الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
العلاقة الحَسَنَة بين عَائِشَة وفاطمة رضي الله عنهما
إِنَّ علاقة عَائِشَة بفاطمة رضي الله عنهما هي علاقة ود وحب ووئام واحترام وتقدير، ولم يَثْبت في الأحاديث الصحيحة أن واحدة منهما قد حملت شيئًا من البغض أو الكراهية تجاه الأخرى، بل أجمع أصحاب السير ورواة الأحاديث على أن الصلة بين عَائِشَة وفاطمة رضي الله عنهما كانت على أحسن ألفة، وأكمل مودة، كأسمى ما يكون من العلاقات بين الأحباء، وقد ورد في أخبار التاريخ ما يؤكد ارتباط نسيج المحبة بينهما.
وهناك آثار كثيرة تُبيّن العلاقة الحسنة بين عائشة وفاطمة رضي الله عنهما، ومن ذلك:
ما رواه عمرو بن دينار (1) قال: قالت عَائِشَة رضي الله عنها: «مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ فَاطِمَةَ غَيْرَ أَبِيهَا» ، وفي رواية:«مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَصَدَقَ مِنْ فَاطِمَةَ غَيْرَ أَبِيهَا» (2).
(1) هو: عمرو بن دينار، أبو محمد الجمحي مولاهم، المكي، الأثرم، أحد الأعلام التابعين، وشيخ الحرم في زمانه، مات سنة (126هـ).
ينظر: الطبقات الكبرى 5/ 479، وجامع التحصيل ص (243)، وسير أعلام النبلاء 5/ 307.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 3/ 137، رقم (2721)، وأبو يعلى في مسنده 8/ 153، رقم (4700)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 2/ 41، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 201:"رواه الطبراني في الأوسط، وأبو يعلى، إلا أنها قالت: ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة. ورجالهما رجال الصحيح".
وأيضاً ما روت عَائِشَة بنت طلحة (1)، عن أُمّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها، أنها قالت:«مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلَاّ (2) وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللهِ فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (3).
وهنا وصفتْ أُمُّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها فاطمة بصفات حميدة تبين قدرها ومنزلتها حيث أنها تشبه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هيئةً وطريقةً وسمتًا وخلقًا.
ووصفتها أيضًا بصدق اللهجة، فعن عبد الله بن الزبير، عن عَائِشَة رضي الله عنها أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَصْدَقَ لَهْجَةً
(1) هي: عائشة بنت طلحة بن عُبَيد الله القرشية التَّيْمِيّة، أم عِمْران المدنية، أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وكانت أديبة، عالمة بأخبار العرب، فصيحة، وكانت أجمل نساء زمانها وأرأسهن، مات بعد سنة (100هـ).
ينظر في ترجمتها: الطبقات الكبرى 8/ 341، وتهذيب الكمال 35/ 237، وسير أعلام النبلاء 4/ 369.
(2)
الدَّلُّ: الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر والشمائل وغير ذلك. ينظر: تهذيب اللغة 14/ 48، والصحاح 4/ 1699، ولسان العرب 11/ 248، والمعجم الوسيط 1/ 294.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب ما جاء في القيام 4/ 355، رقم (5217)، والترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب ما جاء في فضل فاطمة ك 5/ 700، رقم (3872)، والبخاري في الأدب المفرد ص (519)، رقم (947)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب المناقب، مناقب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ك 7/ 393، رقم (8311)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 5/ 358، رقم (2947)، وابن حبان في صحيحه 15/ 403، رقم (6953)، والحاكم في المستدرك 3/ 167، رقم (4732)، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 162، رقم (13578)، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عَائِشَة"، وقال الحاكم:"حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وقال الذهبي:"بل صحيح"، والحديث صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص (355).
مِنْهَا، إِلا أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَلَدَهَا» (1).
وكانت فاطمة رضي الله عنها إذا جاءت إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حاجة ولم تجده أوصت بذلك عَائِشَة رضي الله عنها، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَتَتِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لعَائِشَة، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَة
…
» الحديث (2).
فهذا يدل على ثقة فاطمة رضي الله عنها بعائشة رضي الله عنها، ويدل أيضًا على اهتمام عَائِشَة رضي الله عنها بتبليغ ما أوكلته إليها فاطمة رضي الله عنها.
وأيضًا لما أرسل أمهاتُ المؤمنين فاطمةَ رضي الله عنها، إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تقول: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر، فكلمته فقال:«يَا بُنَيَّة أَلَا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟» ، قالت: بلى، فرجعت إليهن، فأخبرتهن، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع (3).
وفي هذا تصريح واضح من فاطمة بمحبتها لعَائِشَة رضي الله عنهما.
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 175، رقم (4756)، وابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 1896، وقال الحاكم:"حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وقد عنعنه هنا ابن إسحاق ولم يصرح بالتحديث، وهو مدلس.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النفقات، باب عمل المرأة في بيت زوجها 7/ 65، رقم (5361)، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب التسبيح أول النهار وعند النوم 4/ 2091، رقم (2727).
(3)
سبق تخريجه.