الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: (ومنها: العدالة، وهي مخالفة دينية تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، ليس معها بدعة.
وتحقق باجتناب الكبائر، وترك الإصرار على الصغائر، وبعض الصغائر وبعض المباح.
وقد اضطرب في الكبائر، فروى ابن عمر: الشرك بالله، وقتل النفس، وقذف المحصنة، والزنا، والسحر، وعقوق الوالدين المسلمين، وأكل مال اليتيم، والقرار من الزحف، والإلحاد في الحرم.
وزاد أبو هريرة: أكل الربا، وزاد عليّ: السرقة، وشرب الخمر.
وقيل: ما توعد عليه الشارع بخصوصه.
وأما بعض الصغائر، فما يدل على الخسة، كسرقة لقمة، وكالتطفيف بحبة.
وبعض المباح: كاللعب بالحمام، والاجتماع مع الأراذل، والحرف الدنيئة مما لا تليق به ولا ضرورة.
وأما الذكورية، والحرية، وعدم العداوة، والقرابة، فمختص بالشهادة).
أقول:
الشرط / الرابع: عدالة الراوي
، وهي محافظة دينية تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، ليس معها بدعة، فقيد (دينية) يخرج الكافر، وقيد (يحمل على ملازمة التقوى والمروءة) يخرج الفاسق، و (ليس معها
بدعة) يخرج الفاسق بالاعتقاد.
ولما كانت العدالة هيئة نفسية خفية، فلابد لها من علامة تتحقق بها، وتتحقق باجتناب الكبائر، وترك الإصرار على الصغائر، وترك بعض المباح. أما الكبائر: فقد اضطرب الرواة فيها، وروى البخاري في كتاب الأدب حديث ابن عمر موقوفًا.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: «اجتنبوا السبع الموبقات» ، فعد أكل الربا، وأما زيادة عليّ [السرقة] فغير معروف، وكذا شرب الخمر.
لكن خرّج ضياء الدين المقدسي في جزء جمعه في ذم السُكْر حديثًا
مسلسلًا عن عليّ فيه: «أن مدمن الخمر كعابد وثن» ، ولكن قلما تصح المسلسلات.
وقيل: الكبيرة كل ما تواعد الشارع عليه بخصوصه، وهذا أعم من الأول.
وأما الإصرار على الصغائر، فمرجعه العرف وبلوغه مبلغًا ينفي الثقة.
وأما الصغائر: فالمراد منها ما يدل على خساسة النفس، ودناءة الهمة، كسرقة لقمة، وتطفيف بحبة.
وأما بعض المباح بما يدل على دناءة الهمة، كالأكل في السوق، والاجتماع مع الأراذل، والحرف الدنيئة ممن لا تليق به، ولا ضرورة تدعوه إلى ذلك؛ لأنه حينئذ لا يمتنع من الكذب عادة.
وأما الذكورية، والحرية، وعدم القرابة، والعداوة، فمختص بالشهادة؛ لأنها أولى بالاحتياط، لقوة البواعث، ولخصوصها بخلاف الخبر.
قال: (مسألة: مجهول الحال لا يقبل، وعن أبي حنيفة قبوله.
لنا: الأدلة تمنع من الظن، فخولف في العدل، فيبقى ما عداه.
وأيضًا: الفسق مانع، فوجب تحقق ظن عدمه، كالصبا والكفر.
قالوا: الفسق سبب التثبت، فإذا انتفى انتفى.
قلنا: لا ينتفي إلا بالخبرة، أو التزكية.
قالوا: نحن نحكم بالظاهر وبنحوه ولا نقف.
قالوا: ظاهر الصدق كإخباره بالزكاة، وطهارة الماء ونجاسته، ورق جاريته.
أجيب: بأن ذلك مقبول مع الفسق، والرواية أعلى رتبة).
أقول: مجهول الحال، قد يكون مجهول العدالة في الظاهر والباطن.
فمذهب الجمهور أن روايته غير مقبولة.
وعن أبي حنيفة: قبولها.
وإن جهلت عدالته الباطنة وكان عدلا في الظاهر وهو المستور قبلت
روايته عند كثير من المحدثين، وجمع من الشافعية.
وأما مجهول العين: فلا تقبل روايته، وفسر بمن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد، على أن في الصحيحين جماعة لم يرو لهم إلا راوٍ واحد.
احتج / المصنف: بأن الأدلة تمنع من العمل بالظن، مثل:{ولا تقف ما ليس لك به علم} ، {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا} .
خولف في الظن الحاصل من قول العدل للإجماع، فيبقى معمولًا به فيما عداه.
لا يقال: المتبع للإجماع، وأيضًا: تأول بما المطلوب فيه العلم.
لأنا نقول: لا إجماع في غير العدل، ودليل التأويل أيضًا الإجماع وقد انتفى، فلا يصار إليه.
احتج أيضًا: بأن الفسق مانع بالاتفاق، فيجب تحقق ظن عدمه كالصبا
والكفر بأنه يجب تحقق ظن عدمهما، والجامع دفع احتمال المفسدة.
قلت: وقد يفرق بأن البلوغ والإسلام شرطان إجماعًا، [و] تحقق العدالة لسيت شرطًا عنده، ويجب تحقق الشرط، ويكفي في انتفاء المانع أن الأصل عدمه، نعم لو طالبه بوجود المقتضى كان أولى.
احتجوا أولًا: بأن الفسق سبب للتثبت لقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق} ، فإذا انتفى الفسق - إذ الأصل عدمه - انتفى وجوب التثبت.
أجاب: أنا لا نسلم أنه انتفى، وإنما انتفى العلم به، ولا يلزم من عدم العلم بشيء عدمه، والمطلوب العلم بانتفائه، ولا يحصل إلا بالخبرة بالشخص وتزكيته، وهو ينبني على أن الأصل الفسق أو العدالة، والظاهر أنه الفسق؛ لأن العدالة طارئة، ولأنه أكثر.
قالوا ثانيًا: قوله عليه السالم: «نحن نحكم بالظاهر» يدل على العمل بكل ظاهر، والظاهر صدقه.
أجاب: أنا نمنع ظهور صدقه، لاستواء نسبة الصدق والكذب إليه مما لم تعلم عدالته، ثم هو معارض بنحو {ولا تقف} ، {إن يتبعون إلا الظن} .
قالوا ثالثًا: هو ظاهر الصدق فيقبل، كما لو أخبر بذكاة شاة،
وطهارة ماء أو نجاسته، ورق جاريته، فإنا لا نشترط العدالة ونكتفي بظاهر صدقه.
أجاب: بأنه ليس محل النزاع، إذ محل النزاع ما كان الفسق فيه مانعًا، وما ذكرتم مقبول مع الفسق.
وأيضًا: الرواية أعلى رتبة لكونها تثبت شرعًا عامًا.
قال: (مسألة: الأكثر على أن الجرح والتعديل يثبت بالواحد في الرواية دون الشهادة.
وقيل: لا فيهما.
وقيل: نعم فيهما.
الأول: شرط فلا يزيد على مشروطه كغيره.
قالوا: شهادة فيتعدد.
أجيب: بأنه خبر.
قالوا: أحوط.
أجيب: بأن الآخر أحوط، والثالث ظاهر).
أقول: الأكثر على أن كل واحد من الجرح والتعديل يثبت بقول الواحد في الرواية، ولابد من اثنين في الجرح وفي التعديل في الشهادة.
وعن القاضي أبي بكر: أنه يثبت بقول الواحد فيهما، وعنه لابد في التعديل في الشهادة من اثنين، وهما قولان معروفان / في مذهب مالك.
وقال قوم: لابد من العدد في الجرح والتعديل في الرواية والشهادة.
لنا: أن التعديل شرط فلا يحتاج إلهي إلى أكثر مما يحتاج في أصله، وقد اكتفى في الرواية بواحد، وفي الشهادة باثنين.
واعلم أنه لا يفيده حتى يثبت، وأنه لا ينقض عن أصله ولم يثبت؛ إذ كسائر الشهادات.
أجاب: بالمعارضة، فإنه خبر فيكتفى بالواحد كسائر الأخبار.
قالوا ثانيًا: اعتبار العدد أحوط؛ لأنه يبعد احتمال [عدم] العمل بما
ليس بحديث.
أجيب: بأن عدم اعتبار العدد أحوط، فإنه يبعد احمال عدم العمل.
والمذهب الثالث ظاهر؛ إذ يجعل المعارضة في الثاني دليلًا، والدليل معارضة، فيقول: خبر فيكتفى بالواحد، فيعارض: بأنه شهادة.
أو يقال: أحوط، فيعارض: بأن الآخر أحوط.
قال: (مسألة: قال القاضي: يكفي الإطلاق فيهما.
وقيل: لا فيهما.
وقال الشافعي: في التعديل.
وقيل: بالعكس.
الإمام: إن كان عالمًا، إن شهد من غير بصيرة لم يكن عدلًا، وفي محل الخلاف مدلس.
وأجيب: بأنه قد ينبني على اعتقاده، أو لا يعرف الخلاف.
النافي: لو اكتفى لأثبت مع الشك.
أجيب: بأنه لا شك مع إخبار العدل.
الشافعي: لو اكتفي في الجرح لأدى إلى التقليد للاختلاف فيه.
العكس: العدالة ملتبسة لكثرة التصنع بخلاف الجرح.
الإمام: غير العالم يوجب الشك).
أقول: ذهب القاضي أبو بكر إلى أنه يكفي المعدل والمجرح أن يقول: هو عدل، أو هو ليس بعدل، ولا حاجة إلى ذكر سبب الجرح أو العدالة.
وقال قوم: يجب ذكر السبب فيهما.
وقال الشافعي: لابد من ذكر سبب الجرح مفسرًا؛ لاختلاف الناس في سببه، وأما سبب التعديل فلا.
وعكس آخرون.
وقال إمام الحرمين: إن صدر ممن يعلم أسبابهما كفى الإطلاق، إلا لم يكف.
احتج القاضي: بأن المجرح أو المعدل إن شهد من غير بصيرة بحال المزكى والمجرح، لم يكن عدلًا، وهو خلاف الفرض، وما ذكر من أنه اختلف في سبب الجرح، فربما جرح بما ليس بمجرح.
فيقال: مهما أطلق في محل الخلاف كان مدلسًا، وذلك قادح في عدالته.
وردّ: بأنه قد يبني الجرح على اعتقاده وإن علم الخلاف ولا يلزم
تقليده فيه، وربما بناه على اعتقاد وهو لا يعرف الخلاف، وهو غير مدلس في الحالين. قيل: المستند الأخير مناف للفرض؛ لأنه إذا لم يعرف الخلاف شهد من غير بصيرة وهو مردود؛ لأنه يصير بها على اعتقاده.
احتج النافي: بأنه لو اكتفي بالإطلاق لأثبت ما ذكر مع الشك، للالتباس في أسباب الجرح والتعديل وكثرة الخلاف فيها، ربما جرح أو عدّل بما ليس بمجرح أو معدل.
الجواب: لا نسلم أنه يثبت مع الشك؛ لأن قول العدل يوجب الظن، وأنه لو لم يعرف لم يقل.
احتج الشافعي: بأنه لو اكتفي [في الجرح] لأدى إلى تقليده لاختلاف الناس في أسباب الجرح، فهو في كون الحديث مردود مقلد للجارح؛ لأنه عمل بقوله فيما رآه جارحًا، وربما لو ذكر لم يره المجتهد جرحًا، بخلاف العدالة فإن أسبابها لا تنضبط فيكون التقليد في أسبابها مما لا انفكاك عنه.
وفيه نظر؛ بل لأنها ملازمة للتقوى والمروءة، فهو مما لا يختلف فيه.
القائل بالعكس: العدالة تلتبس على الناس لكثرة التصنع بخلاف الجرح،
فاحتيج إلى ذكر السبب فيها.
الإمام: لو أثبتنا أحدها لقول غير العالم بأسبابها لأثبتاه مع الشك، بخلاف العالم، والمصنف بيّن المأخذ ولم يرجح.
قال: (مسألة: الجرح مقدم.
وقيل: الترجيح.
لنا: أنه جمع بينهما فوجب، أما عند إثبات معين ونفيه باليقين فالترجيح).
أقول: إذا عدّل قوم شخصًا وجرّحه آخرون، فالمجرِح مقدم.
وقيل: المعدِل مقدم.
وقيل: يعمل بقول الأرجح من المعدِل أو المجرِح.
احتج: بأن المجرِح جمع بين قول المعدِل والمجرِح، فإن غاية قول المعدل أنه لم يعلم فسقًا ولم يظنه؛ إذ العلم بالعدم لا يتصور، والجارح يقول: علمت، فلو حكمنا بقول المعدل كان المجرح كاذبًا، ولو حكمنا بفسقه لم يلزم كذب المعدل؛ لأنه لم ينف شيئًا معينًا، وتكذيب العدل خلاف
الظاهر، فالجمع مهما أمكن أولى.
أما لو عين الجارح السبب ونفاه المعدل بطريق يقيني، مثل أن يقول الجارح: قتل فلانًا يوم كذا، ويقول المعدل: فلان حي رأيته بعد ذلك بمدة، فالتعارض واقع لعدم إماكن الجمع، فيصار إلى الترجيح بمزيد العدالة وبكثرة العدد.
وقيل: الضمير في قوله: (جمع بينهما) أي بين القول بتقديم الجرح والقول بالترجيح.
قال: (مسألة: حكم الحاكم المشترط العدالة بالشهادة تعديل، وعمل العالم مثله.
ورواية العدل، ثالثها المختار: تعديل إن كانت عادته أنه لا يروي إلا عن عدل، وليس من الجرح ترك العمل في شهادة ولا رواية، لجواز معارض، ولا الحد في شهادة الزنا بعدم الذهاب لعدم النصاب، ولا بمسائل الاجتهاد ونحوها مما تقدم.
ولا بتدليس على الأصح، كقول من لحق الزهري: قال الزهري، موهمًا أنه سمعه، ومثل: وراء النهر يعني غير جيحان).
أقول: حكم الحاكم العدل الذي يرى العدالة شرطًا في قبول الشهادة بمقتضى شهادة أحد تعديل.
وعمل العالم الذي يرى العدالة في قبول الرواية بروايته تعديل.
أما لو ع مل العالم على وفق حديث لم يكن حكمًا بصحته.
واختلفوا في رواية العدل عن الشخص، فقيل: تعديل، وقال الأكثر: ليس بعديل.
والصحيح: إن علم / من عادة الراوي أنه لا يروي إلا عن عدل، فهو تعديل، وإلا فلا.
وأما ترك العمل بشهادة أو رواية، فليس جرحًا؛ لجواز معارض بفقدان شرط آخر غير العدالة.
وكذلك الحدّ في شهادة الزنا لعدم تمام النصاب، ليس جرحًا.
وكذا الحدّ على المسائل الاجتهادية كشرب النبيذ، ليس جرحًا.
وكذا اللعب بالشطرنج مما هو مختلف فيه، لا يكون جرحًا.
وكذلك [بعض] مسائل الأصول مثل الخلاف في البسملة، وفي إثبات التكوين صفة، وإليه الإشارة بقوله:(ونحوها مما تقدم) أي نحو مسائل الاجتهاد لقوة الشبهة من الجانبين.
والعجب من المصنف، كيف جعل الحدّ في شهادة الزنا لعدم النصاب ليس جرحًا، ومذهبه أنه جرح.
وكذلك شرب النبيذ وإدمان الشطرنج، كل ذلك عند مالك جرح، وكذا التدليس يجرح على الأصح، كقول من لحق الزهري ولم يصحبه:«قال الزهري» ، فأنه يوهم أنه سمعه.
وكقول من قال: «حدثنا فلان وراء النهر» ، يعني غير جيحان، وهو نهر بالشام، والسامع يتوهم أنه جيحان، ومعنى أن القول يكون موهمًا لأن الشخص يقصد ذلك؛ إذ لا نزاع في أن الثاني تدليس فادح، والنزاع في الأول.
وفي الصحيحين عن جماعة من المدلسين كقتادة، والأعمش، وسفيان، وغيرهم.
قال: (مسألة: الأكثر على عدالة الصحابة.
وقيل: كغيرهم.
وقيل: إلى حين الفتن، فلا يقبل الداخلون؛ لأن الفاسق غير معين.
وقالت المعتزلة: عدول إلا من قاتل عليًا رضي الله عنه.
لنا: {والذين معه} ، «أصحابي كالنجوم» ، وما تحقق بالتواتر عنهم من الجدّ في الامتثال.
وأما الفتن فتحمل على اجتهادهم.
ولا إشكال بعد ذلك على قول المصوبة وغيرهم).
أقول: إن الجمهور على أن الصحابة عدول، فلا يسأل عن عدالتهم، بل هم معدلون بظاهر الكتاب والسنة.
وقيل: هم كغيرهم، فيحتاج إلى تعديل من لم يكن مشتهر العدالة.
وقيل: لم يزالوا عدولًا إلى حين الفتن بين عليّ ومعاوية، فلا يقبل
الداخلون من الطرفين؛ لأن الفاسق غير معين، وأما من لم يدخل فيها فباق على العدالة.
وقالت المعتزلة: هو عدول إلا من قاتل عليًا.
لنا: {والذين معه أشداء على الكفار} الآيتين، قوله تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} أي عدولًا، وكذلك {كنتم خير أمة أخرجت للناس} .
ومن السنة: «أصحابي كالنجوم» ، «خير القرون قرني» .
وأيضًا: ما تحقق عنهم بالتواتر في الجدّ في امتثال الأوامر واجتناب
النواهي، وذلك كله يوضح عدالتهم.
وأما ما ذكر من الفسق فيحمل على الاجتهاد وتحسين الظن بهم؛ إذ هم أولى من يحسّن الظن بهم، وحينئذ لا إشكال، سواء قلنا: كل مجتهد مصيب، أو قلنا: المصيب واحد، فإن المخطئ لا يؤاخذ بخطئه، بل له أجر واحد، وللمصيب / أجران.
قال: (مسألة: الصحابي من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به، وإن لم يرو ولم تطل.
وقيل: إن طالت.
وقيل: إن اجتمع، وهي لفظية، وإن ابتنى عليها ما تقدم.
لنا: تقبل التقييد بالقليل، وكان للمشترك، كالزيادة والحديث.
ولو حلف أن لا يصاحبه حنث بلحظة.
قالوا: أصحاب الجنة، أصحاب الحديث للملازم.
قلنا: عرف في ذلك.
قالوا: يصح نفيه عن الوافد والرائي.
قلنا: نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم).
أقول: اختلفوا في اسم الصحابي على من يطلق.
وذهب جمع الأصوليين وأكثر المحدثين إلى أن الصحابي كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يرو عنه حديثًا، وإن لم تطل صحبته معه.
وقيل: إن طالت الصحبة فهو صحابي، ويروى عن أنس، وابن المسيب.
وقيل: إن اجتمع طول الصحبة والرواية فهو صحابي، وإلا فلا.
والحق: أن المسألة لفظية، وإن انبنت عليها مسألة علمية وهي عدالة الصحابة.
لنا: أن الصحبة فعل يقبل التقييد بالكثير والقليل، يقال: صحبه قليلًا وكثيرًا من غير تكرار ولا نقض، يوجب جعله للقدر المشترك دفعًا للمجاز والاشتراك، كالزيادة والحديث فإنهما لما احتملا القليل والكثير جعل المحدث والزائر للمتصف بالقدر المشترك.
وأيضًا: لو حلف ألا يصحب فلانًا، فصحبه لحظة حنث اتفاقًا، ولو شرط فيه الأمران أو أحدهما لما كان كذلك.
وفيهما نظر؛ لأن الأول إثبات اللغة بالترجيح.
والصحابي بياء النسب المخصوص في العرف بأصحاب النبي، يخالف
الصاحب لغة، وقد قال عليه السلام:«لا تؤذوني في أصحابي» ، والمخاطب غير صاحب.
قالوا: إذا قيل: أصحاب الجنة وأصحاب الحديث، فإنما يقال للملازم لا لغيره، ولو كان لغير الملازم لما فهم من الملازم؛ لأن الأعم لا يشعر بالأخص.
أجاب: بأنه فهم الملازم من العرف الجديد؛ لأن الوضع كذلك، ولا يثبت مثل ذلك في الصحابي.
قالوا: الوافد على النبي والرائي له يقال فيه ليس بصاحب، فدلّ على أن الصاحب ملازم، وإلا لم ينف عن الوافد والرائي؛ إذ الحقيقة لا تنفى.
الجواب: أن المنفي الصحبة طويلة أو مطلق الصحبة؟ .
الثاني ممنوع، والأول مسلّم، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
لا يقال: لو حلف أن زيدًا ليس بصاحب عمرو، وقد صحبه لحظة لم يحنث.
لأنا نقول أولًا: الأيمان مبنية على العرف، والعرف الجديد في مثله
للملازم.
وأيضًا: إن عنى ليس بصاحب في الحال فمسلّم، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، وإن عنى ليس بصاحب في شيء من الملازمة منعناه.
قال: (مسألة: لو قال المعاصر / العدل: أن صحابي، احتمل الخلاف).
أقول إذا قال من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا صحابي» ، وكان معروف العدالة، فالظاهر صدقه للعدالة، ويحتمل عدم الصدق لكونه متهمًا بإلحاق نفسه بالمراتب الشريفة.
وجعل ابن الصلاح أحد الطرق ما يثبت به كون الشخص صحابيًا أن يقول العدل المعاصر: «أنا صحابي» .
قال: (مسألة: العدد ليس بشرط، خلافًا للجبائي، فإنه اشترط خبرًا آخر، أو ظاهرًا، أو انتشاره في الصحابة، أو عمل بعضهم، وفي خبر الزنى أربعة.
والدليل والجواب: ما تقدم في خبر الواحد.
ولا الذكورة، ولا البصر، ولا عدم العداوة، ولا عدم القرابة، ولا الإكثار، ولا معرفة نسبه، ولا العلم بفقه أو عربية، أو معنى الحديث، لقوله صلى الله عليه وسلم:«نضر الله امرأً» ، ولا موافقة القياس، خلافًا لأبي حنيفة).
أقول: الجمهور على عدم اشتراط العدد في الرواية، بل يقبل الواحد العدل، خلافًا للجبائي، فإنه اشترط أحد أمور:
إما أن يخبر عدل آخر به.
وإما أن يكون الخبر موافقًا لظاهر آية، أو ظاهر خبر آخر.
وإما انتشار الخبر في الصحابة.
وإما عمل بعض الصحابة بموجبه.
وعنه وعن القاضي عبد الجبار: لابد في خبر يثبت [به] حكم في الزنا من أربعة.
ومما ينظر فيه، منع الجبائي جواز التعبد بخبر الواحد العدل واشتراطه هنا في وجوب العمل به العدد، إلا أن يحمل ثمة على خبر الواحد لغة، لكن أدلته تأباه.
قال المصنف: والدليل على عدم اعتبار العدد، والجواب عن الأسئلة الواردة وعن حجج المنكرين، ما تقدم في خبر الواحد.
فمن جانبنا: عمل الصحابة في الوقائع المتكررة، وإنفاذه عليه
السلام [الآحاد] لتبليغ الأحكام، ومن جانبهم: توقفهم في قبول المنفرد ونحو {ولا تقف} .
وكذا الذكورية ليست بشرط، بل تقبل المرأة.
وكذا البصر؛ لاتفاقهم على قبول الأعمى.
وكذا عدم القرابة، وعدم العداوة، فيقبل ما رواه الوالد العدل مما فيه حق لابنه وبالعكس.
وكذا يقبل من العدل ما رواه على عدوه، بخلاف الشهادة.
وهذا مجرد تكرار؛ لأنه تقدم في آخر فصل العدالة.
وكذا الإكثار من الرواية ليس شرطًا، فتقبل رواية من لم يرو إلا حديثًا واحدًا.
ولا يشترط كونه معروف النسب؛ إذ لا مدخل لذلك في الصدق.
ولا يشترط علم الراوي بالفقه والعربية، أو معنى الحديث، لقوله عليه السلام:«نضر الله امرأ سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» ، أخرجه أبو داود، والترمذي.
وروي عن مالك أنه [كان] يترك رواية الراوي إذا لم يكن فقيهًا، ومثله عن أبي حنيفة.
ولا يشترط أن يكون الخبر موافقًا للقياس، خلافًا لأبي حنيفة حيث اشترط موافقته في رواية غير الفقيه، ووافق على قبوله من الفقيه وإن خالف القياس.
قال: (مسألة: إذا قال الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حمل على أنه سمع منه.
وقال القاضي: يتردد في ذلك، فيبنى على عدالة الصحابة).
أقول: لما فرغ من شروط الراوي، شرع في بيان مراتب مستند الراوي.
فبدأ بمراتب مستند الصحابي إذا قال: سمعته، أو أخبرني، أو حدثني عليه السلام، فهو خبر قبوله بلا خلاف، واختلف في مسائل منها: إذا قال الصحابي: قال صلى الله عليه وسلم، حمل على أنه سمعه منه عند المالكية وجمهور المحدثين.
وقال القاضي أبو بكر: يتردد في كونه سمعه منه أو سمعه ممن يرويه عنه، وحينئذ ينبني قبوله على عدالة [جميع] الصحابة.
فعلى قول الجمهور أن كلهم عدول يقبل؛ لأنه إما سمعه منه، أو من صحابي عدل، وكونه يرويه عن تابعي بعيد.
وعلى قول الآخرين، قد يرويه عن واسطة لا تعلم عدالته، وإلا ظهر ما ذهب إليه القاضي، لعدم ظهوره في أحد الأمرين.
قال: (مسألة: إذا قال: سمعته أمرَ أو نهى.
فالأكثر: حجة؛ لظهوره في تحققه لذلك.
قالوا: يحتمل أنه اعتقد، وليس كذلك عند غيره.
قلنا: بعيد).
أقول: إذا قال الصحابي: سمعته أمرَ بكذا، أو نهى عن كذا، فالأكثر على أنه حجة، وبه قال أصحابنا؛ لأن قول الصحابي العدل العارف بمدلولات الألفاظ ظهر في تحقق كون النبي عليه السلام هو الآخر والناهي؛ لأنه لا يجزم بما لم يعلم.
قالوا: يحتمل أنه اعتقد ما سمعه من صيغةٍ أمرًا أو نهيًا وليس كذلك،
لكثرة الخلاف والوهم، كمن يعتقد الأمر بالشيء نهي ضده.
الجواب: إن ذلك وإن احتمل فبعيد؛ لأجل العلم بالأوضاع والضبط والعدالة، والاحتمال لا ينفي الظهور.
قال: (مسألة: إذا قال: أمرنا، أو نهينا، أو أوجب، أو حرم.
فالأكثر: حجة؛ لظهوره في أنه عليه السلام الآمر.
قالوا: يحتمل ذلك، أو أنه أمر الكتاب، أو بعض الأئمة، أو عن استنباط.
قلنا: بعيد).
أقول: إذا قال الصحابي: أمرنا، أو نهينا، أو أوجب كذا، أو حرم أو أبيح، فما بني لما لم يسم فاعله، فعند المالكية والشافعية حجة؛ لظهوره في أنه عليه السلام الآمر والناهي، والموجب والمحرم، كما لو قال
أحد خدام الملك الكبار: أمرنا بكذا، أو نهينا، تبادر إلى الذهن أن الملك هو الأمر، وخالف الكرخي من الحنفية محتجًا بكونه يحتمل أمر النبي عليه السلام، ويحتمل أن يريد به أمر الكتاب، أو أمر بعض الأئمة، أو يكون
عن استنباط فإنه إذا قاس فغلب على ظنه أنه مأمور به، يجب العمل بموجبه، فإنه يقال عما أمرنا.
الجواب: أنه احتمال بعيد لا يرفع الظهور.
قال: (مسألة: إذا قال: من السنة كذا.
فالأكثر: حجة؛ لظهوره في تحققها عنه، خلافًا للكرخي).
أقول: إذا قال الصحابي: من السنة كذا، فالأكثر على أنه حجة؛ لأنه ظاهر في تحقق السنة عن النبي عليه السلام، خلافًا للكرخي، محتجًا بأن السنة تطلق على فعل الخلفاء الراشدين.
الجواب: أن سنة الرسول هو المتبادر عند الإطلاق، وإنما يطلق على سنة / غيره مقيد بسنة فلان.
قال: (مسألة: إذا قال: كنا نفعل، أو كانوا.
فالأكثر: حجة؛ لظهوره في عمل الجماعةز
قالوا: لو كان كذلك لما ساغت المخالفة.
قلنا: لأن الطريق ظني، كخبر الواحد النص).
أقول: هذه المرتبة أضعف المراتب، وهي كلها في القوة على حسبما رتبها المصنف، يظهر ذلك بالاحتمالات التي أبدى في كل واحدة؛ إذ بعضها أبعد من بعض.
فإذا قال الصحابي: كنا نفعل، أو كانوا، فالأكثر على أنه حجة؛ لأنه ظاهر في أن الضمير للجميع، وأنه أراد عملًا لجماعة؛ لأن قصده الاحتجاج ولا يثبت بقول البعض، فيكون إجماعًا.
وقيل: لا يكون حجة؛ لأنه لو كان كذلك لما ساغت مخالفته اجتهادًا؛ إذ لا تجوز مخالفة الإجماع.
الجواب: منع الملازمة؛ لأن ذلك فيما طريقه قطعي، وهنا ساغت لأن الطريق ظني، كما تسوغ في خبر الواحد القطعي الدلالة، فإن مخالفته سائغة بالاجتهاد لظن الطريق، ولا يمنعه قطعية المروي.
والإمام فخر الدين جعل هذه من قبيل السنة المقررة، وأنه ظاهر في أنهم كانوا يفعلون ذلك مع علمه.
وقال ابن الصلاح: «إن لم يضفه إلى زمانه عليه السلام، فهو من قبيل الموقوف، وإلا فهو من قبيل المرفوع» .