الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس
وفاتها رضي الله عنها
توفيت أُمّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها بالمدينة النبويَّة، ليلة الثلاثاء السابع عشر من رمضان من السنة السابعة أو الثامنة أو التاسعة والخمسين للهجرة، في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (1).
وقد زارها بعض الصحابة في مرض موتها، فعن ابن أبي مليكة (2): أن ابن عباس استأذن عليها وهي مغلوبة (3)، فقالت: أخشى أن يثني عليَّ، فقيل: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إن اتقيت، قال: فأنت بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتزوج بِكراً غيرك، ونزل عذرك من السماء، فلما جاء ابن الزبير قالت: جاء ابن عباس، وأثنى علي، ووددت أني كنت نسياً منسياً (4).
وعند وفاتها حزن عليها أهل المدينة حزنًا شديدًا، ولما سمعت أم سلمة رضي الله عنها الصرخة على عَائِشَة أرسلت جاريتها: انظري ماذا صنعت؟ فجاءت فقالت: قد
(1) ينظر: الطبقات الكبرى 8/ 62، والاستيعاب 4/ 1885، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم 5/ 303، وأسد الغابة 7/ 186، والبداية والنهاية 8/ 101، والوافي بالوفيات 16/ 343، والإصابة 8/ 344.
(2)
هو: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أبو بكر القرشي التيمي الأحول، أحد التابعين، وكان قاضيًا على عهد ابن الزبير، وكان من كبار أصحاب ابن عباس، مات بمكة سنة (117هـ).
ينظر في ترجمته: المعارف 1/ 475، والمنتظم 7/ 180، والكامل في التاريخ 4/ 228.
(3)
أي: قد غلبها المرض فأضعفها عن التصرف. ينظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين 2/ 387، وعمدة القاري 19/ 87.
(4)
سبق تخريجه.
قضت (1)، فقالت:«يَرْحَمُهَا اللهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ كُلِّهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلا أَبُوهَا» (2)، وفي رواية:«أَذْهَبَ عَنْكِ يَا عَائِشَةُ، فَمَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ نَسَمَةٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكِ، - ثُمَّ قَالَتْ -: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، غَيْرَ أَبِيهَا» (3).
وقال مسروق (4) رحمه الله: "لولا بعض الأمر لأقمت المناحة على أُمّ المؤمنين"(5).
وقد صلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه وسط مقابر البقيع وكان يومئذٍ خليفة مروان بن الحكم أمير المدينة حينئذٍ من جهة معاوية؛ لأنه حج فاستخلف
(1) أي: قضت أجلها، ومنه قوله تعالى:{? ? ? ?} [الأحزاب:23] أي: قضى أجله، وقضي في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه والانفصال منه. ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/ 222، وتفسير الراغب الأصفهاني 1/ 302، ومشارق الأنوار 2/ 189، ولسان العرب 7/ 223.
(2)
أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده 3/ 185، رقم (1718)، ومن طريقه أبو نعيم في حلية الأولياء 2/ 44، والحديث في سنده زمعة بن صالح، روى له مسلم في المتابعات، وهو ضعيف. ينظر: الكاشف 1/ 406، وتقريب التهذيب ص (217). وقال الألباني عن هذا الحديث في السلسلة الضعيفة 3/ 255:"وهذا الإسناد لا بأس به في الشواهد".
(3)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 2/ 578، رقم (1234)، والحديث في سنده يعقوب بن حميد، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب ص (607):"صدوق ربما وهم".
(4)
هو: مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي، أبو عَائِشَة: تابعي ثقة، من أهل اليمن. قدم المدينة في أيام أبى بكر. وسكن الكوفة. وشهد حروب على. وكان عالمًا بالفتيا، مات سنة (62هـ).
ينظر في ترجمته: المنتظم 6/ 19، وتاريخ ابن أبي خيثمة 3/ 110، وتاريخ بغداد 15/ 311، وسير أعلام النبلاء 5/ 24.
(5)
الطبقات الكبرى 8/ 62، وتاريخ ابن أبي خيثمة 3/ 130، وتاريخ الإسلام 4/ 250.
أبا هريرة، رضي الله عنه (1).
ودفنت رضي الله عنها ليلاً بعد الوتر، وكان الليل مظلمًا فلم يجد المشيعون بُدّاً من أن يحملوا فيه خِرَقَاً (2) غمسوها في زيت وأشعلوا فيها النار لتضئ لهم الطريق إلى المقابر، وازدحم الناس وتجمعوا حول النعش (3)، ولم تُرَ ليلة أكثر ناسًا منها، ونزل أهل العوالي (4) إلى المدينة (5).
ونزل في قبرها خمسة من آل الصديق: عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر، والقاسم، وعبد الله ابنا أخيها محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان عمرها يومئذ سبعًا وستين سنة، ودفنت بالبقيع (6)، رضي الله عنها وأرضاها.
(1) ينظر: المستدرك 4/ 5، وتاريخ الإسلام 4/ 164.
(2)
الخِرَقُ: جمع خِرْقَة، وهي الْقطعَة من الثَّوْب الممزق. ينظر: جمهرة اللغة 1/ 590، والصحاح 4/ 1468.
(3)
النَعْشُ: سرير الميِّت. ينظر: الصحاح 3/ 1022، ولسان العرب 6/ 355.
(4)
العوالي: جمع عالية وهي كل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمائرها، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية أميال. ينظر: مشارق الأنوار 2/ 108، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 295، والمغرب في ترتيب المعرب ص (327).
(5)
ينظر: الطبقات الكبرى 8/ 61، وتاريخ الطبري 11/ 602، والمستدرك 4/ 5.
(6)
الطبقات الكبرى 8/ 62،64،76، وتاريخ ابن أبي خيثمة 2/ 58، والاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/ 1885، وأسد الغابة 7/ 186، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم 5/ 303، وتاريخ الإسلام 4/ 249، والبداية والنهاية 8/ 101، والإصابة 8/ 20.