المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ عدم علم الأمة بخبر أو دليل راجح إذا عمل على وفقه - تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول - جـ ٢

[يحيى بن موسى الرهوني]

الفصل: ‌ عدم علم الأمة بخبر أو دليل راجح إذا عمل على وفقه

جوازه.

واختلف المجوزون في حجيته، وكل من اشترط في الإجماع انقراض العصر قال هنا: إنه إجماع إذا انقرض عصرهم؛ لأن هذا الاتفاق لا يكون رافعًا لتسويغ الخلاف المجمع عليه، إلا بشرط انقراض العصر عندهم.

وهذه المسألة كالتي قبلها استدلالًا وجوابًا، إلا أن كونه / حجة هنا أظهر؛ لأنه لا قول لغيرهم مخالفًا لهم، وقولهم المرجوع عن لم يبق معتبرًا فهم كل الأمة، والتي قبلها إذا اعتبر من خالفهم من الموتى فهؤلاء بعض الأمة، ولا معنى لقول المصنف في صدر المسألة:(فإجماع وحجة)؛ لأن الإجماع يستلزم الحجية.

قال: (اختلفوا في جواز‌

‌ عدم علم الأمة بخبر أو دليل راجح إذا عمل على وفقه

.

المجوز: ليس إجماعًا، كما لو لم يحكموا في واقعة.

النافي: اتبعوا غير سبيل المؤمنين).

أقول: إذا كان في الواقع دليل أو خبر يقتضي حكمًا ما، وليس لذلك الحكم دليل آخر، لم يجز عدم الأمة به لأنهم إن عملوا بما يقتضيه كان حكمًا بالتشهي وإلا كان تركًا للحكم المتوجه عليهم، أما إن كان في الواقع دليل أو خبر راجح لكنهم لم يعملوا على وفقه لمعارض، فلا يجوز عدم علمهم

ص: 291

به؛ لأنه إجماع على الخطأ، وأما إذا عملوا على وفقه مصيبين في الحكم، غير أنهم أسندوا الحكم إلى الدليل الأضعف، فقد اختلف في جواز مثل هذا. فقال المجوز: ليس إجماعًا على عدمه حتى يكون إجماعًا على الخطأ؛ لأن عد القول ليس قولًا بالعدم، كما لو لم يحكـ[موا في واقـ]ـعة.

وقال النافي: الدليل الراجح هو سبيل المؤمنين، وقد عملوا بغيره.

وجوابه: تأويله بما اتفقوا فيه.

وقد يقال: ليس هو سبيلهم، بل من شأنه أن يكون سبيلهم.

قال: (مسألة: المختار امتناع ارتداد كل الأمة سمعًا.

لنا: دليل السمع.

قالوا: الارتداد يخرجهم.

ردّ: بأنه يصدق أن الأمة ارتدت وهو أعظم الخطأ).

أقول: يمتنع ارتداد كل الأمة في عصر من الأعصار سمعًا وإن جاز عقلًا، وقيل: لا يمتنع سمعًا.

لنا: أدلة الإجماع السمعية الدالة على أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأي ضلالة أعظم من الكفر.

واعترض: بأن الردة تخرجهم عن تناول اسم الأمة، فلا تناولهم الأدلة.

ص: 292

والجواب: أنه يصدق قطعًا أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ارتدت، وهو أعظم الخطأ فيمتنع؛ إذ عند حصول الارتداد يصدق عليهم اسم الأمة حقيقة، وإنما يسلب عنهم الاسم بعد حصول الارتداد؛ لأن المعلول بعد العلة بالذات.

قال: (مسألة: مثل قول الشافعي رضي الله عنه: إن دية اليهودي الثلث، لا يصح التمسك بالإجماع فيه.

قالوا: اجتمع الكامل والنصف عليه.

قلنا: فأين نفي الزيادة، فإن أبدى مانع، أو نفى شرط، أو استصحاب، فليس من الإجماع في شيء).

أقول: إذا اختلفوا في ثبوت الأقل والأكثر في مسألة، [مثل] قول الشافعي:«إن دية اليهودي ثلث دية المسلم» ، وقال غيره:«النصف» ، وقال آخرون:«مثل دية المسلم» .

فلو تمسك على قول الشافعي بالإجماع بأن الأمة لا تخرج عن القول بالكل وبالنصف وبالثلث والكل قائلون بالثلث، لم يصح؛ لأن قول الشافعي يشتمل على وجوب الثالث ونفي الزائد، والإجماع لا يدل على نفي الزائد بل على وجوب الثالث فقط، فلا [بد] في نفي الزائد من دليل، فإن أبدى

ص: 293

وجود مانع من الزيادة على الثلث، أو انتفاء وجوب النصف أو الكل، أو عدم الأدلة، فيستصحب الأصل وهو عدم الزيادة على الثلث، لم يكن نفي الزيادة مثبتًا بالإجماع.

قال: (مسألة: يجب العمل بالإجماع بنقل الواحد، وأنكره الغزالي.

لنا: نقل الظني موجب، فالقطعي أولى.

وأيضًا: نحن نحكم بالظاهر.

قالوا: إثبات أصل بالظاهر.

قلنا: المتمسك الأول قاطع، والثاني يبتني على اشتراط القطع.

والمعترض: مستظهر من الجانبين).

أقول: الإجماع المنقول بخبر الواحد يجب العمل به، خلافًا للغزالي وبعض الحنفية.

لنا: نقل الدليل الظني كخبر الواحد غير النص يجب العمل به، ونقل الدليل القطعي الدلالة / أولى.

وأيضًا: قال عليه السلام: «نحن نحكم بالظاهر» ، والإجماع المنقول بالآحاد ظاهر، فوجب الحكم به؛ لأن الحديث خرج مخرج التعليم.

وهذا الحديث لا أعرفه بهذا اللفظ، نعم بوب بعض المحدثين كالترمذي

ص: 294

باب وجوب العمل بالظاهر، وساق حديث: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ

» الحديث.

قال الآخرون: هذا الدليلان من قبيل الظواهر؛ إذ الأول قياس على خبر الواحد والثاني ظاهر، وقد أردتم إثبات أصل كلي به وهو العمل بالإجماع المظنون ثبوته، والأصول لا تثبت بالظواهر إذ المقصود العلم، والظاهر لا يفيده.

والجواب: [إنا] إن تمسكنا بالمسلك الأول فهو قاطع؛ لأنه إثبات له بطريق الأولى وهو قطعي، لوجوب العمل بخبر الواحد قطعًا.

وإن تمسكنا بالثاني فلا شك أنه ظاهر، فتبني صحته على أنه فعل يشترط القطع في مسائل الأصول، وعليه دلائل واعتراضات من الجانبين وسواء استدل المستدل على عدم اشتراطه أو على اشتراطه، فالقوة للمعترض لضعف الأدلة، وهو معنى قوله:(والمعترض: مستظهر من الجانبين).

بأن نقول: لا نسلم أن كل دليل ظني موجب، ومن الجانب الآخر لا نسلم امتناع إثبات الأصول بالظواهر، وإنما يمتنع لو كان المراد من الأصول الاعتقاد لا العمل.

ص: 295