الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
حكم من سَبَّ أُمَّ المؤمنين عَائِشَة بغير ما برَّأَها الله منه
عَائِشَة رضي الله عنها من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وهن داخلات في عموم الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهن منهم، وكل ما جاء في تحريم سب الصحابة من آيات قرآنية وأحاديث نبوية فإن ذلك يشملهن.
والعلماء رحمهم الله لم يختلفوا في تحريم سبَّ الصحابة، ومجمعون على أن من فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من الكبائر، وجريمة من الجرائم، ولكن اختلفوا في إطلاق لفظ الكفر على من سبّهم، فبعض العلماء يرى التفصيل في ذلك؛ لأن السّب عندهم يكون على أحوال، فهناك من يسب الصحابة أو جمهورهم، سبًّا يقدح في دينهم وعدالتهم، ومنهم من يسبهم سبًّا لا يقدح في عدالتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما من سبهم سبًا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم، وأما من لعن وقبح مطلقاً فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد"(1).
وقد ذهب جمع من العلماء، إلى كفر من سبَّ الصحابة، وذلك لما يلي (2):
أولاً: لأنَّ في سب الصحابة رضي الله عنهم تكذيبًا للقرآن الكريم، وإنكارًا لما تضمنته
(1) الصارم المسلول على ص (586).
(2)
الشفا 2/ 309، والصارم المسلول ص (566)، والصواعق المحرقة 1/ 144، وفتاوى السبكي 2/ 569
…
آيات القرآن من تزكيتهم والثناء عليهم، قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ} (1)، قال سفيان بن عيينة رحمه الله وغيره من السلف:"إن الله عاتب الخلق جميعهم في نبيه إلا أبا بكر، وقال: من أنكر صحبة أبي بكر فهو كافر، لأنه كذَّب القرآن"(2).
ثانيًا: لأن سبهم يستلزم نسبة الجهل إلى الله تعالى، أو العبث في تلك النصوص الكثيرة التي تقرر الثناء على الصحابة، قال شيخ الإسلام بن تيمية:"ومن زعم أنَّ الصحابة ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفرًا قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفسًا، أو إنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضًا في كفره؛ لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم. بل من يشكك في كفر مثل هذا؟ فإنَّ كفره متعين، فإنَّ مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الآية التي هي: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (3)، وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفارًا، أو فساقًا، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام"(4).
ثالثًا: لأن سب الصحابة فيه تنقصًّا وأذى للرسول؛ والوقوع فيما نهى عنه،
(1) سورة التوبة، الآية:100.
(2)
منهاج السنة النبوية 8/ 381
…
(3)
سورة آل عمران، الآية:110.
(4)
الصارم المسلول على شاتم الرسول ص (586،587)
…
فهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم، وقد نهى عن سبهم فقال:«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» (1).
رابعًا: لأن سبهم طعن في الدين، وهدم لأصله، وإبطال للشريعة؛ لأنهم هم نقلة الدين، فإذا طعن فيهم انعدم النقل المأمون للدين، قال القرطبي رحمه الله:"فمن نقص واحدًا منهم أو طعن عليه في روايته فقد ردّ على الله رَبِّ العالمين، وأبطل شرائع المسلمين؛ قال الله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أشداء عَلَى الْكُفَّارِ} الآية (2). وقال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (3)، إلى غير ذلك من الآي التي تضمنت الثناء عليهم، والشهادةَ لهم بالصدق والفلاح؛ قال الله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ} (4) "(5).
وأختم هذه المبحث ببعض أقوال العلماء في تكفير من سبّ الصحابة رضي الله عنهم:
قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: "الذي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"لو كنت متخذا خليلاً" 5/ 8، رقم (3673)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم 4/ 1967، رقم (2541)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وأخرجه أيضًا مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم 4/ 1967، رقم (2540)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
سورة الفتح، الآية:29.
(3)
سورة الفتح، الآية:18.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:23.
(5)
الجامع لأحكام القرآن 16/ 297
…
ليس له سهم، أو قال: نصيب في الإسلام" (1).
فهذا فيمن شتم فكيف فيمن كفَّرهم وأخرجهم من الإسلام كما قالت الشيعة الروافض في حق جمهور الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر رضي الله عن الجميع، والذي ليس له نصيب في الإسلام خارج عن الإسلام، فكل مؤمن له سهم ونصيب في الإسلام، والذي ليس له سهم ولا نصيب من الإسلام ليس من أهل الإسلام.
وقال هشام بن عمار (2): "سمعت مالكًا يقول: من سب أبا بكر وعمر، قتل، ومن سب عَائِشَة رضي الله عنها، قتل، لأن الله تعالى يقول فيها: {يعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (3)، فمن رماها فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل"(4).
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسيره قول الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل كَزَرْعٍ
(1) أخرجه أبو بكر بن الخلال في السنة 3/ 493.
(2)
هو: هشام بن عمار بن نصير، ابن ميسرة السلمي، القاضي، أبو الوليد، من القراء المشهورين، من أهل دمشق، قال الذهبي:"خطيبها ومقرئها ومحدّثها وعالمها". وكان فصيحًا بليغًا، من مصنفاته:(فضائل القرآن)، مات سنة (245هـ).
ينظر في ترجمته: الثقات لابن حبان 9/ 233، وتهذيب الكمال 30/ 242، وسير أعلام النبلاء 11/ 420.
(3)
سورة النور، الآية:17.
(4)
الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة 1/ 144 .....
أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (1): "ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك في رواية عنه تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة - رضوان الله عليهم، قال: لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك، والأحاديث في فضل الصحابة رضي الله عنهم والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم ورضاه عنهم"(2).
وذكر الألوسي رحمه الله في تفسيره آية سورة الفتح السابقة أنَّ الإمام مالكًا قد ذهب إلى تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ووافقه كثير من العلماء. وأنه ذُكر عند مالك رجل ينتقص الصحابة فقرأ مالك هذه الآية فقال: من أصبح من الناس في قلبه غيظ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية، ويعلم تكفير الرَّافِضَة بخصوصهم (3).
وقال ابن أبي يعلى (4) رحمه الله: "والرَّافِضَة وهم الذين يتبرؤون من أصحاب
(1) سورة الفتح، الآية:29.
(2)
تفسير القرآن العظيم 7/ 362.
(3)
روح المعاني 13/ 280.
(4)
هو: محمد بن محمد (أبي يعلى) ابن الحسين بن محمد، أبو الحسين ابن الفراء، المعروف بابن أبي يعلى، ويقال له ابن الفراء، من فقهاء الحنابلة، كان عالمًا بالفقه والتاريخ، وغيرهما، من مصنفاته:(طبقات الحنابلة)، و (والاعتقاد)، مات سنة (526هـ).
ينظر في ترجمته: إكمال الإكمال 4/ 558، والمعين في طبقات المحدثين ص (154)، وسير أعلام النبلاء 13/ 325، والوافي بالوفيات 1/ 136 .....
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم
…
وليست الرَّافِضَة من الإسلام في شيء" (1).
وقال أبو يعلى أَيضًا: "الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة إن كان مستحلاً لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلاً فسق ولم يكفر، وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم وسئل عمن شتم أبا بكر قال كافر قيل يصلى عليه قال لا"(2).
وقال ابن طاهر البغدادي (3) رحمه الله:"الإمامية الذين كفّروا خيار الصحابة
…
فإنا نكفرهم، ولا تجوز الصلاة عليهم عندنا، ولا الصلاة خلفهم" (4).
وقال ابن حجر الهيتمي (5) رحمه الله:"وأما تكفير أبي بكر ونظرائه ممن شهد لهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالجنة، فلم يتكلم فيها أصحاب الشافعي، والذي أراه الكفر
(1) طبقات الحنابلة 1/ 33.
(2)
الصواعق المحرقة 1/ 142.
(3)
هو: عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور، كان عالمًا بالأصول، والأدب، والنحو، ماهرًا في علم الْحساب والعروض، من مصنفاته:(الفرق بين الفرق)، و (تفسير أسماء الله الحسنى)، مات سنة (429هـ).
ينظر في ترجمته: إنباه الرواة على أنباه النحاة 2/ 185، والوافي بالوفيات 19/ 31، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 136، وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة 1/ 211
…
(4)
الفرق بين الفرق ص (351).
(5)
هو: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين، أبو العباس، ولد بمصر سنة (909هـ)، وهو أحد علماء الشافعية، وكان له اهتمام بالفقه والحديث والرقائق، ومن تصانيفه:(تحفه المحتاج شرح المنهاج)، و (الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة) و (إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام)، مات سنة (974هـ).
ينظر في ترجمته: البدر الطالع 1/ 109، ومعجم المؤلفين 2/ 152، والأعلام 1/ 234
…
فيها قطعًا" (1).
وسئل الإمام أحمد بن حنبل (2) رحمه الله عمن يشتم الصحابة فقال "أخشى عليه الكفر". ثم قال:"من شتم أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا نأمن قد مرق من الدين"(3).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل (4) رحمه الله: "سألت أبي عن رجل شتم رجلاً من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما أراه على الإسلام"(5).
قال أبو زرعة الرازي (6) رحمه الله: "إِذا رَأَيْت الرجل ينتقص أحداً من أَصْحَاب
(1) الصواعق المحرقة 1/ 146.
(2)
هو: أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله، الذهلي الشيباني، المروزي ثم البغدادي، أحمد الأئمة الأربعة المتبوعين، وإمام المحدثين الناصر للدين، وَالمناضل عَنِ السنة، وَالصابر فِي المحنة، قال الشافعي:"خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل"، له مصنفات كثيرة منها:(المسند)، و (الزهد)، و (العلل) وغيرها، مات سنة (241هـ).
ينظر في ترجمته: الطبقات الكبرى 7/ 253، والتاريخ الكبير 2/ 5، وتاريخ بغداد 6/ 90.
(3)
ينظر: السنة للخلال 3/ 493.
(4)
هو: عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال، أبو عبد الرحمن الشيباني، البغدادي، كان علمًا بالحديث تتلمذ على والده، ومن مصنفاته:(زوائده على مسند أبيه)، و (كتاب السنة) في العقيدة، مات سنة (290هـ).
ينظر: تاريخ بغداد 11/ 12، وطبقات الحنابلة 1/ 180، وسير أعلام النبلاء 13/ 516.
(5)
ينظر: السنة للخلال 3/ 493، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 7/ 1341، والتمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ص (175)، وتاريخ الإسلام 18/ 89.
(6)
هو: عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ المخزومي، أَبو زُرْعَة الرازيّ، أحد الأئمة المشهورين، والأعلام المذكورين، والحفاظ المتقنين، جالس الإمام أحمد بن حنبل، وقيل: كان يحفظ مائة ألف حديث، مات سنة (264هـ).
ينظر في ترجمته: المنتظم 12/ 193، وتاريخ الإسلام 20/ 83، وتاريخ بغداد 12/ 33، وتهذيب =
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَاعْلَم أَنه زنديق" (1).
قال عبد الكريم السمعاني (2) رحمه الله:"اجتمعت الأمة على تكفير الإمامية، لأنهم يعتقدون تضليل الصحابة، وينكرون إجماعهم وينسبونهم إلى ما لا يليق بهم"(3).
فإذا كان هذا في مجَرَّدِ الصحبة، فكيف بأُمِّ المؤمنين، وزوجة رسول ربِّ العالمين!
= الكمال 19/ 89.
(1)
الصواعق المحرقة 2/ 608.
(2)
هو: عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي، السَّمْعاني، رحل إلى العراق والشام والحجاز، وكتب الكثير وكان حسن الفهم، جيد الضبط، من مصنفاته:(الأنساب)، و (تاريخ مرو)، مات سنة (562هـ).
ينظر في ترجمته: سير أعلام 16/ 115، والوافي بالوفيات 19/ 60، وطبقات الشافعية للسبكي 7/ 180، وطبقات الشافعيين لابن كثير ص (795).
(3)
الأنساب 6/ 365.