الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
زواجها من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
تزوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة رضي الله عنها قبل الهجرة ببضعة عشر شهرًا في شهر شوّال، وهي ابنة ست سنوات، ودخل بها في شوّال من السنة الثانية للهجرة وهي بنت تسع سنوات، فعنها رضي الله عنها قالت:«تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسِتِّ سِنِينَ، وَبَنَي بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» (1).
وقد رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة رضي الله عنها في المنام قبل زواجه بها، ففي الحديث عنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ (2)، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ» (3).
ثم بعد هذه الرؤيا المباركة جاءت مرحلة الخطوبة، ولقد ذكرت عَائِشَة رضي الله عنها قصة خِطبة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لها بتفاصيلها الدقيقة؛ وذلك لأنها تمثل عندها ذكريات طيبة
(1) أخرجه البخاري، في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة وقدومها المدينة وبنائه بها، 5/ 55، رقم (3894)، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب تزويج الأب البكر الصغيرة 2/ 1038، رقم (1422).
(2)
أي: في قطعة من جَيِّد الحرير، وجمعها سَرَقٌ. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 362، ولسان العرب 10/ 157.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة وقدومها المدينة وبنائه بها، 5/ 56، رقم (3895)، وفي الموضع السابق، باب النظر إلى المرأة قبل التزويج 7/ 14، رقم (5125)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عَائِشَة رضي الله تعالى عنها، 4/ 1889، رقم (2438).
(1) أي: تمنَّيْت وأحْبَبتُ ذلك. ينظر: الصحاح 2/ 549، ولسان العرب 3/ 454.
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 5/ 182، رقم (3006) و5/ 229، رقم (3061)، والطبري في تاريخه 3/ 162 - 163، والطبراني في المعجم الكبير 23/ 23، رقم (57) و24/ 30، رقم (80)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 7/ 205، والبيهقيُّ في السنن الكبرى 7/ 129، رقم (13526)، وفي "دلائل النبوة"2/ 411 - 412. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 362:"رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث".
وتروي عَائِشَة رضي الله عنها استعدادها للزفاف وتجهيز أمها لها، فتقول:«كَانَتْ أُمِّي تُعَالِجُنِي لِلسُّمْنَةِ، تُرِيدُ أَنْ تُدْخِلَنِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا اسْتَقَامَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى أَكَلْتُ الْقِثَّاءَ (6) بِالرُّطَبِ فَسَمِنْتُ كَأَحْسَنِ سِمْنَةٍ» (7).
(1) الأُرْجُوحَةِ: حَبل يعلق طرفاه من جانبين يمِيل براكبه من نَاحيَة إِلَى نَاحيَة. ينظر: الصحاح 1/ 364، ومشارق الأنوار 1/ 282.
(2)
في قولها: (هه هه) قولان: أحدهما: أنه حكاية تتابع النفس، والثاني: حكاية شدة البكاء، وهي كلمة يقولها المبهور حتى يتراجع إلى حال سكونه. ينظر: مشارق الأنوار 2/ 272، وغريب الحديث لابن الجوزي 2/ 506، وشرح النووي على مسلم 9/ 207.
(3)
عَلَى خَيْرِ طَائِرٍ: أي: تقدمين على أسعد حظ، دُعَاء بالسعادة وأصل اسْتِعْمَالهَا من تفاؤل الْعَرَب بالطير وَقد يكون المُرَاد بالطائر هُنَا الْقسم والنصيب أَيْضًا. ينظر: مشارق الأنوار 1/ 324، وشرح السيوطي على مسلم 4/ 27، وفتح الباري 7/ 224.
(4)
لَمْ يَرُعْنِي: من الروع: الفزع والمفاجأة، والمعنى: لم يفاجئني وَلم يفزعني. ينظر: مشارق الأنوار 1/ 302، والنهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 277.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب تزويج الأب البكر الصغيرة، 2/ 1038، رقم (1422).
(6)
القِثَّاء: الخيار، وقيل: شبيه بالخيار. ينظر: تهذيب اللغة 9/ 205، والصحاح 1/ 64، ولسان العرب 15/ 171.
(7)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في السمنة 2/ 408، رقم (3903)، وابن ماجه في سننه، كتاب الأطعمة، باب اقثاء والرطب يجمعان 2/ 1104، رقم (3324)، وقال الألباني في =
وأما في ليلية الزفاف نفسها فتولى تجهيزها أسماء بنت يزيد (1) وصاحباتها، تقول أسماء رضي الله عنها:«إِنِّي قَيَّنْتُ (2) عَائِشَة لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جِئْتُهُ، فَدَعَوْتُهُ لِجِلْوَتِهَا (3)، فَجَاءَ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهَا، فَأُتِيَ بِعُسِّ (4) لَبَنٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا وَاسْتَحْيَتْ. قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَانْتَهَرْتُهَا وَقُلْتُ لَهَا: خُذِي مِنْ يَدِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَأَخَذَتْ، فَشَرِبَتْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَعْطِي تِرْبَكِ" (5) قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلْ خُذْهُ، فَاشْرَبْ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوِلْنِيهِ مِنْ يَدِكَ، فَأَخَذَهُ، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَنِيهِ، قَالَتْ: فَجَلَسْتُ، ثُمَّ وَضَعْتُهُ عَلَى رُكْبَتِي، ثُمَّ طَفِقْتُ أُدِيرُهُ، وَأَتْبَعُهُ بِشَفَتَيَّ لأصِيبَ مِنْهُ مَشْرَبَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم» (6).
= السلسلة الصحيحة 1/ 84: "إسناده صحيح".
(1)
هي: أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأَنْصارِيّة الأشهلية أم سلمة، ويُقال: أم عامر. صحابية بايعت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وروت عنه أحاديث صالحة، وشهدت اليرموك وقتلت يومئذٍ تسعة من الروم بعمود خبائها.
ينظر في ترجمتها: معرفة الصحابة 6/ 3258، والاستيعاب 4/ 1787، وسير أعلام النبلاء 2/ 296.
(2)
أَي زَيّنْتُ، من التَّقْيين وهو: التَّزيين. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 135.
(3)
أي: للنظر إليها مجلوة مكشوفة. ينظر: جمهرة اللغة 1/ 493، والصحاح 6/ 2304، ولسان العرب 14/ 151.
(4)
العُسّ: القدح الكبير، وجمعه: عساس وأعساس. ينظر: تهذيب اللغة 1/ 63، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 236.
(5)
أي: صاحباتك، والترب: الأقران، وهم الذين يكونون في سنٍّ واحدة. ينظر: الصحاح 1/ 91، وتهذيب اللغة 14/ 195.
(6)
أخرجه أحمد في مسنده 45/ 570، رقم (27591)، والحميدي في مسنده 1/ 359، رقم (371)، والطبراني في المعجم الكبير 24/ 171، رقم (434)، و24/ 172، رقم (435)، وابن بشران في أماليه ص (376)، رقم (861)، والحديث حسنه الألباني في آداب الزفاف ص (91).
وقد أقامت عَائِشَة رضي الله عنها في صحبة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثمانية أعوام وخمسة أشهر (1)، وتوفى صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ثماني عشرة سنة، فعنها رضي الله عنها:«أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا» ، وفي رواية:«وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ» (2).
(1) الإجابة لإيراد ما استدركته عَائِشَة على الصحابة ص (11)، زواج السيدة عَائِشَة ومشروعية الزواج المبكر ص (39).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب إنكاح الرجل ولده الصغار 7/ 17، رقم (5133)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تزويج الأب البكر الصغيرة 2/ 1039، رقم (1422).