الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: (مسألة:
القراءات السبع متواترة
فيما ليس من قبيل الأداء، كالمد، والإمالة، وتخفيف الهمزة.
لنا: لو لم تكن لكان بعض القرآن غير متواتر، كـ {مالك} و {ملك} ونحوهما، وتخصيص أحدهما تحكم باطل لاستوائهما).
أقول: القراءات السبع المنسوبة إلى: نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة.
والكسائي، ما هو منها من قبيل الأداء، كالمد، واللين، والإمالة، وتخفيف الهمزة ونحوها لا يجب تواتره، وما هو من جوهر اللفظ كـ {مالك} و {ملك} يجب تواتره، وإلا لكان غير متواتر، وهو
من القرآن، فبعض القرآن غير متواتر، وقد مرّ بطلانه.
لا يقال: أحدها لا بعينه هو المتواتر وهو القرآن، لأنّا نقول: هي مستوية في صحة إسنادها إليهم، واستقامة وجهها في العربية، وموافقة لفظها خط المصحف المنسوب إلى صاحبها، فتخصيص أحدها بعينه أنه قرآن تحكم باطل.
وفيه نظر؛ لجواز الترجيح بغير ما ذكر من كون {ملك} مثلًا أولى، إذ ولأن الرب هو المالك فيكون تكرارًا، أو يرجح مالكًا لكونه أعم من حيث المعنى، ولذلك يصح إضافته إلى كل شيء، كقولهم: مالك الدنيا، ولأن الله تعالى وصف نفسه به، فقال:{قل اللهم مالك الملك} .
واعلم أن ما ذكره يجري فيما هو من قبيل الأداء بعينه، وقول من قال: الذين تستند إليهم القراءات السبع لا يبلغ جميعهم عدد التواتر فضلا عن بعضهم؛ لأن عدد التواتر لا يختص بعدد، وضابطه ما حصل العلم، وقد حصل بقراءة كل واحد من المذكورين عند أهله، ولا يشترط في المتواتر أن يكون متواترًا عند سائر الناس.
قال: (مسألة: العمل بالشاذ غير جائز، مثل:{فصيام ثلاثة أيام متتابعات} ، واحتج به أبو حنيفة.
لنا: ليس بقرآن، ولا خبر يعمل به.
قالوا: يتعين أحدهما فيجب.
قلنا: يجوز أن يكون مذهبًا، ولو سلم فالخبر المقطوع بخطئه لا يعمل به، ونقله قرآنًا خطأ).
أقول: لا يجوز العمل بالشاذ عند مالك والشافعي، وقد نص مالك على أنه لا تجوز الصلاة بقراءة ابن مسعود.
وقال أبو حنيفة: إنه جائز، وبنى عليه وجوب التتابع في كفارة اليمين لما روى في مصحف ابن مسعود من:{فصيام ثلاثة أيام متتابعات} .
لنا: أنه ليس بقرآن لعدم تواتره، ولا خبر يصح العمل به؛ لأن شرط صحة العمل بالخبر أن ينقل على أنه خبر صريحًا، ولا حجية في غيرها.
قالوا: لا يخلوا عن أحدهما؛ لأنه إن كان في نفس الأمر قرآنًا فذلك، وإلا فلا أقل من كونه خبر آحاد، وأيّا ما كان يجب العمل به.
أجاب: بأنّا لا نسلم أنه يتعين أحدهما؛ لأن الراوي لم يروه على أنه خبر، وليس بقرآن لعدم تواتره، فيجوز أن يكون مذهبًا، سلمنا الحصر، لكن متى يثبت العمل بالخبر مطلقًا، أو إذا كان لم يكن خطأ قطعا؟ .
الأول ممنوع، والثاني لا يفيد؛ لأنه نقل قرآنًا وليس بقرآن قطعا، فارتفعت الثقة.
قيل: المقطوع بخطئه كونه قرآنا، لا كونه خبرًا.
ردّ: بأنه لم ينقله إلا على أنه قرآن، وقد ثبت على الوجه الذي نقل عليه، فلا يعمل به.
قلت: وفيه نظر؛ إذ لا يكون مذهبًا لأنه ليس بقياس، ولو كان يصرح به ن فيا للتلبيس على من اعتقد كونه حجة، فالظاهر أنه خبر إلا أنه اعتقد كونه قرآنًا ونقله على ما اعتقد، وذلك لا ينفي كونه خبرًا يعمل به.
قال: (المحكم: المتضح المعنى.
والمتشابه: مقابله، إما لاشتراك، أو إجمال، أو ظهور تشبيه.
والظاهر الوقف على {والراسخون في العلم} ؛ لأن الخطاب بما لا يفهم بعيد).
أقول: لما فرغ من المسائل، ختم بحث الكتاب بذكر المحكم والمتشابه؛ لأن القرآن يشملها.
فالمحكم: هو المتضح المعنى، نصًا كان أو ظاهرًا، قال الله تعالى:{منه آيات محكمات} .
السهيلي: وهو عندي من أحكمت الفرس تحكمه، أي منعته من العدول عن طريقه، ومنه قول حسان: ونحكم بالقوافي من هجانا، أي نلجمه فنمنعه.
وكذلك الآية المحكمة لا تنصرف بقارئها التأويلات، ولا تتعارض عليه الاحتمالات، إذ ليس لها معنى واحدًا، وليس من / لفظ الحكمة لأن كله حكمة.
والمتشابه: ما لم يتضح معناه؛ لأنه يميل بالناظر فيه إلى وجوه مختلفة وطرق متباينة، وقوله:{كتاب أحكمت آياته} هذا من الحكمة والإتقان، فالقرآن كله محكم على هذا، وهو كله متشابه باعتبار أن بعضه يشبه بعضًا في البراعة، والإعجاز، والجزالة، وبدائع الحكمة.
وعلى المعنى الأول: بعضه محكم وبعضه متشابه، ثم المتشابه بالمعنى الأول إما أن يكون اشتباهه من ناحية الاشتراك اللفظي نحو:{ثلاثة قروء} ، أو لإجمال، ونعني غير الإجمال الناشئ عن الاشتراك لقرينة سبق الاشتراك، وذلك في المجازات المتكافئة عند تعذر الحمل على الحقيقة، أو يكون لظهور تشبيه مثل {يد الله فوق أيديهم} ، فإن اليد ظاهر في العضو، والمراد تشبيه القدرة به، وسمي متشابهًا لاشتباهه على السامع، ولما كان {وما
يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} يوهم اشتباها في أن الواو للعطف أو للاستئناف، قال: والظاهر الوقف على والراسخون في العلم؛ لأنه لو كان الوقف على {وما يعلم تأويله إلا الله} ، لزم أن يخاطبنا الله بما لا نفهم، وهو وإن كان لا يمتنع على الله؛ لأنه يفعل ما يشاء، ولا مجال للعقل، لكن هو بعيد.
قيل عليه: يلزم اختصاص المعطوف وهو والراسخون في العلم بالحال وهم يقولون آمنا به، لامتناع أن يقول الله: آمنا به، والأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في المتعلقات.
أجيب: بأن ذلك جائز حيث لا لبس، ومنه:{ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة} .
وأيضًا: مخالفة الأصل أهون من الخطاب بما لا يفهم.
قلت: والحق الوقف على {وما يعلم تأويله إلا الله} ، وهو المروي عن ابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وابن عباس، وعمر بن عبد العزيز،
ومالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، وفي مصحف أبيّ {وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به} ، وفي مصحف ابن مسعود {وإن تأويله عند الله والراسخون في العلم يقولون} برفع الراسخون.
قولهم: يلزم الخطاب بما لا يفهم نمنعه؛ لأن العلم اعتقاد وجزم ومطابقة، ونفي المجموع قد يكون بنفي جزء من أجزائه، فجاز انتفاؤه بانتفاء الجزم ويكون مطابقًا، ولا يلزم من نفي العلم نفي الاعتقاد أو الظن، فلا يلزم نفي الفهم.
وأيضًا: جاز أن يكون المراد لا يعلم ابتداء، بل بإلهام الرب كعلم الغيب، وقد ذكر ابن إسحاق في السيرة عن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز كلامًا ينظر إلى هذا المعنى.
قال: قالا: التفسير غير التأويل، فلا يعلم التأويل، يدل عليه قوله تعالى:{يوم يأتي تأويله} .
وقال ابن إسحاق: الكلام تم عند {وما يعلم تأويله إلا الله} ، {والراسخون} مبتدأ، ولا نقول: إنهم لا يعلمون تأويله، ولكن نقول: يعملونه برد المتشابه إلى المحكم، وبالاستدلال على الخفي بالجلي، وعلى المختلف فيه بالمتفق عليه، فتنفد بذلك الحجة، ويزيغ الباطل، وتعظم درجة العالم عند الله؛ لأنه يقول: آمنت به كل من عند ربي، فكيف يختلف.
ولما كان العلمان مختلفين، علم الله تعالى، وعلم الراسخين في العلم، لم يجز أن يعطف الراسخون عليه؛ لأن الله يعلم تأويله بالعلم القديم، لا بتذكر، ولا بنظر، ولا بتدقيق نظر، ولا تفحص عن الدليل، ولا يعلم تأويله هكذا إلا الله.
قلت: ويدل أيضًا عليه الحديث: «لكل حرف ظهر وبطن، وحدّ ومطلع، إلى سبعة / أبطن، إلى ما لا يعلمه إلا الله» .
قال: والراسخون يعملون تأويله بالفحص عن الدليل، وبتدقيق النظر، وتسديد الغير، فهم كما قال الله في آخر الآية:{وما يذكر إلا أولوا الألباب} .
قيل: مراد المؤلف بالكلام على هذه الآية، جواز التمسك بجميع ما في القرآن، إذ لا يخاطبنا الله بما لا نفهم.
وقيل: مراده أن المتشابه لما كان ما لم يتضح دلالته، وهو ثابت في القرآن، وما لم تتضح دلالته قد تصدق بانتفاء الدلالة على المعنى، فيتوهم أن ما هذا شأنه ثابت في القرآن، فلذلك قال: (والظاهر الوقف
…
إلى آخره).