الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
التَّحْذِير من الْوُقُوعِ في شِبَاك الشُّبُهَات
قبل الحديث عن التحذير من الوقوع في الشُّبُهَات يَجْدُر بي أن أُعَرِّفَ بالشُّبْهَة لغةً، واصطلاحًا.
فالشُّبْهَة في اللغة هي: الالتباس والاختلاط، وشُبِّهَ عليه الأَمْرُ تَشْبيهًا: لُبِّسَ عليه، وجمعها شُبَه وشُبُهات (1).
وفي الاصطلاح: التباس الحق بالباطل واختلاطه حتى لا يتبيَّن (2)، وقال بعضهم: هي ما يشبه الثابت وليس بثابت (3)، وقد عرفها ابن القيم (4) رحمه الله فقال:"الشُّبْهَة: وَارِد يرد على الْقلب يحول بَينه وَبَين انكشاف الحق"(5).
والشُّبُهَات أحد نوعي الفتن التي ترد على القلوب؛ لأن القلب ترد عليه فتنتان: فتنة الشُّبْهَة، وفتنة الشهوة، وفتنة الشُّبْهَة أخطر؛ لأنها إذا تمكنت في القلب قلَّ أن ينجو منها أحد؛ وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله: "الْقلب يتوارده
(1) ينظر: تهذيب اللغة 6/ 59، ولسان العرب 13/ 503، وتاج العروس 36/ 411 .......
(2)
ينظر: التعريفات ص (165)، وأنيس الفقهاء ص (105)، ومعجم لغة الفقهاء ص (257).
(3)
ينظر: بدائع الصنائع 7/ 36، ودرر الحكام 2/ 64، والدر المختار 4/ 23، والموسوعة الفقهية 24/ 25.
(4)
هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، من أعلام الإصلاح الديني في القرن الثامن الهجري، ولد في دمشق سنة (691هـ)، وتتلمذ على يد ابن تيمية، حيث تأثر به تأثرًا كبيرًا وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه، ولابن القيم مصنفات كثيرة في علوم شتى منها:(زاد المعاد في هدي خير العباد)، و (مدارج السالكين ومنازل السائرين)، و (إعلام الموقعين عن رب العالمين)، مات سنة (751هـ).
ينظر في ترجمته: الدار الكامنة 3/ 400، والشهادة الزكية 1/ 33، والأعلام 6/ 56.
(5)
مفتاح دار السعادة 1/ 140.
جيشان من الْبَاطِل جَيش شهوات الغي، وجيش شُبُهَات الْبَاطِل، فأيما قلب صغا إليها وركن إليها تشربها وامتلأ بهَا، فينضح لِسَانه وجوارحه بموجبها، فَإِن اشرب شُبُهَات الْبَاطِل تَفَجَّرَتْ على لِسَانه الشكوك والشُّبُهَات والإيرادات، فيظن الْجَاهِل أن ذَلِك لسعة علمه وَإِنَّمَا ذَلِك من عدم علمه ويقينه" (1).
وقال أيضًا: "قال لي شيخُ الإسلام وقد جعلتُ أُورِدُ عليه إيرادًا بعد إيراد : لا تجعلْ قلبَك للإيرادات والشُّبُهَات مثل السفنجة فيتشربَها، فلا ينضح إلا بِها، ولكنِ اجعلْه كالزجاجة المصمتة، تمرُّ الشُّبُهَات بظاهرِها ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه، ويدفعُها بصلابته، وإلَاّ فإذا أَشْرَبْتَ قلبَك كُلَّ شُبهةٍ تمرُّ عليها، صارَ مقرًّا للشُّبهات، - أو كما قال -، فما أعلمُ أنِّي انتفعتُ بوصيَّة في دَفْع الشُّبُهَات كانتفاعي بذلك"(2).
ولما كانت الشُّبُهَات بهذه الخطورة كان السلف رحمهم الله يحرصون على البعد عنها وعن المجالس التي تورد فيها الشُّبُهَات، جاء في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، وغيره:"دخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل، قال: لا، لتقومان عني أو لأقومن، قال: فقام الرجلان فخرجا، فقال بعض القوم: يا أبا بكر ما كان عليك أن يقرأا آية من كتاب الله عز وجل؟، فقال محمد بن سيرين: إني خشيت أن يقرأا آية عليَّ فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي"(3).
(1) مفتاح دار السعادة 1/ 140.
(2)
المصدر السابق 1/ 140.
(3)
ينظر: السنة 1/ 138، والقدر للفريابي ص (215).
لهذا يجب على كل مسلم أن يصون دينه عن الشُّبُهَات، فلا يستمع إليها، ولا يجلس في المجالس التي تورد فيها، لأننا مأمورون باجتناب مواطن الفتن، خصوصًا فتن الشُّبُهَات؛ لأن الشبه خطافة.
وأعداء الإسلام يعملون ليل نهار من أجل الكيد لهذا الدين وأهله، وكان من كيدهم نصب الشُّبُهَات ليصطادوا ضعفاء العلم والبصيرة من المسلمين؛ لأن سبب الشُّبْهَة أحد أمرين: قلة في العلم أو ضعف في البصيرة، أما من كان على علم راسخ وبصيرة نجا من الشُّبُهَات.
ومن الذين عُرفوا بالشُّبُهَات وتخصصوا فيها الرَّافِضَة، فإنهم ينسجون الشُّبُهَات الدنية، ليطعنوا في الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وكان تركيزهم على أمهات المؤمنين، وبالأخص عَائِشَة رضي الله عنها، فإنهم أكثروا فيها الشُّبُهَات، ووجهوا نحوها الطعنات، ولكن علماء أهل السنة لهم بالمرصاد، فعرفوا كيدهم، وكشفوا أمرهم، فما من شبهة صغيرة أو كبيرة إلا وتناولها أهل السنة بالرد والإبطال، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1).
وفي المطالب الآتية عرض لأشهر الشُّبُهَات والرد عليها، وبيان بطلانها، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (2).
(1) سورة التوبة، الآية:32.
(2)
سورة الأنبياء، الآية:18.