المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حجة الحنفية: أنهما متباينان، ولو سلّم فما هو جزاء لواجب - تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول - جـ ٢

[يحيى بن موسى الرهوني]

الفصل: حجة الحنفية: أنهما متباينان، ولو سلّم فما هو جزاء لواجب

حجة الحنفية: أنهما متباينان، ولو سلّم فما هو جزاء لواجب منتف بانتفائه، لاستحالة بقاء حصة النوع من الجنس بعد عدم النوع، ولا وجود للأعم إلا مشخصا، فالجواز الباقي ليس جزء الوجوب قطعًا، بل هو حكم آخر يثبت منفصل.

قال الآخرون: الدال على الوجوب دال على الجواز تضمنًا، فالوجوب مركب، وارتفاعه يكفي فيه ارتفاع جزءه، فالدليل الدال على الجواز سالم عن المعارض، فيثبته عملًا به، والأول أصح.

قال: ‌

‌(خطاب الوضع

، كالحكم على الوصف بالسببية الوقتية كالزوال، والمعنوية كالإسكار، والملك، والضمان، والعقوبات.

وبالمانع للحكم لحكمة تقتضي نقيض الحكم، كالأبوة في القصاص.

وبالمانع للسبب لحكمة تخل بحكمة السبب كالدين في الزكاة، فإن كان المستلزم عدمه فهو الشرط فيهما كالقدرة على التسليم والطهارة).

أقول: لما فرغ من بيان الأحكام الثابتة بخطاب الاقتضاء والتخيير، شرع في الأحكام الثابتة بخطاب الوضع، وهي أصناف:

ص: 90

الأول: الحكم [على] الوصف المعين بكونه سببًا.

والسبب: عبارة عما يتوصل به إلى مقصود ما، ومنه سمي الحبل سببًا.

وأطلق شرعا على بعض مسمياته لغة: وهو كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معرفًا لإثبات حكم شرعي، فلله تعالى في الزاني حكمان: وجوب / الحدّ، وسببية الزنا، وينقسم بحكم الاستقراء إلى: وقتي، ومعنوي.

فالوقتي: ما لا يستلزم في تعريفه للحكم حكمة باعثة عليه، كجعل زوال الشمس أمارة معرفة لوجوب الصلاة في قوله تعالى:{أقم الصلاة لدلوك الشمس} .

والمعنوي: ما يستلزم حكمة باعثة للشرع على شرع الحكم المسبب، كالشدة المطرية المعرفة لتحريم شرب النبيذ، لا لتحريم شرب الخمر، فإن ذلك معروف بالنص والإجماع لا بالشدة، فإذن الحكم الشرعي ليس نفس الوصف، بل حكم الشرع عليه بالسببية، وكأسباب الملك من الإرث والبيع

ص: 91

والهبة وغير ذلك، وأسباب الضمان كالإتلاف والغصب، وأسباب العقوبات وهي الجناية، فإنها سبب في القصاص أو الدية، بهذا صرح في المنتهى، فليس الملك والضمان والعقوبة أسبابًا، وإن صح في الأولين فهو ممتنع في الثالث؛ لأن العقوبات ليست سببًا للقصاص، بل الجناية هي السبب.

لا يقال: لو كانت السببية حكمًا شرعيًا لاستدعت سببًا آخر يعرفها ويلزم الدور أو التسلسل، وأيضًا: الوصف المعرف للحكم، إن عرّفه بنفسه، لزم كونه معرفًا قبل ورود الشرع، وإن عرّفه بصفة زائدة، فالكلام فيها كما في الأول، ويعود الكلام فيدور أو يتسلسل.

وأيضًا: الطريق إلى معرفة كون الوصف سببًا للحكم، ما يستلزمه من الحكمة المستدعية للحكم من جلب مصلحة أو دفع مفسدة وذلك ممتنع؛ لأنه لو كانت الحكمة معرفة للسببية لأمكن تعريف الحكم بها من غير حاجة إلى توسيط الوصف، وليس كذلك إجماعًا، ولكانت معرفة لها قبل ورود الشرع إن كانت الحكمة قديمة، وتحتاج إلى معرف آخر إن كانت حادثة لخفائها، ويعود الكلام ويتسلسل؛ لأنا نقول: معرفة السببية مستندة إلى الخطاب، أو إلى الحكمة الملازمة للوصف، مع اقتران الحكم بها في صورة، فلا يستدعي سببًا آخر يعرفها، ومنه يعلم جواب الثاني.

وجواب الثالث: أن الحكمة المعرفة للسببية ليست مطلق الحكمة، بل الحكمة المضبوطة بالوصف المقترن بالحكم، فلا تكون بمجردها معرفة للحكم؛ لأنها إذا كانت خفية غير منضبطة بنفسها ولا بلزومها الذي هو

ص: 92

الوصف، لم تعرف الحكم لخفائها وعدم انضباطها؛ لاختلافها بحسب الأشخاص والأزمان والأحوال، ودأب الشرع فيما هذا شأنه، ردّ الناس إلى الأوصاف الظاهرة المنضبطة دفعًا للحرج عنهم.

وجواب الرابع: أن الحكمة إذا كانت منوطة بالوصف، فهي معروفة بنفسها غير مفتقرة إلى معرف، ولا يلزم من تقديمها على الشرع أن تكون معرفة، لتوقف ذلك على اعتبارها في الشرع.

الصنف الثاني: الحكم على الوصف بكونه مانعًا.

إما للحكم وهو: وصف وجودي ظاهر منضبط، مستلزم لحكمة تقتضي نقيض حكم السبب مع بقاء حكمة السبب، كالأبوة في القصاص، فإنها وصف وجودي ظاهر منضبط مانع لحكم القصاص؛ لاشتمال الأبوة على ما تقتضي عدم القصاص الذي هو حكم القتل المذكور، والذي اشتملت عليه كون الأب سببًا في وجود الابن، فلا يصلح الابن سببًا لإعدامه مع بقاء حكمة السبب، وهي حفظ النفس، ووجود السبب وهو / القتل العمد العدوان.

وإما مانعا لسبب الحكم: وهو كل وصف يخل وجوده بحكمة السبب، كالدين على من ملك نصابًا، فإنه وصف وجودي مقتض لإخلال حكمة سبب وجوب الزكاة، فإن حكمة السبب الذي هو ملك النصاب مواساة الفقراء من فضل ماله، ولم يدع الدَّين في المال فضلا، فحكمة المانع تخل

ص: 93

بحكمة السبب؛ لأن ملك النصاب إنما جعل سببًا إرفادا للفقراء، وهو إذا أدى يبقى فقيرًا محتاجًا إلى ما دفع ليخلص ذمته من الدين، فاستلزم الدين الإخلال بحكمة السبب.

الصف الثالث: الحكم على الوصف بكونه شرطًا للحكم، وحقيقته أن عدمه مستلزم لعدم الحكم، كما أن المانع وجوده مستلزم لعدم الحكم، فهذا عدمه مستلزم لعدم الحكم، وذلك لحكمة في عدمه تقتضي نقيض الحكم أو تخل بحكمة السبب، فلهذا انقسم إلى شرط السبب، وإلى شرط الحكم، ويصح في المستلزم الرفع والنصب على الخبر المقدم، وأشار بقوله:(فيهما) إلى شرط الحكم، وشرط السبب.

مثال شرط السبب: القدرة على التسليم في باب البيع، فإنه شرط صحة البيع الذي هو سبب الحكم بانتقال الملك، وحكمة صحة البيع هي إباحة الانتفاع بالمبيع، المتوقف على القدرة على الانتفاع، المتوقف على القدرة على التسليم، فعدمها يخل بحكمة السبب.

مثال شرط الحكم: الطهارة للصلاة، لاشتمال عدم الطهارة مع الإتيان بمسمى الصلاة على ما يقتضي نقيض الحكم، فإن عدمها يستلزم الحدث المنافي للتعظيم، وذلك يقضي نقيض الحكم الذي هو الثواب، مع وجود سبب الحكم وهو الصلاة، وبقاء حكمة السبب وهو التوجه إلى جناب الحق، فعلى هذا يكون أعطى الأول للثاني، والثاني للأول، وكذا هو في الأحكام.

ص: 94