الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
قولهم: إِنَّ الفِتْنَة خرجتْ من بيت عَائِشَة
يزعم الشيعة الرَّافِضَة الاثنا عشرية أنّ عَائِشَة رضي الله عنها هي مصدر الفتنة وسببها، وقد استدلّوا على زعمهم هذا بحديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما، وقد ورد هذا الحديث في كتب أهل السنة بروايتين:
الأولى: في صحيح البخاري من حديث عبد الله رضي الله عنه قال: «قَامَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا، فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَة، فَقَالَ: هُنَا الفِتْنَةُ - ثَلَاثًا - مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» (1).
والثانية: روايةٍ لمسلم: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْتِ عَائِشَة، فَقَالَ: رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ - يَعْنِي الْمَشْرِقَ-» (2).
وقد استدلّوا على زعمهم هذا بعبارة: «فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَة» ، في الرواية الأولى، وبعبارة:«خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْتِ عَائِشَة، فَقَالَ: رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ هَاهُنَا» ، في الرواية الثانية؛ ليستنتجوا من ذلك أَنَّ مقصد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات: أَنَّ الفتنة تخرج من بيت عَائِشَة رضي الله عنها، فهي - على زعمهم - مصدر الفتنة ومنبعها (3).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب ما جاء في بيوت أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وما نسب من البيوت إليهن 4/ 82، رقم (3104).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان 4/ 2229، رقم (2905).
(3)
ينظر: من كتب الشيعة: الطرائف لابن طاوس ص (297)، والصراط المستقيم للبياضي 3/ 142، =
الرد على هذه الشُّبْهَة:
أولاً: مقصود النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من الحديث أن منشأ الفتن من جهة المشرق لا بيت عَائِشَة، "فإنّ روايات هذا الحديث كلّها متفقة على أنّ جهة الفتنة هي جهة المشرق بالنسبة لمقام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ولا عبرة لذكر المكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هذا الحديث؛ سواء كان قاله على منبره، أو أمام بيت زوجه حفصة، أو عند خروجه من بيت زوجه عَائِشَة، أو وهو مشرفٌ على أطم (1) من آطام المدينة، أو غير ذلك؛ كما ذكرت ذلك الروايات الصحيحة.
ووجود بيت عَائِشَة رضي الله عنها بينه وبين المشرق في بعض الروايات لا يعني أنهّا رضي الله عنها المقصودة بقوله عليه صلى الله عليه وسلم: «هَا هُنَا الفِتْنَةُ» .
وَذِكْر المكان أو الزمان لا يُؤثّر على فَهْم الحديث، ولا يُوجِدُ فيه تعارضًا أو تضاربًا؛ لأنّه ليس هو المقصود بيانه في الحديث، وإنّما المقصود بيان أنّ جهة الفتنة إنّما هي جهة المشرق، وعلى هذا اتّفاق كافّة أهل العلم بالحديث" (2).
وقد جاء ما يؤكد ذلك في رواياتٍ كثيرةٍ متوافرة متكاثرة عن ابن عمر
= 164، والكشكول لحيدر الآملي ص (177،178)، وإحقاق الحق للتستري ص (306،308،310)، والمراجعات للموسوي ص (268)، وكتاب السبعة من السلف لمرتضى الحسيني ص (176)، وفي ظلال التشيع لهاشم الحسيني ص (74 - 75)، وكتاب فسألوا أهل الذكر للدكتور محمد التيجاني السماوي ص (105).
(1)
الأُطُم - بالضم -: بناء مرتفع، كالحصون ونحوها، وجمعه آطام. ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 2/ 73، وغريب الحديث لابن قتيبة 2/ 286، والنهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 54.
(2)
الصاعقة في نسف أباطيل الشيعة ص (147).
رضي الله عنهما، بعضها يذكر الشرق، وبعضها يوضح أن المراد بذلك العراق، وسنقتصر على بعض هذه الروايات، واللبيب تكفيه الإشارة:
1 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ إِلَى المَشْرِقِ فَقَالَ: هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا: مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» (1).
2 -
وفي روايةٍ أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا عِنْدَ بَابِ عَائِشَة: فَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، فَقَالَ: الْفِتْنَةُ هَاهُنَا، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» (2).
3 -
وفي روايةٍ أخرى عنه أيضًا: قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُشِيرُ بِيَدِهِ يَؤُمُّ الْعِرَاقَ: هَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا، هَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا، - ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» (3).
ثانيًا: قول الرَّافِضَة: أشار إلى بيت عَائِشَة فهذا كذب وزور وبهتان لم يرد في شيءٍ من طرق هذا الحديث، وإنما ورد أشار نحو بيت عَائِشَة:
وقد تولى كبر هذا التلبيس رجلان من الرَّافِضَة: أحدهما: عبد الحسين في
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده 4/ 123، رقم (3279)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان 4/ 2228، رقم (2905).
(2)
أخرجه أحمد في مسنده 8/ 307، رقم (4679)، وقال محققو المسند (طبعة الرسالة):"إسناده صحيح على شرط الشيخين".
(3)
أخرجه أحمد في مسنده 10/ 390، 391، رقم (6303)، وقال محققو المسند:"إسناده صحيح على شرط الشيخين".
'كتاب المراجعات' (1)، والثاني: التيجاني السماوي في كتابه 'فسألوا أهل الذكر'.
وقد تصدى أهل السنة لصنيعهما الباطل، فأما الأول عبد الحسين فقد رد عليه الشيخ الألباني بقوله: "عقد عبد الحسين الشيعي المتعصب في كتابه 'المراجعات' (2) فصولاً عدة في الطعن فيها وتكذيبها في حديثها، ورميها بكل واقعة، بكل جرأة وقلة حياء، مستندًا في ذلك إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة، .. مع تحريفه للأحاديث الصحيحة، وتحميلها من المعاني ما لا تحتمل كهذا الحديث الصحيح، فإنه حمله - فض فوه وشلت يداه - على السيدة عَائِشَة رضي الله عنها زاعماً أنها هي الفتنة المذكورة في الحديث {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا} (3)، معتمدًا في ذلك على الروايتين المتقدمتين:
الأولى: رواية البخاري: «فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَة» ، والأخرى: رواية مسلم: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْتِ عَائِشَة، فَقَالَ: "رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ هَاهُنَا» ، فأوهم صاحب 'المراجعات' بأن الإشارة الكريمة إنما هي إلى مسكن عَائِشَة ذاته، وأن المقصود بالفتنة هي عَائِشَة نفسها!.
والجواب: أن هذا هو صنيع اليهود الذين يحرفون الكلم من بعد مواضعه، فإن قوله في الرواية الأولى:«فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَة» ، قد فهمه الشيعي كما لو كان النص بلفظ:"فأشار إلى مسكن عَائِشَة"! فقوله: "نحو" دون "إلى" نص
(1) ص (237).
(2)
ص (237).
(3)
سورة الكهف، الآية:5.
قاطع في إبطال مقصوده الباطل، ولاسيما أن أكثر الروايات صرحت بأنه أشار إلى المشرق. وفي بعضها العراق، والواقع التاريخي يشهد لذلك.
وأما رواية عكرمة فهي شاذة كما سبق، ولو قيل بصحتها، فهي مختصرة جدًا اختصارًا مخلاً، استغله الشيعي استغلالاً مرًا، كما يدل عليه مجموع روايات الحديث، فالمعنى: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عَائِشَة رضي الله عنها، فصلى الفجر، ثم قام خطيبًا إلى جنب المنبر وفي رواية:«عِنْدَ بَابِ عَائِشَة» فاستقبل مطلع الشمس، فأشار بيده، نحو المشرق، وفي رواية للبخاري:«فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَة» ، وفي أخرى لأحمد:«يُشِيرُ بِيَدِهِ يَؤُمُّ الْعِرَاقَ» .
فإذا أمعن المنصف المتجرد عن الهوى في هذا المجموع قطع ببطلان ما رمى إليه الشيعي من الطعن في السيدة عَائِشَة رضي الله عنها، عامله الله بما يستحق" (1).
وفي الرواية الصحيحة الثابتة في البخاري - والتي ذكرناها آنفًا - عن عبد الله رضي الله عنه قال: «قَامَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا، فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَة، فَقَالَ: هُنَا الفِتْنَةُ - ثَلَاثًا - مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» (2).
وأما الثاني: وهو التيجاني السماوي فقد رد عليه الرحيلي، فقال: "قول الراوي: «فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَة» على أن الإشارة كانت لبيت عَائِشَة وأنها سبب الفتنة، والحديث لا يدل على هذا بأي وجه من الوجوه، وهذه العبارة لا تحتمل هذا الفهم عند من له أدنى معرفة بمقاصد الكلام.
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/ 656، 657.
(2)
سبق تخريجه.
فان الراوي قال: «أَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَة» أي جهة مسكن عَائِشَة، ومسكن عَائِشَة رضي الله عنها يقع شرقي مسجد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فالإشارة إلى جهة المسكن وهو (المشرق) لا إلى المسكن، ولو كانت الإشارة إلى المسكن لقال:(أشار إلى مسكن عَائِشَة) ولم يقل: (إلى جهة مسكن عَائِشَة) والفرق بين التعبيرين واضح وجلي" (1).
ثالثًا: أَنَّ نفس الدليل الذي استدلوا به يمكن أن يقلبه عليهم أعدائهم من النواصب:
قال الشيخ عبد القادر صوفي: "أمّا استدلال الشيعة بإشارته صلى الله عليه وسلم جهة بيت عَائِشَة رضي الله عنها، مع قوله:«الفِتْنَة هَا هُنَا» على أنّ عَائِشَة رضي الله عنها مصدرُ الفتنة، فاستدلال باطلٌ يردّه أنّه صلى الله عليه وسلم كان واقفًا على منبره الذي يقع غرب بيوت أزواجه رضي الله عنهن، وغرب بيت ابنته فاطمة رضي الله عنها؛ حيث كانت البيوت كلّها عن يمين المنبر في جهة الشرق، وهو أمرٌ لا يقبل جدالاً أو مراءً.
فكما سوَّغ الرَّافِضَة لأنفسهم أن يفسّروا جهة المشرق ببيت عَائِشَة رضي الله عنها، قدُ يسّوغ النواصب أن يُفسّروا الجهة ببيت فاطمة رضي الله عنها، وهذا حَمَقٌ من الطائفتين" (2).
رابعًا: إِنَّ الطعن في بيت عَائِشَة هو طعن في النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ فبيت عَائِشَة هو بيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وبه دُفِنَ:
وهذا الأمر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار؛ لأنه متفقٌ عليه بين السنة
(1) الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال للرحيلي ص (321).
(2)
الصاعقة لعبد القادر صوفي ص (151).
والشيعة؛ ولذلك لا يحتاج إلى تقرير:
وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي اْلأَذْهَانِ شَيْءٌ
…
إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَليلِ
ويلزم الرَّافِضَة أَنْ يطعنوا في النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن الطعن في بيته ملازمٌ للطعن فيه، فتأمل!.
ورحم الله الإمام أبا الوفا ابن عقيل الحنبلي (1) رحمه الله حيث يقول: "انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرَّافِضَة عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلاً عن الناطق؟ "(2).
(1) هو: علىّ بن عقيل بن محمد بن عقيل البغداديّ الحنبليّ شيخ الحنابلة في عصره، كان إماماً عالماً صالحاً مفتنّا، مات سنة (513هـ).
ينظر في ترجمته: النجوم الزاهرة 5/ 219، وسير أعلام النبلاء 14/ 330، والوافي بالوفيات 21/ 218.
(2)
الإجابة لإيراد ما استدركته عَائِشَة على الصحابة ص (54).