الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهما نسبتان بهذا الاعتبار، يقال: إنه نسبة، ويقال: إنه يقتضي نسبة.
فقول المصنف: (والعلم بانه نسبة ضروري (حق، نعم قد يتوهم على قول من قال: التصديق مجموع تصورات، أن الكلام ليس نفس النسبة، بل يقتضي نسبة، بمعنى أنه يستلزم نسبة، ضرورة استلزام المجموع لجزئه.
لا يقال: قوله: (بين مفردين) لا ينعكس للشرطية؛ لأنّا نقول: صيرتهما الأداة في حكم المفردين.
واحتج المصنف على قيامها بالمتكلم: بأن النسبة بين المفردين لو لم تكن قائمة بالمتكلم، لكانت النسبة بينهما خارجة عن المتكلم، أما الملازمة: فلأنه لا ثالث لهما، فإن الثابت إما في النفس وإما في الخارج، فإذا انتفى أحدهما تعين الآخر، وأما بطلان التالي: فلأن الخارجية لا يتوقف حصولها على تعقل المفردين، فإن نسبة القيام إلى زيد إذا حصل في الخارج حصل، سواء غفل عن زيد والقيام أو لا، وهذا يتوقف حصولها على تعقلها.
لا يقال: النسبة لا تقوم بغير المنتسبين، فكيف جعلها قائمة بالمتكلم؟ . لأنّا نقول: المنتسبان في النسبة العقلية هما الصورتان العقليتان، وهما قائمتان بالمتكلم، والنسبة قائمة بهما، والقائم بالقائم بالشيء قائم بذلك الشيء، وإن كان على توسع.
قال:
(الكتاب:
القرآن، وهو الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه.
وقولهم: ما نقل بين دفتي المصحف تواترا، حدُّ للشيء بما يتوقف عليه؛ لأن وجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن).
أقول: الكتاب اسم للقرآن / غلب عليه من بين سائر الكتب في عرف
الشرع، ورسم القرآن: بأنه الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه.
واعلم أن الكلام يطلق على الألفاظ الدالة على ما في النفس، ومنه {حتى يسمع كلام الله} ، {يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} ، ويطلق على مدلول الألفاظ، وهي المعاني التي في النفس، ومنه:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
…
جعل اللسان على الفؤاد دليلا
فقيل: مشترك، وقيل: حقيقة في الأول دون الثاني، وقيل: بالعكس، وهو الحق.
والأصولي يبحث في الكلام بالمعنى الأول، والمتكلم يبحث فيه بالمعنى الثاني، ولذلك أعرض المصنف عن النفساني، فخرج الكلام الذي لم ينزل، والمنزل لا للإعجاز، كسائر الكتب السماوية والسنة.
والمراد بالسورة: البعض المترجم أوله وآخره توقيفًا.
فقوله: (بسورة منه) يخرج بعض القرآن، ويخرج الكتب المنزلة إن قلنا: إن فيها معجزًا، وإن قلنا: إن بعض القرآن قرآن حقيقة، حملنا بسورة منه على قدر مخصوص من جنسه في البلاغة والعلو، فتخرج بعض الآية، أما الآية فيطلق عليها اسم القرآن، ولهذا يمنع الجنب من قراءة آية، إلا أن يكون متعوذًا، ولا يمنع من بعض آية.
والمصنف ما صرح بواحد منهما، حيث قال: وأنزلناه ضمير السورة
…
إلى آخره، وحمل السورة على قطعة منه أولى؛ لأن معرفة السورة بالمعنى الأول يتوقف على معرفة القرآن، فيلزم الدور، على أن كونه للإعجاز ليس لازمًا بينًا، فلا يعرف به.
وقال قوم منهم الغزالي: «ما نقل بين دفتي المصحف تواترًا» .
قال المصنف: وهو حدّ للشيء بما يتوقف معرفته على معرفته؛ لأن المصحف ليس إلا ما كتب فيه القرآن، ولا يتميز عن سائر الصحف إلا بما يكتب فيه، فالعلم بأن هذا مصحف، وبأن هذا نقل بين دفتيه تواترًا فرع
تصور القرآن، فتعريفه به دور، هذا إن حمل وجود المصحف على الوجود الذهني، والأقرب إلى لفظ المصنف أن نقول: النقل على الوجه المذكور لا يتصور إلا بعد وجود المصحف والنقل، ووجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن؛ لأن وجود المصحف فرع إثبات السور والآيات بين الدفتين، وإثباتهما فرع تصورها، وكذا النقل المضاف إلى ما بين الدفتين، لا يتصور إلا بعد تصور القرآن، فتكون معرفة القرآن موقوفة على النقل المضاف، الموقوف على وجود المصحف ونقله، الموقوفين على تصور القرآن.
قيل: النقل لا يتفرع على تصور القرآن من حيث هو قرآن، بل من حيث هو منقول، لتحقق النقل بين الدفتين بدون القرآن، والإثبات لا يستدعي تصور القرآن إلا بالنسبة إلى المثبت، وهو فاسد؛ لأن تفرع النقل على تصور القرآن بالنسبة إلى الناقل ظاهر؛ لأنه إنما نقله من حيث إنه قرآن لا من حيث إنه منقول، نعم بالنسبة إلى غيره هو غير متفرع عليه، لكن يلزم اختصاص صحة التعريف بالنسبة إلى غير الناقل والمثبت، وهو فاسد.
قال بعض فضلاء الشارحين: «قد يقال في تصحيح الرسم: نحن بعدما علمنا أنها هنا ما نقل بين الدفتين، وما لم ينقل كالمنسوخ تلاوته، وما نقل ولم يتواتر نحو: ثلاثة أيام متتابعات، أردنا تخصيص الاسم بالقسم الأول دون الأخيرين، ليعلم أن ذلك هو الدليل، وعليه الأحكام من منع التلاوة
جنبًا والمس محدثًا، وإلا فهو اسم على شخصي، والتعريف لا يكون إلا للحقائق الكلية، بل قد نبهنا على أن ضابط معرفة التواتر في متون الصحف وصدور الحفاظ، دون التحديد والتعريف».
قال: (مسألة: ما نقل آحادًا فليس بقرآن، للقطع بأن العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، وقوة الشبهة في {بسم الله الرحمن الرحيم} منعت من التكفير من الجانبي، والقطع أنها لم تتواتر في أوائل السور قرآنًا، فليست قرآنًا فيها قطعا كغيرها، وتواترت بعض آية في النمل، فلا مخالف.
قولهم: مكتوبة بخط المصحف، وقول ابن عباس رضي الله عنهما:«سرق الشيطان من الناس آية» لا يفيد؛ لأن القاطع يقابله.
قولهم: لا يشترط التواتر في المحل بعد ثبوت مثله، ضعيف يستلزم جواز سقوط كثير من القرآن المكرر، وجواز إثبات ما ليس منه، مثل:{ويل} ، و {فبأي} ، لا يقال: يجوز، ولكنه اتفق تواتر ذلك.
لأنّا نقول: لو قطع النظر عن ذلك الأصل، لم يقطع بانتفاء ذلك السقوط، ونحن نقطع بأنه لا يجوز.
والدليل ناهض؛ ولأنه يلزم جواز ذلك في المستقبل، وهو باطل).
أقول: هذه المسألة الأولى مما يتعلق بالكتاب، وهي: أن ما نقل آحادًا فليس بقرآن؛ لأن القرآن مما تتوفر الدواعي على نقله، لما تضمنه من
التحدي والإعجاز؛ ولأنه أصل الأدلة التي هي أصول الأحكام، والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل ما هو كذلك أصلًا وترتيبًا، فما لم ينقل متواترًا علم أنه ليس قرآنًا قطعًا، وبهذا الطريق يعلم أن القرآن ما عورض.
لا يقال: كانوا حين الجمع يأخذون بعض الآي من الآحاد.
لأنّا نقول: إن سلم ذلك، فكان الآحاد يذكرونهم إياها، أو يكون المتلقى من الآحاد موضعها لا أصلها.
وقوله: (وقوة الشبهة في {بسم الله الرحمن الرحيم}) ، جواب عن سؤال مقدر، توجيهه: لو وجب تواتره والقطع بنفي ما لم يتواتر، لكفّر أحد الفريقين الآخر في {بسم الله الرحمن الرحيم} .
أما الملازمة: فلأنه إن تواترت فإنكارها نفي لما هو من القرآن ضرورة، وإلا فإثبات لما ليس من القرآن ضرورة، كمن زاد آية غيرها أو نقضها فإنه يكفر إجماعًا، وأما بطلان التالي: فللإجماع على عدم التكفير من الجانبين.
ثم أجاب: بمنع اللزوم، وإنما يلزم التكفير لو كان كل من الطرفين لم تقم فيه شبهة قوية تخرجه من حد الوضوح إلى حيز الإشكال، وأحد الفريقين لم يخالف قطعيًا في زعمه، ودليل النفي وإن كان قطعيًا عند المصنف، لكنه غير قطعي عند الخصم، وبهذا الاعتبار صح إطلاق الشبهة عليه.
واحتج المصنف على أن التسمية في أوائل السور ليست قرآنًا قطعًا: أنَّا نقطع أنها لم تتواتر في أوائل السور قرآنًا، وكلما لم يتواتر في أوائل السور فليس بقرآن، ينتج: التسمية في أوائل [السور] ليست قرآنًا.
أما الصغرى فإجماعية، وأما الكبرى؛ فلأن القرآن لما كان أساس الدين، وأصل الشريعة، ومرجع الأحكام، وأكبر معجزاته عليه السلام، وجب تبليغه إلى الكل تبليغًا يقطع العذر وينفي الشك، حتى لا تبقى ريبة فيما هو قرآن أنه قرآن، وفيما ليس بقرآن [أنه ليس بقرآن] وإذا ظهر وشاع لا يجوز أن يندرس بعد ذلك، بل يدوم نقله متواترًا، وقد أخبر تعالى عن ذلك بقوله:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} .
والعادة تقضي بنقل ما شأنه ذلك أن يكون على سبيل التواتر، لتوفر الدواعي على نقله، أما المنكرون فللمعارضة، وأما المقرون فلقهر الخصم وإظهار الدين، فكل ما هو قرآن متواتر، وينعكس بعكس النقيض: كل ما ليس بمتواتر لا يكون قرآنًا، والمصنف حذف الكبرى وصرح بالنتيجة، وقوى الدليل بأنها لما تواترت في النّمل لم يخالف أحد في كونها من القرآن، فلو كانت في أوائل السور قرآنًا ما خالف أحدٌ فيها، وقد قال تعالى:{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} .
قلت: ولقائل أن يقول على الصغرى: المشترط تواتره في المحل، دون تواتر كونه قرأنًا فيه.
وقد وافق المصنف على تواتره في المحل، حيث قال: القراءات السبع متواترة، وقد أثبتها جماعة من القراء السبعة في أوائل السور.
واعلم أن القاضي أبا بكر ذهب إلى أن المسالة قطعية، وأن المخطئ فيها وإن لم يكفر، فلا أقل من التفسيق.
وذهب جماعة إلى أنها اجتهادية ظنية، يجوز التمسك فيها بالظواهر وأخبار الآحاد، ولا يفسق المخالف.
احتج الخصوم على أنها آية من أول كل سورة: بأنهم كتبوه في المصحف في أوائل السور، ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك مع علمهم به، ومع مبالغتهم في صيانته وحفظه، وتميزه عن غيره، حتى منعوا إثبات أسامي السور وآمين والنقط.
وأيضًا: روى البيهقي بإسناده، عن ابن عباس: «إن الشيطان استرق
من أهل القرآن أعظم آية في القرآن {بسم الله الرحمن الرحيم} » ، فدل قوله مع عدم إنكارهم عليه على أنها آية.
والجواب: أنه في مقابلة القاطع والظني يضمحل إذا قابله القاطع، وليس معكم إلا الإجماع السكوتي، ولا يفيد قطعًا.
لا يقال: العادة تقضي في مثله بعدم الاتفاق، فكان لا يكتبها بعض، أو ينكر على كاتبها ولو نادرًا.
لأنّا نقول: إنما لم ينكروا؛ لكونها آية من القرآن في غير أوائل السور، وفهم الساكتون أنهم إنما كتبوها في أوائل السور للاستفتاح والتبرك.
فإن قيل: الظاهر خلافه.
قلنا: لا ينهض لمقاومة القاطع، ولو سلّم فإنما ينهض لبعض الحنفية القائلين: إنها آية أنزلت، وأمر بالفصل بها بين السور، لا أنها آية من كل سورة، ولذلك قال:«سرق الشيطان [للناس] آية» ، ولم يقل: مائة وأربعة عشر.
قالوا: قولكم: العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله نمنعه، وإنما يشترط تواتر مثله في محل ما، وقد اتفق ذلك في سورة النمل، أما تواتره بعينه في المحل المخصوص، فلا نسلم أن العادة تقضي بتواتره فيه.
أجاب: بأنه ضعيف؛ لأنه لو لم يشترط التواتر في المحل؛ لجاز سقوط كثير من القرآن المكرر ما ثبت في المحل ولم يتواتر، اكتفاء / بتواتره في محل عن تواتره في المحل الآخر.
وأيضًا: يستلزم جواز كون بعض القرآن المكرر قد أثبت مع أنه ليس بقرآن في المحل، مثل:{ويل يومئذ للمكذبين} ، ومثل {فبأي آلاء ربكما تكذبان} ؛ لأنه تواتر في محل ولا يشترط في محل آخر، والآحاد يجوز عليهم الخطأ، فيزيدون في القرآن ما ليس قرآنًا، وعدم الجواز معلوم قطعًا، ثم أورد من جانبهم على جوابه.
وتقريره: أن يقال: جواز العدم لا يمنع الوقوع، والوقوع لا يوجب الوجوب، فيقال: اتفق تواتر ذلك المكرر مع أنه لو لم يتواتر كان جائزا.
وردّ: بأنا نقول: لو قطعنا النظر عن ذلك الأصل وهو وجوب التواتر في تفاصيله مثله، ما حصل الجزم بانتفاء السقوط، لكنّا نقطع بانتفاء السقوط بحيث لا نشك في ذلك.
وأيضًا: الدليل ناهض على وجوب تواتر تفاصيل ما تتوفر الدواعي على
نقله وسيأتي، وأيضًا: لا يلزم من اتفاق تواتره أن يتواتر في المستقبل، فيلزم جواز إسقاط كثير من القرآن المكرر، وجواز إثبات ما ليس منه في المستقبل، وذلك باطل قطعًا، قال تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ، وقرره أكثر الشارحين، فقالوا: لو قطع النظر عن ذلك الأصل وهو اتفاق تواتر المكرر، لم نقطع بانتفاء سقوط المكرر؛ لأن الموجب للقطع بانتفاء سقوط المكرر هو اتفاق تواتر المكرر المانع عن جواز السقوط وليس كذلك؛ لأنّا نقطع بانتفاء سقوط المكرر من القرآن، سواء قطعنا النظر عن اتفاق تواتر المكرر أو لم نقطع، والدليل على انتفاء جواز السقوط وهو ما سبق من وجوب اشتراط التواتر فيما هو من القرآن ناهض.
والحق أنه لو اشترط تواتره في المحل دون تواتر كونه قرآنا فيه، لم يلزم ما ذكر، وأيضًا: هذا لا ينفي قول من قال: إنها آية أنزلت وأمر بالفصل بها بين السور فتأمله، قيل: هذا كلام على المستند، ثم القطع بعدم الجواز وقيام الدليل على عدمه ممنوعان، والدليل لم يقم على تواتر المكرر وغيره، بل على تواتر ما ليس بمكرر، وعلى تواتر واحد من المكرر، والسقوط في المستقبل مدفوع، وإنما يصح لو لم ينقل في المستقبل المكررات تواترًا، ولا يخفى عدم ورود ما عدا الكلام على المستند، لا سيما على التقرير الأول.