الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
قولهم: إِنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانتْ تُبْغِضُ عليًا رضي الله عنهما
استدل الرَّافِضَة على بغض عَائِشَة لعلي بما جاء عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: «مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم مُعْتَمِدًا عَلَى الْعَبَّاسِ، وَعَلَى رَجُلٍ آخَرَ، وَرِجْلاهُ تَخُطَّانِ فِي الأرْضِ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرِي مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَلَكِنَّ عَائِشَة لا تَطِيبُ له نَفْسًا» (1).
قال الرَّافِضَة: وكانت لا تحب عليًا ولا ترضى له خيرًا ولا تذكر اسمه على لسانها (2).
والرواية المشهورة والتي ليس فيها هذا الكلام جاءت عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: «لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاهُ فِي الأرْضِ، بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللهِ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَة: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: "هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَة؟ " قَالَ: قُلْتُ: لا.
(1) أخرجه أحمد في مسنده 40/ 67، 68، رقم (24061)، وأصله في الصحيحين، قال الألباني في الإرواء 1/ 178:"سنده صحيح"، وقال محققو المسند 40/ 69 (طبعة الرسالة):"إسناده صحيح على شرط الشيخين".
(2)
ينظر: هذه الشُّبْهَة في كتب الشيعة الآتية: معالم المدرستين لمرتضى العسكري ص (232)، والغدير للأميني ص (324)، وفاسألوا أهل الذكر لمحمد التيجاني السماوي ص (323)، وخلاصة المواجهة لأحمد حسين يعقوب ص (111)، ودفاع من وحي الشريعة لحسين الرجا ص (327).
قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: "هُوَ عَلِيٌّ"» (1).
والجواب عن هذه الشُّبْهَة من وجوه:
أولاً: هذه الزيادة شاذة لا تصح: "فإعراض الشيخين عن هذه الزيادة، وعدم اتفاق أصحاب الزهري عليها يجعل في القلب منها شيء.
فسفيان وعقيل وشعيب لم يذكروها في الحديث، وذكرها معمر ورواها ابن المبارك عن معمر ويونس جمعهما في حديث واحد وقد أعرض الشيخان عن الزيادة مع روايتهما للحديث من طريق ابن المبارك عن معمر، زد على هذا أن موسى بن أبي عَائِشَة لم يتابع الزهري على هذه الزيادة.
كذلك ممن حدث به عن الزهري بغير الزيادة: إبراهيم بن سعد وهو في الطبقات (2) قبل الحديث محل السؤال مباشرة، وقد روى البيهقي في الدلائل (3) الحديث من مغازي ابن إسحاق برواية يونس بن بكير (وهو طريق ابن حجر للمغازي) فرواه ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الزهري وليس فيه هذه اللفظة، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.
ورواه بن إسحاق عن الزهري بغير واسطة بدون تلك اللفظة أيضًا، وهذا عند أبي يعلى (4) وإسناده جيد وصرح ابن إسحاق بالتحديث، فصار من روى الحديث
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ووفاته 6/ 11، رقم (4442)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر، وغيرهما
…
1/ 312، رقم (418).
(2)
الطبقات الكبرى 2/ 179.
(3)
دلائل النبوة 7/ 169.
(4)
مسند أبي يعلى 8/ 57.
بغير الزيادة سفيان بن عيينة وشعيب وعقيل وإبراهيم بن سعد ويعقوب بن عتبة وابن إسحاق وتفرد بالزيادة معمر.
وقد أخرج الشيخان الحديث واتفقا على الإعراض عن تلك الزيادة مع أنهما يروياها من طريق معمر، فلعل هذه اللفظة لا تصح في الحديث" (1)؛ ولذلك فقد مال بعض طلبة العلم المعاصرين إلى شذوذ هذه الرواية (2).
ثانياً: على فرض صحة الرواية، فإن هذه مسألة تعتري البشر جميعًا حتى بين أفراد الأسرة الواحدة كغضبة أخ من أخيه أو أخته أو أمه فيفارق اسمه فقط وهذه أيضًا عادة عند العرب، فكانت أمنا عَائِشَة تقسم:(ورب محمد) حال رضاها مع النَّبِيّ، فإن كان هناك شيء قالت:"ورب إبراهيم" فلما أخبرها النَّبِيّ بمعرفته ذلك قالت: (لا أفارق إلا اسمك)(3) " (4).
يقول الزرقاني (5) في تعليقه على هذه الرواية: "وذلك لما جبل عليه الطبع
(1) هذه الشذرات الحديثية مأخوذة كما هي من مشاركات الأخ هشام بن بهرام في ملتقى أهل الحديث، كما في أرشيف ملتقى أهل الحديث 3/ 172، 175 - المكتبة الشاملة).
(2)
ينظر: السياط اللاذعات في كشف كذب وتدليس صاحب المراجعات لعبد الله بن عبشان الغامدي موقع البرهان: www.alburhan.com ص (23، 24) الشاملة.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب غيرة النساء ووجدهن 7/ 36، رقم (5228)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب في فضل عَائِشَة رضي الله تعالى عنها 4/ 1890، رقم (2439).
(4)
مشاركة الأخ أبو عمر الفاروقي في ملتقى أهل الحديث، كما في أرشيف ملتقى أهل الحديث 3/ 175.
(5)
هو: محمد بن عبد الباقي بن يوسف، الزرقاني، المصري، والأزهري، المالكي، كان عالماً بالحديث، والفقه، والأصول، واللغة، من مصنفاته:(شرح موطأ الإمام مالك)، و (شرح المواهب اللدنية)، مات سنة (1122هـ).
ينظر في ترجمته: تاريخ عجائب الآثار 1/ 122، وفهرس الفهارس 1/ 456، والأعلام 6/ 184، ومعجم =
البشري، فلا إزراء في ذلك عليها ولا على عليّ رضي الله عنهما
…
" (1).
فربّما وجدتْ عائشة رضي الله عنها في نفسها شيئاً عن علي رضي الله عنه في أمرٍ من الأمور، كطبيعة البَّشر، وتوافق مع ذلك الموقف، ولكن من المحال أن يكون حقداً مستمراً، وعداءً لا يزول، بل ذلك من أبعد الأشياء عن عائشة رضي الله عنها، فإنها لم تحمل على الذين خاضوا في الإفك، مع أن ذلك كان من أشدِّ المصائب عليها، فكان نصيب الخائضين من عَائِشَة رضي الله عنها العفو والصفح، حتى إنّها كانت تُنافح عنهم إذا ذكرهم أحدٌ أمامها بسوء.
فهذا حسّان بن ثابت رضي الله عنه كان من الخائضين في الإفك، وكان ممّن أكثر في رمي عَائِشَة رضي الله عنها، ومع ذلك لم تحقد عليه الصدّيقة رضي الله عنها، بل كانت تنهى عن سبِّه أو الإساءة إليه، ففي الصحيحين أنّها قالت لعروة بن الزبير لمّا أخذ يسبهّ:«لَا تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (2)، وقالت لمسروق نحوًا من هذا الكلام.
أفُيعقل أن تُقّدر مواقف حسّان مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فتغُضي عن إساءته البالغة إليها، ولا تُقِّدر مواقف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع النَّبِيّ، وبلاءه الحسن معه، وجهاده في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل؟!.
إنّ من درس أخلاقها رضي الله عنها، واطّلع على مناقبها، يعلم مدى عفوها وصفحها عن كثير من الهنات التي صدرت عن أشخاص أبلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
= مؤلفين 10/ 124.
(1)
شرح الزرقاني على المواهب اللدنية 12/ 84.
(2)
صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب من أحب أن لا يسب نسبه 4/ 185، رقم (3531)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه 4/ 1933، رقم (2487).
دون بلاء عليّ رضي الله عنه ويُدرك أنّ ما بينها وبين عليّ رضي الله عنه كما بين الأحماء؛ كما أخبرت رضي الله عنها بذلك، وصدّقها عليّ رضي الله عنه في قولها" (1).
رابعًا: أَنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانت تحب عليًا، وتكن له كل تقديرٍ واحترام، وقد ذكرتُ ذلك في المبحث الأول من الفصل الثالث:«العلاقة الحسنة بين عَائِشَة وآل البيت رضي لله عنهم» ، فليرجع إليه.
(1) الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة ص (175 - 177).