الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
علمها بالقرآن وعلومه
"تُعَدُّ أُمُّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها من كبار مفسري عصرها؛ ساعدها على ذلك سماعها للقرآن الكريم منذ نعومة أظافرها، قالت رضي الله عنها:«لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} (1)، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلا وَأَنَا عِنْدَهُ» (2).
وزواجها وعيشها في كَنَفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها تظفر بحضور نزول الكثير من القرآن الكريم، إذ عاشت تسع سنوات في مهبط الوحي، ولم يكن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في لحاف امرأة من نسائه غيرها (3).
وقد نزلت آيات كثيرة بسببها مثل آيات الإفك، والتيمم، ورأت كيف ينزل عليه جبريل عليه السلام بالوحي حتى إنَّها وصفت حال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حين نزوله، فقالت:«لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ (4) وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا (5)» (6).
ولم تكن عَائِشَة رضي الله عنها تكتفي بمجرد الحفظ، وإنما كان إذا غمض عليها شيء
(1) سورة القمر، الآية:46.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن 6/ 185، رقم (4993).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
أَي: يَنْقَطِع عَنهُ. غريب الحديث لابن الجوزي 2/ 196، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 452.
(5)
أَي: يسيل ويتَصَبَّب عرقاً. ينظر: تهذيب اللغة 12/ 104، ومشارق الأنوار 2/ 160.
(6)
أخرجه البخاري، باب بدء الوحي، 1/ 6، رقم (2).
لا تتردد في طرحه على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لتتعرف على معاني الآيات القرآنية، ومراد الله عز وجل منها، فقد قالت عَائِشَة رضي الله عنها:«سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} (1) قَالَتْ عَائِشَة: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: "لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا تُقْبَلَ مِنْهُمْ {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (2)» (3).
وهذا ما جعل عَائِشَة رضي الله عنها على معرفة تامة بالقرآن الكريم، وأسباب نزوله، وموضوعاته وقضاياه، مما جعلها تقيم تفسيرها للقرآن الكريم على منهج تفسيري له أصوله الخاصة التي يعتمد عليها، ويبرز فكرها وثقافتها" (4).
(1) سورة المؤمنون، الآية:60.
(2)
سورة المؤمنون، الآية:61.
(3)
أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة المؤمنون 5/ 327، رقم (3175)، وأحمد في مسنده 42/ 156، رقم (25263)، و42/ 465، رقم (25705)، والحميدي في مسنده 1/ 298، رقم (277)، وابن راهويه في مسنده 3/ 941، رقم (1643)، وأبو يعلى في مسنده 8/ 315، رقم (4917)، والحاكم في المستدرك 2/ 427، رقم (3486)، والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 213، رقم (747)، وفي معرفة السنن 14/ 483، رقم (20853)، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 304، رقم (162).
(4)
ينظر: تفسير أُمّ المؤمنين عَائِشَة ص (113)، والسيدة عَائِشَة وتوثيقها للسنة ص (46 - 48)، السيدة عَائِشَة أُمّ المؤمنين وعَالِمة نساء الإسلام ص (182)، موسوعة فقه عائشة أم المؤمنين وحياتها وفقهها ص (83).
يقول أبو سلمة بن عبد الرحمن: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلا أَفْقَهَ فِي رَأْيٍ إِنِ احْتِيجَ إِلَى رَأْيِهِ، وَلا أَعْلَمَ بِآيَةٍ فِيمَا نَزَلَتْ، وَلا فَرِيضَةٍ مِنْ عَائِشَة» (1).
(1) سبق تخريجه.