الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس
قولهم: إنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانتْ تَكْذِبُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم
يزعم الرَّافِضَة أَنَّ ما روته أمّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها من الأحاديث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يقبل؛ لأنّ روايتها فاسدة، ولأنهّا كانت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال الصدوق: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى قال: حدثني محمد بن زكريا قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: "ثلاثة كانوا يكذبون على رسول الله أبو هريرة، وأنس بن مالك، وامرأة (1) "(2).
والمرأة التي ذكرها الرَّافِضَة في خبرهم هذا، وادَّعوا أنهّا كانت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعنون بها أمنا عَائِشَة رضي الله عنها، ويؤكد ذلك ما ذُكر في كتبهم:
فجاء في 'بحار الأنوار'، - بعد ذكر الخبر المكذوب السابق -: يعني عَائِشَة (3).
وفسرها صاحب "بحار الأنوار" أيضاً في موضعٍ آخر: فقال: "وامرأة (عَائِشَة) "(4)، فوضع كلمة "عَائِشَة" بين قوسين.
وأورد التستري إحدى روايات عَائِشَة الْمُخَرَّجَة في "الصحيحين"، وعلّق عليها
(1) الخصال للصدوق ص (190).
(2)
وينظر أيضاً من كتب الرَّافِضَة: الإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي ص (541)، وبحار الأنوار 2/ 217.
(3)
بحار الأنوار 2/ 217.
(4)
بحار الأنوار 108/ 31.
بقوله: "وأقول: رواية عَائِشَة رضي الله عنهاخلافة أبيها فاسدة"(1).
وقال المجلسي - عن عَائِشَة رضي الله عنها في معرض كلام له على بعض مروياتها -: "وهي امرأة لم تثبت لها العصمة بالاتفاق، وتوثيقها محل الخلاف بيننا وبين المخالفين، وسيأتي في أخبارنا من ذمها والقدح فيها، وأنها كانت ممن يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وآله - ما فيه كفاية للمستبصر"(2).
وقال ياسر الحبيب الرافضي المعاصر - وهو يتحدث عن مساوئ عَائِشَة على زعمه -: "أأذكر كذبها على رسول الله بآلاف الأحاديث، التي شوهت سمعة رسول الله، وفتحت باب المطاعن على شخصية النَّبِيّ الأقدس - صلى الله عليه وآله -؟ (3) "(4).
الرد على هذه الفرية:
وجواباً على هذه الفرية أقول مستعيناً بالله تعالى: إِنَّ الرد عليها من وجوه:
الأول: هذا الخبر وما شاكله من الأخبار الباطلة والمكذوبة على أُمّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها.
فهذا الحديث مردودٌ لا يحتج به عند أهل السنة وعند الشيعة:
(1) إحقاق الحق ص (360).
(2)
بحار الأنوار 28/ 60.
(3)
موقع اليوتيوب www.youtube.com: شريط احتفال ياسر الحبيب بدخول عَائِشَة النار دقيقة (4)، ثانية (19).
(4)
وينظر أيضاً: الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة ص (99101)، فقد نقل تقرير هذه الشُّبْهَة عن رافضة آخرين.
فبالنسبة لأهل السنة: فهم لا يعتدون بروايات الرَّافِضَة، ولا بأسانيدهم، لأن غالب أسانيد الرَّافِضَة أسانيد ملفقة مختلقة، وإن سلمت من التلفيق فرجالها إما كذابون أو متروكون أو مجاهيل، هذا من ناحية الإسناد.
ومن ناحية المتن: فهو متنٌ يعارض المتواتر المجمع عليه بين المسلمين - إلا من لا يعبأ بخلافه - من توثيق عَائِشَة؛ لأنها صحابية، ومن زوجات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ومن أمهات المؤمنين.
ولذلك فهي عند أهل السنة، بل وعند جميع المسلمين متجاوزة للقنطرة، وبالتالي لا تحتاج إلى توثيقٍ من أحد من الناس؛ لأن الله زكاها ورسوله صلى الله عليه وسلم أيضاً زكاها، وهذا أمر معلومٌ من الدين بالضرورة.
وأما بالنسبة لوجهة نظر الشيعة: فهذا الحديث ضعيفٌ مردودٌ أيضاً؛ لأن هذا الإسناد فيه: جعفر بن محمد بن عمارة الكندي، وهو مجهول عند الرَّافِضَة.
فجعفر هذا أهمل ذكره علماء الجرح والتعديل عند الشيعة، فلم يذكروه لا بجرحٍ ولا توثيق؛ ولذلك فهو مجهول كما ذكرنا، وقد قال فيه علي النمازي الشاهرودي الشيعي:"لم يذكروه"(1).
الثاني: إبهام اسم المرأة في هذه الرواية يدل على بطلان هذه الفرية من وجهين:
الوجه الأول: الرواية لم تنص على اسم عَائِشَة، وإنما ذكرت امرأة نكرة، فلفظ رواية الرَّافِضَة لخبرهم كما مر معنا كالتالي:"ثلاثة كانوا يكذبون على رسول الله أبو هريرة، وأنس بن مالك، وامرأة"، فنجد أَنَّ الراوي قد أبهم اسم المرأة، ولم يصرح به.
(1) مستدركات علم رجال الحديث لعلي الشاهرودي ص (290).
الوجه الثاني: إذا كان المقصود بالمرأة عَائِشَة، فلماذا أُخْفِيَ اسمها، ولم يُصَرَّح به؟؛ لأنه قد يقول لنا قائل من الرَّافِضَة: المقصود بالمرأة المبهمة عَائِشَة، وقد فسرها بذلك صاحب "بحار الأنوار"، وغيره.
فنقول له: إذا كان المقصود بالمرأة عَائِشَة، فلماذا لم يصرح باسمها صراحةً؟ فلا يستطيع أن يجيب. فنقول له حينئذٍ: هذا أكبر دليل على شك المفتري في فريته، وعجزه عن تقريرها، وضعفه أمام جمهور المسلمين، ولو كان يعتقد أن ذلك حقاً لصرح به، فإن قال الرافضي: أخفى الراوي اسم عَائِشَة تقيةً، كما قال: الفضل بن شاذان الأزدي: "أقول: المراد بالمرأة ظاهر، ولم يسمها تقيةً"(1).
فنقول له: حسناً، ولكن لماذا عمل بالتقية في اسم عَائِشَة، ولم يعمل به في اسمي أبي هريرة، وأنس بن مالك؟ فلا يستطيع الجواب، فإن سكت الرافضي بعد ذلك علمنا قدرة الله في تبرئة عَائِشَة.
وإن قال: عندي جواب: وهو أنه أخفى اسم عَائِشَة دون أبي هريرة وأنس بن مالك لأنها زوجة النَّبِيّ وأحب زوجاته إليه، وبنت أبي بكر، قلنا له: الله أكبر، هذا ما كنا نبغِ، فهذا أكبر دليل على كذبكم، وبراءتها.
الثالث: أم سلمة تصف عَائِشَة بأنها صادقة باعتراف الشيعة أنفسهم:
قال المجلسي - ناقلاً عن أبي نُعَيْم -: «وبإسناده عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على عَائِشَة فسألتها عن هذه الآية فقالت: ائت أم سلمة، ثم أتيت فأخبرتها بقول عَائِشَة، فقال: صَدقَتْ، في بيتي نزلت هذه الآية على رسول الله
(1) الإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي ص (541).
صلى الله عليه وسلم، فقال: من يدعو لي عليّاً وفاطمة وابنيهما؟» الحديث (1).
فإذا كانت هذه أُمّ المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وهي من المعدلين عند الشيعة، بل ومن آل البيت عندهم، قد حكمت على أختها عَائِشَة بالعدالة والثقة والصدق، في الرواية التي نقلها الشيعة، واحتجوا بها، فلماذا يستنكفون عن تعديلها؟.
(1) بحار الأنوار 35/ 228، ومرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول له أيضاً 3/ 240.