الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
قول الرَّافِضَة: إنّ عَائِشَة خرجتْ لقتالِ عليّ رضي الله عنهما
يقول الرَّافِضَة: إِنَّ عَائِشَة رضي الله عنها خرجت لتقاتل علياً رضي الله عنه ظلماً وعدواناً، واستدلوا على ذلك بحديث نسبوه إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:«تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ» .
واستدلوا برواية أخرى ذكرها المجلسي في 'بحار الأنوار' عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في خبر الطير: "أنه جاء علي عليه السلام مرتين فردته عَائِشَة رضي الله عنها فلما دخل في الثالثة وأخبر النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله - به قال النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله: أبيت إلا أن يكون الأمر هكذا يا حميراء ما حملك على هذا؟ قالت: يا رسول الله اشتهيت أن يكون أبي أن يأكل من الطير. فقال لها: ما هو أول ضغن (1) بينك وبين علي وقد وقفت على ما في قلبك لعلك إنشاء الله تعالى لتقاتلينه!! فقالت: يا رسول الله، وتكون النساء يقاتلن الرجال؟ فقال لها: يا عَائِشَة، إنك لتقاتلين علياً ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أهل بيتي وأصحابي فيحملونك عليه وليكونن في قتالك أمر يتحدَّث به الأولون والآخرون
…
" (2).
الرد على هذه الشُّبْهَة:
أولاً: هذه الروايات باطلة مكذوبة ومن وضع الرَّافِضَة، فكلّ هذه الأخبار التي
(1) الضِّغْنُ: الحِقد والكراهية. ينظر: الصحاح 6/ 2154، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 91، ولسان العرب 13/ 255.
(2)
ينظر: هذه الشُّبْهَة في: بحار الأنوار 32/ 93، والاحتجاج للطبرسي 1/ 293، ومدينة المعاجز لهاشم البحراني 1/ 391.
ساقوها، ونسبوها كذباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة، وليس لها أسانيد معروفة، وهي بالموضوعات أشبه منها بالأحاديث الصحيحة، بل هي كذبٌ قطعاً" (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الحديث الذي رواه وهو قوله لها: «تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ» فهذا لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا له إسناد معروف وهو بالموضوعات المكذوبات أشبه منه الأحاديث، بل هو كذب قطعاً"(2).
ثانياً: المعروف والموقن به من موقف عَائِشَة رضي الله عنها ومن معها أنهم خرجوا للإصلاح لا القتال، "فإن عَائِشَة رضي الله عنها لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، فلم يكن للصحابة قصدٌ في الاقتتال يوم الجمل، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم، فإنه لما تراسل عليّ وطلحة والزبير، وقصدوا الاتفاق على المصلحة، وأنهم إذا تمكنوا طلبوا قتلة عثمان أهل الفتنة، وكان عليّ غير راضٍ بقتل عثمان ولا معيناً عليه، كما كان يحلف فيقول: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله، وهو الصادق البار في يمينه، فخشي القتلة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، فظن طلحة والزبير أن علياً حمل عليهم، فحملوا دفعاً عن أنفسهم، فظن عليّ أنهم حملوا عليه، فحمل دفعاً عن نفسه، فوقعت الفتنة بغير اختيارهم، وعَائِشَة رضي الله عنها كانت راكبة: لا
(1) الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة ص (212، 213).
(2)
منهاج السنة النبوية 4/ 170.
قاتلت، ولا أمرت بالقتال، هكذا ذكره غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار" (1).
ويتضح كون عَائِشَة رضي الله عنها خرجت للإصلاح من خلال النقاط التالية:
أولاً: أن عَائِشَة رضي الله عنها تقول بلسانها: إنها خرجت للإصلاح، فروى الطبري بإسناده قال: «فَخَرَجَ الْقَعْقَاعُ حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ، فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ رضي الله عنها فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ: أَيْ أُمَّهْ، مَا أَشْخَصَكِ وَمَا أَقْدَمَكِ هَذِهِ الْبَلْدَةَ؟ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّ، إِصْلاحٌ بَيْنَ النَّاسِ
…
» (2).
ثانياً: أنّ عَائِشَة رضي الله عنها كتبت بأنها ما خرجت إِلَاّ للإصلاح، فروى ابن حبان في 'كتاب الثقات':«وَقدم زيد بْن صوحان من عِنْد عَائِشَة مَعَه كِتَابَانِ من عَائِشَة إِلَى أبي مُوسَى وَالِي الْكُوفَة وَإِذا فِي كل كتاب مِنْهُمَا بِسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم، من عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ إِلَى عَبْد اللَّه بْن قيس الأشْعَرِيّ، سَلام عَلَيْك، فَإِنِّي أَحْمَد إِلَيْك اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلاّ هُوَ، أما بعد: فَإِنَّهُ قد كَانَ من قتل عُثْمَان مَا قد علمت، وَقد خرجت مصلحَة بَين النَّاس، فَمر من قبلك بالقرار فِي مَنَازِلهمْ وَالرِّضَا بالعافية حَتَّى يَأْتِيهم مَا يحبونَ من صَلَاح أَمر الْمُسلمين، فَإِن قتلة عُثْمَان فارقوا الْجَمَاعَة وَأَحلُّوا بِأَنْفسِهِم الْبَوَار» (3).
ثالثاً: أن عَائِشَة رضي الله عنها وقَّعت على الصلح، فجاء في كتب السِّير:«كَانَ القتال يَوْمَئِذٍ فِي صدر النهار مع طَلْحَة وَالزُّبَيْر، فانهزم الناس وعَائِشَة رضي الله عنها توقع الصلح» (4).
(1) منهاج السنة النبوية 4/ 170، 171)، وشبهات حول الصحابة أُمّ المؤمنين عَائِشَة ص (14).
(2)
الفتنة ووقعة الجمل ص (145)، وتاريخ الطبري 3/ 29، والكامل في التاريخ 2/ 591.
(3)
رواه ابن حبان في السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 2/ 534، وفي الثقات 2/ 282.
(4)
رواه سيف بن عمر في الفتنة ووقعة الجمل ص (168)، والطبري في تاريخه 4/ 529.
وفي الختام نخلص إلى أن عَائِشَة رضي الله عنها لم تخرج لقتال على ولم تخرج لمنازعته في الخلافة، وإنما خرجت بقصد الإصلاح.
يقول ابن حزم رحمه الله: "وأما أُمّ المؤمنين والزبير وطلحة رضي الله عنهم ومن كان معهم فما أبطلوا قط إمامة علي، ولا طعنوا فيها ولا ذكروا فيه جرحة تحطه عن الإمامة، ولا أحدثوا إمامة أخرى، ولا جددوا بيعة لغيره، هذا ما لا يقدر أن يدعيه أحد بوجه من الوجوه، بل يقطع كل ذي علم على أن كل ذلك لم يكن، فإن كان لا شك في كل هذا فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي، ولا خلافاً عليه ولا نقضاً لبيعته، ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته هذا ما لا يشك فيه أحد ولا ينكره أحد، فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلماً"(1).
وقال ابن حجر رحمه الله: "ولم يكن قصدهم القتال، لكن لما انتشبت الحرب، لم يكن لمن معها بد من المقاتلة،
…
ولم ينقل أن عَائِشَة رضي الله عنها ومن معها نازعوا علياً في الخلافة ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة وإنما أنكرت هي ومن معها على عليّ منعه من قتل قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم، وكان عليّ ينتظر من أولياء عثمان أن يتحاكموا إليه، فإذا ثبت على أحد بعينه أنه ممن قتل عثمان اقتص منه، فاختلفوا بحسب ذلك وخشي من نسب إليهم القتل أن يصطلحوا على قتلهم فأنشبوا الحرب بينهم إلى أن كان ما كان" (2).
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/ 123.
(2)
فتح الباري 13/ 56.