صار من جنس الحلال ; فإن الضرورات تبيح المحظورات، فتصيرها الضرورة مباحة ; لأنه تعالى إنما حرم المحرمات حفظا لعباده، وصيانة لهم

ص: 165

عن الشرور والمفاسد، ومصلحة لهم، فإذا قاوم ذلك مصلحة أعظم - وهو بقاء النفس - قدمت هذه على تلك رحمة من الله وإحسانا.

وليست الأدوية من هذا الباب، فإن الدواء لا يدخل في باب الضرورات، فإن الله تعالى يشفي المبتلى بأسباب متنوعة، لا تتعين في الدواء. وإن كان الدواء يغلب على الظن الشفاء به، فإنه لا يحل التداوي بالمحرمات، كالخمر وألبان الحمر الأهلية، وأصناف المحرمات، بخلاف المضطر إلى أكل الميتة، فإنه يتيقن أنه إذا لم يأكل منها يموت.

الأصل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وهذا أصل كبير، دل عليه أيضا قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]

فأوامر الشريعة كلها معلقة بقدرة العبد واستطاعته. فإذا لم يقدر على واجب من الواجبات بالكلية، سقط عنه وجوبه. وإذا قدر على بعضه - وذلك البعض عبادة - وجب ما يقدر عليه منه، وسقط عنه ما يعجز عنه.

ويدخل في هذا من مسائل الفقه والأحكام ما لا يعد ولا يحصى. فيصلي المريض قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع صلى على جنبه، فإن لم يستطع الإيماء برأسه، أومأ بطرفه. ويصوم العبد ما دام قادرا عليه. فإن أعجزه مرض لا يرجى زواله، أطعم عنه كل يوم مسكينا، وإن كان مرضا يرجى زواله، أفطر، وقضى عدته من أيام أخر.

ومن ذلك من عجز عن سترة الصلاة الواجبة، أو عن الاستقبال أو توقي النجاسة: سقط عنه ما عجز عنه. وكذلك بقية شروط الصلاة وأركانها، وشروط الطهارة، ومن تعذرت عليه الطهارة بالماء للعدم، أو للضرر في جميع

ص: 166

الطهارة، أو بعضها، عدل إلى طهارة التيمم.

والمعضوب في الحج، عليه أن يستنيب من يحج عنه، إذا كان قادرا على ذلك بماله.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجب على من قدر عليه باليد، ثم باللسان ثم بالقلب.

وليس على الأعمى والأعرج والمريض حرج في ترك العبادات التي يعجزون عنها، أو تشق عليهم مشقة غير محتملة.

ومن عليه نفقة واجبة، وعجز عن جميعها، بدأ بزوجته، فرقيقه، فالولد، فالوالدين، فالأقرب ثم الأقرب. وكذلك الفطرة.

وهكذا جميع ما أمر به العبد أمر إيجاب أو استحباب، إذا قدر على بعضه، وعجز عن باقيه، وجب عليه ما يقدر عليه، وسقط عنه ما عجز عنه. وكلها داخلة في هذا الحديث.

ومسائل القرعة لها دخول في هذا الأصل؛ لأن الأمور إذا اشتبهت: لمن هي؟ ومن أحق بها؟ رجعنا إلى المرجحات. فإن تعذر الترجيح من كل وجه، سقط هذا الواجب للعجز عنه، وعدل إلى القرعة التي هي غاية ما يمكن. وهي مسائل كثيرة معروفة في كتب الفقه.

والولايات كلها - صغارها وكبارها - تدخل تحت هذا الأصل، فإن كل ولاية يجب فيها تولية المتصف بالأوصاف التي يحصل بها مقصود الولاية. فإن تعذرت كلها، وجب فيها تولية الأمثل فالأمثل.

وكما يستدل على هذا الأصل بتلك الآية وذلك الحديث، فإنه يستدل

ص: 167

عليها بالآيات والأحاديث التي نفى الله ورسوله فيها الحرج عن الأمة، كقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]

{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28]

فالتخفيفات الشرعية في العبادات وغيرها بجميع أنواعها داخلة في هذا الأصل، مع ما يستدل على هذا بما لله تعالى من الأسماء والصفات المقتضية لذلك، كالحمد والحكمة، والرحمة الواسعة، واللطف والكرم والامتنان. فإن آثار هذه الأسماء الجليلة الجميلة كما هي سابغة وافرة واسعة في المخلوقات والتدبيرات، فهي كذلك في الشرائع، بل أعظم لأنها هي الغاية في الخلق. وهي الوسيلة العظمى للسعادة الأبدية.

فالله تعالى خلق المكلفين ليقوموا بعبوديته. وجعل عبوديته والقيام بشرعه طريقا إلى نيل رضاه وكرامته. كما قال تعالى - بعد ما شرع الطهارة بأنواعها - {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]

فظهرت آثار رحمته ونعمته في الشرعيات والمباحات، كما ظهرت في الموجودات. فله تعالى أتم الحمد وأعلاه، وأوفر الشكر والثناء وأعلاه، وغاية الحب والتعظيم ومنتهاه. وبالله التوفيق.

ص: 168