الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
الفضائل العامة التي شاركتْ فيها أمهات المؤمنين
إِنَّ لأمهات المؤمنين من الفضائل والحرمة والتعظيم الشيء الكثير العزيز، باعتبارهنَّ زوجات لخاتم النبيين، وهن من آل بيته بلا شك، طاهرات مطهرات، طيبات مطيبات، بريئات مبرآت من كل سوء يقدح في أعراضهن وفرشهن، فالطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، فرضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين.
وبما أَنَّ عائشة رضي الله عنها من أمهات المؤمنين، فهي تشاركهن في هذه الفضائل المشتركة بينهن، ومن الفضائل التي شاركت فيها عَائِشَة رضي الله عنها غيرها من أمهات المؤمنين الآتي:
أولاً: أنهنّ من أفضل نساء العالمين على الإطلاق في الشرف والفضل وعلو المقام، كما قال تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (1)، فحكم الله تعالى بتفضيلهن على النساء مطلقًا، ويكفي هذا شرفًا لهن، حيث جاء تفضيلهن من قبل الله عز وجل.
ثانيًا: أنهن زوجات لأفضل البشر، سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم، وهل هناك نساء، أشرف من زوجات اختارهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل اختارهن الله عز وجل له، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم:{لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} (2).
(1) سورة الأحزاب، الآية:32.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:52.
ثالثًا: أنهن أمهات المؤمنين، بنص القرآن، قال الله تعالى:{النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (1)، فنزَّلهن الله تعالى منزلة الأمومة للمؤمنين، حيث جعلهن أمهات في التحريم والاحترام، والتوقير والإكرام والإعظام، بل إنه تعالى حرم على المؤمنين الزواج منهن، كما يحرم على الولد الزواج بأمه، مع أنَّ ذلك حلال مع غيرهن، فقال:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} (2).
رابعًا: أنهن زوجات للنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة؛ ويدل على ذلك نصوص كثيرة منها:
1-
حديث عَائِشَة رضي الله عنها قالت: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مِنْ أَزْوَاجِكَ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "أَمَا إِنَّكِ مِنْهُنَّ" قَالَتْ: فَخُيِّلَ لِي أَنَّ ذَاكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرِي» (3)، فقوله صلى الله عليه وسلم:"أَمَا إِنَّكِ مِنْهُنَّ" يدل على أن غيرها من الأمهات في الجنة.
2-
حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه، قال:«لَمَّا طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَفْصَةَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ» (4).
(1) سورة الأحزاب، الآية:6.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:53.
(3)
أخرجه ابن حبان في صحيحه 16/ 8، رقم (7096)، والطبراني في المعجم الكبير 23/ 39، رقم (99)، وفي المعجم الأوسط 8/ 84، رقم (8039)، والحاكم في المستدرك 4/ 14، رقم (6743)، وقال:"صحيح الإسناد"، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 133.
(4)
أخرجه البزار في مسنده 4/ 237، رقم (1401)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 5/ 409، رقم (3052)، والطبراني في المعجم الكبير 23/ 188، رقم (306)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 2/ 50 =
3-
قول عمَّار بن ياسر رضي الله عنه عن عَائِشَة رضي الله عنها: «أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا» (2)، وذلك لما خرجت عَائِشَة تطالب بدم عثمان وخرجت هناك مع طلحة وغيره، وفَقَطْع عمَّار لها بدخول الجنَّة لا يكون إلا بتوقيف.
خامسًا: "أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها بعد نزول آيات التخيير وهي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً - وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (3).
فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وتركن الحياة الدنيا وزينتها ومتاعها، وكان هذا الاختيار صادقًا بدليل أنه لم يكن ثمة ما يرغبهن بالبقاء مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ويصبرهن على معاناة ضيق العيش معه، سوى صدق الإيمان، وحقيقة التقوى؛ ولأنَّ هذا الاختيار قائم على التقوى، استحق قبول الله عز وجل له فأكرمهن بسببه، وهذا التكريم من جهتين:
1 -
منعه صلى الله عليه وسلم من الزواج عليهن.
2 -
منعه صلى الله عليه وسلم من تطليق واحدةٍ منهن، ليتزوج أخرى بدلاً منها، وذلك من أجل أن يبقين له زوجات دائمات، ليس في الدنيا فحسب، وإنما في الآخرة أيضًا؛
= ومعرفة الصحابة 6/ 3214، والحديث حسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/ 17.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب فضل عَائِشَة رضي الله عنها 5/ 29، رقم (3772).
(2)
سورة الأحزاب، الآيتان:28،29.
ولذلك منع المؤمنين من التزوج بهن من بعده" (1).
سادسًا: تطهيرهن من الرجس (الشرك والشيطان والأفعال الخبيثة والأخلاق الذميمة) قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (2)، وهذا بناءً على القول الذي لا يصح غيره وهو أنهن من جملة أهل البيت.
سابعًا: مضاعفة الأجر لهن على الطاعات والعمل الصالح، كما في قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} (3).
ثامنًا: لقد شرفهن الله بتلاوة القرآن والحكمة في بيوتهن مما يدل على جلالة قدرهن ورفعتهن، قال تعالى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (4).
وبالجملة: فهذه شذرات مقتضبة في فضائل أمهات المؤمنين، أردنا بها التنويه على عظيم فضلهن، وشموخ مقامهن، وإِلَاّ فالبحث يحتمل أكثر من ذلك، ولا يتسع المقام لما هنالك، فاللبيب تكفيه الإشارة، والحر تكفيه البشارة.
(1) ينظر: شذى الياسمين في فضائل أمهات المؤمنين ص (17).
(2)
سورة الأحزاب، الآية:33.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:31.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:34.