الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
قولهم: إِنَّ عَائِشَة اتَّهمتْ مارية القبطية بالزِّنا فنزلتْ فيها آية الإفك
والرَّافِضَة لهم في تقرير هذه الشُّبْهَة عدة مسالك:
المسلك الأول: التشكيك في قصة الإفك، وإنكار براءة عَائِشَة رضي الله عنها:
"وقد أنكر جَمعٌ من الشيعة ذلك زاعمين أنّ هذا من قول العامّة - يعنون أهل السنة - إذ رواية أهل السنةّ عندهم مردودة بالإجماع، بل إنّهم يرون أيضًا أن الخبر إذا جاء متناقضًا عن واحدٍ من أئمّتهم من طريقين، وافق أحدهما مذهب أهل السنّة: يُترك الخبر الموافق لمذهب أهل السنّة لاحتمال خروجه على التقية (1)، وعلى هذا: فقد أنكر جمعٌ من الشيعة - كما تقدّم - نزول آيات سورة النّور في تبرئة عَائِشَة؛ لأنّ ذلك من قول أهل السنّة.
أما هم: فيرون أنّ هذه الآيات نزلت في براءة مارية القبطية ممّا رمته بها عَائِشَة رضي الله عنها؛ كما تقدّمت مزاعمهم في هذا.
وقد حاول بعض الشيعة المعاصرين التشكيك في قصّة الإفك، ومن هؤلاء المشككين: جعفر مرتضى الحسينيّ صاحب كتاب 'حديث الإفك'، والذي ألّف كتابه هذا بغرض نَقْض حديث الإفك؛ فقد حاول من أوّل صفحات هذا الكتاب، إلى آخر صفحاته، ردّ حديث الإفك بشتى الوسائل والحجج؛ من طعنٍ في رواة أهل السنةّ، إلى زعمٍ بتناقض هذا الحديث واضطرابه، أو دعوى ضعف السند دون بيان سبب الضعف، أو غير ذلك من الافتراءات (2).
(1) ينظر: الصراط المستقيم للبياضي 3/ 157، 182.
(2)
ينظر: كتاب حديث الإفك لجعفر مرتضى الحسيني.
وممّن أنكر قصّة الإفك أيضًا هاشم معروف الحسيني في كتابه 'سيرة الأئمة الاثني عشر' (1)، وغيرهما.
والرد على هذه الفرية:
أنَّ إنكار الرَّافِضَة لبراءة عَائِشَة رضي الله عنها والتشكيك في قصة الإفك يتعارض مع إقرار جمعٍ كبيرٍ من علمائهم، واعترافهم بأنّ اللَّه سبحانه وتعالى قد برّأ عَائِشَة رضي الله عنها ممّا نُسب إليها من الإفك، وبأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلد من جاء به، واستشهدوا بقصّة الإفك على وجود العداوة بين عليّ رضي الله عنه وعَائِشَة رضي الله عنها، وبأنهّا أي العداوة ظهرت منذ ذلك الحين (2) " (3).
بل إِنَّ بعضَ أئمتهم يؤكد أَنَّ براءة عَائِشَة رضي الله عنها أمرٌ متواترٌ علم بالضرورة، وإنكاره إنكار للضروري.
فيقول ابن أبي الحديد (4): "وقوم من الشيعة زعموا أن الآيات التي في سورة النور لم تنزل فيها وإنما أنزلت في مارية القبطية وما قذفت به مع الأسود القبطي، وجحدهم
(1) 1/ 438.
(2)
ينظر: الجمل للمفيد (219)، وتلخيص الشافي للطوسي ص (468)، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1/ 201، والصوارم المهرقة للتستري (105)، وإحقاق الحق له ص (284)، والدرجات الرفيعة للشيرازي (25)، والفصول المهمة للموسوي (156).
(3)
الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة على أُمّ المؤمنين عَائِشَة ص (112 - 114) بتصرف.
(4)
هو: عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد، أبو حامد، عز الدين، له علم بالأدب والشعر والتاريخ، وجمع بين الاعتزال والتشيع، قال عنه ابن كثير:"الكاتب الشاعر الْمُطَبِّقُ الشيعي الغالي"، من مصنفاته:(شرح نهج البلاغة)، مات سنة (656هـ).
ينظر في ترجمته: تاريخ الإسلام 48/ 202، والبداية والنهاية 13/ 233، والوافي بالوفيات 18/ 46.
لإنزال ذلك في عَائِشَة جحد لما يعلم ضرورة من الأخبار المتواترة" (1).
ونجد أيضًا أَنَّ ابن أبي الحديد نفسه في موضعٍ آخر يثبت براءة عَائِشَة رضي الله عنها حيث يقول: "وقُذِفَتْ عَائِشَة في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفوان بن المعطل السلمي، والقصة مشهورة؛ فأنزل الله - تعالى - براءتها في قرآنٍ يُتْلَى وَيُنْقَل، وَجُلِدَ قاذفوها الحد"(2).
المسلك الثاني: استغلال روايات ضعيفة منكرة وقعت في كتب أهل السنة:
ومن المعروف أنَّ من مسالك الرَّافِضَة في تقرير شبهاتهم وافتراءاتهم أنهم يعمدون إلى رواية ضعيفة منكرة أو موضوعة وردت في كتب أهل السنة، فيوردونها مؤكدين بها ما يقولونه، ثم يلزمون أهل السنة بها.
وفي هذه الفرية بالذات عمد بعضهم إلى روايةٍ ضعيفة جدًا، بل باطلة وردت في كتب أهل السنة، ويتصدر هذا التيار المدعو عبد الحسين الرافضي في كتابه 'المراجعات'.
وهذه هي الرواية التي يستندون إليها: فعن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: «أُهْدِيَتْ مَارِيَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهَا ابْنُ عَمٍّ لَهَا، قَالَتْ: فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَقْعَةً فَاسْتَمَرَّتْ حَامِلاً، قَالَتْ: فَعَزَلَهَا عِنْدَ ابْنِ عَمِّهَا، قَالَتْ: فَقَالَ أَهْلُ الإِفْكِ وَالزُّورِ: مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى الْوَلَدِ ادَّعَى وَلَدَ غَيْرِهِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ قَلِيلَةَ اللَّبَنِ فَابْتَاعَتْ لَهُ ضَائِنَةَ لَبُونٍ فَكَانَ يُغَذَّى بِلَبَنِهَا، فَحَسُنَ عَلَيْهِ لَحْمُهُ، قَالَتْ عَائِشَة رضي الله عنها: فَدُخِلَ بِهِ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَيْنَ؟ فَقُلْتُ: مَنْ غُذِّيَ بِلَحْمِ الضَّأْنِ يَحْسُنُ لَحْمُهُ، قَالَ: وَلَا الشَّبَهُ قَالَتْ:
(1) شرح نهج البلاغة 14/ 23.
(2)
المصدر نفسه 9/ 191.
فَحَمَلَنِي مَا يَحْمِلُ النِّسَاءَ مِنَ الْغَيْرَةِ أَنْ قُلْتُ: مَا أَرَى شَبَهًا، قَالَتْ: وَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَقُولُ النَّاسُ فَقَالَ لِعَلِيٍّ: خُذْ هَذَا السَّيْفَ فَانْطَلِقْ فَاضْرِبْ عُنُقَ ابْنِ عَمِّ مَارِيَةَ حَيْثُ وَجَدْتَهُ، قَالَتْ: فَانْطَلَقَ فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ عَلَى نَخْلَةٍ يَخْتَرِفُ رُطَبًا قَالَ: فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى عَلِيٍّ وَمَعَهُ السَّيْفُ اسْتَقْبَلَتْهُ رِعْدَةٌ قَالَ: فَسَقَطَتِ الْخِرْقَةُ، فَإِذَا هُوَ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ عز وجل لَهُ مَا لِلرِّجَالِ شَيْءٌ مَمْسُوحٌ» (1).
فنجد أَنَّ هذه الرواية قد استغلها عبد الحسين الشيعي في "مراجعاته" أسوأ استغلال، واتكأ عليها في اتهامه للسيدة عَائِشَة في خُلُقِها ودينها، فقال:"وحسبك مثالاً لهذا ما أيدته - نزولاً على حكم العاطفة - من إفك أهل الزور إذ قالوا - بهتانًا وعدوانًا - في السيدة مارية وولدها عليه السلام ما قالوا، حتى برأهما الله عز وجل من ظلمهم براءة - على يد أمير المؤمنين - محسوسة ملموسة! {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} (2)! "(3).
وعلق على هذا بقوله:"من أراد تفصيل هذه المصيبة؛ فليراجع أحوال السيدة مارية رضي الله عنها في (ص 39) من الجزء الرابع من 'المستدرك' للحاكم، أو من 'تلخيصه' للذهبي"!.
يشير بذلك إلى هذا الحديث المنكر، وأنه لم يكتف في الاعتماد عليه - مع ضعفه الشديد - بل إنه زاد على ذلك أنه لم يسق لفظه؛ تدليسًا على الناس
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 41، رقم (6821)، وسكت عنه الحاكم والذهبي، وقال الألباني في "الضعيفة" 10/ 700:"ضعيف جدًا".
(2)
سورة الأحزاب، الآية:25.
(3)
المرجعات ص (247 - 248).
وتضليلاً؛ فإنه لو فعل وساق اللفظ؛ لتبين منه لكل من كان له لب ودين أن عَائِشَة بريئة مما نسب إليها في هذا الحديث المنكر من القول - براءتها مما اتهمها به المنافقون؛ فبرأها الله تعالى بقرآن يتلى -، آمن الشيعة بذلك أم كفروا، عامل الله الكذابين والمؤيدين لهم بما يستحقون! وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم إن الحديث؛ أخرجه ابن شاهين أيضًا من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري به؛ كما في 'الإصابة' (1) للحافظ العسقلاني؛ وقال: "وسليمان ضعيف"(2).
والجواب على هذا الكلام من وجوه:
أولاً: هذه الرواية باطلة وضعيفة جدًا لا يجوز الاحتجاج بها أبدًا:
فالحديث من رواية سليمان بن أرقم، والأئمة متفقون على تضعيفه (3)، بل هو ضعيف جدًا.
ولظهور ضعف هذا الحديث فقد سكت عنه الحاكم في 'مستدركه' - على تساهله في التصحيح -، وكذلك سكت عنه الذهبي في 'تلخيصه عليه'، وقد أورد هذا الحديث الشيخ الألباني في كتابه 'السلسلة الضعيفة' (4): وقال: "ضعيف جدًا".
ثانيًا: أَنَّ الحديث أصله صحيح ثابت، وليس فيه هذه الزيادات المنكرة:
وهذه الزيادات زادها ابن الأرقم على الحديث، وهذا إِنْ دل على شيءٍ إنما
(1) 6/ 14.
(2)
السلسلة الضعيفة 10/ 701 - 703.
(3)
ينظر: التاريخ الكبير 4/ 2، والضعفاء والمتروكون للنسائي ص (48)، والجرح والتعديل 4/ 100، والكامل في ضعفاء الرجال 4/ 228، وتاريخ بغداد 10/ 18، والضعفاء والمتروكون لابن الجوزي 2/ 16، والمغني في الضعفاء 1/ 277.
(4)
10/ 700، رقم (4964).
يدل على أنه سيء الحفظ جدًا، أو أنه يتعمد الكذب والزيادة؛ لهوى في نفسه، ثم يحتج بها أهل الأهواء!
وأما الرواية الصحيحة في ذلك فهي عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ إِبْرَاهِيمَ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِىٍّ: اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَأَتَاهُ عَلِيٌّ، فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اخْرُجْ. فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، فَأَخْرَجَهُ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ، فَكَفَّ عَلِىٌّ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ» (1).
المسلك الثالث: إدخالهم زيادات منحولة على النص الصحيح ليتمموا بها فريتهم:
إِنَّ من الأمور التي يتفنن فيها الرَّافِضَة أنهم يعمدون إلى روايةٍ صحيحةٍ، ثم يدخلون عليها زياداتٍ تفسد النص؛ ليسوِّغوا بذلك ما يريدونه من كذبٍ وافتراءٍ ودسٍّ، وقد يجعلون هذه الرواية المكذوبة سببًا لنزول آيةٍ في كتاب الله تعالى ليتم لهم إتقان التلبيس والتضليل.
فقد ذكر علي بن إبراهيم القُمِّي في 'تفسيره' (2)، في تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (3) قال: إن
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب براءة حرم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من الريبة 4/ 2139، رقم (2771)، وأحمد في مسنده 21/ 405، رقم (13989)، والحاكم في المستدرك 4/ 42، رقم (6824) والزيادة له، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم".
(2)
2/ 99.
(3)
سورة النور، الآية:11.
العامة رووا أنها نزلت في عَائِشَة، وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة، وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية، وما رمتها به عَائِشَة.
ثم روى علي بن إبراهيم القُمِّي بسنده قال: "لما مات إبراهيم بن رسول الله - صلى الله عليه وآله - حزن عليه حزنًا شديدًا، فقالت عَائِشَة: ما الذي يحزنك عليه؟ فما هو إلا ابن جُرَيْح
…
" (1).
فهذه الرواية هي رواية صحيحة ثابتة - عند الرَّافِضَة السبئيين -، ولذلك يعتمدون عليها أيما اعتماد، وقد صرح كبار علمائهم بصحة هذه الرواية.
فهذا المفيد - وهو من كبار علمائهم - يُؤكِّد أنّ هذه الروايات صحيحة ومسلَّمة عند الشيعة، فيقول:"خبر افتراء عَائِشَة على مارية القبطية خبٌر صحيحٌ مسلَّمٌ عند الشيعة"(2)، فالخبر إذًا صحيح مسلَّمٌ (3).
وقد روى الرَّافِضَة أيضًا هذه القصة في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (4).
قال علي بن إبراهيم القُمِّي في "تفسيره' (5): "إنها نزلت في مارية القبطية أم
(1) وقد ذكر ذلك أيضًا جمع من مصنفي الرَّافِضَة نقلاً عن القُمِّي، منهم: هاشم البحراني في تفسيره: البرهان في تفسير القرآن 4/ 52، 53، والمجلسي في بحار الأنوار 22/ 155.
(2)
رسالة فيما أشكل من خبر مارية للمفيد ص (29).
(3)
الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة ص (103)، وينظر: الحصون المنيعة في براءة عَائِشَة الصديقة ص (54)، والفتح الأنعم في براءة عائشة ومريم ص (130).
(4)
سورة الحجرات، الآية:6.
(5)
2/ 318، 319.
إبراهيم، وكان سبب ذلك أن عَائِشَة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وآله -: إن إبراهيم ليس هو منك، وإنما هو من جريح القبطي، فإنه يدخل إليها في كل يوم، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وآله -، وقال لأمير المؤمنين عليه السلام: خذ هذا السيف وأتني برأس جريح
…
"، إلى أن قال: "فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية (1) " (2).
وتأكيدًا لما ذكرناه آنفًا من مسلك الرَّافِضَة في إدخال زيادات فاسدة على نصوص صحيحة نورد في هذا المقام روايةً صحيحةً في كتب أهل السنة، ونرى كيف شوهها الرَّافِضَة، وغيروا فيها:
روى الطَّحَاوي من طريق: عبد الرحمن بن صالح الأزدي الكوفي، والبزار وأبو نُعَيْم، وابن عساكر، والضياء المقدسي من طريق: أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني، كلهم من طريق: يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال: «كَانَ قَدْ تَجَرَّؤُوا (وفي رواية: كَثُرَ أو أُكْثِرَ) عَلَى مَارِيَةَ فِي قِبْطِيٍّ ابْنِ عَمٍّ لَهَا كَانَ يَزُورُهَا، وَيَخْتَلِفُ إِلَيْهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: خُذْ هَذَا السَّيْفَ فَانْطَلِقْ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ عِنْدَهَا فَاقْتُلْهُ،
…
» الحديث (3).
(1) وينظر: أيضًا: البرهان في تفسير القرآن 13/ 138، وتفسير نور الثقلين 5/ 81، وبحار الأنوار 22/ 153، 154.
(2)
الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة ص (114 - 115).
(3)
أخرجه الطَّحَاوي في شرح مشكل الآثار 12/ 473، 474، رقم (4953)، والبزار في مسنده 2/ 237، رقم (634)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة 1/ 387، رقم (735)، وأبو نُعَيْم في حلية الأولياء 3/ 177،178، وابن عساكر في تاريخ دمشق 3/ 236، 237، قال أبو نعيم:"هذا غريب لا يعرف مسندا بهذا السياق إلا من حديث محمد بن إسحاق"، وقال المقدسي: "له =
وليس في هذا الحديث ذكر لعَائِشَة، فلينظر المنصف المتبع للحق كيف غير الرَّافِضَة في هذه الرواية ودسوا فيها الدسائس؟، فالرواية الصحيحة التي بهذا السياق وردت في المنافقين وليست في عَائِشَة رضي الله عنها.
فالمنافقون هم الذين كانوا يشيعون الأخبار الكاذبة عن مارية برأها الله، يفعلون ذلك طعناً في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل رأس النفاق عبد الله بن أُبي بعائشة قبلها وقد برأها الله، والذي يؤمن برسول الله ويحترمه لا يجعل زوجاته بين قاذفة ومقذوفة لاسيما بعد ما نزلت براءة عَائِشَة في قرآن يتلى في مشارق الأرض ومغاربها إلى يوم القيامة، ويؤمن ببراءتها وفضلها ومكانتها وما أنزل في شأنها من قرآن كل مؤمن، ولا يقدح فيها إلا كل زنديق حاقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أسرته وأصحابه (1).
= شاهد في صحيح مسلم من رواية أنس بنحوه"، وقال محققه: "إسناده حسن". والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 4/ 527، رقم (1904)، وقال: "وصرح البخاري وابن منده بتحديث ابن إسحاق، فزالت شبهة تدليسه وسائر رجاله ثقات، فهو إسناد متصل جيد".
(1)
الانتصار لكتاب العزيز الجبار وللصحابة الأخيار على أعدائهم الأشرار لربيع المدخلي ص (396، 397) بتصرف.
المطلب الرابع
قولهم: إِنَّ عَائِشَة رضي الله عنهاانت تبغض عثمان وتقول: "اقتلوا نعثلاً (1) فقد كفر"
استدل الرَّافِضَة على بغض عَائِشَة لعثمان، وأمره بقتله بما أورده سيف بن عمر (2) في كتابه 'الفتنة ووقعة الجمل' عن عَائِشَة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة، لقيها عبد بن أم كلاب - وهو عبد بن أبي سلمة، ينسب إلى أمه - فقالت له: مهيم (3)؟ قال: قتلوا عثمان رضي الله عنه، فمكثوا ثمانيا، قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع، فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت: والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك! ردوني ردوني، فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلومًا، والله لأطلبن بدمه، فقال لها ابن أم كلاب: ولم؟ فو الله إن أول من أمال حرفه لأنت! ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر، قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول
…
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب
(1) نَعْثَلُ: اسم رجل من أهل مصر كان طويل اللحية، وكان عثمان رضي الله عنه إذا نيل منه وعيب شبه بذلك الرجل لطول لحيته، والنَعْثَلُ: في الأصل: الشيخ الأحمق، وقيل: الذكرُ من الضِباع. ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 3/ 426، والصحاح 5/ 1832، والفائق في غريب الحديث 4/ 52، والنهاية في غريب الحديث والأثر 5/ 79.
(2)
هو: سيف بن عمر الأسدي التميمي، الشيعي، أصله من الكوفة، من أصحاب السِّير، وهو ضعيف في رواية الحديث، ومن مصنفاته:(الجَمَل) و (الفتوح الكبير) و (الردة)، مات سنة (200هـ).
ينظر في ترجمته: الجرح والتعديل 4/ 278، والمجروحين 1/ 345، والكامل في ضعفاء الرجال 4/ 507.
(3)
مَهْيَمْ: كلمةٌ يُسْتَفْهَمُ بها، معناها: ما أمركم وشأنكم؟. ينظر: الصحاح 5/ 2038، ومشارق الأنوار 1/ 390، والنهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 378.
المسجد فقصدت للحجر، فسترت واجتمع إليها الناس، فقالت: يا أيها الناس، إن عثمان قتل مظلومًا، ووالله لأطلبن بدمه" (1).
والرد على هذا الفرية من وجوه:
أولاً: إِنَّ هذا الخبر مكذوب وموضوع لا يصح وذلك للآتي:
1 -
الخبر من رواية: سيف بن عمر الأسدي التميمي، قال عنه يحيى بن معين:"ضعيف"(2)، وقال مرة أخرى عنه:"فلس خير منه"(3)، وقال أبو حاتم:"متروك الحديث"(4)، وقال أبو داود: ليس بشيء" (5)، وقال النسائي: "ضعيف" (6)، وقال ابن عدي: "بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق" (7).
وقال ابن حبان: "يروى الموضوعات عن الأثبات،
…
وكان سيف يضع الحديث وكان قد اتهم بالزندقة" (8)، وقال الدَّارَقُطْنِي: "متروك" (9).
(1) الفتنة ووقعة الجمل لسيف بن عمر ص (115)، وأورده المجلسي في بحار الأنوار 32/ 49 - نقلاً من كتب أهل السنة -.
وهذا الخبر ورد فعلاً في كتب أهل السنة: فقد أخرجه الطبري في تاريخه 4/ 458،459، وابن أعثم في الفتوح 2/ 437، وابن الأثير في الكامل في التاريخ 2/ 570.
(2)
تاريخ ابن معين رواية الدوري 3/ 459.
(3)
الكامل في ضعفاء الرجال 4/ 507.
(4)
الجرح والتعديل 4/ 278.
(5)
سؤالات الآجري لأبي داود 1/ 214.
(6)
الضعفاء والمتروكون ص (50).
(7)
الكامل في ضعفاء الرجال 4/ 508.
(8)
المجروحين لابن حبان 1/ 346.
(9)
سؤالات البرقاني ص (34).
2 -
والحديث من رواية: نصر بن مزاحم العطار، أبي الفضل المنقري، الكُوفِيّ، سكن بغداد.
وذكره الدَّارَقُطْنِيّ في الضعفاء والمتروكين (1).
وقال أبو الفتح محمّد بن الحسين الحافِظ: "نصر بن مُزَاحِم غال في مذهبه، غير محمود في حديثه"(2)، قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني:"نصر بن مُزَاحِم العَطَّار كان زائغًا عن الحق مائلاً"(3)، قال الخطيب البغدادي:"قُلْتُ: أراد بذلك غلوه في الرفض (4)، وقَالَ صالح بن مُحَمَّد: "نصر بن مُزَاحِم رَوَى عن الضعفاء أحاديث مناكير" (5).
وقال العقيلي: "شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير"(6)، وقال أبو خيثمة:"كان كذابًا"(7)، وقال أبو حاتم:"واهي الحديث، متروك"(8).
وقال العجلي: "كان رافضيًا غاليًا
…
ليس بثقة ولا مأمون" (9).
وذكر له ابن عدي أحاديث وقال: "هذه وغيرهما من أحاديث غالبها
(1) الضعفاء والمتروكون 3/ 134.
(2)
تاريخ بغداد 15/ 382.
(3)
أحوال الرجال ص (132).
(4)
تاريخ بغداد 13/ 284.
(5)
تاريخ بغداد 13/ 284.
(6)
الضعفاء 4/ 300.
(7)
الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي 3/ 160.
(8)
الجرح والتعديل 8/ 468.
(9)
لسان الميزان 6/ 157.
غير محفوظ" (1).
وقال عنه ابن حجر والذهبي: "رافضي جلد، تركوه"(2).
وقال ياقوت الحموي: "نصر بن مزاحم أبو الفضل المنقري الكوفي: كان عارفًا بالتاريخ والأخبار، وهو شيعي من الغلاة جلد في ذلك
…
واتهمه جماعة من المحدّثين بالكذب، وضعّفه آخرون" (3).
3 -
إِنَّ وجود هذا الخبر في بعض كتب أهل السنة لا يجعله حجةٌ عليهم وذلك لأسباب:
أولها: إِنَّ هذا الخبر لم يرد في أمهات كتب أهل السنة المسندة المعتمدة كالصحيحين والسنن الأربعة، ونحو ذلك من الكتب المشهورة.
ثانيها: هذا الخبر ورد في كتب التاريخ التي تجمع الأخبار غثها وسمينها، ومن المعلوم أن رواة الأخبار يهتمون في الغالب بالجمع دون التمحيص.
ثالثها: إِنَّ هذا الخبر قد ورد مسندًا في بعض الكتب التاريخية كتاريخ الطبري، ومن القواعد المعروفة عند أهل الحديث أن من أسند فقد أحال، ومن أسند فقد برئت ذمته.
رابعها: إِنَّ أهل السنة لم يسكتوا عن هذه الأخبار وإنما نقدوها وبينوا ضعفها ووهائها:
(1) الكامل في ضعفاء الرجال 8/ 286.
(2)
ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 253، 254، ولسان الميزان 6/ 157.
(3)
معجم الأدباء 6/ 2750.
قال الألوسي (1) رحمه الله: "وما زعمته الشيعة من أنها رضي الله تعالى عنها كانت هي التي تحرض الناس على قتل عثمان وتقول: اقتلوا نعثلاً فقد فجر
…
كذب لا أصل له وهو من مفتريات ابن قتيبة وابن أعثم الكوفي والسمساطي وكانوا مشهورين بالكذب والافتراء" (2).
خامسها: أنّ الأئمة وأهل الصنعة الحديثية متفقون على أن صاحب البدعة إذا روى حديثاً يوافق بدعته، فإنه لا يقبل، فهذا الراوي نصر بن مزاحم، رافضي غالٍ، روى هذه الرواية المكذوبة، التي تؤيد مذهبه الباطل، فهي مردودة عليه.
ثانيًا: أَنَّ ما جاء في مثل هذه الروايات بعيد كل البعد أن يصدر من أُمّ المؤمنين عَائِشَة في حق الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وذلك للآتي:
أولاً: كان موقف عَائِشَة شديدًا ضد الذين قتلوا عثمان وكانت تطالب بالقصاص من قتلته، وقد روت لنا كتب التاريخ ذلك، فلما أُخْبِرَتْ بمقتل عثمان رضي الله عنه قالت: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْغَوْغَاءَ مِنْ أَهْلِ الأمْصَارِ وَأَهْلِ الْمِيَاهِ وَعَبِيدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اجْتَمَعُوا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْمَقْتُولِ ظُلْمًا بِالأمْسِ، وَنَقَمُوا عَلَيْهِ اسْتِعْمَالَ مَنْ حَدَثَتْ سِنُّهُ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ أَمْثَالُهُمْ قَبْلَهُ، وَمَوَاضِعَ مِنَ الْحِمَى حَمَاهَا لَهُمْ، فَتَابَعَهُمْ وَنَزَعَ لَهُمْ عَنْهَا. فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا حُجَّةً وَلا عُذْرًا بَادَرُوا بِالْعُدْوَانِ فَسَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَاسْتَحَلُّوا الْبَلَدَ الْحَرَامَ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَأَخَذُوا الْمَالَ الْحَرَامَ، وَاللَّهِ لَإِصْبَعٌ مِنْ عُثْمَانَ
(1) هو: محمود شكري بن عبد الله، أبو المعالي، الآلوسي، الحسيني، كان عالمًا بالتفسير، والحديث، والفقه، والأدب، من مصنفاته:(روح المعاني)، و (بلوغ الأرب في أحوال العرب)، مات سنة (1270هـ).
ينظر في ترجمته: الأعلام 7/ 172، ومعجم المؤلفين 12/ 169، وطبقات النسَّابين ص (194).
(2)
روح المعاني 11/ 192.
خَيْرٌ مِنْ طِبَاقِ الأرْضِ أَمْثَالِهِمْ! وَوَاللَّهِ، لَوْ أَنَّ الَّذِي اعْتَدَوْا بِهِ عَلَيْهِ كَانَ ذَنْبًا لَخَلَصَ مِنْهُ كَمَا يَخْلُصُ الذَّهَبُ مِنْ خَبَثِهِ أَوِ الثَّوْبُ مِنْ دَرَنِهِ إِذْ مَاصُوهُ كَمَا يُمَاصُ الثَّوْبُ بِالْمَاءِ، أَيْ يُغْسَلُ» (1).
ثانياً: أَنَّ السيدة عَائِشَة رضي الله عنها قد روت عدة أحاديث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في فضائل عن عثمان رضي الله عنه، وهي معروفة مشهورة، ومنها:
ونكتفي بهذا القدر، وإِلَاّ فالأحاديث التي روتها عَائِشَة في فضائل عثمان رضي الله عنهما كثيرة، ولكن أردنا فقط التمثيل على ما ذكرناه من رواية عَائِشَة لفضائل عثمان رضي الله عنه.
(1) رواه سيف بن عمر في الفتنة ووقعة الجمل ص (112)، والطبري في تاريخه 4/ 448، وابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 5/ 78، وابن الأثير في الكامل 2/ 570، وابن خلدون في تاريخه 2/ 607، وينظر: الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص (281).