الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الأدلة الشرعية:
الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والاستدلال، وهي راجعة إلى الكلام النفسي، وهو نسبة بين مفردين قائمة بالمتكلم، والعلم بالنسبة ضروري.
ولو لم يقم به، لكانت / النسبة الخارجية؛ إذ لا غيرهما.
والخارجية لا يتوقف حصولها على تعقل المفردين، وهذه متوافقة).
أقول: لأما فرغ من المبادئ، شرع في الأدلة الشرعية، وقدّمها على الاجتهاد والترجيح؛ لأنه ما لم تعرف الأدلة وأقسامها وأحكامها، لا يعرف كيفية استثمارها، ولا معرفة ترجيح بعضها على بعض، والمراد بالشرعية ما استفيد معرفة دلالتها من الشرع، وقَيّد الأدلة بالسمعية في صدر الكتاب وهنا بالشرعية، ولا تظهر فائدة لتغيير العبارة، على أنهما مترادفان عند الفقهاء والأصوليين، وإن كان السمعي أخص عند
المتكلمين، ووجه الحصر في الخمسة استقرائي.
وقيل في بيان الحصر: إن الدليل الشرعي إما أن يكون واردًا من جهة الرسول أوْ لا.
والأول: إما أن يكون متلوًا وهو القرآن، أو لا وهو السنة، فعلًا، أو قولًا، أو تقريرًا.
والثاني: إما أن يشترط فيه عصمة من صدر عنه أو لا.
والأول: الإجماع.
والثاني: إما أن يكون مشاركة فرع لأصل في علة حكمه أو لا.
والأول: القياس.
والثاني: الاستدلال.
وفيه نظر؛ إذا لم يقم برهان على انحصار الآخر في الاستدلال.
ثم الخمسة راجعة إلى الكلام النفسي، إذ لولا دلالتها عليه ما كان فيها حجة، أما الكتاب فظاهر، وأما السنة؛ فلأنها مخبرة عن قوله تعالى، وعن حكمه بدليل:{وما ينطق عن الهوى} ، وأما الإجماع؛ فلأن مستنده الكتاب أو السنة، وأما القياس؛ فلأنه راجع إلى معقول النص أو الإجماع، وأما الاستدلال فكذلك؛ لأنه أيضًا راجع إلى معقول النص أو الإجماع، ولا
يضر عدم تعيين العلة في النوع الأول منه، ويصعب رجوع أحد نوعي الاستصحاب إليه.
ثم قال: (إن الكلام النفسي نسبة بين مفردين قائمة بالمتكلم) وادعى في الأول الضرورة، واحتج على الثاني.
واعلم أن جماعة من المتكلمين قالوا: كلام النفس هو الكلام الذي يدور في الخلد.
وقال المنبجي: «متعلق العلم إما أن يكون قائمًا بذاته أوْ لا، والأول الجواهر، والثاني إما أن يكون مبدأ للتأثير في الغير أو لا، والأول الفعل - وفيه ما قدمناه أول الكتاب -.
والثاني إما أن يكون مقتضيًا لنسبة مفيدة أوْ لا، والأول الحكم، والثاني الصفة الحقيقية، فخرج من هذا أن الحكم يقتضي نسبة، لا أنه نفس النسبة، على أن الحكم أخص من الكلام».
وفيه نظر؛ لأن متعلق العلم وإن اقتضى نسبة، [لا يلزم أن يكون حكما في أن] قيام زيد في الخارج يقتضي جزم الذهن به عند من علمه، لكن قيام زيد في الخارج ليس حكمًا بوجه، على أن المقتضي في الحقيقة لجزم النفس بالثبوت العلمُ بقيامه، لا نفس قيامه الذي هو المتعلق.
وقد كنت بحثت مع بعض فضلاء المغرب في كلام المصنف، فقلت: لا يصح أن يكون نسبة بين مفردين؛ لأن النسبة متأخرة عن المنتسبين، وأحد المنتسبين الذي هو المحكوم عليه حادث، والمتأخر عن الحادث أولى بالحدوث، هذا إن كانت النسبة موجودة في الخارج، وإن قلنا بمذهب الأشاعرة إنها معدومة فكذلك؛ لأن الكلام النفسي موجود في الأعيان، وهو صفة من صفاته تعالى، ولا شيء من النسب بموجود في الأعيان، فلا شيء من الكلام النفسي نسبة.
ثم أجيب عنه: بأن النسبة المتأخرة عن المنتسبين بالذات لا بالزمان، والصفة متأخرة بالذات، فهي متأخرة عن تعقل الحادث، وتعقله قديم تأخرا ذاتيًا لا زمانيًا، كتأخر العلم عن الحياة، وكون النسب لا وجود لها / في الخارج قد لا يسلمه المصنف، ويشعر بذلك قوله:(قائمة بالمتكلم).
أو نقول: لم يرد المصنف بكونه نسبة أنه من الأعراض النسبية التي يقول الأشاعرة إنها عدمية، بل أطلق عليه نسبة، كما يقال: العلم نسبة بين العالم والمعلوم، لما كان لا وجود له قائما بنفسه، وإن كان له وجود في الخارج
قائما بالعالم، ثم كتب إليّ: السؤال حق [إذا كان] الكلام ليس نفس النسبة حسب ما ثبت في علمه، بل هو صفة تتبع العلم، ولذلك يقولون: كل من علم شيئًا فهو مخبر عنه في نفسه خبرًا صدقًا، فالعلم والكلام صفتان مختلفتان في الماهية متحدتان في المتعلق، ومتعلقهما هو النسبة، وهي موجودة في العلم، وإن كانت معروضة في الخارج، لكن قد يطلق الوجود على مطابقة ما في الذهن لما في الخارج، وقد يطلق لمطابقة ما في الذهن لما في نفس الأمر، وفيما قال نظر.
أما أنه صفة تتبع العلم فحق، وأما أن كل من علم شيئا فهو مخبر عنه في نفسه خبرًا صدقًا فنمنعه؛ إذ فصل الخبر قصر الخطاب مع النفس أو الغير، ولا يلزم من حصول العلم حصول قصر الخطاب، مع أن العلم انفعال، والكلام فعل النفس، [فلا يلزم من حصول أحدهما حصول الآخر].
وقوله: «مختلفتان في الماهية» حق، وقوله «متحدتان في المتعلق» لا يصح؛ لأن متعلق علم الله تعالى عدم إيمان أبي لهب، ومتعلق طلبه إيمانه، وأحدهما غير الآخر ضرورة، وقوله:«متعلقهما هو [نفس] النسبة» حق في العلم، وأما الكلام فنسبة النسبة.
واعلم أن قولهم: الحكم إيقاع النسبة أو انتزاعها، لا يقتضي أن الكلام ليس بنسبة؛ إذ الكلام نسبة بين المحكوم عليه بثبوت المحكوم به أو بسلبه،