الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقعدوا، وفي كل أحوالهم - لمن قام بكفايتهم. والدعاء سبب قوي:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]
وكل هذا مجرب مشاهد، فتبا للمحرومين، وما أجل ربح الموفقين، والله أعلم.
[حديث يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يدخلان الجنة
. . .]
الحديث السادس والسبعون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْلِمُ فيستشهد» متفق عليه.
هذا الحديث يدل على تنوع كرم الكريم، وأن كرمه وفضله متنوع من وجوه لا تعد ولا تحصى، ولا يدخل في عقول الخلق وخواطرهم.
فهذان الرجلان اللذان قتل أحدهما الآخر قيض الله لكل منهما من فضله وكرمه سببا أوصله إلى الجنة.
فالأول: قاتل في سبيله، وأكرمه الله على يد الرجل الآخر - الذي لم يسلم بعد - بالشهادة التي هي أعلى المراتب، بعد مرتبة الصديقين، وغرضه في جهاده إعلاء كلمة الله، والتقرب إلى ربه بذلك. فأجره على الله، وليس له على القاتل حق، فثبت أجره على الله.
وأما الآخر: فإن الله تعالى جعل باب التوبة مفتوحا لكل من أراد التوبة بالإسلام وما دونه، ولم يجعل ذنبا من الذنوب مانعا من قبول التوبة، كما قال تعالى في حق التائبين:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]
فلما
أسلم وتاب محا الله عنه الكفر وآثاره، ثم من عليه بالشهادة، فدخل الجنة، كأخيه الذي قتله وأكرمه على يده، ولم يهنه على يد أخيه بقتله، وهو كافر.
فهذا الضحك من الباري يدل على غاية كرمه وجوده، وتنوع بره. وهذا الضحك الوارد في هذا الحديث وفي غيره من النصوص كغيره من صفات الله. على المؤمن أن يعترف بذلك ويؤمن به، وأنه حق على حقيقته، وأن صفاته صفات كمال، ليس له فيها مثل، ولا شبه ولا ند.
فكما أن لله ذاتا لا تشبهها الذوات فله تعالى صفات لا تشبهها الصفات، وكلها صفات حمد ومجد وتعظيم وجلال وجمال وكمال. فنؤمن بما جاء به الكتاب والسنة من صفات ربنا، ونعلم أنه لا يتم الإيمان والتوحيد إلا بإثباتها على وجه يليق بعظمة الله وكبريائه ومجده.
وهذا الحديث من جملة الأحاديث المرغبة في الدخول في الإسلام وفتح أبواب التوبة بكل وسيلة، فإن الإسلام يجب ما قبله، وما عمله الإنسان في حال كفره، وقد أسلم على ما أسلف، حتى الرقاب التي قتلها نصرا لباطله، والأموال التي استولى عليها من أجل ذلك ; كل ذلك معفو عنه بعد الإسلام.
وقولنا: " من أجل ذلك " احتراز عن الحقوق التي اقتضتها المعاملات بين المسلمين والكفار، فإن الكافر إذا أسلم وعليه حقوق وديون وأعيان أخذها وحصلت له بسبب المعاملة، فإن الإسلام لا يسقطها؛ لأنها معاملات مشتركة بين الناس، برهم وفاجرهم، مسلمهم وكافرهم، بخلاف القسم الأول، فإن كلا من الطرفين - المسلمين والكفار - إذا حصل الحرب، وترتب عليه قتل وأخذ مال، لا يرد إلا طوعا، وتبرعا ممن وصل إليه، والله أعلم.