الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس
قولهم: إِنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانتْ لا تَحْتَجِب من الرِّجال
يزعم الرَّافِضَة أَنَّ عَائِشَة رضي الله عنها كانت لا تَحْتَجِب من الرِّجال؛ فيقول أحدُهم: "من غير المناسب أن تتوضأ وتغسل يديها وخديها ووجهها وأذنيها أمام الناس كما في سنن النسائي،
…
كما ليس من المناسب أن تَغْتسِل أمام الرِّجال" (1)، وذكَرَ حديث اغتسال عَائِشَة في الصحيحين وغيرهما.
وشبهة هذا القائل وأمثاله من إخوانه الرَّافِضَة الحديثان التاليان:
الحديث الأول: ما رواه النسائي من طريق عبد الملك بن مروان بن الحارث قال: أخبرني أبو عبد الله سالم سبلان قال: «وَكَانَتْ عَائِشَة تَسْتَعْجِبُ بِأَمَانَتِهِ، وَتَسْتَأْجِرُهُ فَأَرَتْنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ، فَتَمَضْمَضَتْ وَاسْتَنْثَرَتْ ثَلاثًا، وَغَسَلَتْ وَجْهَهَا ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَتْ يَدَهَا الْيُمْنَى ثَلاثًا وَالْيُسْرَى ثَلاثًا، وَوَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً إِلَى مُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ أَمَرَّتْ يَدَهَا بِأُذُنَيْهَا، ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْخَدَّيْنِ. قَالَ سَالِمٌ: كُنْتُ آتِيهَا مُكَاتَبًا مَا تَخْتَفِي مِنِّي، فَتَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيَّ وَتَتَحَدَّثُ مَعِي حَتَّى جِئْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقُلْتُ: ادْعِي لِي بِالْبَرَكَةِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: أَعْتَقَنِي اللَّهُ. قَالَتْ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَأَرْخَتِ الْحِجَابَ دُونِي، فَلَمْ أَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ» (2).
(1) هذا القول جزء من مقال لأحد الروافض، بعنوان:"عَائِشَة تحت المجهر"، على موقع منتديات أنصار آل محمد www.ansaaar.com.
(2)
أخرجه النسائي في المجتبى، كتاب الطهارة، باب مسح المرأة رأسها 1/ 72، رقم (100)، وفي السنن الكبرى، 1/ 113، رقم (105)، والدولابي في الكنى 2/ 820، رقم (1430)، والبخاري في =
الحديث الثاني: ما رواه الشيخان من طريق أبي بكر بن حفص قال: سمعت أبا سلمة، يقول:«دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَة عَلَى عَائِشَة، فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ، فَاغْتَسَلَتْ، وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ» (1).
الجواب عن هذه الشُّبْهَة:
الحديث الأول حديث النسائي: ليس فيه عدم احتجاب عَائِشَة رضي الله عنها عن الرجال، فأبو عبد الله سالم سبلان مولى من موالي عَائِشَة رضي الله عنها، والمولى يجوز له النظر إلى سيِّدته، وعَائِشَة رضي الله عنها كانت فقيهة، لا يخفى عليها هذا الأمر؛ ولهذا لما أُعتق أرخت دونه الحجاب كما في الحديث:«وَأَرْخَتِ الْحِجَابَ دُونِي، فَلَمْ أَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ» ، والشواهد من السنة على ذلك كثيرة:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ رضي الله عنها ثَوْبٌ، إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَا تَلْقَى قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ
= التاريخ الكبير 4/ 110، والخطيب البغدادي في المتفق والمفترق 3/ 1524 رقم (854)، وقال الألباني:"صحيح الإسناد". ينظر: سنن النسائي 1/ 244 رقم (100)، مع حكم الألباني، اعتنى به: مشهور بن حسن آل سلمان، طبعة مكتبة المعارف - الرياض.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب الغسل بالصاع ونحوه 1/ 59، رقم (251)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة
…
1/ 256، رقم (320).
بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلامُكِ"» (1).
وكثير من علماء السنة يجوزون رؤية العبد لسيدته، فقد جاء في شرح خليل:"ولعبد بلا شرك ومكاتب وغدين نظر شعر السيدة - يعني أن العبد الوغد أي القبيح المنظر - يجوز له أن ينظر إلى شعر سيدته، وبقية أطرافها التي ينظرها محرمها والخلوة بها على ما شهره ابن ناجي بشرط أن يكون كاملاً لها"(2).
وجاء في حواشي الشرواني: "رأيت الشارح في شرح الإرشاد صرح بحل نظر سيد المشتركة أو المبعضة لما عدا ما بين سرتها وركبتها"(3).
وقال ابن قدامة رحمه الله وهو يتحدث عن هذه المسألة: "قال الشافعي هو - أي العبد - محرم لها - أي السيدة - وحكاه بعض أصحابنا عن أحمد؛ لأنه يباح له النظر إليها فكان محرمًا لها كذي رحمها"(4).
والرَّافِضَة أنفسهم، يقولون: إن المرأة لا يجب أن تَحْتَجِب من العبد إلا أن يؤدي ما يعتقه، فقد قال يوسف البحراني في 'الحدائق الناضرة':"عن معاوية بن عمار بسندين أحدهما صحيح والآخر حسن في قوة الصحيح، "قال: قلت لأبي
(1) أخرجه أبو داود في سننه كتاب اللباس، باب في العبد ينظر إلى شعر مولاته 4/ 62، رقم (4106)، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 154، رقم (13545)، وفي الآداب ص (246)، رقم (601)، ومعرفة السنن والآثار 10/ 23، رقم (13486)، والبغوي في شرح السنة 9/ 29، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة 5/ 91، رقم (1712)، وقال الألباني في إرواء الغليل 6/ 206، رقم (1799):"إسناده صحيح رجاله ثقات".
(2)
شرح مختصر خليل للخرشي 3/ 221.
(3)
حواشي الشرواني 7/ 197.
(4)
الشرح الكبير 3/ 193.
عبد الله عليه السلام: المملوك يرى شعر مولاته وساقها؟ قال: لا بأس "، وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله في الصحيح والموثق، بأبان بن عثمان "قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك يرى شعر مولاته؟ قال: لا بأس" (1).
وقد قال بذلك كثير من علمائهم (2)، وهو واضح في جواز عدم الاحتجاب من المكاتب قبل أن يصير عنده ما يؤدي مكاتبته.
وعليه فلا متمسك للرافضة في هذه الشُّبْهَة، وكتبهم ترد عليهم، وشهد شاهدٌ من أهلها.
وأما الحديث الثاني: المتفق عليه، فليس فيه أيضًا ما يدل على عدم احتجاب عَائِشَة رضي الله عنها عن الرجال، فأبو سلمة راوي الحديث هو: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ابن أخت عَائِشَة من الرضاعة أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فعَائِشَة خالته، والآخر هو أخو عَائِشَة من الرضاعة كما في الحديث، فكلا الرجلين من محارم عَائِشَة رضي الله عنها.
قال القاضي عياض (3) رحمه الله: "ظاهر الحديث أنهما رأيا عملها في رأسها
(1) الحدائق الناضرة 23/ 69.
(2)
ينظر: الحدائق الناضرة 23/ 69، وينظر: مستند الشيعة للنراقي 16/ 53، والكافي للكليني 5/ 531، ووسائل الشيعة 20/ 223 للحر العاملي، ومستمسك العروة الوثقى14/ 43 لمحسن الحكيم.
(3)
هو: عياض بن موسي بن عياض السبتي، القاضي، أبو الفضل، أصله من الأندلس، ثم انتقل آخر أجداده إلى مدينة فاس، ثم من فاس إلى سبته. أحد علماء المالكية، كان إمامًا حافظًا محدثًا فقيهًا متبحرًا، من تصانيفه:(إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم)، و (كتاب الإعلام بحدود قواعد الإسلام). مات سنة (544هـ).
ينظر في ترجمته: بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس ص (437)، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 43، ووفيات الأعيان 3/ 483، وسير أعلام النبلاء 15/ 49.
وأعلى جسدها مما يحل لذي المحرم النظر فيه إلى ذات المحرم، وأحدهما - كما قال - كان أخوها من الرضاعة، قيل: إن اسمه عبد الله بن يزيد، وكان أبو سلمة ابن أختها من الرضاعة أرضعته أم كلثوم بنت أبى بكر" (1)، فالحديث ليس فيه متمسَّك للرافضة كسابقه، والله تعالى أعلم.
(1) إكمال المعلم 2/ 163.