الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
العلاقة الحسنة بين عَائِشَة وعليّ رضي الله عنهما
كانت علاقة عَائِشَة رضي الله عنها بعليّ رضي الله عنه قبل وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، علاقة حميمة، ثمّ بعد وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حدثت فتنة الجمل، واختلف كل من عَائِشَة وعلي رضي الله عنهما في الاجتهاد، وحصل ما حصل، ولكن بالرغم من ذلك، لم تكن العلاقة بينهما علاقة عداء وجفاء، بل إن عَائِشَة رضي الله عنها لما أرادت الخروج من البصرة - بعد انتهاء فتنة الجمل -، بعث إليها عليّ رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك، وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يرجع إلا أن يحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي فوقف على الباب وحضر الناس وخرجت من الدار في الهودج (1) فودعت الناس ودعت لهم، وقالت:«يَا بَنِيَّ لا يَعْتِبْ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَلِيٍّ فِي الْقِدَمِ إِلا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأَحْمَائِهَا، وَإِنَّهُ عَلَى مَعْتَبَتِي لَمِنَ الأخْيَارِ» ، فقال علي رضي الله عنه:«صَدَقَتْ وَاللَّهِ مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا إِلا ذَاكَ، وَإِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ، ثم سار علي معها مودعًا ومشيعًا أميالاً (2).
(1) الْهَوْدَجُ: أَدَاة ذَات قبَّة تُوضَع على ظهر البعير لتركب فِيهَا النِّسَاء. ينظر: تهذيب اللغة 6/ 28، والوسيط 2/ 976.
(2)
ساق القصة سيف بن عمر في الفتنة ووقعة الجمل ص (183)، والطبري في تاريخه 4/ 544، وابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 5/ 94، وابن الأثير في الكامل 2/ 614، وابن كثير في =
فهذا الموقف من أصدق المواقف التي تبين عمق العلاقة بين علي وعَائِشَة رضي الله عنهما، ولو كانت عَائِشَة رضي الله عنها تحمل شيئًا في نفسها، لما قالت تلك المقالة، وأيضًا لو كان علي رضي الله عنه يحمل على عَائِشَة رضي الله عنها شيئًا لما أقرَّها على قولها، ولا قال هذه الكلمات التي تكتب بماء الذهب، ولا وقف معها هذا الموقف الرائع.
والأعجب من ذلك أن عليًا رضي الله عنه كان يعاقب من يتكلم بكلام فيه نيل من أُمِّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها بالجلد والضرب، فقد ذكر ابن الأثير رحمه الله:"أن رجلين وقفا على باب الدار الذي نزلت فيه أُمّ المؤمنين بالبصرة فقال أحدهما: جزيت عنا أمنا عقوقًا، وقال الآخر: يا أمنا توبي فقد أخطأت - فبلغ ذلك عليًا - فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه، فأحالوا على رجلين من أزد الكوفة وهما عجلان وسعد ابنا عبد الله فضربهما مائة سوط وأخرجهما من ثيابهما"(1).
ويدل أيضًا على العلاقة الحسنة بين علي وعَائِشَة رضي الله عنها، ما روي عنها أنَّها كانت طلبتْ من الناس بعد مَقْتل عثمان أنْ يلزموا عليًّا ويبايعوه (2)، وقد اعترف بعضُ الشيعة بهذا الأمر (3).
يقول عمر بن شَبَّه (4) رحمه الله: "أَنَّ أحداً لم ينقل أن عَائِشَة ومن معها نازعوا
= البداية والنهاية 7/ 274.
(1)
الكامل في التاريخ 2/ 614.
(2)
ينظر: فتح الباري13/ 29 - 48.
(3)
ينظر: كتاب الجمل للمفيد، ص (73)، والصاعقة في نسْف أباطيل وافترات الشيعة ص (236 - 240).
(4)
هو: عمر بن شَبَّة (واسمه زيد) بن عَبيِدة بن ريطة النميري البصري، النحوي، أبو زيد، كان عالمًا =
عليًا في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة، وإنما أنكرت هي ومن معها على عليِّ منعه من قتل قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم" (1)، مع أَنَّ علي لم يمنع من قتلة عثمان، وإنما أخر ذلك، حتى تتضح الصورة وتستقيم الأمور.
ومما يدل أيضًا على العلاقة الطيبة بين عَائِشَة وعليِّ رضي الله عنهما، أن عَائِشَة رضي الله عنها كانتْ أحيانًا تُحيلُ السائل على عَلِيِّ ليجيبَه، فعن شريح بن هانئ قال:«سَأَلْتُ عَائِشَة، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: ائْتِ عَلِيًّا فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّي، فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ» ، وفي رواية:«عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَسَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (2).
وقد سأل عَائِشَة رضي الله عنها آخر، فقال:«فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ لَهُ: سَلْ عَلِيًّا، ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِالَّذِي يَقُولُ لَكَ، قَالَ: فَأَتَى عَلِيًّا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ"، فَرَجَعَ إِلَى عَائِشَة فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ: "صَدَقَ"» (3).
= بالحديث، والتاريخ، والنحو، والشعر، من مصنفاته:(تاريخ المدينة)، و (تاريخ البصرة)، و (الشعر والشعراء)، مات سنة (262هـ).
ينظر في ترجمته: معجم الأدباء 5/ 2093، ووفيات الأعيان 3/ 440، وسير أعلام النبلاء 12/ 369، والوافي بالوفيات 22/ 301.
(1)
تاريخ المدينة 4/ 1233، وينظر: فتح الباري لابن حجر 13/ 56.
(2)
سبق تخريجه ص (31).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/ 128، رقم (5029)، وابن أبي شيبة أبي شيبة 2/ 36، رقم (6169)، والحديث صححه الألباني في تمام المنة ص (161).