المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامسمنزلتها عند المؤمنين - إجلاء الحقيقة في سيرة عائشة الصديقة

[ياسين الخليفة الطيب المحجوب]

فهرس الكتاب

- ‌الْمُقَدِّمَةُ

- ‌خطة البحث

- ‌منهج البحث

- ‌كلمة شكر

- ‌الفصل الأولحياة أُمِّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها:

- ‌المبحث الأولاسمها ونسبها

- ‌المبحث الثانيمولدها ونشأتها

- ‌المبحث الثالثزواجها من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابعمنزلتها عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامسمنزلتها عند المؤمنين

- ‌المبحث السادسوفاتها رضي الله عنها

- ‌الفصل الثانيفضائل ومناقب أُمِّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها:

- ‌المبحث الأولصفاتها الخِلْقِيَّة والخُلُقِيَّة

- ‌المطلب الأولصفاتها الخِلْقِيَّة

- ‌المطلب الثانيصفاتها الخُلُقِيَّة

- ‌المبحث الثانيمكانتها العِلمِيَّة

- ‌المطلب الأولأقوال العلماء في مكانتها العِلمِيَّة

- ‌المطلب الثانيعلمها بالقرآن وعلومه

- ‌المطلب الثالثعلمها بالسُّنَّة النَّبوِيَّة

- ‌المطلب الرابععلمها بالفِقه والفتْوى

- ‌المطلب الخامسعلمها باللُّغة والشِّعر

- ‌المطلب السادسعلمها بالطِّب والتَّدَاوِي

- ‌المبحث الثالثالفضائل العامة التي شاركتْ فيها أمهات المؤمنين

- ‌المبحث الرابعالفضائل التي انفردتْ بِها رضي الله عنها

- ‌الفصل الثالثالعلاقة الحسنة بين أُمِّ المؤمنين عَائِشَة وآل البيت

- ‌المبحث الأولالعلاقة الحسنة بين عَائِشَة وعليّ رضي الله عنهما

- ‌المبحث الثانيالعلاقة الحَسَنَة بين عَائِشَة وفاطمة رضي الله عنهما

- ‌المبحث الثالثالعلاقة الحسنة بين عَائِشَة وذُرِّيَّة عليِّ وبقية آل البيت

- ‌الفصل الرابعأباطيل وشبهات حول أُمِّ المؤمنين عَائِشَة والرد عليها

- ‌المبحث الأولالافتراءات والأباطيل المكذوبة على عَائِشَة رضي الله عنها

- ‌المطلب الأولأقوال أهل العلم في كَذِب الرَّافِضَة

- ‌المطلب الثانيقول الرَّافِضَة: إنَّ عَائِشَة سقتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم السُّمَّ

- ‌المطلب الثالثقولهم: إِنَّ عَائِشَة اتَّهمتْ مارية القبطية بالزِّنا فنزلتْ فيها آية الإفك

- ‌المطلب الخامسقولهم: إنَّ عَائِشَة مَنَعتْ من دَفْنِ الحسن بن عليّ عند جَدِّه

- ‌المطلب السادسقولهم: إنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانتْ تَكْذِبُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب السابعقولهم: إِنَّ عَائِشَة أغْضَبَتْ فاطمة حتى أَبْكَتْها

- ‌المبحث الثانيالشُّبُهَات المثارة حول عَائِشَة رضي الله عنها

- ‌المطلب الأولالتَّحْذِير من الْوُقُوعِ في شِبَاك الشُّبُهَات

- ‌المطلب الثانيقول الرَّافِضَة: إنّ عَائِشَة خرجتْ لقتالِ عليّ رضي الله عنهما

- ‌المطلب الثالثقولهم: إِنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانتْ تُبْغِضُ عليًا رضي الله عنهما

- ‌المطلب الرابعقولهم: إِنَّ الفِتْنَة خرجتْ من بيت عَائِشَة

- ‌المطلب الخامسقولهم: إِنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانتْ لا تَحْتَجِب من الرِّجال

- ‌المطلب السادسقولهم: إنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانت تُزيِّن الجواري وتطوف بهنّ

- ‌الطلب السابعقولهم: إِنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانتْ تُسِيء إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الخامسالفوائد والآثار الإِيجابِيَّة لحادثة الإفك القديمة والحديثة

- ‌المبحث الأولالفوائد والآثار الإِيجابِيَّة لحادثة الإفك القديمة

- ‌المبحث الثانيالفوائد والآثار الإِيجابِيَّة لحادثة الإفك الحديثة

- ‌الفصل السادسحكم مَنْ سَبَّ أُمَّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها

- ‌المبحث الأولحكم من سَبَّ أُمَّ المؤمنين عَائِشَة بما برَّأَها الله منه

- ‌المبحث الثانيحكم من سَبَّ أُمَّ المؤمنين عَائِشَة بغير ما برَّأَها الله منه

- ‌الخاتمة

- ‌أولاً: النتائج:

- ‌ثانيًا: التوصيات:

- ‌الفهارس

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌أولاً: المصادر والمراجع السُّنِّيَّةُ:

- ‌ثانياً: المصادر والمراجع الشِّيعِيَّة:

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌المبحث الخامسمنزلتها عند المؤمنين

‌المبحث الخامس

منزلتها عند المؤمنين

أُمّ المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها لها مكانة عالية في قلوب المؤمنين، من لَدُن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا، ففي عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، كان المسلمون إذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عَائِشَة، بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عَائِشَة رضي الله عنها (1).

وها هو ابن عباس رضي الله عنه عندما زارها في مرضها الذي ماتت فيه، قال لها:«أَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ» (2).

وها هي سودة رضي الله عنها وهبت يومها لعائشة خاصة، فعن عَائِشَة رضي الله عنها: «مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاخِهَا (3) مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ (4)، قَالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ، جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة،

(1) سبق تخريجه.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} 6/ 106، رقم (4753).

(3)

المِسْلاخ: الجلد، والمعنى: أنها تمنت أن تكون مثل هيئتها وطريقتها. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 389، وتاج العروس 7/ 272.

(4)

قال القَاضِي عياض: " (من) هُنَا للْبَيَان واستفتاح الْكَلام، وَلم ترد عَائِشَة عيب سَوْدَة بذلك بل وصفتها بِقُوَّة النَّفس وجودة القريحة". إكمال المعلم 4/ 664، وينظر: شرح النووي على مسلم 10/ 48، وشرح السيوطي على مسلم 4/ 70.

ص: 37

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لعَائِشَة، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقْسِمُ لعَائِشَة يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» (1).

وحتى الذين خاضوا في الإفك من الصحابة رضي الله عنهم، من غير قصد منهم، قد تابوا، وأحبوا عَائِشَة رضي الله عنها، بل دافعوا عنها أشد دفاع، ومن هؤلاء حسان بن ثابت رضي الله عنه، أنشد فيها شعرًا فقال:

رَأَيْتُكِ وَلْيَغْفِرْ لَكِ اللَّهُ حُرَّةً

مِنَ الْمُحْصَنَاتِ غَيْرَ ذَاتِ غَوَائِلِ

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

عَقِيلَةُ حَيٍّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ

كِرَامِ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ

مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللَّهُ خِيمَهَا

وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَبَاطِلِ

فَإِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ الَّذِي قَدْ زَعَمْتُمُ

فَلا رَفَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي

وَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي

لآلِ رَسُولِ اللَّهِ زَيْنِ الْمَحَافِلِ

لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ

تَقَاصَرُ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ

فَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلائِطٍ

وَلَكِنَّهُ قَوْلُ امْرِئٍ بِيَ مَاحِلِ (2)

(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، وكيف يقسم ذلك 7/ 33، رقم (5212)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها 2/ 1085، رقم (1463).

(2)

أخرج هذه القصة البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث الإفك 5/ 121، رقم (4146)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه 4/ 1934، رقم (2488)، ولم يذكرا هذه الأبيات بطولها غير مطلعها، ووجدتها كاملة في: الاستيعاب 4/ 1883، والبداية والنهاية 6/ 203، وسمط النجوم العوالي 2/ 178.

ص: 38

وكذلك التابعين كانوا يجلون عَائِشَة رضي الله عنها، فكان مسروق إذا حدث عنها قال:"حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله المبرأة من فوق سبع سماوات"(1).

وأكبر دليل على حب المؤمنين لعَائِشَة رضي الله عنها سلفًا وخلفًا، ما ألَّفَه العلماء في شأنها، فقلَّما تركوا شيئًا يتعلق بها إلاّ أفردوا فيه مصنفًا، فذكروا مناقبها ونشروا فضائلها، وردوا على أباطيل من طعن فيها، نثرًا وشعرًا.

وهذه قصيدة بلسانها نظمها أبو عمران موسى بن محمد بن عبد الله الواعظ الأندلسي (2) رحمه الله فقال:

ما شَانُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَشَانِي

هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّانِي

إِنِّي أَقُولُ مُبَيِّنًا عَنْ فَضْلِها

ومُتَرْجِمًا عَنْ قَوْلِها بِلِسَانِي

يا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ

فالبَيْتُ بَيْتِي والمَكانُ مَكانِي

إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ

بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعانِي

وَسَبَقْتُهُنَّ إلى الفَضَائِلِ كُلِّها

فالسَّبْقُ سَبْقِي والعِنَانُ عِنَانِي

مَرِضَ النَّبِيّ وماتَ بينَ تَرَائِبِي

فالْيَوْمُ يَوْمِي والزَّمانُ زَمانِي

(1) ينظر: الطبقات الكبرى 8/ 53، وحلية الأولياء 2/ 44، وأسد الغابة 7/ 186.

(2)

هو: موسى بن محمد بن عبد الله بن بهيج، المغربي، الأندلسي، الواعظ، الفقيه، العالم، من أهل المرية، نزل مصر، يكنى أبا عمران، كان من أهل العلم والأدب، وله في الزهد وغيره أشعار حُملت عنه، مات بعد سنة (496هـ).

ينظر في ترجمته: نفح الطيب 2/ 221، وفهرسة ابن خير الإشبيلي ص (370).

ص: 39

زَوْجِي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ

اللهُ زَوَّجَنِي بِهِ وحَبَانِي

وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ الأَمِينُ بِصُورَتِي

فَأَحَبَّنِي المُخْتَارُ حِينَ رَآنِي

أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدِي سِرُّهُ

وضَجِيعُهُ في مَنْزِلِي قَمَرانِ (1)

وتَكَلَّمَ اللهُ العَظيمُ بِحُجَّتِي

وَبَرَاءَتِي في مُحْكَمِ القُرآنِ

واللهُ خَفَّرَنِي (2) وعَظَّمَ حُرْمَتِي

وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بَرَّانِي

واللهُ في القُرْآنِ قَدْ لَعَنَ الذي

بَعْدَ البَرَاءَةِ بِالقَبِيحِ رَمَانِي

واللهُ وَبَّخَ مَنْ أَرادَ تَنَقُّصِي

إفْكًا وسَبَّحَ نَفْسَهُ في شَانِي (3)

إنِّي لَمُحْصَنَةُ الإزارِ بَرِيئَةٌ

ودَلِيلُ حُسْنِ طَهَارَتِي إحْصَانِي

واللهُ أَحْصَنَنِي بخاتَمِ رُسْلِهِ

وأَذَلَّ أَهْلَ الإفْكِ والبُهتَانِ

وسَمِعْتُ وَحْيَ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ

مِن جِبْرَئِيلَ ونُورُهُ يَغْشانِي

أَوْحَى إلَيْهِ وَكُنْتُ تَحْتَ ثِيابِهِ

فَحَنا عليَّ بِثَوْبِهِ خَبَّاني

مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُ صُحْبَتِي

ومُحَمَّدٌ في حِجْرِهِ رَبَّاني؟

وأَخَذْتُ عن أَبَوَيَّ دِينَ مُحَمَّدٍ

وَهُما على الإسْلامِ مُصْطَحِبانِ

وأبي أَقامَ الدِّينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ

فالنَّصْلُ نَصْلِي والسِّنانُ سِنانِي

والفَخْرُ فَخْرِي والخِلَافَةُ في أبِي

حَسْبِي بِهَذا مَفْخَرًا وكَفانِي

(1) القمران: أبو بكر وعمر، وهما ضجيعا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

(2)

خفرني: حماني وأجارني. ينظر: كتاب العين 4/ 253، والنهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 52، ولسان العرب 4/ 253.

(3)

إشارة إلى قوله تعالى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16].

ص: 40

وأنا ابْنَةُ الصِّدِّيقِ صاحِبِ أَحْمَدٍ

وحَبِيبِهِ في السِّرِّ والإعلانِ

نَصَرَ النَّبِيّ بمالِهِ وفَعالِهِ

وخُرُوجِهِ مَعَهُ مِن الأَوْطانِ

ثانِيهِ في الغارِ الذي سَدَّ الكُوَى (1)

بِرِدائِه ِ أَكْرِمْ بِهِ مِنْ ثانِ

وَجَفَا الغِنَى حتَّى تَخَلَّلَ بالعَبَز

هدًا وأَذْعَنَ أيَّمَا إذْعانِ

وتَخَلَّلَتْ مَعَهُ مَلَائِكَةُ السَّمَا

وأَتَتْهُ بُشرَى اللهِ بالرِّضْوانِ

وَهُوَ الذي لَمْ يَخْشَ لَوْمَةَ لائِمٍ

في قَتْلِ أَهْلِ البَغْيِ والعُدْوَانِ

قَتَلَ الأُلى مَنَعوا الزَّكاةَ بِكُفْرِهِمْ

وأَذَلَّ أَهْلَ الكُفْرِ والطُّغيانِ

سَبَقَ الصَّحَابَةَ والقَرَابَةَ لِلْهُدَى

هو شَيْخُهُمْ في الفَضْلِ والإحْسَانِ

واللهِ ما اسْتَبَقُوا لِنَيْلِ فَضِيلَةٍ

مِثْلَ اسْتِبَاقِ الخَيلِ يَومَ رِهَانِ

إلَاّ وطَارَ أَبي إلى عَلْيَائِه

فَمَكَانُهُ مِنها أَجَلُّ مَكَانِ

وَيْلٌ لِعَبْدٍ خانَ آلَ مُحَمَّدٍ

بِعَدَاوةِ الأَزْواجِ والأَخْتَانِ (2)

طُُوبى لِمَنْ والى جَمَاعَةَ صَحْبِهِ

وَيَكُونُ مِن أَحْبَابِهِ الحَسَنَانِ

بَيْنَ الصَّحابَةِ والقَرابَةِ أُلْفَةٌ

لا تَسْتَحِيلُ بِنَزْغَةِ الشَّيْطانِ

هُمْ كالأَصَابِعِ في اليَدَيْنِ تَوَاصُل

هل يَسْتَوِي كَفٌّ بِغَيرِ بَنانِ؟!

حَصِرَتْ (3) صُدورُ الكافِرِينَ بِوَالِدِي

وقُلُوبُهُمْ مُلِئَتْ مِنَ الأَضْغانِ

(1) الكوى: جمع كُوَّة، والكوة: الخرق في الجدار يدخل منه الهواء أو الضوء. ينظر: لسان العرب 15/ 236، وتاج العروس 39/ 424.

(2)

الأختان: كل مَن كان مِن قِبَلِ المرأة، كأبيها وأخيها. ينظر: الصحاح 5/ 2107، ولسان العرب 13/ 138.

(3)

حصرت: ضاقت صدورهم. ينظر: تهذيب اللغة 4/ 135، ولسان العرب 4/ 193.

ص: 41

حُبُّ البَتُولِ وَبَعْلِها لم يَخْتَلِفْ

مِن مِلَّةِ الإسْلامِ فيهِ اثْنَانِ

أَكْرِمْ بِأَرْبَعَةٍ أَئِمَّةِ شَرْعِنَا

فَهُمُ لِبَيْتِ الدِّينِ كَالأرْكَانِ

نُسِجَتْ مَوَدَّتُهُمْ سَدىً في لُحْمَةٍ

فَبِنَاؤُها مِن أَثْبَتِ البُنْيَانِ

اللهُ أَلَّفَ بَيْنَ وُدِّ قُلُوبِهِمْ

لِيَغِيظَ كُلَّ مُنَافِقٍ طَعَّانِ

رُحَمَاءُ بَيْنَهُمُ صَفَتْ أَخْلاقُهُمْ

وَخَلَتْ قُلُوبُهُمُ مِنَ الشَّنَآنِ

فَدُخُولُهُمْ بَيْنَ الأَحِبَّةِ كُلْفَةٌ

وسِبَابُهُمْ سَبَبٌ إلى الحِرْمَانِ

جَمَعَ الإلهُ المُسْلِمِينَ على أبي

واسْتُبْدِلُوا مِنْ خَوْفِهِمْ بِأَمَانِ

وإذا أَرَادَ اللهُ نُصْرَةَ عَبْدِهِ

مَنْ ذا يُطِيقُ لَهُ على خِذْلانِ؟!

مَنْ حَبَّنِي فَلْيَجْتَنِبْ مَنْ َسَبَّنِي

إنْ كَانَ صَانَ مَحَبَّتِي وَرَعَانِي

وإذا مُحِبِّي قَدْ أَلَظَّ (1) بِمُبْغِضِي

فَكِلاهُمَا في البُغْضِ مُسْتَوِيَانِ

إنِّي لَطَيِّبَةٌ خُلِقْتُ لِطَيِّبٍ

ونِسَاءُ أَحْمَدَ أَطْيَبُ النِّسْوَانِ

إنِّي لأُمُّ المُؤْمِنِينَ فَمَنْ أَبَى

حُبِّي فَسَوْفَ يَبُوءُ بالخُسْرَانِ

اللهُ حَبَّبَنِي لِقَلْبِ نَبِيِّهِ

وإلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ هَدَانِي

واللهُ يُكْرِمُ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتِي

ويُهِينُ رَبِّي مَنْ أَرَادَ هَوَانِي

واللهَ أَسْأَلُهُ زِيَادَةَ فَضْلِهِ

وحَمِدْتُهُ شُكْرًا لِمَا أَوْلَانِي

يا مَنْ يَلُوذُ بِأَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ

يَرْجُو بِذلِكَ رَحْمَةَ الرَّحْمانِ (2)

صِلْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ ولا تَحِدْ

عَنَّا فَتُسْلَبَ حُلَّةَ الإيمانِ

(1) ألظ: لَزِمَه ولم يفارقه.

(2)

قوله يا من يلوذ بأهل بيت محمد، يبدو أنه يخاطب بها الرَّافِضَة.

ص: 42

إنِّي لَصَادِقَةُ المَقَالِ كَرِيمَةٌ

إي والذي ذَلَّتْ لَهُ الثَّقَلانِ

خُذْها إليكَ فإنَّمَا هيَ رَوْضَةٌ

مَحْفُوفَةٌ بالرَّوْحِ والرَّيْحَانِ

صَلَّى الإلهُ على النَّبِيّ وآلِهِ

فَبِهِمْ تُشَمُّ أَزَاهِرُ البُسْتَانِ (1)

ونختم هذه المبحث بقول الشيخ سليمان الندوي رحمه الله: "هذه هي شخصية أُمّ المؤمنين رضي الله عنها التي اتصفت بهذه الصفات العالية وقدمت أمام أكثر من مائة مليون امرأة أسوة حسنة لحياة مثالية كاملة، ورسمت لكل من أتى بعدها أمثل الطرق وأنفعها، وذلك بمآثرها الخالدة، وعبادتها وخضوعها أمام الباري تعالى، والمُثُل الحيّة والأساليب العملية للأخلاق الشرعية شرحًا تفصيليًا، فلها المنّ والفضل من جميع النواحي الدينية والعلمية والاجتماعية على هذا العدد الهائل من صنف النساء"(2).

(1) قصيدة الواعظ الأندلسي في مناقب أُمّ المؤمنين الصديقة ك ص (53 - 62).

(2)

سيرة السيدة عَائِشَة للندوي ص (356،357).

ص: 43