الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حوادث] سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة
فِي ربيعٍ الآخر، وقع ثلج عظيم ببغداد، حتى كَانَ سُمْكُه فِي بعض المواضع ذراعًا ونصفًا، وأقام أسبوعًا لم يذُبْ، ورُمِي إلى الشوارع، وبلغ وقْعُه إلى الكوفة، وإلى عَبَّادان [1] .
وكثرت العملات ببغداد واللُّصُوص، وقُتِل منهم جماعة [2] .
وفي رجب قصد بعضُ الهاشميّين أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن النُّعْمَان بْن المعلّم شيخ الشيعة، وهو فِي مسجد، وتعرّض بِهِ تعرُّضًا امتعض منه تلامذته، فثاروا واستنفروا أهلَ الكَرْخ، وصاروا إلى دار القاضي أَبِي مُحَمَّد الْأكفاني والشيخ أَبِي حامد الإِسْفِرَايِينِيّ فسَبُّوهما، وطلبوا الفقهاء ليُوقِعوا بهم، ونشأت فتنة عظيمة، وأُحْضِر مُصْحَفٌ ذكروا أنّه مُصْحَفٌ ابن مَسْعُود، وهو يخالف المصاحف، فجمع له القضاة والكبار، فأشار أَبُو حامد والفقهاء بتحريفه، ففعل ذَلِكَ بمحضرهم، وبعد أيّام كتب إلى الخليفة بأنّ رجلا حضر المشهد ليلة نصف شعبان، ودعا عَلَى من أحرق المُصْحَفٌ وشتمه، فتقدّم بطلبه، فأُخِذ، فرسم بقتله، فتكلّم أهل الكرْخ فِي أمر هذا المقتول لأنّه من الشيعة، ووقع القتال بينهم وبين أهل البصْرة وباب الشعير ونهر القلائين [3] وقصد أهلُ الكرْخ دار أَبِي حامد، فانتقل عَنْهَا، ونزل دار القطن، وصاح الرَّوَافض:«يا حاكم يا منصور» ، فأحفظ [4] القادر باللَّه ذلك، وأنفذ الفرسان
[1] المنتظم 7/ 237.
[2]
تاريخ يحيى بن سعيد الأنطاكي (بتحقيقنا) .
[3]
في الأصل «القلابين» والتصحيح من (المنتظم 7/ 238) .
[4]
في الأصل «فاحفض» وهو تصحيف.
الذين عَلَى بابه لمعاونة السُّنَّة، وساعدهم الغلمان، فانكسر الرَّوَافض وأحرق ما يلي نهر الدَّجَاج، ثم اجتمع الرؤساء إلى الخليفة، فكلّموه، فعفا عَنْهُمْ، ودخل عميد الجيوش بغداد، فراسل ابن المعلّم بأن يخرج عَنْ بغداد ولا يساكنه، ووكّل بِهِ، فخرج فِي رمضان، وضرب جماعة، ممّن قام فِي الفتنة، وحبس آخرين، ومنع القصّاص ومن الْجُلوس، ثم سَأَلَ ابن مُزْيَد فِي ابن المعلّم فردَّ وأذِنَ للقُصَّاص، بشرط أن لا يتعرضوا للفِتَن [1] .
وفي شعبان وقع بَرَدٌ فِي الواحدة نحو خمسة دراهم [2] .
وفيه زُلْزِلَت الدِّينور [3] ، فمات تحت الرَّدْم أكثر من ستّة عشر ألف آدمي، وفرّ السّالمون إلى الصّحراء، فأخذوا أكواخًا، وهلك ما لا يُحْصَى، وأهدمت أكثر المدينة، وزُلْزِلَت سِيرَاف والسّيف [4] ، وغَرَّق الماءُ عدَّة مراكب، ووقع هناك بَرَدٌ عظيم، ووُزِنَت بَرَدَةٌ، فكانت مائة وستّة دراهم [5] .
وفيها هدم الحاكمُ بيعةَ قمامة التي بالقُدس، وهي عظيمة القدر عند النَّصارى، يحجُّون إليها، وبها من السُّتُور والآلات والأواني الذَّهب شيءٌ مفْرِط، وكانوا فِي العيد يظهرون الزّينة، وينصبون الصّلبان، وتعلّق القُوَّامُ القناديلَ فِي بيت المذبح، ويجعلون فيها دهن الزئبق، ويجعلون بين القنديلين [6] خيطًا الحرير متصلا، وكانوا يَطْلُونه بدهن البلسان، ويتقرّب بعض الرّهبان، فيتعلّق النّارَ فِي خيطٍ منها من موضعٍ لا يراه أحد، فيتنقّل بين القناديل، فيرقد الكلّ ويقولون: نزل النُّور من السّماء فأوقدها، فيضجّون،
[1] المنتظم 7/ 237، 238، الكامل في التاريخ 9/ 208، مرآة الجنان 2/ 448، 449، البداية والنهاية 11/ 338.
[2]
المنتظم 7/ 338.
[3]
في الأصل «الدور» .
[4]
في الأصل «السبب» .
[5]
المنتظم 7/ 238، الكامل 9/ 208، تاريخ الزمان 76، مرآة الجنان 2/ 449، البداية والنهاية 11/ 339، شذرات الذهب 3/ 150، وانظر: تاريخ يحيى بن سعيد الأنطاكي (بتحقيقنا) .
[6]
في الأصل «القندلين» .
فلمّا وُصِفَت هذه الحالة للحاكم، كتب إلى والي الرَّمْلة، وإلى أحمد بن يعقوب الدّاعي بأن يقصد بيتَ المقدس، ويأخذ القضاةَ والأشرافَ والرؤساءَ، وينزلون عَلَى هذه الكنيسة، ويُبِيحُوا للعامَّة نَهْبَها، ثم يخربونها إلى الْأرض، وأحسّ النَّصَارَى، فأخرجوا ما فيها من جوهر وذهب وستُور، وانْتُهِب ما بقي، وهُدِمت.
ثم أمر بهدم الكنائس، ونَقَضَ بعضها بيده، وأمره بأن يعمِّر مساجدَ للمسلمين، وأمر بالنّداء: من أراد الْأسْلامَ فلْيُسْلِم، ومن أراد الانتقال إلى بلد الروم كَانَ آمنًا إلى أن يخرج، ومن أراد المقام عَلَى أن يَلْزَم ما شُرِطَ عَلَيْهِ فلْيَقُم. وشَرَط عَلَى النصارى تعليقَ الصُّلْبان ظاهرةً عَلَى صُدُورهم، وعلى اليهود تعليق مثال رأس العجل في أعناقهم، ومنعهم من ركوب الخيل، فعملوا صلبان الذَّهب والفضّة، فأنكر الحاكم ذاك، وأمر المحتسبين بإلزامهم تعليقَ صُلبان الخشب، وأن يكون قدر الواحد أربعة أرطال، واليهود تعليق خشبة كالمدقّة، وزنها ستّة أرطال، وأن يشدّ فِي أعناقهم أجراسًا عند دخولهم الحمّامات.
ثم إنَّه قبل أن يُقْتل أذّن فِي إعادة البِيَعِ والكنائس، وأذِن لمن أسلم أن يعود إلى دينه، لكونه مُكْرَهًا. وقَالَ: تنزّه [1] مساجدنا عمّن لا نيّة لَهُ فِي الإسلام [2] .
[1] في المنتظم 7/ 240 «ننزّه» .
[2]
وقد علّق ابن الجوزي على ذلك فقال: «وهذا غلط قبيح منه وقلّة علم فإنه لا يجوز أن يمكن من أسلم من الارتداد» . وانظر: الكامل 9/ 208، 209، وتاريخ الزمان 76، 77، ومرآة الجنان 2/ 449، والبداية والنهاية 11/ 339، واتعاظ الحنفا 2/ 74، 75، وشذرات الذهب 3/ 150، وتاريخ الأنطاكي (بتحقيقنا) .