الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
الفوائد والآثار الإِيجابِيَّة لحادثة الإفك القديمة
لا شك أن حادثة الإفك فيها من الفوائد والآثار الإيجابية الكثير، كيف لا وقد أخبر الله تعالى أن فيها خيرًا للمؤمنين، حيث قال:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (1)، فمن أصْدَقُ من الله حديثًا، ومن أصْدَقُ من الله قيلاً.
فاقتضت حكمة الله أن يخرج الخير من ثنايا الشر، وكم من أمور ظاهرها الشر وهي تحمل في طياتها الخير الكثير، قال تعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (2)، وقال تعالى:{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (3).
وقد ذكر أهل العلم أمورًا كثيرة ظهرت فيها الخيرية في هذه الحادثة، من أهمها ما يلي (4):
(1) سورة النور، الآية:11.
(2)
سورة البقرة، الآية:216.
(3)
سورة النساء، الآية:19.
(4)
استفدتُ هذه الفوائد من كتب مطبوعة، ومحاضرات وخطب ودروس مفرغة، من أهمها:
1 -
السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، لعلي محمد الصلابي ص (589590).
2 -
دروس مفرغة في التفسير للشيخ مصطفى العدوي، تحت عنوان:"ما يستفاد من حادثة الإفك". =
أولاً: أن حادثة الإفك أظهرت فضل عَائِشَة رضي الله عنها، وذلك بتبرئتها بقرآن يتلى إلى قيام الساعة، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ} الآية (1)؛ ولذلك كانت رضي الله عنها تفخر بأن الله برأها من فوق سبع سماوات؛ فلولا هذا الابتلاء ما عرفت الأمة مكانة عَائِشَة رضي الله عنها وأرضاها.
ثانيًا: الابتلاء، حيث ابتلى اللهُ رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم كما ابتلى عَائِشَة وابتلى صفوان بن المعطل فخرجوا من البلاء كالذهب الخالص، والابتلاء خير؛ لأن فيه رفع درجات، والجزاء والأجر العظيم لأسرتي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق على صبرهما وقوة تحملهما وصدق إيمانهما.
ثالثًا: أن المؤمنين تعلموا بسبب هذه الحادثة، كثيرًا من الآداب الإسلامية السامية، كالحرص على سمعة المؤمنين، وعلى حسن الظن فيما بينهم، كما في قوله تعالى:{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} (2).
وأيضًا: وجوب التثبت من الأقوال قبل نشرها، والتأكد من صحتها، كما في قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ
= 3 - محاضرات مفرغة للشيخ علي القرني، تحت عنوان:"صراع الدعاة مع المنافقين".
4 -
دروس مفرغة للشيخ محمد حسان قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، تحت عنوان:"بعض الدروس المستفادة من حادثة الإفك".
5 -
موسوعة خطب المنبر التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر.
(1)
سورة النور، الآية:11.
(2)
سورة النور، الآية:12.
هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (1).
وكذلك: النهي عن إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، كما في قوله تعالى:{وإِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونٌَ} (2).
وأيضًا: الحث على النفقة على الأقارب وإن أساءوا، كما في قوله تعالى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (3).
رابعًا: بيان فضل الله على المؤمنين ورأفته بهم، كما في قوله تعالى:{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (4).
وأيضًا: غيرته تعالى على عباده المؤمنين الصادقين، ودفاعه عنهم، وتهديده لمن يرميهم بالفحشاء باللعن في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
(1) سورة النور، الآية:16.
(2)
سورة النور، الآية:19.
(3)
سورة النور، الآية:22.
(4)
سورة النور، الآية:14.
عَظِيمٌ} الآيات (1).
خامسًا: أن حادثة الإفك أثبتت بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يعلم الغيب، حيث عاش الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المحنة شهرًا كاملاً وهو لا يعلم شيئًا عن حقيقة الأمر، بل صار يستشير ويسأل أصحابه عن عَائِشَة، وصدق الله حيث قال:{قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (2)، وفي هذا رد على الطوائف المبتدعة التي تقول: إِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليس بشرًا، وتدعي أيضًا أنه يعلم الغيب.
سادسًا: أن هذه المحنة أظهرت المنافقين المندسين في صفوف المؤمنين، فتأتي المحن، وتأتي الفتن؛ لتظهر ما تكنه الصدور من نفاق، ولتظهر ما تكنه القلوب من حقد على الإِسلام وأهله، فظهر النفاق، وظهرت عصابة النفاق.
سابعًا: أن دعاة الإسلام - المنتمين لهذا الدين بإخلاص وصدق - مستهدفون ومعرضون للاتهام، ولإشاعة الشائعات، وإلصاق التهم بهم؛ فالطعن في الأشراف والأطهار، هي سنة الناقمين الحاقدين، فهذه مريم بنت عمران رُمِيَت في عرضها بهتاناً وزوراً، فبرأها الله من ذلك، قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ
(1) سورة النور، الآيات:23 - 25.
(2)
سورة الأعراف، الآية:188.
الْقَانِتِينَ} (1)، وكذلك يوسف عليه السلام فإنه رُمي في عرضه فبرأه الله تعالى من ذلك.
وكم قرأنا وكم سمعنا أن دعاة صادقين وعلماء أجلاء اتهموا في أعراضهم، ولكن إرادة الله سبحانه وتعالى قاضية أن يمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، فما يدور الزمان إلا ويبرئ الله تعالى ساحة الأبرياء من أوليائه، ويأخذ الذين تولوا كبر الإثم والجريمة أخذ عزيز مقتدر.
(1) سورة التحريم، الآية:12.