الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
منزلتها عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
كان لعَائِشَة رضي الله عنها مكانة خاصة في قلب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنها كانت ابنة صاحبه الأكبر أبي بكر الصديق، وكانت أيضًا أحب زوجاته إليه.
وقد حبَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة رضي الله عنها منذ صغرها، فعن حبيب مولى عروة (1) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إلى بيت أبي بكر ويقول: «يَا أُمَّ رُومَانَ، اسْتَوْصِي بِعَائِشَةَ خَيْرًا وَاحْفَظِينِي فِيهَا» (2).
وقد كان صلى الله عليه وسلم يُظهر حبه لعَائِشَة رضي الله عنها، ولا يخفيه، حتى إن عمرو بن العاص رضي الله عنه، سأله فقال:«أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَة"، قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا"» (3).
هذا الحديث فيه منقبة ظاهرة لأُمّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها وهي أنها كانت أحبُّ أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إليه.
(1) هو: حبيب مولى عروة بن الزبير بن العوام، الأسدي، قال ابن سعد:"كان قليل الحديث"، مات في آخر سلطان بني أمية.
ينظر في ترجمته: الطبقات الكبرى 5/ 412، والثقات لابن حبان 6/ 180، ومغاني الأخيار 3/ 511.
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 8/ 62، والحاكم في المستدرك 4/ 5، رقم (6716)، وهو حديث مرسل، إذ إن حبيبًا من التابعين، وذكرتُ الحديث استئناسًا.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"لو كنت متخذا خليلا" 5/ 5، رقم (3662)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه 4/ 1856، رقم (2384).
وقد علم جميع الناس حبَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة حتى ثارت غيرة زوجاته، فعنها رضي الله عنها: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين، فحزب فيه عَائِشَة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَخَّرَهَا حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عَائِشَة، بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عَائِشَة، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس، فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه، فكلمته أم سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئاً، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئاً، فقلن لها، فكلميه قالت: فكلمته حين دار إليها أيضًا، فلم يقل لها شيئا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئاً، فقلن لها: كلميه حتى يكلمك، فدار إليها فكلمته، فقال لها:«لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَة فَإِنَّ الوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ، إِلا عَائِشَة» ، قالت: فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله، ثم إنهن دَعَوْنَ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر، فكلمته فقال:«يَا بُنَيَّة أَلَا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟» ، قالت: بلى، فرجعت إليهن، فأخبرتهن، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع، فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته، فأغلظت، وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة، فرفعت صوتها حتى تناولت عَائِشَة وهي قاعدة فسبتها، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عَائِشَة، هل تكلم، قال: فتكلمت عَائِشَة ترد على زينب حتى أسكتتها،
قالت: فنظر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى عَائِشَة، وقال:«إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ» (1).
وكان صلى الله عليه وسلم يفسح لها المجال للعب، ولم يحرمها من هذه المتعة، بل إنه كان يفرح بلعبها ويضحك حتى تُرَى نواجِذه، فعنها رضي الله عنها قالت:«كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، "فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ (2) مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ (3) إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي"» (4).
وكان صلى الله عليه وسلم دائمًا يحب أن يدخل الفرح والبهجة على قلبها، فيحملها على عاتقه لتشاهد الحبشة وهم يلعبون، فعنها قالت:«وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ» (5).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض 3/ 156، رقم (2581)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عَائِشَة رضي الله تعالى عنها 4/ 1891، رقم (2442).
(2)
أي: يَتَغَيَّبْنَ منه ويدخلن من وراء السِّتْرِ. ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 315، وفتح الباري 10/ 527.
(3)
أَي: يرسلهن وَاحِدَة بعد أخري. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 356، وفتح الباري 1/ 131.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس 8/ 31، رقم (6130)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عَائِشَة رضي الله تعالى عنها 4/ 1890، رقم (2440).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب أصحاب الحراب في المسجد 1/ 98، رقم (454)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة العدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في =
وكان صلى الله عليه وسلم من شدة حبه لها ينزل إلى رغباتها ويشاركها في لعبها، فعنها رضي الله عنها:«أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ، فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ (1) سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ: "هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ"» (2).
وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا افتقدها قال: «وَاعَرُوْسَاهُ» (3).
وقد وجعت يومًا فقالت: "وارأساه" فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ» (4)، قال بدر الدين الزركشي (5) رحمه الله: "فيه إشارة للغاية في الموافقة حتى تألم بألمها فكأنه
= أيام العيد 2/ 609، رقم (892).
(1)
أَي: سَمِنْتُ وبَدنْتُ. ينظر: تهذيب اللغة 14/ 102، ولسان العرب 13/ 48.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في السبق على الرجل 3/ 29، رقم (2578)، والنسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب مسابقة الرجل زوجته 8/ 177، رقم (8893)، و8/ 178، رقم (8895)، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء 1/ 636، رقم (1979)، وأحمد 40/ 144، رقم (24118)، وابن حبان في صحيحه 10/ 545، رقم (4691)، والطبراني في المعجم الكبير 23/ 47، رقم (125)، والحديث صححه العراقي في تخريج الإحياء ص (482)، وابن الملقن في البدر المنير 9/ 424، والألباني في إرواء الغليل 5/ 327، رقم (1502).
(3)
أخرجه أحمد 43/ 216، رقم (26112) من حديث عَائِشَة رضي الله عنها، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 228:"رواه أحمد، وفيه أبو شداد ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح"، والحديث ضعفه محققو المسند 43/ 216 (طبعة الرسالة).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب الاستخلاف 9/ 80، رقم (7217) من حديث عَائِشَة رضي الله عنها.
(5)
هو: محمد بن بهادر بن عبد الله، بدر الدين، الزركشي، فقيه شافعي أصولي، تركي الأصل، مصري المولد والوفاة، له تصانيف كثيرة في عدة فنون، من تصانيفه:(البحر المحيط)، و (إعلام الساجد بأحكام المساجد)؛ مات سنة (794هـ).
أخبرها بصدق محبته حتى واساها في الألم" (1).
وكان صلى الله عليه وسلم متمسكًا بحبها حتى فارق الدنيا، ويدل على ذلك اختياره صلى الله عليه وسلم أن يمرض في بيتها، ووفاته بين سحرها ونحرها، ودفنه في بيتها.
= ينظر في ترجمته: طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة 3/ 167، والدرر الكامنة 5/ 133، وشذرات الذهب 6/ 335.
(1)
الإجابة لإيراد ما استدركته عَائِشَة على الصحابة ص (53).