الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: بالمنع مطلقا، لالتزامه إياه.
والمختار: التفصيل، وأن كل مسألة اتصل عمله بها ليس له تقليد الغير فيها، بخلاف ما لم يتصل به عمله، ولا يناقض القول الأول الاتفاق السابق، لأنه إنما رجع عن المجموع قبل العمل بالمجموع قبل العمل بما هو مجموع.
قال:
(الترجيح:
وهو اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها، فيجب تقديمها لقطع عنهم بذلك.
وأورد: شهادة أربعة مع اثنين. وأجيب: بالتزامه، وبالفرق.
ولا تعارض في قطعيين، ولا في قطعي وظني، لانتفاء الظن).
أقول: الترجيح لغة: جعل الشيء راجحا.
وعرفه اصطلاحا: بأنه اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها.
ولا يعارض بالترجيح في المحدود لما سيأتي، ولما كان لا تعارض بين قطعيين، ولا بين قطعي وظني، تعين أن يكون بين أمارتين، ولا تقدم إحداهما على الأخرى إلا إذا اقترن بأحد الأمارتين ما تقوى به على معارضها، وهذا الاقتران الذي هو سبب الترجيح/ هو الترجيح اصطلاحا، وإذا حصل الترجيح وجب العمل بأقوى المارتين، للقطع عن الصحابة وغيرهم بذلك، وأنهم كانوا يقدمون الأقوى، وشاع ولم ينكر.
واعترض: بشهادة أربعة مع اثنين إذا تعارضتا، فإن الظن الناشيء من
شهادة الأربعة أقوى من الظن الناشئ من شهادة اثنين، مع أنه لا تقدم الأربعة.
الجواب: بالتزام تقديم الأربعة، وبالفرق بين الشهادة والدليل، إذ ليس كلما يرجح به الدليل ترجح به الشهادة، على ما سيأتي.
قال: (والترجيح في الظنين، منقولين أو معقولين، أو معقول ومنقول، في السند والمتن، والمدلول، وفي خارج.
الأول: بكثرة الرواة لقوة الظن، خلافا للكرخي، وبزيادة الثقة والفطنة والورع والعلم والضبط والنحو، وبأنه أشهر بأحدهما، وباعتماده على حفظه لا على نسخه، وعلى ذكر لا خط، وبموافقته عمله، وبأنه عرف أنه لا يرسل إلا عن عدل في المرسلين، وبأن يكون المباشر كرواية أبي رافع:"نكح ميمونة وهو حلال، وكان السفير بينهما"، على رواية ابن عباس:"نكح ميمونة وهو حرام"، وبأن يكون حاجب القصة، كرواية ميمونة:"تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان"، وبأن يكون مشافها كرواية القاسم عن عائشة:"أن بريرة عتقت وكان زوجها عبدا" على من روى أنه كان حرا، لأنها عمة القاسم.
وأن يكون أقرب عند سماعه كرواية ابن عمر: أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت تحت ناقته حين لبى.
وبكونه من أكابر الصحابة لقربه غالبا، أو متقدم الإسلام، أو مشهور النسب، أو غير متلبس بضعف، وتحملها بالغا، وبكثرة المزكين وأعدليتهم وأوثقيتهم، وبالصريح على الحكم، والحكم على العمل).
أقول: لما كان التعارض إنما يقع بين الظنين، فالترجيح إما بين منقولين كخبرين أو ظاهر في الكتاب أو مختلفين، وإما بين معقولين كقياسين، وإما بين معقولين ومنقول.
والأول: في ترجيح يقع في المنقولين، وهو يقع في السند وهو طريق ثبوته، وفي المتن وهو باعتبار مرتبة دلالته، وفي الحكم المدلول من الحرمة والإباحة، وفيما ينضم إليه من خارج.
الأول: في الترجيح بحسب السند: ويقع في الراوي، وفي الرواية، وفي المروي، وفي المروي عنه.
الأول في الراوي: ويكون في نفسه، وفي تزكيته بما في نفسه: فيرجح ما رواه الأكثر عددا؛ لأن الأكثر عددا أبعد عن الخطأ، خلاقا للكرخي، فإنه لا يرجح بها كما في الشهادة، والفرق سبق.
ويرجح بكون أحد الراويين اتصف/ بوصف يغلب على الظن صدقه كالثقة، والفطنة، والورع، والعلم، والضبط، والنحو.
ويرجح بكون أحدهما أشهر بهذه الصفات –وإن لم يعلم رجحانه فيها- فإن كونه أشهر يكون في الغالب لرجحانه.
ويرجح من كان اعتماده في الحديث على حفظه على المعتمد على
نسخته، ويرجح بتذكره سماعه من الشيخ على من اعتمد على خط نفسه، فإن الاشتباه في النسخة والحظ محتمل، بخلاف الحفظ والتذكر.
وترجح رواية من علم أنه عمل برواية نفسه على من لم يعلم، أو لم يعلم عمله بها؛ لأنه أبعد عن الكذب لا سيما إن خالفت رواية الآخر عمله.
ويرجح أيضا –إن كانا مرسلين- من علم أنه لا يرسل إلا عن عدل.
ويرجح أيضا بكون أحدهما مباشر لما رواه دون الآخر، كرواية أبي رافع:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحك ميمونة وهو حلال"، فإنه يرجح على رواية ابن عباس:"أنه نكحها وهو حرام"؛ لأن أبا رافع كان السفير بينهما –ذكره الترمذي- فيكون أعرف.
ويرجح بكون الراوي يشافه من روى عنه على من لا يشافهه، كرواية القاسم بن محمد عن عائشة: أن بريرة عتقت وكان زوجها عبدا، على
رواية: وكان حرا، وإن رجحت الأخرى لكونها مما خرجه البخاري وهذه مما خرجه أبو داود والترمذي، ووجه الترجيح: أن عائشة عمته، وقد سمع منها مشافهة، ورواية الأسود عنها من وراء حجاب.
ويرجح بكونه أقرب عند السماع إلى المروي عنه، كما تقدم رواية ابن عمر:"أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت تحت ناقته حين لبى"، على رواية من روى أنه قرن، وعلى هذا يرجح ما رواه أكابر الصحابة على ما رواه صغارهم لأنهم أقرب إلى الرسول غالبا.
ويرجح رواية متقدم الإسلام، وكذا رواية مشهور النسب، وكذا رواية من لم يتلبس بمضعف في الرواية.
ويرجح من تحمل بالغا على من تحمل صبيا، لخروجه عن الخلاف.
وأما ترجيح الراوي بحسب تزكيته: فمنها: ما يعود إلى المزكي، وهو أن يكون المزكون لأحدهما أكثر من المزكين للآخر، أو أعدل، أو أوثق.
ومنها: ما يعود إلى كيفية التزكية، فتقدم التزكية بصريح المقال على التزكية بالحكم بشهادته، وتقدم التزكية بالحكم بشهادته على التزكية بالعمل بروايته لأنه يحتاط في الشهادة أكثر.
قال: (وبالمتواتر على المسند، والمسند على المرسل، ومرسل التابعي على غيره، وبالأعلى إسنادا، والمسند على كتاب معروف، وعلى الشهور، والكتاب على المشهور، وبمثل البخاري ومسلم على غيره، والمسند باتفاق على مختلف/ فيه، وبقراءة الشيخ، وبكونه غير مختلف، وبالسماع على محتمل، وبسكوته مع الحضور على الغيبة، وبورود صيغة فيه على ما فهم، وبما لا تعم البلوى على الآخر في الآحاد، وبما لم يثبت إنكار لروايته على الآخر).
أقول: أما الترجيح بالرواية:
فمنها: أن يكون أحدهما ثبت التواتر، والآخر بخبر مسند.
وفيه نظر؛ لأنه قدم أنه لا تعارض بين قطعي وظني، وما نقل تواترا قطعي، والمسند ظني.
ومنها: أن يثبت أحدهما بالمسند والآخر بالرسل، فيقدم المسند.
وقيل: متساويان.
وقيل: يقدم المرسل.
ومنها: أن يكون أحد المرسلين مرسل تابعي والآخر مرسل غير تابعي، فيقدم مرسل التابعي؛ لأنهم غالبا إنما يروون عن الصحابة وهم عدول كلهم، بخلاف غيرهم.
ومنها: أن يكون أحدهما أعلى إسنادا؛ لأن ما كانت الوسائط فيه أكثر كان الظن به أضعف.
ويقدم ما كان معنعنا إلى النبي عليه السلام على ما كان معنعنا إلى كتاب معروف.
ويقدم أيضا على ما ثبت بطريق الشهرة غير مسند إلى كتاب.
ويقدم المسند إلى كتاب معروف على المشهور الذي لم يسند.
ويقدم المسند إلى كتاب مشهور بالصحة كالبخاري ومسلم على المسند إلى ما لم يلحق تلك الدرجة مما فيه الصحيح وغيره، كسنن أبي داود.
ويقدم ما اتفق على أنه مسند على ما اختلف في أنه مسند أو مرسل.
ويقدم ما كانت الرواية فيه بقراءة الشيخ على الراوي، على ما كان بقراءة الراوي على الشيخ، أو بقراءة غيره على الشيخ.
ويقدم الحديث إذا كان غير مختلفة رواياته، على المختلف المضطرب روايته، ويحتمل أن يكون أراد يقدم ما لم يختلف في رفعه على ما اختلف في رفعه ووقفه.
وأما الترجيح بحسب المروي: فمنها: أن يكون روى سماعه من الرسول والآخر محتمل السماع، فيقدم ما قيل فيه: سمعت على ما قيل فيه: قال عليه السلام.
ويقدم ما جرى بحضوره وسكت عنه على ما جرى في غيبته عليه السلام وسمع به وسكت عنه.
ويقدم ما ورد فيه صيغة من النبي على ما فهم الراوي عن النبي فعبر بعبارة نفسه، كقوله:"سها فسجد"، أو أنه يقدم ما قال فيه:"قال" على قوله: "أمرنا، أو نهينا"، ويختص بأخبار الآحاد أن يكون أحدهما مما لا تعم البلوى والآخر مما تعم به البلوى، فيقدم الأول للخلاف في قبول الآحاد فيما تعم به البلوى. وفي تحقيق التعارض بين هذين نظر.
وأما الترجيح بحسب المروي عنه: فيقدم ما لم يثبت/ إنكار لرواته على ما ثبت إنكار لرواته، ويشمل وجهين:
ما ل يقع لرواته إنكار له، وما لم يقع للناس إنكار له.
والأول هو المتعلق بالمروي عنه.
وقيل: ما لم يكذب الأصل الفرع، أو أنكره إنكار نسيان.
ويقدم ما أنكره الأصل على الفرع إنكار نسيان، على ما أنكره عليه إنكار جحود.
قال: (المتن: النهي على الأمر، والأمر على الإباحة على الصحيح.
والإباحة على النهي، والأقل احتمالا على الأكثر.
والحقيقة على المجاز، والمجاز على المجاز بشهرة مصححة، أو قوته، أو قرب جهته، أو رجحان دليله، أو بشهرة استعماله.
والمجاز على المشترك على الصحيح كما تقدم، والأشهر مطلقا، واللغوي المستعمل شرعا على الشرعي، بخلاف المنفرد الشرعي، وبتأكيد الدلالة.
ويرجح في الاقتضاء بضرورة الصدق على ضرورة وقوعه شرعا.
وفي الإيماء بانتفاء العبث أو الحشو على غيره، وبمفهوم الموافقة على المخالفة على الصحيح.
والاقتضاء على الإشارة وعلى الإيماء وعلى المفهوم، وتخصيص العام على تأويل الخاص لكثرته، والخاص ولو وجه، والعام لم يخصص على ما خص، والتقييد كالتخصيص.
والعام الشرطي على النكرة المنفية وغيرها، والمجموع باللام ومن وما على الجنس باللام.
والإجماع على النص، والإجماع على ما بعده في الظني).
أقول: أما الترجيح بحسب المتن:
فيرجح ما مدلوله نهي على ما مدلوله أمر؛ لأن غالب النهي لدفع المفاسد وغالب الأمر لجلب المصالح، واهتمام الشارع بدرء المفاسد أشد، ولأن النهي يقتضي الدوام، ولقلة محامله بخلاف الأمر.
ويقدم ما مدلوله أمر على ما مدلوله إباحة للاحتياط، وقيل: بالعكس لاتحاد مدلولهما، بخلاف مدلول الأمر، ولأنه لا يختل به مقصود الفعل والترك إن أراد المكلف، والأمر يختل به مقصود الترك، ولأن المبيح يمكن العمل به على تقدير المساواة والرجحان فقط.
ويقدم ما هو للإباحة وينهى بمثله على ما هو للإباحة خالصا ولا ينهى بمثله.
وقيل: مراده ترجيح النهي على الإباحة، وهو معلوم من ترجيحه النهي على الأمر والأمر على الإباحة، فلا يبقى لقوله:(بمثله) معنى.
وحمله بعضهم على أن المراد (بمثل) الدليل على تقديم الأمر على الإباحة، وهو بعيد، لأن الدليل غير مذكور في الكتاب.
وفي بعض النسخ: والإباحة على النهي، وفيه بعد؛ لأن النهي مقدم على الأمر المقدم على الإباحة.
وقال بعض فضلاء الشارحين: اختلفت جهة الترجيح، فليس فيه تقدم
الشيء على نفسه، وفيه نظر.
ويرجح الأقل/ احتمالا على ما كثرت محتملاته، كمشترك بين معنيين ومشترك بين ثلاثة، ومنه تقديم الخبر على الأمر والنهي.
وتقدم الحقيقة على المجاز، لتوقف الحمل على القرينة في المجاز بخلاف الحقيقة.
ويقدم مجاز اشتهر مصححه –أي علاقته- فيقدم مجاز المشابهة على غيره.
ويرجح ما كان مصححه أقوى، ككون أحدهما من باب إطلاق اسم الكل على الجزء، والآخر بالعكس.
ويرجح مجاز جهة قربه إلى الحقيقة أقرب من الآخر، كحمل النفي الداخل على الذات على نفي الصحة على حمله على نفي الكمال.
ومنه تقديم ما كان بإطلاق اسم السبب على ما كان بالعكس؛ لأن السبب مستلزم لمسببه دون العكس، فجهة الأول أقرب إلى الحقيقة.
ويرجح المجاز برجحان دليله، من كونه بنص الواضع أو بصحة النفي على مجاز عرف بعدم الاطراد.
وقيل: المراد (برجحان دليله) أن القرينة الصارفة في أحدهما قاطعة والأخرى غير قاطعة.
وقيل: معناه أن يكون الدليل على أن الحقيقة غير مرادة في أحدهما أرجح من الدليل الدال على أن الحقيقة غير مرادة في الآخر، أو بحيث لم يحمل عليه لزم مخالفة دليل أقوى بخلاف الآخر.
ويرجح مجاز اشتهر في الاستعمال على غيره لعدم افتقاره إلى العلاقة، أو لقلة افتقاره إليها، مثلا:"من تغوط عليه الوضوء"، "من تبرز لا وضوء عليه"، يقدم الأول لشهرته.
ويقدم المجاز على المشترك، وقيل: بالعكس، وقد علمت ما فيه أول الكتاب، ولم أطلع على هذا الخلاف.
ويرجح الأشهر مطلقا في اللغة أو في الشرع أو في العرف على غيره، كانا حقيقتين، أو حقيقة مرجوحة ومجازا راجحا.
ويقدم اللغوي المستعمل شرعا في معناه اللغوي على اللفظ الشرعي، وهو ما نقله الشارع عن معناه اللغوي إلى غيره، لعدم التغيير والنقل فسلم من الخلاف، بخلاف المنفرد الشرعي، وهو ما له معنى لغوي استعمل فيه واستعمل في الشرع لمعنى آخر، فإن حمله على الشرعي أظهر.
ويقدم ما أكدت دلالته على الآخر كقوله: "فنكاحها باطل باطل".
ويقدم ما تعددت جهات دلالته، بأن يكون دالا على المقصود من وجهين أو ثلاثة والآخر من وجه واحد، وكذلك لو دل أحدهما من ثلاثة أوجه لقدم على ما دل من وجهين.
ويقدم الدال بالمطابقة على الدال التزاما.
وإذا تعارض نصان يدلان بالاقتضاء وأحدهما لضرورة الصدق والآخر لضرورة وقوعه شرعا، قدم الأول، لأن ما يتوقف عليه صدق المتكلم أولى، لاستحالة الخلف على الشارع، بخلاف المخالفة في المشروع.
وإذا تعارض إيماءان أحدهما لانتفاء العبث أو لانتفاء الحشو والآخر لغيره من ترتب حكم/ على وصف، قدم الأول؛ لكون انتفاء العبث والحشو أظهر من دلالة الفاء أو ترتيب الحكم على مجرد الوصف.
وإذا تعارض ما دل بمفهومه الموافقة وما دل بمفهومه المخالفة، قدم ما دل بمفهومه الموافقة على الصحيح؛ لأنه أقوى، ولأنه متفق عليه عند الأكثر.
وقيل: بالعكس؛ لأن مفهوم المخالفة للتأسيس ومفهوم الموافقة للتأكيد وبأن مفهوم الموافقة لا يتم إلا بفهم المعنى في الأصل وأنه موجود في المسكوت وأنه فيه أقوى، بخلاف مفهوم المخالفة فإن مقدماته أقل، فكان أولى.
ويقدم ما دل بالاقتضاء على ما دل بالإشارة، وعلى ما يدل بالإيماء،
وعلى ما يدل بالمفهوم مطلقا لأن نفي الصحة أبعد من انتفاء قصد هذه الأمور.
ويقدم تخصيص العام على تأويل الخاص لكثرته، وكذا الخاص يقدم على العام لقوة دلالته على ما تضمنه، ولا كذلك العام لاحتمال خروج ذلك الفرد، ولذلك يقدم الخاص من وجه [العام]، والعام من وجه على العام من كل وجه.
ويقدم العام الذي لم يخصص على الذي خص؛ لتطرق الضعف إليه بالخلاف فيه.
وتقييد المطلق كتخصيص العام، فيقدم المقيد –ولو من وجه- على المطلق، والمطلق لم يخرج منه مقيد على ما أخرج منه، ومنه تعلم تقديم المطلق على العام.
وإذا تعارضت صيغ العموم، فصيغة الشرط الصريح تقدم على صيغة النكرة الواقعة في طريق النفي، وعلى الجمع المحلي والمضاف؛ لأن دلالتها أقوى لإفادتها التعليل.
ثم الجمع المحلى، والاسم الموصول على اسم الجنس المعرف باللام، لكثرة استعماله في العهد، فتصير دلالته على العموم أضعف.
قال: ويرجح الإجماع على النص؛ لأن النسخ مأمون فيه بخلاف النص.
فإن أراد الإجماع الظني، ففي تقديمه على النص نظر؛ إذ هو مختلف في حجيته، ولا كذلك النص.
وإن أراد القطعي لم يحسن؛ لأنه قال: (ولا تعارض بين قطعي وظني) ثم قال: (والترجيح في الظنيين)، فهو إنما يتحدث في الظنيين، منقولين أو معقولين أو مختلفين.
وإذا تعارض إجماعان قدم السابق، كإجماع الصحابة على إجماع التابعين ثم كذلك؛ لأنهم أعلى رتبة وأقرب إلى الرسول. وقوله:(في الظني) أي في الإجماع الظني، إذ لا يتصور ذلك في القطعي، لاستحالة تقابل القطعيين، ولا حاجة إلى ذكره لأنه إنما يتحدث في الظنيين.
قال: (المدلول: الحظر على الإباحة.
وقيل: بالعكس.
وعلى الندب لأن درء المفاسد أهم، وعلى الكراهة.
والوجوب على الندب.
والمثبت على النافي كخبر بلال: "دخل البيت وصلى"، وقال أسامة:"دخل ولم يصل".
والدارئ على الموجب.
والموجب للطلاق والعتق لموافقة النفي وقد يعكس لموافقة/ التأسيس.
والتكليفي على الوضعي بالثواب وقد يعكس.
والأخف على الأثقل وقد يعكس).
أقول: أما الترجيح بحسب المدلول: فيقدم الحظر على الإباحة للاحتياط، وقيل: بالعكس لئلا تفوت مصلحة إرادة المكلف.
وقيل: هما سواء.
ويقدم ما مدلوله حظر على ما مدلوله ندب؛ لأن دفع المفاسد أهم من جلب المصالح.
ويقدم الحظر على الكراهية لأن أحوط، والوجوب على الندب لذلك.
ويقدم المثبت على النافي، كخبر بلال:"دخل البيت وصلى"، على خبر أسامة:"دخل ولم يصل"، وهما في سلم، وقدم لأنه يثبت زائدا، أو لأنه للتأسيس، ولأن غفلة الإنسان عن الفعل كثير.
وقيل: بالعكس لموافقة البراءة الأصلية، [وهذا الترجيح بالخارج.
ويقدم الدارئ للحد على الموجب له، لما فيه من السير ونفي الحرج
الذي قد علم تشوف الشارع إليه، ولموافقته البراءة الأصلية]، وهذا أيضا ترجيح بالخارج.
وقيل: بالعكس، لموافقته التأسيس.
ويقدم الموجب للطلاق والعتق على ما يوجب عدمهما، إذ الأصل عدم الزوجية والرقية، وهذا مختار الكعبي.
وذهب الأكثرون إلى تقديم نافي الطلاق والعتق؛ لأنه وفق الدليل المؤسس المقتضي لصحة النكاح المرجح على النافي لصحته.
وبعض الشراح جعل (والموجب للطلاق) مجرورا لا مرفوعا، فيكون المصنف مختارا لقول الأكثرين.
ويقدم الحكم التكليفي على ما هو من خطاب الوضع كالصحة؛ لأن التكليفي محصل الثواب.
وقيل: بالعكس؛ لأنه لا يتوقف على فهم المخاطب وتمكنه.
ويقدم ما اقتضى الخف على ما اقتضى الأثقل، لليسر ونفي الحرج.
وقيل: بالعكس إذ المصلحة فيه أكثر، ولتأخره غالبا لتأخر التشديديات.
قال: (الخارج: يرجح الموافق لدليل آخر، أو لأهل المدينة، أو للخفاء، أو للأعلام.
ويرجحان أحد دليلي التأولين، وبالتعرض للعلة، والعام على سبب خاص في السبب، والعام عليه في غيره، والخطاب شفاها مع العام كذلك، والعام لم يعمل به في صورة على غيره.
وقيل: بالعكس، والعام فإنه أمس بالمقصود، مثل:{وأن يجمعوا بين الأختين} على: {أو ما ملكت أيمانكم} .
وبتفسير الراوي بفعله أو بقوله، أو بذكر سبب تأخره، كتأخر الإسلام، أو تاريخ مضيق، أو تشديدات).
أقول: أما الترجيحات بالخارج: فيرجح الموافق لدليل آخر على ما لا يؤيده دليل آخر.
ويرجع الموافق/ لعمل أهل المدينة على ما لم يعملوا بمقتضاه، لمعرفتهم بالتأويل وشهودهم التنزيل.
ويقدم الموافق لعمل الأئمة الأربعة على غيره لذلك.
ويقدم موافق عمل الأعلم على غيره.
وإذا تعارض مؤولان ودليل تأويل أحدهما راجح، قدم على الآخر.
ويقدم الحكم الذي ذكر بعلته على ما لم تذكر معه علته؛ لأنه أفضى إلى تحصيل المقصود من الانقياد، ولدلالته على الحكم من وجهين، وقد يعكس بأن المشقة في قبوله أشد فهو أكثر ثوابا.
وإذا تعارض عامان أحدهما على سبب والآخر لا على سبب، قدم في صورة السبب العام الوارد عليه لقوة دلالته فيه، وفي غير صورة السبب يقدم الآخر للخلاف في تناوله لغير صورة السبب.
وإذا ورد عام هو خطاب مشافهة لبعض ما تناوله وعام ليس كذلك، فهما كعامين أحدهما على سبب والآخر لا على سبب، فيقدم الشفاهي في المشافهين، ويقدم الآخر في غيرهم.
وإذا تعارض عامان لم يعمل بأحدهما في صورة من الصور، وعمل بأحدهما –ولو في صورة- قدم ما لم يعمل به، حتى يصيرا قد عمل بهما، وإلا لألغي أحدهما.
وقيل: بالعكس؛ لأن ذلك شاهد له بالاعتبار.
وإذا تعارض عامان أحدهما أمس بالمقصود، قدم على الآخر، مثل قوله تعالى:{وأن تجمعوا بين الأختين} ، يقدم في تحريم الجمع بينهما بملك اليمين على قوله تعالى:{أو ما ملكت أيمانكم} ، فإن الأولى أمس بمسألة الجمع.
وإذا تعارض خبران وفسر الراوي لأحدهما ما رواه بقول أو فعل، ولم يفسر الآخر ما رواه، قدم المفسر لأنه أعرف، فيكون الظن به أوثق.
ويقدم ما ذكر فيه سبب وورد النص على غيره، لدلالته على زيادة اهتمامه.
ويقدم ما اقترن به قرينة تدل على تأخره على خلافه، كتأخر إسلام رواية؛ لأن الظاهر أن روايته بعد إسلامه، وتحتمل رواية الآخر أن تكون قبل الإسلام هذا أو بعده احتمالا على السواء.
ومثل كونه مؤرخا بتاريخ مضيق والآخر بتاريخ موسع، نحو: ذي القعدة من سنة كذا، ويقول الآخر: سنة كذا؛ لاحتمال كون الآخر قبل ذي القعدة، ومثل أن يكون في شديد؛ لأن التشديدات متأخرة لأنها إنما كانت بعد تمكن الإسلام.
قال: (المعقولان: قياسان، أو استدلالان).
فالأول: أصله، وفرعه، وخارج الأول بالقطع، وبقوة دليله، وبكونه لم ينسخ باتفاق، وبأنه على سنن القياس، وبدليل خاص على تعليله).
أقول: لما فرغ من الترجيح في الظنين المنقولين، شرع/ في الترجيح في الظنين المعقولين، وهما قياسان، أو استدلالان، أو قياس واستدلال.
وترك المصنف الكلام على الأخيرين، والترجيح بين القياسين يكون بما يعود إلى الأصل، وإلى الفرع، وإلى المدلول، وإلى الخارج.
والذي يعود إلى الأصل منه يعود إلى حكمه، ومنه ما يعود إلى علته.
والذي يعود إلى حكمه أمور:
فيقدم ما حكم أصله قطعي على ما حكم أصله ظني؛ لأن ما أحد مقدماته قطعي أغلب الظن، وإذا كان حكم الأصل ظنيا فيهما قدم ما دليل حكم أصله أقوى من الآخر على حسب الترجيح المذكور في الظنين المنقولين.
ويقدم ما حكم أصله غير منسوخ باتفاق على ما اختلف في نسخ حكم أصله، لبعد الأول عن الخلل.
ويقدم ما كان على سنن القياس باتفاق على ما اختلف فيه، أهو على سنن القياس أو لا.
هكذا قال بعض الشراح، وهو أولى من حمله على ظاهره كما حمله أكثرهم؛ لأنه فاسد إذا كان على غير سنن القياس فلا تعارض فلا ترجيح.
ويفدم ما قام دليل خاص على تعليله على غيره، فإنه أبعد عن القصور والخلاف.
قال: (وبالقطع بالعلة، أو بالظن الأغلب، أو بأن مسلكها قطعي، أو أغلب ظنا، والسبر على المناسبة لتضمنه انتفاء المعارض.
ويرجح بطريقة نفي الفارق في القياس. والوصف الحقيقي على غيره، والثبوتي على العدمي، والباعثة على الأمارة، المنضبطة على الظاهرة،
والمتحدة على خلافها، والأكثر تعديا على الأقل، والمطردة على المنقوضة، والمنعكسة على خلافها، والمطردة فقط على المنعكسة فقط، ولكونه جامعا للحكمة مانعا لها على خلافه، والمناسبة على الشبه.
والضروريات الخمس على غيرها، والحاجية على التحسينية، والتكميلية من الخمس على الجاجية، وبالدينية على الأربع.
وقيل: بالعكس.
ثم مصلحة النفس، ثم النسب، ثم العقل، ثم المال.
والقوة موجب النقض مع مانع، أو فوات شرط على الضعف والاحتمال، وبانتفاء المزاحم لها في الأصل، ويرجحانها على مزاحمها، والمقتضية للنفي على الثبوت.
وقيل: بالعكس.
وبقوة المناسبة، والعامة في المكلفين على الخاصة).
أقول: أما الترجيح بحسب العلة فمن وجوه:
فيقدم حكم كانت العلة مقطوعا بوجودها فيه على ما كان وجودها فيه ظنيا.
ويقدم ما كان ظن وجود العلية فيه أغلب على الظن من غيره.
ويقدم/ ما كان مسلكها، أي الدال على علتها قطعي على ما كان حكم أصله مسلك علته ظني.
ويقدم ما كان مسلك علته أغلب ظنا من الآخر.
ويقدم قياس السبر على قياس المناسبة؛ لأن قياس السبر يتضمن نفي المعارض لتعرضه لعدم علية غير المذكور، بخلاف المناسبة.
وإذا كان طريق ثبوت العلة في القياسين نفي الفارق، رجح أحدهما على الآخر بحسب طرق نفي الفارق.
فيقدم القاطع على الظني، والأغلب ظنا على غيره، ويقدم ما العلة فيه وصف حقيقي على ما العلة فيه وصف اعتباري، أو حكم شرعي، أو حكمة مجردة، للاتفاق عليه والخلاف في مقابله.
ويقدم ما العلة فيه وصف ثبوتي في حكم عدمي على ما العلة فيه أمر عدمي.
ويقدم ما العلة فيه باعثة على ما كانت فيه مجرد أمارة، ويعنى إذا كانتا منصوصتين، وإلا فشرط المستنبطة كونها باعثة.
وتقدم العلة المنضبطة على المضطربة، والظاهرة على الخفية، والمتحدة على ذات أوصاف، للخلاف في مقابلاتها، ويعني إذا كان لكل واحدة وصف يضبطها، وإلا لم يعلل بها.
ويقدم الوصف الذي يتعدى إلى فروع أكثر على ما يتعدى إلى فروع أقل لكثرة الفائدة.
وتقدم المطردة على المنقوضة، وتقدم المنعكسة على غيرها.
وتقدم المطردة غير المنعكسة على المنعكسة غير المطردة.
وتقدم إحداهما إذا كانت جامعة للحكمة مانعة لها –أي كلما وجدت
وجدت الحكمة وكلما انتفت انتفت الحكمة –على ما لا يكون كذلك.
وتقدم على المناسبة على الشبهية؛ لأن الظن الحاصل بها أقوى.
وإذا تعارضت علل المناسبة، قدم الخمسة الضرورية على الحاجي وما بعده.
وتقدم الحاجية على التحسينية.
وتقدم التكميلية للضروريات الخمس على الحاجية.
وإذا تعارض بعض الخمسة، قدم الدينية لأنها المقصود الأعظم، قال الله تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} .
وقيل: بالعكس لحق الآدمي وهو يتضرر، والله متعال عن ذلك، ولذلك قدم قتل القصاص على قتل الردة، ومن ثم رجحت مصلحة النفس على مصلحة الدين في التخفيف عن المسافر بالقصر وترك الصوم، وكذا مصلحة المال في ترك الجمعة والجماعة.
وأما الأربعة الأخر، فتقدم مصلحة النفس إذ به تحصل العبادات، ثم النسب لأنه لبقاء النفس، ثم العقل لفوات النفس بفواته، ثم المال.
وإذا انتقضت العلتان وكان موجب التخلف في إحداهما في صورة النقض قويا وفي الأخرى ضعيفا أو محتملا، قدم الأول.
وترجح العلة/ إذا انتفى المزاحم لها في الأصل، بألا تكون معارضة والأخرى معارضة.
وترجح إحدى العلتين المزاحمتين إذا كانت إحداهما راجحة على مزاحمها بخلاف الأخرى.
وتقدم العلة المقتضية للنفي على العلة المقتضية للثبوت لثبوت حكمها، راجحة على المفسدة أو مساوية، بخلاف المثبتة إذ لا يثبت حكمها إلا راجحة، ولتأيدها بالنفي الأصلي.
وقيل: بالعكس، لإفادتها حكما شرعيا.
ويترجح أيضا بقوة المناسبة، وذلك إذا كان أحد القياسين أفضى إلى المقصود.
ويقدم القياس الذي علته عامة لجميع المكلفين –أي متضمنة لمقصود يعمهم- على غيرها لقوة فائدتها.
قال: (الفرع يقدم بالمشاركة في عين الحكم وعين العلة على الثلاثة، وعين أحدهما على الجنسين، وعين العلة الخاصة على عكسه.
وبالقطع بها فيه، فتكون الفرع بالنص في الجملة لا التفصيل).
أقول: أما الترجيح بحسب الفرع فمن وجوه:
فيقدم ما المشاركة فيه عين الحكم وعين العلة على الثلاثة، وهي ما المشاركة فيه في جنس الحكم وجنس العلة، أو عين الحكم وجنس العلة، أو جنس الحكم وعين العلة؛ لأن الاشتراك في المعنى الأخص يغلب الظن
بالمساواة بينهما.
ويقدم ما المشاركة فيه في عين أحدهما وجنس الآخر على ما كانت المشاركة فيه في الجنسين معا.
ويقدم ما المشاركة فيه في عين العلة وجنس الحكم على ما المشاركة فيه في عين الحكم وجنس العلة؛ لأن العلة هي العمدة في التعدية، فكلما كان التشابه فيها أكثر كان أقوى.
ويقدم بالقطع بوجود العلة في الفرع في أحدهما على ظن وجودها في الآخر؛ لأن يكون أغلب على الظن وأبعد عن الاحتمال.
ويرجح ما يكون حكم الفرع في أحد القياسين ثابتا بالنص جملة لا تفصيلا على ما لا يكون كذلك، بل يحاول فيه الحكم ابتداء للاتفاق عليه، والخلاف في مقابله.
ولم يتكلم على الترجيح بالمدلول، ولا بالخارج، ولا على الاستدلالين، ولا على قياس واستدلال.
قال: (المنقول والمعقول: يرجح الخاص بمنطوقه.
والخاص لا لمنطوقه درجات.
والترجيح فيه حسب ما يقع للناظر.
والعام مع القياس تقدم).
أقول: أما الترجيح بين الظنيين أحدهما منقول والآخر معقول، فهو ستة أقسام:
القياس مع الكتاب والسنة والإجماع، والاستدلال كذلك.
والمنقول إما خاص/ وإما عام، والخاص إما دال بمنطوقه أو لا بمنطوقه، والخاص الدال بمنطوقه يقدم على المعقول قياسا واستدلالا، وهذا موافق لمذهب الأكثرين، ومخالف لمختاره في معارضة القياس لخبر الواحد.
والخاص الدال لا بمنطوقه له درجات مختلفة في القوة والضعف، والترجيح له أو عليه حسب ما يقع للناظر، إذ لا ينحصر ولا ينضبط بحيث تمكن الإشارة إليه، وإنما هو موكل إلى نظر المجتهد، فما قوي فيه الظن حتى رجح على المنقول قدمه عليه، وإلا قدم المنقول.
وأما العام مع القياس، فقد تقدم حكمه في آخر مسألة من العام والخاص.
قال: (وأما الحدود السمعية: فتترجح بالألفاظ الصريحة على غيرها وبكون المعرف أعرف، وبالذاتي على العرضي، وبعمومه على الآخر لفائدته.
وقيل: بالعكس للاتفاق عليه، وبموافقة النقل الشرعي أو اللغوي، أو بقربه، وبرجحان طرق اكتسابه، وبعمل المدينة، أو الخلفاء الأربعة، أو العلماء ولو واحدا، وبتقدير حكم النفي، وبدرء الحد.
ويتركب من الترجيحات في المركبات والحدود أمور لا تنحصر، وفيما ذكرنا إرشاد ذلك).
أقول: لما فرغ من التراجيح في الأمارات، شرع في التراجح في الحدود.
قيل: وهو يخالف قوله في تعريف الترجيح: (اقتران الأمارة
…
إلى آخره)، إلا أن يريد بالأمارة ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى الظن بمطلوب.
قلت: الظاهر أنه [قسيم] للترجيح في الأمارات، فلا يتناوله ذلك التعريف، غذ الراجح والمرجوح المراد بهما هنا الدلالة على شيء واحد، بخلاف الأمارتين، فإن مدلوليهما في الترجيح متناقضان.
والحدود منها عقلية كتعريفات الماهيات، ومنها سمعيات كتعريفات الأحكام، وهذا هو الذي يعني به صاحب هذا الفن، فمنها ما يرجح إلى نفس الحدود، ومنها ما يرجع إلى أمر خارج، ومنها ما يرجع إليهما.
الأول: يرجح الذي بألفاظ صريحة على ما هو باستعارة، أو فيه مجاز مشهور، أو غير مشهور إلا أن معه قرينة.
ويرجح –أيضا- إذا كان المعرف في أحدهما أعرف منه في الآخر، فالحسي والعقلي مقدمان على العرفي والشرعي، لشدة المعرفة بالحسي ثم بالعقلي، وإذا كان أحدهما بالذاتبات والآخر بالعرضيات، قدم ما كان بالذاتيات.
وإذا كان أحد الحدين أعم من الآخر، رجح الأعم لتناول ذاك وغيره فتكثر الفائدة، وقيل: بل يقدم الأخص للاتفاق/ على ما يتناوله، لتناول الحدين له، وما مدلوله متفق عليه أولى مما مدلوله مختلف فيه.
ولا يعترض بعدم الاطراد ولا بعدم الانعكاس؛ لأن ذلك شرط في تعريفات الماهيات لا في الحدود السمعية.
وأما الترجيح بأمر خارج فمن وجوه:
فيرجح بموافقة أحد الحدين للنقل السمعي أو اللغوي والآخر يخالف نقلهما، فإن الأصل عدم النقل، ويقدم أيضا إذا كان أقرب إلى المعنى المنقول عنه شرعا أو لغة.
ويرجح أحد الحدين إذا كان طريق اكتسابه أرجح من طريق اكتساب الآخر، أي دليل إثبات أحدهما أرجح من دليل إثبات الآخر؛ لأنهما سمعيان وطرق النقل قابلة للشدة والضعف.
ويرجح الحد بعمل أهل المدينة على وقفه، أو بعمل الخلفاء الأربعة، أو بعمل العلماء ولو لواحدا منهم.
ويرجح الحد بكونه مقررا لحكم الحظر والآخر لحكم الإباحة.
ويقدم مقرر حكم النفي على غيره، وفيه نظر مع ما تقدم.
ويقدم مقرر درء الحد على غيره كما تقدم.
وإذا اعتبرت الترجيحات في الدلائل من جهة ما يقع في المركبات من نفس الدلائل ومقدماتها، وفي الحدود السمعية من جهة ما يقع في نفس الحدود وفي نفس مفرداتها ثم ركبت بعضها مع بعض حصل من ذلك
ترجيحات تفوت الحصر، وفيما ذكر المصنف إرشاد لذلك.
وقد شرحنا منه مبلغ فهمنا، والمقصود من الناظر فيه إصلاح ما سقط من القلم، وتنقيح ما زلت به القدم إذ لم تتفق مراجعته وتصحيحه، ممتثلا قول الله تعالى:{وإذا مروا باللغو مروا كراما} . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكان الفراغ من تعليقه عاشر جمادى الأخرى، سنة ست وستين وسبعمائة، وقد نسخته من تعليق "عبد الله" بخطه رحمه الله، وقال في آخره: وكان الفراغ وتعليقه عاشر جمادى الآخرة سنة ست وستين وسبعمائة.
كمل شرح ابن الحاجب للإمام العالم العلم الثبت المحقق، فاتح أقفال المشكلات، وكاشف نقاب المعضلات، محيي الدين أبي زكريا يحيى ابن الشيخ الصالح أبي عمران موسى بن عمر الرهوني رحمه الله ونفعه ونفع به وجازاه خيرا وأسكنه فسيح جنته- على يد عبيد الله الفقير إلى رحمته ومغفرته، محمد بن ميمون لواصلي، لطف الله به وبوالديه، وغفر له ولوالديه، ولمن قال آمين، كتبه لنفسه ثم لمن شاء الله بعده، جعله الله من أهل العلم والعمل، مخلصا لوجهه.
وكان الفراغ منه يوم الأحد لهلال شوال -عرفنا الله خيره وبركته- من عام أحد وأربعين وثمانمائة، وغفر الله للكاتب والقارئ والداعي لهما بخير.
آمين آمين آمين.
وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.