الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الفقهاء والمتكلمين والمحدثين». انتهى كلامه.
قال: (مسألة: التمسك بالإجماع فيما لا تتوقف صحته عليه صحيح، كتنزيه الباري عز وجل، ونفي الشريك.
ولعبد الجبار في الدنيوية قولان.
لنا: دليل السمع).
أقول: لا يصح
التمسك بالإجماع فيما تتوقف حجية الإجماع عليه
كوجود الباري وصحة الرسالة ودلالة المعجزة لأنه دور؛ لأنه ما لم تعلم عصمة الأمة عن الخطأ، لم يعلم كونه حجة، والعلم بعصمتهم يتوقف على العلم بوجوده تعالى، وبصحة الرسالة، لتوقف الأدلة السمعية عليه، والعلم بعصمتهم مستفاد من العلم بهما، فلو توقف العلم بهما على العلم بكون الإجماع حجة لزم الدور.
أما ما لا تتوقف حجية الإجماع عليه، فيجوز التمسك بالإجماع عليه إن كان دينيًا اتفاقًا كرؤية الباري ونفي الشريك، أو شرعيًا كوجوب الصلاة؛ لأنه لما كان قاطعًا صح التمسك به في الأمور العلمية والعملية.
وإن كان دنيويًا كالآراء والحروب صح، خلافًا لأحد قولي عبد الجبار من المعتزلة.
لنا: دليل السمع وهو عام في الديني والدنيوي.
لا يقال: صحة الإجماع متوقفة على علمنا بصدقه في جميع ما قاله، فيتوقف على علمنا بأنه يُرى، وأنه لا شريك له؛ لأنه مما جاء به، فلو توقف علمنا بما ذكرنا على الإجماع لزم الدور.
لأنا نقول: صحة الإجماع تتوقف على ثبوتهما إجمالًا، والعلم بثبوتهما تفصيلًا يتوقف على الإجماع فلا دور.
قال: (ويشترك الكتاب والسنة والإجماع في السند والمتن.
فالسند: الإخبار عن طريق المتن).
أقول: لما فرغ من المباحث المختصة بكل واحد من الكتاب والسنة والإجماع، شرع فيما يشترك فيه الثلاثة في السند والمتن.
فالمتن: ما تضمنه الثلاثة من أمر ونهي، وعام وخاص، ومطلق ومقيد، ومجمل ومبين، وظاهر ومؤول، ومنطوق ومفهوم.
والسند: هو الإخبار عن طريق المتن، أي عن طريق ثبوته من متواتر أو آحاد، مقبول أو مردود.
قلت: الأظهر أن السند هو طريق المتن لا الإخبار عن طريقه؛ لأن السامع من النبي عليه السلام أو من المجمعين، سماعه سنده، ولا يستلزم الإخبار، إلا أن يريد السند في اصطلاح المحدثين.
ولما كان الطريق إلى النبي مقدم عليه طبعًا، قدمه وضعًا.
قال: (والخبر: قول مخصوص للصيغة والمعنى.
فقيل: لا يحد لعسره.
وقيل: لأنه ضروري من وجهين: أن كل واحد يعلم أنه موجود ضرورة، فالمطلق أولى، والاستدلال على أن العلم ضروري لا ينافي كونه
ضروريًا، بخلاف الاستدلال على حصوله ضرورة.
ردَّ: بأنه يجوز أن يحصل ضرورة ولا يتصور، ولا يلزم من حصول أمر تصوره أو تقدم تصوره، والمعلوم ضرورة ثبوتها أو نفيها، وثبوتها غير تصورها.
الثاني: التفرقة بينه وبين غيره ضرورة، وقد تقدم مثله).
أقول: الخبر: نوع مخصوص من القول.
ويقال للصيغة: الخبر، وهو قسم من أقسام الكلام اللساني، [وللمعنى وهو قسم من أقسام الكلام النفساني].
قال في الإحكام: «ويطلق على الصيغة، كقوله: قام زيد، وقد يطلق على المعنى» .
وهو حقيقة فيهما عند قوم، وهو ظاهر كلام المصنف، وعند الأشعري في الباقي فقط، وعند قوم بالعكس.
ثم اختلف في تحديده، فقيل: لا يحدّ لعسره، وقد تقدم تقريره في العلم.
وقيل: لأنه ضروري من وجهين:
أحدهما: أن كل أحد يعلم بالضرورة أنه موجود، ومطلق الخبر جزء من معنى هذا الخبر، وإذا كان الخبر المفيد ضروريًا، فالمطلق الذي هو جزؤه أولى؛ لأن ما يتوقف عليه الضروري أولى أن يكون ضروريًا.
قيل: الاستدلال على أن العلم بمطلق الخبر ضروري ينافي كونه ضروريًا؛ لأن الضروري لا يقبل الاستدلال.
ردّ: بأن كون العلم ضروريًا صفة لحصوله وذلك يقبل الاستدلال، والذي لا يقبله / نفس الحصول الذي هو معروض الضرورة؛ إذ يمتنع أن يكون حاصلًا بالضرورة وبالكسب لتنافيهما، فإذًا لا يلزم من كون الشيء ضروريًا أن يكون العلم بضروريته ضروريًا؛ إذ لو كان ضروريًا لما احتاج في الجزم به إلى غير تصور طرفيه.
وقال المصنف: (والاستدلال على أن العلم ضروري) ولم يقل على أن الخبر مع أنه أنسب؛ لكونه جوابًا عامًا يرفع الشبهة حيث أوردت.
ثم أجاب المصنف: بأنه لا يلزم من حصول أمر تصوره، لجواز أن يحصل ولا يتصور، فالمعلوم نسبة الوجود إليه إثباتًا وهو غير تصور النسبة التي هي ماهية الخبر، فلا يلزم أن يكون ماهية الخبر ضرورية.
قيل: في الجواب الذي ذكر المصنف نظر؛ لأن المعترض ما قال إن حصول الخبر هو تصوره، حتى يقال له: لا يلزم من حصول أمر تصوره،
بل قال: العلم بحصول الخبر هو تصوره، ولا يمكن أن يقال: العلم بحصول الخبر غير تصوره.
وفيه نظر؛ لأن العلم بحصول الخبر أعم من تصور الخبر، على أنه لو لم يكن قائلًا ذلك، لما لزم مدعاه.
الوجه الثاني: التفرقة بين الخبر وغيره من الطلب بأقسامه ضرورة، والتفرقة الضرورية بين شيئين مسبوقة بتصورهما ضرورة.
والجواب: قد تقدم، وهو أن المتميز حصول النسبة لا تصورها، فاللازم أن الحصول ضروري لا أن التصور ضروري، فإن كل أحد يفرق بين حصول الألم واللذة له ضرورة مع عدم تصورهما، هذا معنى قول المصنف:(وقد تقدم مثله)، ولو كان كما ظن من زعم أنه إشارة إلى ما تقدم في الحسن من قوله: نفرق بين الضرورية والاختيارية، أو كما زعم من قال: إنه تقدم مثل هذا البحث في العلم في المنتهى، فتوهم أنه ت قدم له في هذا المختصر - لقال: وقد تقدم.
قال (القاضي والمعتزلة: الخبر الكلام الذي يدخله الصدق والكذب. واعترض: بأنه يستلزم اجتماعهما وهو محال، لا سيما في خبر الله
تعالى.
أجاب القاضي: بصحة دخوله لغة، فورد: أن الصدق الموافق للخبر والكذب نقيضه، فتعريفه به دور، ولا جواب عنه.
وقيل: التصديق أو التكذيب، فيرد الدور، وأن الحدّ يأبى «أو» .
وأجيب: بأن المراد قبول أحدهما.
وأقربها قول أبي الحسين: كلام يفيد بنفسه نسبة.
قال: بنفسه ليخرج نحو قائم؛ لأن الكلمة عنده كلام وهي تفيد نسبة مع الموضوع، ويرد عليه باب قم ونحوه، فإنه ك لام يفيد بنفسه نسبة، إما لأن القيام منسوب، وإما لأن الطلب منسوب.
والأولى: الكلام المحكوم فيه بنسبة خارجية، ونعني الخارج عن كلام النفس، فنحو طلبت القيام حكم بنسبة لها خارجي، بخلاف قم).
أقول: أما القائلون بأن الخبر لا يعرف [إلا] بالحدّ، فقد اختلفوا فيه. فقال الجبائي وابنه، وأبو عبد الله البصري، والقاضي عبد الجبار وغيرهم من المعتزلة:«الخبر: الكلام الذي يدخله الصدق والكذب» .
فبقوله: «يدخله الصدق والكذب» خرج الإنشاء.
اعترض: بأن الواو للجمع، فيلزم اجتماع الصدق والكذب معًا فيه وذلك محال، ويلزم ألا يوجد خبر، أو يوجد المحدود بدون الحدّ فلا ينعكس، واجتماعهما فيه محال لا سيما خبر الله تعالى.
لا يقال: هذا يشعر بأن اجتماع المتقابلين في خبر الله تعالى أشد استحالة منه في غيره وليس كذلك؛ لأن استحالته بالنسبة إلى / جميع الأخبار واحدة. لأنا نقول: استحالته بالنسبة إلى الكل كذلك، إلا أن هذا الإجماع لخصوص المادة أشد استحالة؛ لأن اجتماعهما لا يتصور في خبره ولا احتمال الكذب، بخلاف خبر غيره لإمكان الكذب فيه.
قيل في تقريره: اجتماعهما محال؛ لأن الخبر قد يكون كاذبًا لا يحتمل الصدق، كقولنا: الجزء أعظم من الكل وبالعكس كالبديهيات، لا سيما خبر الله تعالى.
وما قيل في تقريره: من أن الصدق والكذب متقابلان لا يجوز اجتماعهما، فيه نظر؛ لأن المتقابلين في زمان واحد، بل تقتضي الاجتماع مطلقًا.
قلت: والتقرير الأول هو الذي حكاه صاحب الإحكام، وهو أسعد بقوله:(لا سيما).
ثم ذكر جواب القاضي عبد الجبار - وإن كان عادة المصنف إذا أطلق القاضي إنما يريد الباقلاني: المراد دخوله لغة، أي لو قيل: صدق أو كذب أم يخطأ لغة، وكل خبر كذلك، وإن امتنع صدق البعض أو كذبه عقلًا فهو من حيث اللغة يحتملها نظرًا إلى ذاته، من غير نظر إلى خصوص المادة، لأنه لو قال شخص: قام زيد، فقال شخص: صدق، وقال آخر: كذب، صح الجميع لغة، ولما فسر عبد الجبار الدخول بهذا المعنى وأنه في اللغة لا في الواقع، سقط الاعتراض.
وورد: أن الصدق لغة الخبر الموافق للمخبر به، والكذب الخبر المخالف للمخبر به، بهذا عرفهما أهل اللغة، فهما معرفان بالخبر، فتعريفه بهما دور، واتضاه المصنف وقال:(لا جواب عنه) من حيث إنه إلزام لكونهم عرفوه بذلك، ولذلك قال:(فورد) بالفاء، وإلا فللقائل إن يقول: هما ضروريان، أو هما المطابق لمتعلقه وخلافه، وإمكان ذكرهما في تعريفهما لا يضر.
وأما دفع الدور: بأنه إنما يلزم لو عرفنا الخبر بالصدق والكذب المصطلحين وهما بالخبر المصطلح، أما لو عرفناه باللغويين أو بالمصطلحين، ثم عرفناهما باللغوي لم يرد الدور ففاسد؛ إذ مفهومهما اللغوي هو م فهومهما الاصطلاحي، وتعريف الصدق بأنه الموافق للخبر فيه تساهل، والمراد الموافق
للخبر، أو موافقة الخبر للواقع.
وقيل في حدّ الخبر أيضًا: هو الكلام الذي يدخله التصديق أو التكذيب، فاندفع الاعتراض باستلزام إجماعهما، لكن لم يندفع الدور؛ لأنهما الحكم بالصدق والكذب، وإن فسرنا الحكم بالصدق، فالإخبار عن كون المتكلم صادقًا انضم إلى ذلك تعريف الشيء بنفسه.
ويرد أيضًا: أن الحدّ للإيضاح و «أو» للإبهام، فلا يدخل في الحدّ.
وجوابه: أن المراد بـ «أو» ليس أن أحدهما واقع ولا يعلمه، بل قبوله لأحدهما، فأيهما وقع فهو الخبر ولا إبهام، فالخبر يدخله أحدهما لا على التعيين، ولا تردد فيه، وإنما التردد في دخول أحدهما عينًا، وهو غير داخل في التحديد.
ثم قال: وأقرب الحدود إلى الصواب قول أبي الحسين البصري من المعتزلة: «كلام يفيد بنفسه نسبة» .
وفسّر أبو الحسين النسبة بأنه: إضافة أمر إلى أمر بنفي أو إثبات، والظاهر أنه يريد مع حسن السكوت عليهما، وإلا ورد المركب التقييدي.
وقال: (بنفسه) ليخرج نحو قائم أو عالم، فإنه كلام عنده لأنه عرف الكلام بأنه: المنتظم من الحروف المتميزة المتواضع عليها، فتبين أنه ليس كل كلمة عند أبي الحسن كلامًا، بل ما كان من حرفين فأكثر، وقائم ونحوه يفيد نسبة لكن لا بنفسها بل مع الموضوع.
ويرد عليه: باب قم ونحوه من الطلب، فأنه كلام بالاصطلاحات كلها ويفيد نسبة بنفسه بأحد اعتبارين، إما لأن القيام منسوب إلى زيد؛ لأن المطلوب هو القيام المنسوب / إلى زيد لا مطلق القيام، وإما لأن الطلب منسوب إلى القائل؛ لأنه يدل على طلب منسوب إليه لا مطلق الطلب.
وفيه نظر؛ لأنه علم أنه منسوب إلى رجل، وإلا لزم ألا يكون رجل خبرًا.
ثم قال المصنف: أولى ما حدّ به أن يقال: (الكلام المحكوم فيه بنسبة خارجية).
ونعني أن تلك النسبة لها أمر خارجي، بحيث يحكم بصدقها إن طابقته، أو كذبها إن خالفته، فلا يرد قم؛ لأن مدلوله نفس الطلب، وهو المعنى القائم بالنفس من غير أن يشعر أن له متعلقًا واقعًا في الخارج، بخلاف طلبت القيام، فإنه يدل على الحكم بنسبة الطلب إلى المتكلم وله مطابق خارجي