الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: إنما يرد على المصنف، وأما الحنفية فلا يسلمون ذلك.
والجواب: أن محل النزاع عند تغاير السبب في الأصل والفرع، وهنا السبب واحد ثبت لمحلي الحكم –وهما الأصل والفرع- بعلة واحدة، وهي في المثال الأول: الزجر لحفظ النفس، والحكم: القصاص، والسبب: القتل العمد العدوان.
وفي المثال الثاني العلة: الزجر لحفظ النسب، والحكم: وجوب الحد والسبب: إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا.
قال:
(مسألة: لا يجري القياس في جميع الأحكام
.
لنا: ثبت ما لا يعقل معناه كالدية، والقياس فرع المعنى.
وأيضا: قد تبين امتناعه في الأسباب والشروط.
قالوا: متماثلة، فيجب تساويها في الجائز.
قلنا: قد يمتنع في بعض النوع أو يجوز لأمر بخلاف المشترك بينهما).
أقول: لا يجري القياس في جميع الأحكام، [خلافا لشذوذ.
لنا: ثبت في الأحكام] ما لا يعقل معناه كضرب الدية على العاقلة، فإجراء القياس في مثله متعذر إذ القياس فرع تعقل المعنى المعلل به الأصل.
وأيضا: الأسباب والشروط من الأحكام –على مختاره- وقد تبين امتناع القياس فيها- وإن كان إنما سبق في الأسباب فقط، لكن لا قائل بالفرق.
قيل على الأول: إنما يمتنع بالنسبة إلى من لم يتعقل الحكمة فيما ذكر، أما بالنسبة إلى من تعقلها فلا، وعدم تعقل الجميع لها غير معلوم.
وقد قال المصنف قبل هذا، لما قال الحنفية في الحد تقدير لا يعقل معناه، أجاب: إذا فهمت العلة وجب.
احتج الآخرون: بأن الأحكام الشرعية متماثلة، إذ يشملها حد واحد وهو حد الحكم الشرعي، والمتماثلات يجب اشتراكها فيما يجوز عليها؛ لأن حكم الشيء حكم مثله، وقد جاز جريان القياس في بعضها، فليجر في الكل.
الجواب: أن هذا القدر –وهو الاشتراك في الجنس-/ لا يوجب التماثل فإن الأجناس المتخالفة قد تندرج تحت نوع واحد، فيعمها حد واحد وهو ذلك النوع، ولا يلزم من ذلك ثماثلها لامتياز كل جنس بما يميزه، نعم ما لحق جنسا باعتبار الأمر المشترك من الجواز والامتناع يكون عاما، وأما ما لحق باعتبار الأمر المختص به فلا.
واعلم أن اصطلاح الأصوليين في الجنس والنوع يخالف اصطلاح المنطقيين فالمندرج جنس، والآخر نوع.
وعند المناطقة بالعكس، وهذا التقرير على الاصطلاح الأصولي، وهو طبق في المعنى لما قال في المنتهى، حيث قال:"يجوز لبعض الأنواع ما يمتنع على بعضها" وإن جرى الاصطلاح المنطقي فيه، ولو جريت هنا على الاصطلاح المنطقي كان معناه: أنه قد تختلف الأمثال بخصوصيات صنفية أو شخصية يجوز على بعضها ما يمتنع على الآخر، كما في إفراد القتل العمد العدوان، فإن بعض القائلين لا يقتص منه لشرفه لكونه حرا.
وعلى هذا تكون الأحكام الخمسة أصنافا للحكم الشرعي، وعلى الأول أنواعا له.
قيل: لا يدخل في الجواب، لقوله:(بخلاف المشترك)، إذ الماهية المشتركة بين أفراد الأحكام –وإن اقتضت صحة أمر- جاز أن يكون جزءا من جزئياتها يمنع منه كالقوت مثلا فإنه يقتضي الربوية، وفرد منها كالعرايا يمنع منه، وإن اقتضت المنع جاز أن يقتضي جزئي منها الجواز لانضمام الخصوصية إليه.
قال: (الاعتراضات راجعة إلى منع أو معارضة، وإلا لم يسمع، وهي خمسة وعشرون:
الاستفسار وهو: طلب معنى اللفظ لإجمال أو غرابة.
وبيانه على المعترض: بصحته على متعدد، ولا يكلف بيان التمادي لعسره.
ولو قال: التفاوت يستدعي ترجيحا بأمر والأصل عدمه كان جيدا.
وجوابه: بظهوره في مقصوده بالنقل، أو بالعرف، أو بقرائن معه، أو بتفسيره، ولذا قال: يلزم ظهوره في أحدهما دفعا للإجمال، أو قال: يلزم ظهوره فيما قصدت؛ لأنه غير ظاهر في الأخرى اتفاقا، فقد صوبه بعضهم، وأما تفسيره بما لا يحتمل لغة فمن جنس اللعب).
أقول: الباب الخامس: في الاعتراضات الواردة على قياس العلة، وهي راجعة إلى منع أو معارضة، وإلا لم تسمع، وذلك لأن غرض المستدل الإلزام بإثبات مدعاه بدليله، وغرض المعترض عدم ذلك بمنعه عن إثباته به.
والإثبات به يكون بصحة مقدماته، لتصلح للشهادة، وبسلامته عن المعارض لتنفيذ شهادته، فيترتب عليه الحكم.
والدفع يكون بهدم أحدهما، فهدم/ شهادة الدليل بالقدح في صحته بمنع مقدمة من مقدماته، وهدم نفاذ شهادته بالمعارضة بما يقاومها، فما لا يكون من القبيلين فلا تعلق له بمقصود الاعتراض، فلا يسمع.
واعلم أن المقدمة قد تمنع تفصيلا وذلك واضح، وتمنع إجمالا كما لو قال:"لو صحت مقدمات دليلك –وهي جارية في صورة كذا- لثبت فيها الحكم"، وهذا نوع من النقض.
وأيضا: المقدمة إذا امتنعت وانتهض المستدل لإقامة الدليل، فللمعترض
منع مقدمات دليله، ومعارضة دليله.
فمراد المصنف بالمنع والمعارضة: ما يعم ذلك كله.
واعلم أن الحصر العقلي عسر لا سيما وهو أمر للاصطلاح فيه مدخل.
ووجه التقريب: أن المستدل يلزمه تفهيم ما يقوله، وأن يكون متمكنا من القياس، ثم يثبت مقدماته، وهي حكم الأصل وعلته وثبوتها في الفرع، وأن يكون ذلك على وجه يستلزم ثبوت حكم الفرع، وأن يكون ذلك الحكم هو مطلوبه الذي ساق الدليل إليه، فهذه سبع مقدمات يتوجه على كل مقام نوع من الاعتراض.
النوع الأول: ما يتعلق بالتفهيم، وقدمه لأن فهم المدعى قبل كل شيء وهو واحد فقط، إذ لا يتصور ثم إلا طلب الفهم ويسمى الاستفسار.
ويرد على تقدير المدعي، وعلى جميع المقدمات فلا سؤال أعم منه، وهو راجع إلى المنع؛ لأنه منع دلالته على المقصود، فلا يفهم منه لإجماله أو غرابته، لكنه منع خاص؛ لأنه اشتمل على منع ودعوى، فلذلك يطالب المعترض بصحته على متعدد، وما ذلك إلا لكون الأصل عدم ما ادعى المعترض، فالبينة عليه.
ولا يقال: ظهور الدليل شرط في صحته، وإنما يتم ظهوره لو لم يكن مجملا، فنفي الإجمال شرط، وبيان شرط الدليل على المستدل.
لأنا نقول: ظهور الدليل وإن توقف على نفي الإجمال –غير أن الأصل عدم الإجمال- فسؤال الاستفسار يستدعي الإجمال المخالف للأصل، فكان بيانه على المعترض، فالضمير في قوله:(وبيانه على المعترض)، أي بيان
كونه مجملا.
فالاستفسار: طلب معنى اللفظ، وإنما يسمع إذا كان اللفظ مجملا أو غريبا، وإلا فهو تعنت.
وبيان كونه مجملا على المعترض إذ الأصل عدمه، فإن وضع الألفاظ للبيان، والإجمال قليل جدا فيها، ويكفي المستدل أنه خلاف الأصل.
فعلى المعترض بيان صحة إطلاق اللفظ على معنيين أو أكثر، ولا يكلف بيان التساوي، وإن كان الإجمال لا يحصل إلا به، وهو قد ادعى/ الإجمال فكان يجب أن يلزمه الوفاء به، لكن لم يكلف به لعسره، لكن لو التزمه تبرعا بأن قال: هما متساويان لأن التفاوت يستدعي ترجيحا بأمر، والأصل عدم المرجح، لكان جيدا، وفاء بما التزمه أولا.
وفيه نظر؛ لأنه لما سلم المعترض الاستعمال –والأصل عدم الإجمال- فقد سلم حصول المرجح، ولا يتمكن من أن يقول: الأصل عدم المرجح.
وجواب الاستفسار: بيان ظهوره في مقصود المستدل، فلا إجمال ولا غرابة، وذلك إما بنقل عن أئمة اللغة، وإما بالعرف العام أو الخاص، أو بالقرائن المنضمة إليه، وإن عجز عن ذلك فبالتفسير، فلو سلك في دفع الإجمال طريقا إجماليا، بأن يقول: يلزم ظهوره في أحدهما وإلا كان مجملا، والإجمال خلاف الأصل، أو يقول: يلزم ظهوره فيما قصدت؛ لأنه غير ظاهر في الآخر اتفاقا، فلو لم يكن ظاهرا فيما قصدت لزم الإجمال، وهو خلاف الأصل، فإذا قال ذلك، فقد صوبه بعض الجدليين، إذ الغرض بيان
الظهور.
ورد [بعضهم: لأنه رجوع إلى الأصل (عدم الإجمال)، بعدما استدل المعترض على أنه مجمل بما أمكنه]، ولأنه يدعي عدم فهمه، وكان لا يبقى لسؤال الاستفسار فائدة، وإذا فسره وجب أن يفسره بما يصلح له لغة، وإلا كان من جنس اللعب، فيخرج عما وضعت له المناظرة من إظهار الحق.
ولم يذكر المصنف بيان القرابة من جهة واحد منهما.
وجوابه: بأن يبين المستدل كثرة استعمال اللفظ واشتهاره بين النظار.
قال: (فساد الاعتبار وهو: مخالفة القياس النص.
وجوابه: الطعن، أو منع الظهور، أو التأويل، أو القول بالموجب، أو المعارضة بمثله، فيسلم القياس أو يبين على النص بما تقدم، مثل: ذبح بأهله في محله، كذبح ناسي التسمية فيورد {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} .
فيقول المعترض: مؤول بذبح عبدة الأصنام، بدليل:"ذكر الله على قلب المؤمن، سمى أو لم يسم"، أو ترجيحه بكونه مقيسا على الناسي المخصص باتفاق، فإن أبدى فارقا فهو من المعارضة).
أقول: النوع الثاني من الاعتراضات: وهو باعتبار تمكنه من الاستدلال بالقياس في تلك المسألة، فإن منع تمكنه من القياس مطلقا فهو
فساد الاعتبار، كأنه يدعي أن القياس في تلك المسألة.
وإن منعه من القياس المخصوص فهو فساد الوضع، كأنه يدعي أنه وضع في المسألة قياسا لا يصح وضعه فيها، على أن هذا يرجع إلى النوع الرابع.
الأول: وهو فساد الاعتبار: هو ألا يصلح الاحتجاج بالقياس فيما يدعيه؛ لأن النص على خلافه، واعتبار القياس في مقابلة النص باطل، إذ النص أصله، والمراد من النص الكتاب أو السنة، لا النص الذي في مقابلة الظاهر.
/وجواب هذا الاعتراض: إما بالطعن في سنده –إن لم يكن كتابا ولا سنة متواترة- بأنه مرسل، أو موقوف، أو منقطع، أو رواية ليس بعدل، أو كذبه فيه شيخه.
وإما بمنع ظهوره فيما يدعيه، كمنع عموم أو مفهوم أو دعوى إجمال، وإما بأنه مؤول –أريد غير ظاهره- لتخصيص أو مجاز أو إضمار، بدليل يرجحه على الظاهر، وإما بالمعارضة بنص مثله حتى يتساقطا فيسلم القياس.
فلو عارض المعترض بنص آخر حتى يسلم أحد نصيه فيعارض القياس،
لم يسمع؛ لأن النصين يعارضهما الواحد، كما تعارض شهادة اثنين شهادة أربعة.
لا يقال: فيعارض نص المعترض قياس المستدل ونصه.
لأنا نقول: كان الصحابة إذا تعارضت عندهم النصوص تركوها ورجعوا إلى القياس، وليس للمستدل [أيضا أن يقول: قد عارض نصك قياسي وسلم نصي لأنه انتقال، وليس على المستدل] أن يبين أن نصه مساو في القوة لنص المعترض لعسر ذلك عليه، إذ لا يمكنه نفي جميع وجوه الترجيحات.
ومن الأجوبة: أن يبين أن قياسه أرجح من النص بما تقدم في خبر الواحد وذلك إذا كانت العلة فيه بنص راجح على الخبر، ووجودها في الفرع قطعي وهذا حيث يكون النص خبرا، واعلم أنه لا يتأتى هذا في كل نص، بل قد يمكن بعض الأجوبة فيجيب بما يتأتى من ذلك، وقد لا يمكن شيء منها فينقطع المستدل، مثاله: ما لو قال في متعمد ترك التسمية: ذبح صدر من أهله في محله، فتؤكل قياسا على ناسي التسمية.
فيقول المعترض: هذا القياس فاسد الاعتبار، لمخالفته لقوله تعالى:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} .
فيقول المستدل: الآية مؤولة بذبح عبدة الأصنام، بدليل ما خرج
الدارقطني، أن رجلا قال: يا رسول الله! الرجل يذبح وينسى أن يسمي؟
فقال: "اسم الله على فم كل مسلم"، على أن الحديث ضعيف.
أو يقول: المقيس راجح على المقيس عليه وهو الناسي المخصص باتفاق لأن المتذكر أقرب إلى الذكر من الناسي، فيكون بطريق الأولى فيكون معطوفا على قوله (بدليل) أي مؤول بذبح عبدة الأصنام بدليل الحديث، أو بدلالة قياس الأولوية، ويصح أن يكون المراد [أو] بترجيح القياس على النص بكونه مقيسا على الناسي المخصص، وأصل القياس إذا كان مخصصا من العام، فإن القياس يخصص العام فيقدم عليه على ما سبق، والأول أظهر.
وإذا قال المستدل ذلك، فليس للمعترض/ أي يبدي بين التارك والناسي فارقا، بأن يقول: الناسي معذور بخلاف الآخر، فيندفع كون القياس مقدما لأنه إذا فعل ذلك فهو من المعارضة في الأصل أو في الفرع، فيلزم المعترض فسادان: الانتقال، والاعتراف بصحة اعتبار القياس؛ لأن سؤال المعارضة بعد فساد الاعتبار، وفساد الاعتبار يرجع إلى المنع؛ لأن الخصم يقول: لا ينتج المطلوب لأنه فاسد الاعتبار، وإن كان على هيئة صحيحة كاستلزامه خلاف النص، وقد على فساد الوضع؛ لأن كل فاسد الوضع فاسد الاعتبار من غير عكس، والنظر في الأعم مقدم.
قال: (فساد الوضع وهو: كون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم، مثل: مسح فيسن فيه التكرار كالاستطابة.
فيرد: أن المسح معتبر في كراهية التكرار على الخف.
وجوابه: في بيان المانع لتعرضه للتلف، وهو نقض إلا أنه يثبت النقيض، فإن ذكره بأصله فهو القلب، فإن بين مناسبة النقيض من غير أصل من الوجه المدعى فهو القدح في المناسبة، ومن غيره لا يقدح، إذ قد يكون للوصف جهتان، ككون المحل مشتهى يناسب الإباحة لإراحة الخاطر والتحريم لقطع أطماع النفس).
أقول: فساد الوضع: هو إبطال وضع القياس المخصوص في إثبات الحكم الخاص؛ لأن الجامع الذي به يثبت الحكم قد ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض ذلك الحكم، والوصف الواحد لا يثبت به النقيضان.
مثاله: ما لو قال الشافعي في مسح الرأس: "مسح فيسن فيه التكرار كالاستطابة"، فيقول المالكي:"المسح لا يناسب التكرار"؛ لأنه ثبت اعتبار المسح في كراهة التكرار على الخف، وكراهة التكرار نقيض استحبابه
والمراد من النقيض الضد.
وجواب هذا الاعتراض لبيان وجود المانع من أصل المعترض، فيقال: إنما كره في الخف لأنه تعريض لتلفه.
وفساد الوضع يشتبه بأمور ويخالفها بوجوه، يشبه النقض من حيث بين فيه ثبوت نقيض الحكم مع وجود الوصف، إلا أن الوصف في فساد الوضع هو الذي يثبت النقيض؛ لأنه وإن ثبت الحكم بنص أو إجماع، لكن لأجل الوصف ثبت، وفي النقض لا يتعرض لذلك، بل يقنع فيه بثبوت نقيض الحكم مع وجود الوصف، ولو قصد ذلك لكان هو النقض.
ويشبه القلب من حيث إنه أثبت نقيض الحكم بعلة المستدل، إلا أنه يفارقه من وجه، وهو أن في القلب يثبت الحكم بأصل المستدل، وهذا يثبته بأصل آخر، فلو ذكره بأصله لكان هو القلب، كما لو قال: فلا يتعين التكرار/ بالماء كالاستطابة، فيرجع إلى النوع الثالث من القلب.
ويشبه –أيضا- القدح في المناسبة، من حيث إنه ينفي مناسبة الوصف للحكم، لمناسبته لنقيضه، إلا أنه لا يقصد هنا بيان عدم مناسبة الوصف للحكم، وإنما يقصد بيان بناء نقيض الحكم عليه في أصل آخر، فلو بين مناسبته لنقيض الحكم بالأصل، كان قدحا في المناسبة.
وإنما يعتبر القدح في المناسبة إذا كان مناسبته للنقيض وللحكم من وجه واحد، أما إن اختلف الوجهان فلا يضر؛ لأن الوصف قد يكون له جهتان يناسب بإحداهما رجوعه إلى الجهتين: الحكم، وبالأخرى نقيضه، ككون المحل مشتهى يناسب الإباحة لإراحة الخاطر، ويناسب تحريم النكاح [لإراحة
النفس] بقطع الطمع، وحاصل هذا السؤال يرجع إلى منع علية الجامع.
قال: (منع حكم الأصل.
والصحيح: ليس قطعا للمستدل بمجرده؛ لأنه كمنع مقدمة، كمنع العلة في العلة ووجودها، فيثبتها باتفاق.
وقيل: ينقطع لانتقاله.
واختار الغزالي اتباع عرف المكان.
وقال الشيرازي: لا يسمع، فلا تلزمه دلالة عليه، وهو بعيد إذ لا تقوم الحجة على حكمه مع منع أصله.
والمختار: لا ينقطع المعترض بمجرد الدلالة، بل له أن يعترض، إذ لا يلزم من صورة دليل صحته.
قالوا: خارج عن المقصود الأصلي.
قلنا: ليس بخارج).
أقول: النوع الثالث من الاعتراضات: ما يورد على المقدمة الأولى من القياس، وهو دعوى حكم الأصل، ولا مجال للمعارضة فيه؛ لأنه غصب لمنصب التعليل، فيتعين المنع.
وقد اختلفوا في كون منع حكم الأصل قطعا للمستدل بمجرده.
فمنهم من قال: إنه قطع له ولا يمكن من إثباته بالدليل، لأنه انتقال إلى
إثبات حكم شرعي آخر.
والصحيح: أنه لا ينقطع بمجرد وروده، وإنما ينقطع إذا ظهر عجزه عن إثباته بالدليل، إذ الانتقال القبيح ما لا تعلق به بما يتم به مطلوبه، وهذا إثبات لمقدمة من المقدمات مطلوبه، كما لو منع علية العلة، أو وجودها في الأصل أو في الفرع، فإنه يصح معه أن يثبتها ولا يعد منعه ذلك قطعا له، إذ لا فرق بين مقدمة ومقدمة، ولا أثر لكونه حكما شرعيا كالأول.
وهذا هو الذي أشار إليه المصنف فيما تقدم بقوله: (وكذلك لو أثبت الأصل بنص، ثم أثبت العلة بطريقها على الأصح)، لأنه لو لم يقبل لم تقبل مقدمة تقبل المنع، [نعم لو اصطلح النظار عليه نظر إلى ذلك لم يبعد].
ولذلك قال الغزالي: "يتبع عرف المكان، فإن عدوه قطعا فقطع، وإلا فلا؛ لأنه أمر وضعي لا مدخل فيه للشرع والعقل".
وقال أبو إسحاق الشيرازي: "لا يسمع هذا المنع، فلا تلزم المستدل الدلالة على حكم الأصل".
واستبعده المصنف؛ لأن غرض/ المستدل إقامة الحجة على خصمه، ولا
تقوم مع كون أصله ممنوعا، ولم يقم عليه دليلا هو جزء الدليل، ولا يثبت الدليل إلا بثبوت جميع أجزائه.
وإذا قلنا بسماعه، فأقام المستدل الدليل، فهل ينقطع المعترض بمجرد إبداء المستدل الدليل حتى لا يتمكن المعترض من منع مقدمات ذلك الدليل، أو له أن يعترض عليها؟ .
المختار: لا ينقطع، وله أن يعترض، إذ لا يلزم من صورة دليل صحته ولابد في ثبوت المقدمة الممنوعة من صحته، فيطالب ببيان صحته، وذلك بصحة مقدمة مقدمته، وهو معنى المنع.
قالوا: اشتغال بما هو خارج عن المقصود فإن من كان غرضه صحة بيع فاشتغل ببيان صحة النكاح فاته مقصوده، إذ ربما ثم المجلس ولم يتم له ذلك.
قلنا: المقصود لا يحصل إلا به، فليس بخارج عن المقصود، ولا عبرة بطول الزمان.
قال: (التقسيم وهو: كون اللفظ مترددا بين أمرين أحدهما ممنوع.
والمختار: وروده.
مثاله في الصحيح الحاضر: وجد السبب بتعذر الماء فساغ التيمم، فيقول: السبب تعذر الماء أو تعذر الماء في السفر أو المرض، الأول ممنوع وحاصله: منع يأتي، ولكنه بعد تقسيم.
وأما نحو قولهم في الملتجئ إلى الحرم: وجد سبب استيفاء القصاص فيجب، فيقول: متى منع مانع الالتجاء إلى الحرم، أو مع عدمه، فحاصله: طلب نفي المانع، ولا يلزم).
أقول: التقسيم: هو أن يكون اللفظ مترددا بين أمرين أحدهما ممنوع فيمنعه، إما مع السكوت عن الآخر لأنه لا يضره، أو مع التعرض لتسليمه، وهذا السؤال على مقتضى التعريف [لا] يختص بحكم الأصل، ولا بالعلة وعلى ما مثل المصنف يكون من [أسولة] العلة، وموقعه على هذا بعد منه حكم الأصل –لكونه متعلقا بالوصف الذي هو متفرع عن حكم الأصل- وأن يكون مقدما على منع وجود الوصف، لدلالة منع وجوده على تعينه.
وبعضهم منع قبول هذا السؤال، محتجا بأن إبطال أحد محتملي كلام المستدل لا يكون إبطالا له.
والمختار: قبوله إذ به يتعين مراده، إذ لعله غير مراده.
مثاله في الصحيح الحاضر إذا فقد الماء أن يقول: وجد سبب التيمم وهو تعذر الماء- فساغ التيمم قياسا على المريض والمسافر.
فيقول المعترض: ما تريد بقوله: تعذر الماء سبب؟ تريد أن تعذر الماء سبب مطلقا؟ أو أن تعذر الماء في المرض أو السفر سبب؟ .
الأول ممنوع، والثاني مسلم، إلا أنه غير موجود في الفرع.
قلت: وفي هذا المثال نظر؛ لأن شرط هذا السؤال احتمال اللفظ لأمرين على السؤال في الظاهر، وهنا كلام المستدل ظاهر في أنه سبب مطلقا.
ثم قال المصنف: وحاصل سؤال التقسيم: منع يأتي على مقدمة من
مقدمات القياس، إلا أنه/ بعد تقسيم، فيأتي فيه ما يأتي في منع كونه علة من الأبحاث، من كونه مقبولا أو لا، وكيفية الجواب عنه.
وأنت تعلم مما تقدم في سؤال الاستفسار من أن بيان احتمال اللفظ لأمرين على المعترض، ولا يكلف بيان التساوي لعسره ويكتفى ببيانه إجمالا.
وجوابه: ببيان كون اللفظ ظاهرا فيما عينه إما بالنقل، أو بالعرف، أو بالقرائن
…
إلى آخره. ولو ذكر المعترض احتمالين لا دلالة للفظ المستدل عليهما، كقولهم في وجوب القصاص على القاتل الملتجئ إلى الحرم: ["وجد سبب استيفاء القصاص وهو القتل العمد العدوان فيجب".
فيقول المعترض: متى يجب مع مانع الالتجاء إلى الحرم] أو عدمه؟
فحاصل مثل هذا السؤال وهو أن يذكر المعترض احتمالين لا دلالة للفظ عليهما، لعدم تردد لفظ السبب بين ما ذكر من الاحتمالين إذ هو سبب، كان الالتجاء مانعا من الاستيفاء أو لا، بخلاف التقسيم فإنه تردد بين احتمالين يكون أحدهما سببا والآخر غير سبب، هو طلب نفي المانع، ولا يلزم المستدل بيان نفي المانع، ويكفيه أن الأصل عدمه، فلو أضاف المعترض إلى ذلك بيان وجود المانع، فهو انتقال إلى المعارضة.
واعلم أن هذا السؤال لا يرد بعد سؤال الاستفسار؛ لأن المستدل إن دفع سؤال الاستفسار بحيث لا يبقى الإجمال، فالتقسيم لا يرد.
وإن أجاب عنه بتعيين ما قصده، فبعد التعيين لا حاجة إلى التقسيم.
قال: (منع وجود المدعي علة في الأصل، مثل: الكلب حيوان يغسل الإناء من ولوغه سبعا، فلا يطهر بالدباغ كالخنزير، فيمنع.
وجوابه: بإثباته بدليله من عقل، أو حس، أو شرع).
أقول: من النوع الرابع من الاعتراضات: وهو ما يختص بالمقدمة الثانية من مقدمات القياس، وهو قولهم: والحكم في الأصل معلل بوصف كذا، ما ذكر المصنف، والقدح إما في وجوده وإما في علته، والثاني إما نفي العلة صريحا، أو نفي لازمها.
والأول إما منع مجرد أو مطالبة، وبيان عدم تأثير أو معارضة، وبيان عدم تأثيره، والثاني: إما أن يختص بالمناسبة أو لا، فالمختص بحسب شروط المناسب وهو الإفضاء إلى المصلحة وعدم المعارض لها.
والظهور والانضباط [أربعة]، وهي: نفي كل واحد منها، وغير المختص، إما من حيث إن شرطها الاطراد، وإما من حيث إن شرطها ألا تكون بمعارض في الأصل.
أما نفي الطرد: وهو للحكمة كسر، وللوصف نقض، وأما الآخر فهو المعارضة في الأصل، صارت عشرة.
الأول: منع كون ما يدعي علة لحكم الأصل موجود فيه.
مثاله: ما قال في الكلب: حيوان يغسل من ولوغه/ سبعا، فلا يطهر
بالدباغ كالخنزير.
فيقول المعترض: لا نسلم أن الخنزير يغسل الإناء من ولوغه سبعا.
وجواب هذا الاعتراض بإثبات وجود هذا الوصف في الأصل بما هو ثبوت طريق مثله؛ لأن الوصف قد يكون حسيا فبالحس، أو عقليا فبالعقل، أو شرعيا فبالشرع.
مثال يجمع الثلاثة: لو قال في القتل بالمثقل: قتل عمد عدوان.
فلو قيل: لا نسلم أنه قتل.
قال: بالحس.
فلو قيل: لا نسلم أنه عمد.
قال: بالعقل بأمارته.
فلو قيل: لا نسلم أنه عدوان.
قال: بالشرع؛ لأنه حرام.
وفي مثال المصنف يثبت بالشرع، أو يقول: أعنى به، إذا لم يغلب على ظنه الطهارة بدونها.
قال: (منع كونه علة، وهو من أعظم الأسولة لعمومه، وتشعب مسالكه.
والمختار: قبوله، وإلا لأدى إلى اللعب في التمسك بكل طردي.
قالوا: القياس رد فرع إلى أصل بجامع، وقد حصل.
قلنا: بجامع نظن صحته، فلا يسمع المنع.
قلنا: يلزم أن تصح كل صورة دليل مع عجز المعترض.
وجوابه: بإثباته بأحد مسالكه، فيرد على كل منهما ما هو شرط، فعلى ظاهر الكتاب الإجمال أو التأويل، والمعارضة، أو القول بالموجب، أو المعارضة بمثله، فيسلم القياس.
وعلى السنة ذلك، والطعن بأنه مرسل، أو موقوف، وفي رواية بضعفه، أو قول شيخه: لم يروه عني.
وعلى تخريج [المناط ما يأتي، وما تقدم).
أقول: ومن الاعتراضات: منع كون الوصف المدعى عليته علة، وهو من أعظم] الأسولة لعمومه في الأقيسة، إذ العلة قلما تكون قطعية، ولتشعب مسالك العلة، فتتعدد طرق الانفصال عنها، وعلى كل واحد منها أبحاث، وقد قيل: إنه لا يقبل.
والمختار: قبوله، وإلا أدى إلى التمسك بكل وصف طردي فيضيع القياس إذ لا يفيد ظنا، وتكون المناظرة عبثا.
قالوا: القياس إلحاق فرع بأصل بجامع وقد حصل، وإذا حصل مدعاه لا يكلف ما لم يدعه.
الجواب: لا نسلم أن حقيقة القياس ذلك، بل إلحاق فرع بأصل بجامع
تظن صحته، وهذا القيد معتبر في حد القياس اتفاقا، ولم يوجد.
قالوا: عجز المعترض عن إبطال دليل صحته، إذ طرق عدم العلية من كون الوصف طرديا، أو إبداء وصف آخر وغير ذلك، مما لا يخفى على المجتهد والمناظر، فلو وجد لوجده، ولو وجده لأظهره، فلما لم يظهره على أن لو يوجد، فالفرار إلى مجرد المنع يكفينا دليلا على صحته، فلا يسمع المنع ولا يشتغل بجوابه لأنه شاهد على نفسه بالبطلان.
قلنا: فيلزم أن كل صورة دليل عجز المعترض عن إبطالها فهي صحيحة، حتى لو استدل واحد على وقوع أحد النقيضين، واستدل الآخر على وقوع النقيض الآخر، وتعارضا وعجز كل عن إبطال دليل الآخر، أن يكونا صحيحين.
/وقد يقال: السبر دليل ظاهر عام لا يعجز عنه مستدل، وعليه طريق إثبات العلة أولا، فلا يسمع هذا المنع، ولما ظهر أن هذا المنع مسموع.
فالجواب: إثبات العلة بمسلك من مسالكها المذكورة، فيرد على كل منها ما هو شرط في صحة ذلك المسلك.
فعلى الإجماع منع وجوده، أو منع دلالة السكوت على الموافقة، أو أنه بنقل الواحد، أو المعارضة بإجماع آخر، أو بمتواتر قطعي.
وعلى ظاهر الكتاب إذا ثبت به علية الوصف، كما لو قال في بيع الغائب: قال تعالى: {وأحل الله البيع} وهو يدل على صحة كل بيع.
فيعترض: بالاستفسار، وبمنع ظهور دلالته، أو لا نسلم أن اللام
للعموم، أو التأويل بدليل يصيره راجحا، وهو نهيه عليه السلام عن بيع الغرر، أو الإجمال.
وما ذكرناه إن لم يصيره راجحا، فإنه يعارض الظهور فيبقى مجملا.
أو بالمعارضة بآية أخرى، كما لو عارض بقوله:{لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} ، وهذا لم يتحقق فيه الرضا، إذ لم ير المبيع أو القول بالموجب وهو تسليم مقتضى ظاهر الكتاب مع بقاء الخلاف، فإنا لا نسلم حل البيع، والخلاف في صحته باق، ولم يثبته.
وعلى ظاهر السنة مثل ذلك، وتختص أخبار الآحاد بالطعن في السند بما ذكر، أو خلل في ضبطه.
وعلى تخريج المناط بما يأتي من القدح في المناسبة، والقدح في الإفضاء، وكونه خفيا، وكونه غير منضبط، وبما تقدم من أنه غريب، أو ثبت إلغاؤه أو مرسل ملائم.
لا ما ذكر الشارحون من أن ما تقدم هو استلزام المفسدة؛ لأن ذلك يأتي وهو القدح في المناسبة.
قال: (عدم التأثير وهو أربعة أقسام:
عدم التأثير في الوصف، مثل: صلاة لا تقصر فلا تقدم كالمغرب؛ لأن عدم القصر في نفي التقديم طردي، فيرجع إلى سؤال المطالبة).
الثاني: عدم التأثير في الأصل، مثاله في بيع الغائب: بيع غير مرئي فلا يصح كالطير في الهواء، فإن العجز عن التسليم مستقل.
وحاصله: معارضة في الأصل.
الثالث: عدم التأثير في الحكم، مثاله في المرتدين: مشركون أتلفوا مالا في دار الحرب، فلا ضمان كالحربي، ودار الحرب عندهم طردي، وحصله كالأول.
الرابع: عدم التأثير في الفرع، مثاله: زوجت نفسها من غير كفء فلا يصح، وحاصله كالثاني.
وكل فرض جعل وصفا في العلة مع اعترافه بطرده مردود، بخلاف غيره على المختار فيها).
أقول: عدم التأثير: هو إبداء وصف لا أثر له في ثبوت الحكم، وقسمه الجدليون أربعة أقسام.
عدم التأثير في الوصف/ مطلقا، ثم عدم تأثيره في ذلك الأصل، ثم عدم تأثير قيد منه، ثم عدم اطراده، فيعلم من ذلك عدم تأثيره في محل النزاع.
وخصوا كل قسم باسم، تمييزا لبعضها عن بعض.
مثال الأول: ما لو قيل في الصبح: صلاة لا تقصر فلا يقدم أذانها كالمغرب، فيقول: عدم القصر لا تأثير له في عدم قديم الأذان، إذ لا مناسبة فيه ولا شبه فهو طردي، ولذلك استوى المغرب فيه وغيره مما يقصر.
ومرجعه المطالبة بكون العلة علة، فهو يغني عنه، وجوابه كجوابها فلا يجتمعان.
الثاني: عدم التأثير في ذلك الأصل، مثاله: ما لو قال في بيع الغائب: مبيع غير مرئي فلا يصح بيعه كالطير في الهواء، فيقول المعترض: كونه غير مرئي –وإن ناسب نفيس الصحة –إلا أنه استغني عنه بغيره، فلا أثر له في مسألة الطير، ضرورة استواء المنع في المرئي وغيره، والعجز عن التسليم مستقل في منع الصحة.
ومرجعه المعارضة في الأصل بإبداء علة أخرى هي العجز عن التسليم، وهو غير مقبول عند الأستاذ؛ لأنه إشارة إلى علة أخرى في الأصل، ولا يمتنع تعليل الحكم الواحد بعلتين.
والذي ينبغي على اختيار المصنف أن يسمع لما سيأتي، أما من منع تعليل الحكم بعلتين فيسمعه.
الثالث: أن يضم إلى الوصف المعلل به وصفا لا تأثير له في الحكم المعلل ويسمى عدم التأثير في الحكم.
مثاله: أن يقول: المرتد مشرك أتلف مالا في دار الحرب، فلا يضمن كالحربي، فيقول المعترض: دار الحرب لا تأثير له عندك، ضرورة استواء الإتلاف في دار الحرب ودار الإسلام في عدم وجوب الضمان عندك.
وحاصله يرجع إلى سؤال المطالبة إن كان الوصف طرديا بالنسبة إلى ذلك الحكم، أما إن كان مؤثرا بالنسبة إليه رجع إلى سؤال الإلغاء.
الرابع: أن يكون الوصف المذكور لا يطرد في جميع صور النزاع –وإن كان مناسبا- ويسمى عدم التأثير في الفرع، كما لو قال في تزويج المرأة نفسها من غير كفئ: زوجت نفسها من غير كفء فلا يصح، كما لو أنكحها الولي من غير كفء، لاشتراكهما في أنه نكاح لم يراع فيه كفاءة الزوج، وتزويجها نفسها من غير كفء- وإن كان مناسبا للحكم المذكور- غير أنه لا يطرد في جميع صور النزاع، إذ النزاع واقع فيما إذا زوجت نفسها من الكفء وغي الكفء.
وحاصل هذا كالثاني؛ لأن التزويج من غير كفء لا تأثير له في الأصل إذ المؤثر عدم رضاها.
وقال في المنتهى: "وحاصله كالثالث"، أي أن تزويجها نفسها مستقل بعدم الصحة.
قال سيف الدين: /قد يكون أخذ الوصف الذي لا يناسب الحكم في الدليل مفيدا، بأن يكون مشيرا إلى نفي المانع الموجود في صورة النقض، لوجود الشرط الفائت فيها لقصد دفع النقض، أو مشيرا إلى قصد الفرض في الدليل في بعض صور النزاع، كما ذكر في مثال الإتلاف في دار الحرب في مسألة المرتدين، ولا يكون عديم التأثير، إذ هو غير مستغى عنه في إثبات الحكم، إما لدفع النقض، أو لقصد الفرض.
وقال المصنف: إنه إن اعترف المستدل بطرده فهو مردود على المختار،
وإلا فهو مقبول على المختار.
قال: (القدح في المناسبة بما يلزم من مفسدة راجحة أو مساوية.
وجوابه: بالترجيح تفصيلا، أو إجمالا كما سبق).
أقول: شرع الآن في الأربعة المخصوصة بالمناسبة:
الأول: القدح في المناسبة: وهو إبداء مفسدة راجحة أو مساوية، لما مر أن المناسبة تنخرم بهما.
وجوابه: بترجيح المصلحة إجمالا، أو تفصيلا كما سبق.
أما التفصيلي: فبخصوص المسألة بأن هذا ضروري وذاك حاجي، أو بأن إفضاء هذا إلى المصلحة قطعي أو أكثري، وذاك ظني أو أقلي، أو بأن هذا اعتبر نوعه في نوع الحكم، وذاك اعتبر جنسه، إلى غير ذلك مما تقدم.
وأما إجمالا: فيلزم التعبد لولا اعتبار المصلحة، كما لو قال في الفسخ في المجلس: وجد سبب الفسخ فيوجد الفسخ، وذلك دفع ضرر المحتاج إليه منهما، فيقول المعترض: معارض لضرر الآخر، فيقول: ذلك يطلب نفعا وهذا يدفع ضرره، ودفع الضرر أهم.
قال: (القدح في إفضاء الحكم إلى المقصود، كما لو علل حرمة المصاهرة على التأبيد بالحاجة إلى ارتفاع الحجاب المؤدي إلى الفجور.
فإذا تأبد انسد باب الطمع المفضي إلى مقدمات الهم والنظر المفضية إلى ذلك.
فيقول: بل سد باب النكاح أفضى إلى الفجور، والنفس مائلة إلى الممنوع.
وجوابه: أن التأبيد يمنع عادة بما ذكر، فيصير كالطبيعي، كالأمهات).
أقول: الثاني: القدح في إفضائه إلى المصلحة المقصودة من شرع الحكم، كما لو قال: علة تحريم ذوات المحارم من الأصهار على التأبيد، الحاجة إلى ارتفاع الحجاب، ووجه المناسبة: أنه يفضي إلى رفع الفجور، لأن رفع الحجاب وتلاقي الرجال والنساء يفضي إلى الفجور، لكن يرتفع بتحريم التأبيد، إذ يرتفع الطمع المفضي إلى مقدمات الهم والنظر المفضية إلى الفجور.
فيقول المعترض: لا يفضي إلى ذلك: بل سد باب النكاح أفضى إلى الفجور؛ لأن النفس حريصة على ما منعت منه، وقوة الشهوة مع النظر مظنة الفجور.
والجواب: بيان الإفضاء، بأن يقول في المسألة: التأبيد يمنع –عادة- ما ذكرناه من مقدمات الهم والنظر، وبالدوام يصير /كالأمر الطبيعي، فلا يشتهين كالأمهات.
قال: (كون الوصف خفيا كالرضا والقصد، والخفي لا يعرف الخفي.
وجوابه: ضبطه بما دل عليه من الصيغ والأفعال).
أقول: الثالث منها: كون الوصف غير ظاهر، كالرضا في العقود والقصد في الأفعال.
والجواب: ضبطه بصيغة ظاهرة، كضبط الرضا بصيغ العقود، وضبط العمد بفعل يدل عليه عادة، كاستعمال الجارح –مثلا- في [المقتل].
قال: (كونه غير منضبط، كالتعليل بالحكم والمقاصد، كالحرج والمشقة والزجر، فإنها تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال.
وجوابه: إما أنه منضبط بنفسه أو بضابط، كضبط الحرج بالسفر ونحوه).
أقول: الرابع منها: كون الوصف غير منضبط كالحكم والمصالح، كالحرج والمشقة والزجر، فإنها ذات مراتب غير محصورة ولا متميزة، وتختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال، فلا يعرف القدر المقصود مها، وما هذا شأنه فعادة الشرع فيه رد الناس إلى الأوصاف المنضبطة دفعا للعسر عنهم.
وجوابه: إما أنه منضبط بنفسه، كما نقول في المشقة والمضرة: إنه منضبط عرفا، وإما بوصف كضبط الحرج بالسفر، والزجر بالحد، والأربعة راجعة إلى منع علية الوصف.
الأول: بإبداء وجود المانع.
والثاني: بواسطة عدم ترتيب المقصود عليه.
والثالث والرابع: بواسطة انتفاء شرطه.
قال: (النقض كما تقدم، وفي تمكن المعترض من الدلالة على وجود العلة إذا منع.
ثالثها: يمكن ما لم يكن حكما شرعا، لأنه انتقال.
ورابعها: ما لم يكن طريق أولى بالقدح.
قالوا: ولو دل المستدل على وجود العلة بدليل موجود في محل النقض فمنع وجودها.
فقال: المعترض: ينتقض دليلك، لم يسمع لأنه انتقال من نقض العلة إلى نقض دليلها، وفيه نظر.
أما لو قال: يلزمك إما انتقاض علتك أو انتقاض دليلها كان متجها.
ولو منع المستدل تخلف الحكم، ففي تمكين المعترض من الدلالة.
ثالثها: يمكن ما لم يكن طريق أولى.
والمختار: لا يجب الاحتراز من النقض.
وثالثها: إلا في المستثنيات.
لنا: أنه سئل عن الدليل، وانتفاء المعارض ليس منه.
وأيضا: فإنه وارد، وإن احترز اتفاقا.
وجوابه: ببيان معارض اقتضى الحكم أو خلافه كالعرايا وضرب الدية، أو لدفع مفسدة آكد كحل الميتة، فإن كان التعليل بظاهر عام، حكم بتخصيصه، وتقرير المانع كما تقدم).
أقول: النقض –كما تقدم- هو وجود المدعى علة مع تخلف الحكم في تلك الصورة، ويمكن في جوابه/ منع كل واحد منهما.
الأول: ما لو منع المستدل وجود الوصف في صورة لنقض وهو وارد، لكن اختلفوا هل للمعترض أن يستدل على وجوده؟ .
فقيل: له ذلك، إذ به يتم إبطال دليل المستدل.
وقيل لا؛ لأنه انتقال من الاعتراض إلى الاستدلال.
وقيل: إن كان الوصف حكما شرعيا فلا؛ لأنه انتقال حقيقة وإلا جاز.
وقيل: إن كان له طريق في القدح أولى من النقض، لم يكن له ذلك وإلا جاز.
قال الجدليون: لو ذكر المستدل دليلا على وجود العلة في الأصل، وكان ذلك الدليل موجودا في محل النقض، فنقض المعترض العلة، فقال المستدل: لا نسلم وجودها، فقال المعترض: فينتقض دليلك لوجوده في محل النقض بدون مدلوله وهو وجود العلة، لم يسمع من المعترض؛ لأنه انتقال من نقض العلة إلى نقض دليلها.
قال الصنف: وفيه نظر؛ إذ القدح في دليل العلة قدح فيها وهو المطلوب فلا انتقال، أو أنه لا يلزم من إبطال الدليل إبطال المدلول، لجواز مدرك آخر، لكن ظن العلية إنما هو من دليلها، فالقدح فيه يستلزم القدح فيها بالنسبة إلينا.
قيل: كأن القائل بعدم السماع نظر إلى خلاف ما أقر به المعترض أولا، فإن نقض العلة بدون وجود الوصف في صورة النقض لا يتصور، ونقض دليل العلة لا يتصور إلا عند عدم الوصف في صورة النقض.
رد: بأن المعترض إنما نقض دليل العلة بعدم وجود الوصف في صورة النقض على زعم المستدل، فلا يلزم خلاف ما أقر به أولا، هذا إذا ادعى انتقاض دليل العلة عينا، أما لو ادعى أحد الأمرين، فقال: يلزمك إما انتقاض العلة أو انتقاض دليلها، وأيا ما كان فلا تثبت العلية، كان مسموعا إذا عدم الانتقال ظاهر.
الثاني: م لو منع المستدل تخلف الحكم في صورة النقض وهو وارد.
واختلفوا: هل للمعترض إقامة الدليل على عدم الحكم؟ .
قيل: له ذلك، إذ به يحصل مطلوبه، وقيل: لا؛ لأنه انتقال.
وقيل: له ذلك إذا لم يكن له طريق أولى بالقدح.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنهم –أيضا- قد اختلفوا في أنه هل يجب على المستدل أن يحترز في متن دليله من النقض، بأن يذكر قيدا يخرج صورة النقض؟ . فقيل: يلزمه لئلا تنتقض العلة.
وقيل: يلزمه إلا في المستثنيات لأنها ترد على علة، فإذا قال في الذرة:"مطعوم؛ فيجب التساوي في بيع بعضه ببعض كالبر"، ولا حاجة إلى أن يقول، ولا حاجة تدعوا إلى عدمه لتخرج العرايا، فإنه وارد على كل تقدير سواء عللنا بالطعم، أو الكيل، أو بالقوت، فلا تعلق له بإبطال مذهب وتصحيح آخر.
والمختار: لا يجب أصلا لأنه سئل عن دليل العلة وقد وفى به، والنقض دليل عدم العلة/ فهو معارض، ونفي المعارض ليس من الدليل فلا يلزمه.
قيل: المراد من الدليل ما يلزم من العلم به العلم أو الظن بالمدلول، ولا يحصل إلا بعد التعرض لانتفاء المعارض.
قلت: قد قدم أن المراد من العلة الباعث، وانتفاء المعارض ليس منه.
وأيضا: الأصل عدمه.
وأيضا: إن ذكره فإنما يذكره لئلا يرد النقض، وذلك إنما يصح إذا لم يرد النقض معه.
وليس كذلك، فإنه وارد معه اتفاقا بأن يقول: هذا وصف طردي والباقي منتقض، وإذا لم يمكن دفع النقض بمنع وجود العلة في محل النقض، ويمنع تخلف الحكم عنها فيه.
فجواب النقض: بإبداء معارض هو المانع في صورة النقض، اقتضى نقيض الحكم كنفي الوجوب، أو خلافه كالحرمة للوجوب، وذلك إما لتحصيل مصلحة كما في العرايا إذا أوردت على الربويات، لعموم الحاجة إلى الرطب والتمر وقد لا يكون عندهم ثمن آخر، وكضرب الدية على العاقلة إذا نقض بها التعليل بالبراءة الموجبة لعدم المؤاخذة على غير الجاني، لتحصيل مصلحة أولياء المقتول، وإما دفع مفسدة كما إذا علل حرمة الميتة بالنجاسة أو الضرر أو القذارة.
فيورد المضطر فيقول: ذلك لدفع مفسدة هلاك النفس وهي آكد، أما لو كانت العلة بظاهر عام فلا يجب إبداء المانع، بل يحكم بتخصيصه بغير محل
النقض، وتقدير المانع كحدوث مصلحة أو دفع مفسدة، فيكون تخصيصا للعموم لا للعلة، فإنه أهون.
قال: (الكسر: وهو نقض في المعنى، الكلام فيه كالنقض).
أقول: الكسر هو: نقض المعنى.
وحاصله: وجود الحكمة في صورة مع عدم الحكم، وقد علمت هل يسمع ومتى يسمع.
وحيث سمع فهو كالنقض، غير أن منع وجود العلة هنا أظهر منه في النقض لما مر أن قدر الحكمة يتفاوت، وانتفاء الحكم هنا قد يدفع بأنه لم لا يجوز أن يثبت حكم آخر هو أولى بالحكمة؟ .
قال: (المعارضة في الأصل بمعنى آخر، إما مستقل كمعارضة الكيل بالطعم أو القوت، وإما غير مستقل كمعارضة القتل العمد العدوان بالجارح، والمختار: قبولها.
لنا: لو لم تكن مقبولة لم يمتنع التحكم؛ لأن الوصف المدعى علة ليس بأولى بالحرمة أو بالاستقلال من وصف المعارضة، فإن رجح بالتوسعة منع الدلالة.
ولو سلم، عورض بأن الأصل انتفاء الأحكام، وباعتبارهما معا.
وأيضا: فلما ثبت أن مباحث الصحابة كانت جمعا وفرقا.
قالوا: استقلالهما بالمناسبة يستلزم التعدد.
قلنا: تحكم باطل، كما لو أعطى قريبا عالما.
أقول: المعارضة في الأصل، هي أن يبدي المعترض معنى آخر يصلح للتعليل مستقلا، فيحتمل أن يكون علة دون وصف المستدل، وأن يكون جزء علة، فهو مع الأول علة/ مستقلة، وعلى التقديرين فلا يحصل الحكم بالأول وحده، كما لو علل حرمة الربا بالطعم، فيعارضه بالكيل أو القوت.
وأما غير المستقل، فيحتمل أن يكون جزء علة فينتفي استقلال الأول، كما لو علل القصاص في المحدد بكونه قتلا عمدا عدوانا، فيعارضه بكونه بالجارح، فإنه لما جاز أن تكون العلة ذكر –مع قيد كونه بالجارح- لم يتعد إلى المثقل.
واختلف في قبول هذه المعارضة.
فمنهم من لم يقبلها، بناء على أنه لا يمتنع تعليل الحكم الواحد بعلتين، ومنهم من قبله وأوجب الجواب عنه بناء على امتناع تعليل الحكم الواحد بعلتين، والمختار عند المصنف قبولها في الصورتين.
فإن قلت: المصنف يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين، فيلزم ألا يسمع المعارضة في الوجه الأول.
وأيضا: قال بعد هذا: (النقض يورد لإبطال العلة، والمعارضة لإبطال استقلالها)؛ فدل على أنه إنما يسمع القسم الثاني فقط.
قلت: المصنف إنما يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين بالنوع، وأما بالشخص فإنما جوزه في المنصوصة دون المستنبطة، وإنما حملنا على ذلك وإن كان ظاهر قوله:(القائلون بالوقوع إذا اجتمعت فالمختار كل واحدة علة) أنه جوزه مطلقا لأجل قوله بعد ذلك: (وألا تكون المستنبطة بمعارض في الأصل)، فشرط في صحة التعليل بها ألا تكون بمعارض في الأصل.
وأما قوله: (والمعارضة لإبطال استقلالها)، فلا يدل على ذلك؛ لأنها على الوجهين تورد لإبطال الاستقلال.
لأنه يقول في الوجه الأول: جعل وصفك أو وصفي دون جعل المجموع علة تحكم، وفي الجزء يقول: ليس جعل جزئك علة بأولى من جعل المجموع، فهو يورد لإبطال استقلال وصف المستدل.
ويدل على أن المصنف أراد الصورتين أنه قال في عدم التأثير: (وحاصله معارضة في الأصل) وهو إنما عارض بالمستقل، وظاهره أنه سمعه لقوله: وهي خمسة وعشرون، وإلا لم تسمع، وهو منها.
وأيضا: دليل الخصوم في قوله: استقلالهما بالمناسبة.
وجوابه يدل عليه، وهو يدل –أيضا- على أنه إنما سمعه إذا كانت
مستنبطة؛ لأن ما ذكر مستنبطة، وأن تعليل الحكم بعلتين منصوصتين في محل جائز، فلا يسمع المعارضة بمنصوصة مستقلة.
احتج المصنف على قبوله: بأنه لو لم يقبل لم يمتنع التحكم، واللازم باطل أما الملازمة، فلأن الوصف المبدى في الصورة الأولى يصلح للاستقلال والجزئية كوصف المستدل، والمبدى في الثانية يصلح للجزئية كوصف المستدل فالحكم بالاستقلال المدعى دون اعتبارهما معا تحكم.
قيل: في لفظه تساهل، لإيهامه أن المستدل ادعى أنه جزء علة، فالأولى أن يقول: ليس أولى/ بالاستقلال من الجزئية.
وأيضا: قوله: (من وصف المعارضة) ضائع لا يحتاج إليه.
قلت: إذا جعل من وصف المعارضة متعلقا بقوله: (أولى) لم يكن تساهلا، ولم يكن ما ذكر ضائعا، إلا أن فيه إطلاق المصدر لإرادة اسم الفاعل.
فإن قيل: لا تحكم مع الرجحان؛ إذ في اعتبار وصف المستدل دون وصف المعارضة توسعة الأحكام؛ لأنه إذا اعتبر، تعدى الحكم إلى الفرع، ولو اعتبر الآخر ولم يوجد في الفرع لم يتعد.
قلنا: لا نسلم دلالة حصول التوسعة –بكونها علة على كونها علة تعم- يصلح ذلك مرجحا لدليل يثبت عليتها لو كان، والكلام فيه.
وقال بعض الشراح: المراد بقوله منع الدلالة، أي يمنع دلالة الاستقلال على وجود الوصف في الفرع حتى تلزم التوسعة.
وقال بعضهم: لا نسلم دلالة الاستقلال على التوسعة، ثم سلم المنع وعارض، بأن اعتبار وصف المعارضة يوافق النفي الأصلي، إذ الأصل انتفاء الأحكام، فيعارض الترجيح بالتوسعة.
وأيضا: الجزئية توجب اعتبار الوصفين، واعتبارهما أولى من أحدهما.
ولنا –أيضا من جهة النقل- ما يدل على أن المعارضة مقبولة: أن مباحث الصحابة كانت جمعا وفرقا.
والفرق إنما يتحقق بكون ما جعل المستدل على جزء علة، وقد لا يتعين ذلك، إذ الفرق يكون بإبداء معارض في الفرع.
فالأولى أن يقال: مباحث الصحابة كانت جمعا وفرقا، والمعارضة في الأصل جمع وفرق؛ لأن المستدل جمع، والمعترض فرق.
قالوا: المفروض استقلال كل منهما بالمناسبة، وهو يستلزم تعدد العلة فيصار إليه، وحينئذ يكون ما ذكرناه علة مستقلة وعلة غيره لا يضر.
الجواب: لما احتمل استقلالها والتعدد وجزئيتهما والوحدة، كان الحكم بالاستقلال والتعدد تحكما محضا، وأنه باطل، كما لو أعطى قريبا عالما فإنه يمكن أن يكون إعطاؤه لقرابته أو لعلمه أو لهما، فالحكم بأحدهما دون المجموع مهما تحكم.
قيل في تقرير هذا الدليل: لو قبل لزم استقلال كل واحد من وصفي المستدل والمعارض بالعلية، واستقلالهما بالعلية يستلزم تعدد العلة المستقلة وأنه باطل، ولا يخفى ضعفه؛ لأن هذا الدليل من جانب من جوز التعليل بعلتين.
وقرره بعضهم: لو قبلت لامتنع تعليل الحكم الواحد بعلتين، أما الملازمة؛ فلأن استقلال كل واحد من وصفي المستدل والمعترض بالمناسبة يستلزم التعدد، فلو قبلت لكان ثبوت الحكم في الأصل بإحدى العلتين ينافي ثبوته بالأخرى، فلا يعلل بعلتين، وقد بينا/ جوازه.
قال: (وفي لزوم بيان نفي الوصف عن الفرع.
ثالثها: إن صرح، لزم الوفاء بما صرح.
لنا: أنه إذا لم يصرح فقد أتى بما لا ينهض معه الدليل، فإن صرح لزم الوفاء بما صرح.
والمختار: لا يحتاج إلى أصل؛ لأن حاصله نفي الحكم لعدم العلة، أو صد المستدل عن التعليل بذلك.
وأيضا: فأصل المستدل أصله).
أقول: إذا قلنا بقبول المعارضة، فهل على المعترض بيان نفي وصف المعارضة عن الفرع؟
قيل: لا؛ لأن غرضه عدم استقلال ما ادعى المستدل استقلاله، وهذا القدر يحصل بمجرد إبدائه، أو لأن الوصف إن كان موجودا في الفرع فعلى المستدل بيان وجوده فيه ليصح الإلحاق، وإن لم يبينه فلا جمع.
وقيل: عليه ذلك؛ لأن مقصوده الفرق، وهو لا يتم بدون نفيه عن الفرع.
وقيل: إن تعرض صريحا لعدمه في الفرع، لزمه بيان وإلا فلا، وهو
المختار.
أما إنه إذا لم يصرح فليس عليه بيانه؛ فلأنه قد أتى بما لا يتم دليل المستدل معه، وهذا هو غرضه، لا بيان عدم الحكم في الفرع، حتى لو ثبت بدليل آخر لم يكن إلزاما له.
وأما إنه إذا صرح به لزمه؛ فلأنه التزم أمرا وإن لم يجب عليه ابتداء، فيلزمه بالتزامه، ويجب عليه الوفاء بما التزمه.
واعلم أنهم اختلفوا أيضا، هل يحتاج المعترض إلى أصل يبين تأثير وصفه الذي أبداه في ذلك الأصل؟
والمختار: لا يحتاج؛ لأن حاصله إما نفي ثبوت الحكم عن الفرع بعلة المستدل، ويكفيه ألا تثبت عليتها بالاستقلال، فلا يحتاج إلى أن يثبت علية ما أبداه استقلالا، فإن كونه جزء علة يحصل مقصوده.
وأما صد المستدل عن التعليل بذلك، فهو لا يدعي عليته حتى يحتاج إلى أصل يشهد له.
وأيضا: أصل المستدل أصل له، بأن يقول: العلة الطعم أو الكيل أو القوت كما في البر، فإذا مطالبته بالأصل مطالبة بما قد تحقق حصوله، فلا فائدة فيه.
قال: (وجواب المعارضة: إما بمنع وجود الوصف، أو المطالبة بتأثيره إن كان مثبتا بالمناسبة، أو بالشبه، لا بالسبر، أو بخفائه، أو عدم انضباطه، أو منع ظهوره أو انضباطه، أو بيان أنه عدم معارض في الفرع مثل: المكره –على المختار- بجامع القتل.
فيعترض: بالطواعية.
فيجيب: بأنه عدم الإكراه المناسب نقيض الحكم وذلك طرد، أو يبين كونه ملغى، أو يبين استقلال ما عداه في صورة بظاهر أو إجماع، مثل:"لا تبيعوا الطعام بالطعام" في معارضة المطعوم بالمكيل، ومثل:"من بدل دينه فاقتلوه" في معارضة التبديل بالكفر بعد الإيمان، غير معترض للتعميم).
أقول: جواب المعارضة من وجوه:
الأول: منع وجود الوصف، كما لو عارض القوت بالكيل، فيقول: لا نسلم/ أنه مكيل، إذ العبرة بما اعتيد فيه في زمانه عليه السلام، وكان إذ ذاك موزونا.
ومنها: المطالبة بكون وصف المعارضة مؤثرا – [ينظر هذا مع قوله: (والمختار لا يحتاج إلى أصل) -] وهذا إنما يسمع من المستدل إذا كان المعترض مثبتا لوصفه بالمناسبة أو بالشبه؛ لأن كل واحد منهما غير كاف، بل يحتاج مع ذلك إلى اقتران الحكم به باعتبار الشارع إياه، أما إذا كان أثبته بالسبر، فلا يحتاج إلى المطالبة بتأثير الوصف، فإن السبر كاف في الدلالة على العلية من غير اعتبار تأثير الوصف، فلا [يتمكن] المستدل من
المطالبة المذكورة، هكذا قال جل الشراح.
وفي الإحكام والمتهى: إن كان المستدل أثبت علية الوصف بالمناسبة أو بالشبه لا بالسبر، يعني أنه إذا أثبته بالسبر، فقد أبطل ما عداه.
فإن أبدى المعترض وصفا آخر لزم المستدل إبطاله، لا [أنه] يطالب بتأثيره؛ لأن ذلك تسليم لمناسبته وذلك يبطل سبره.
هذا ما ظهر لي، والجزم بأن ما في الكتابين غلط من النساخ غير صحيح.
ومنها بيان خفائه، ومنها عدم انضباطه، ومنها منع ظهوره، ومنها منع انضباطه، إذ الظهور والانضباط شرط في الوصف المعلل به، فلابد في دعوى صلاحية الوصف ببيانهما.
وللصاد أن يبين عدمهما، وأن يطالب ببيان وجودهما.
ومنها: أن يبين أن الوصف عدم معارض في الفرع، كما لو قاس المكره على القتل على المختار له في وجوب القصاص بجامع القتل، فيقول المعترض: معارض بالطواعية، فإن العلة هي القتل مع الطواعية، فيجيب المستدل: بأن الطواعية عدم الإكراه المناسب لنقيض الحكم، وهو عدم القصاص.
فحاصله عدم المعارض، وهو طرد من الباعث في شيء.
لا يقال: لا يتم هذا الجواب؛ لأنه يستلزم ثبوت الفرق بين الأصل
والفرع، فيبطل الإلحاق.
لأنا نقول: المناسب لعدم الحكم هو الإكراه السالب للاختيار بالكلية، وهو معدوم في الفرع.
ومنها: أن يبين كون الوصف ملغى، بأن يبين استقلال الباقي بالعلية في صورة إما بظاهر أو إجماع؛ فلا يكون وصف المعارض علة ولا جزء علة.
وإنما حملنا قوله على هذا، وإن كان ظاهر العطف يقتضي المغايرة؛ لأنه قد فسر الإلغاء قبل هذا بأنه بيان إثبات الحكم بالمتبقي فقط، إلا أن يحمل قوله:(يبين كونه ملغى) أي يبين كونه طرديا، فيكون [غيره].
مثال الأول: ما لو قاس التفاح على البر في حرمة الربا بجامع الطعم، فيعارض: بأن العلة في الأصل الكيل، فيجيب: بأن الطعم/ مستقل بالعلية فيه، بظاهر قوله عليه السلام:"لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء"، لما علمت أن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بعليته.
وفي المنتهى: في معارضة الطعم بالكيل وهو الصواب.
مثال آخر: في يهودي تنصر، بدل دينه فيقتل كالمرتد، فيعارض: بأن العلة الكفر بعد الإيمان، فيجيب، بأن التبديل معتبر في صورة ما، لقوله عليه
السلام: "من بدل دينه فاقتلوه"، هذا إذا لم يتعرض للتعميم، فلو عمم فقال: فتثبت ربوية كل مطعوم، أو اعتبار كل تبديل للحديث، لم يسمع لأنه إثبات للحكم بالظاهر، لا أنه تتميم لاستقلال وصف المستدل، فيكون القياس ضائعا، ولا يضره كونه عاما إذا لم يتعرض للتعميم ولم يستدل به.
ومنه يعلم فساد حمل من حمله على أن المراد: ليس على المستدل أن يتعرض لثبوت الحكم في جميع صور وجود الوصف؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف –ولو في صورة- يكفي في الدلالة على العلية.
والحديث الأول لا يوجد بهذا اللفظ، وفي مسلم:"الطعام بالطعام مثلا بمثل"، والثاني خرجه البخاري بهذا اللفظ.
قال: (ولا يكفي إثبات الحكم في صورة دونه، لجواز علة أخرى ولذلك لو أبدى أمرا آخر يخلف ما ألغى، فسد الإلغاء، ويسمى تعدد الوضع لتعدد أصلها، مثل: أمان صدر من مسلم عاقل، فيصح كالحر لأنهما مظنتان لإظهار مصالح للإيمان.
فيعترض: بالحرية، لأنها مظنة الفراغ للنظر فيكون أكمل، فيلغيها بالمأذون له في القتل.
فيقول: خلف الإذن الحرية، فإنها مظنة لبذل الوسع، أو لعلم السيد لصلاحيته.
وجوابه: الإلغاء إلى أن يقف أحدهما، ولا يفيد الإلغاء بضعف المعنى مع تسليم المظنة.
كما لو اعترض في الردة بالرجولية، فإنها مظنة الإقدام على القتال، فيلغيها بالمقطوع اليدين، ولا يكفي رجحان المعين، ولا كونه متعديا، فيجئ التحكم.
والصحيح: جواز تعدد الأصول، لقوة الظن به.
وفي جواز اقتصار المعارضة على أصل واحد قولان، وعلى الجميع ففي جواز اقتصار المستدل على أصل واحد قولان).
أقول: هل يكفي أن يبين استقلال الحكم في صورة دون وصف المعارضة، فيمتنع أن يكون وصف المعارضة علة مستقلة في محل التعليل، لما فيه من إلغاء المستقل واعتبار غير المستقل، أو ادخلا في التعليل لما فيه من إلغاء ما علل به المستدل في الفرع مع استقلاله.
قال الآمدي: يكفي.
وقال المصنف: لا يكفي، لجواز علة أخرى في تلك الصورة، لما تقدم من جواز تعليل الحكم الواحد بالنوع بعلتين، ولذلك لو أبدى في صورة عدم وصف المعارضة وصفا/ آخر يخلفه لئلا يكون الباقي مستقلا، فسد الإلغاء لابتنائه على استقلال الباقي في تلك الصورة وقد بطل، وحينئذ لا يلزم من إثبات الحكم في صورة بعلة –مع عدم الصورة الأخرى فيها- إلغاء ما وجد في تلك الصورة، ويسمى هذا النوع من الإلغاء بتعدد الوضع، أي تعدد العلة المعتبرة، إذ صح القياس كونه على هيئة صالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه، وفساد وضعه ألا يكون كذلك وقد تقدم، فتعدد الوضع بتعدد
أصليهما –أي أصلي وصفي المعارض- إذ كل وصف استنبط من أصل، هذا ما ظهر لي.
مثاله في أمان العبد للحربي: أمان من مسلم عاقل فيقبل كالحر، إذ الإسلام والعقل مظنتان لإظهار مصالح الإيمان من بذل الأمان وغيره، فيصح تعليل الأمان بهما.
فيقول المعترض: فهو معارض بكونه حرا، إذ العلة مسلما عاقلا حرا؛ إذ الحرية مظنة فراغ قلبه للنظر لعدم اشتغاله بخدمة أحد، فيكون إظهار مصالح الإيمان معه أكمل.
فيقول المستدل: الحرية ملغاة لاستقلال الإسلام والعقل به في صورة العبد المأذون له من قبل سيده في القتال.
فيقول المعترض: إذن السيد له خلف عن الحرية، فإنه مظنة لبذل الوسع فيما تصدى له من مصالح القتال، أو لعلم السيد بصلاحيته لإظهار مصالح الإيمان.
وجواب تعدد الوضع: أن يلغي المستدل ذلك الخلف بإبداء صورة لا يوجد فيها الخلف، فإن أبدى المعترض خلفا آخر، فجوابه إلغاؤه إلى أن يقف أحدهما فيكون هو المنقطع، ولا يفيد المستدل الإلغاء بضعف المعنى –إذا سلم وجود المظنة المتضمنة لذلك المعنى- كما لو قال: الردة علة القتل.
فيعترض: بأن العلة الردة مع الرجولية؛ لأنه مظنة الإقدام على قتال المسلمين، لأن ذلك معتاد من الرجال دون النساء.
فيجيب: بأن كونه مظنة، الإقدام غير معتبر، وإلا لم يقتل مقطوع
اليدين؛ لأن احتمال الإقدام فيه ضعيف، بل أضعف من النساء، وهذا لا يقبل منه لما سلم أن الرجولية مظنة اعتبرها الشارع، كترفه الملك لا يمنع ترخص السفر، إذ المعتبر المظنة لا مقدار الحكمة، لعدم انضباطها.
واعلم أن لا يكفي –أيضا- في جواب المعارضة أن يقول المستدل: ما عينته من الوصف راجح على ما عارضت به، ويبين وجها من الترجيح، إذ احتمال الجزئية باق، ولا بعد في ترجيح بعض الأجزاء على بعض، كالقتل العمد العدوان، فإن الأول أقوى فيجئ التحكم.
أيضا: كون ما عينه المستدل متعديا والآخر قاصرا، إذ مرجعه الترجيح بذلك، ولا يفيد الاستقلال فيجئ التحكم.
هذا مع أنه إن رجحت المتعدية، بأن اعتبارها/ يوجب امتناع الأحكام وبأنها متفق عليها بخلاف القاصرة، رجحت الأخرى بأنها موافقة للأصل، إذ الأصل عدم الأحكام، وبأن اعتبارها إعمال لهما بخلاف إلغائها.
ولو سلم ترجيحها، فإنما يفيد عدم استقلال القاصرة لا إبطالها بالكلية، لاحتمال الجزئية.
واعلم أنهم قد اختلفوا في جواز تعدد الأصول.
فقيل: لا يجوز، ويكتفي المستدل بأصل واحد، إذ غرضه الظن وهو يحصل به.
والصحيح: جوازه، لأنه يقوى به الظن.
ثم إذ جوزنا التعدد، فهل يقتصر المعترض على معارضة أصل واحد، أو
يعارض في كل أصل؟ .
قولان، بناء على أن إبطال بعض كلامه إبطال لكلامه، أو أنه لو سلم له أصل واحد لكفاه في مقصوده، فلابد من إبطال الجميع.
وعلى القول بأنه لابد أن يعارض جميع الأصول، فهل يكتفي المستدل بدفع المعارضة عن أصل واحد؟ أو لابد أن يدفع عن كل واحد؟ .
قولان، بناء على أنه التزم الجميع، فيلزمه الدفع عن الجميع، أو أنه يحصل بالدفع عن واحد مطلوبه.
قال: (التركيب: تقدم التعدية، وتمثيلها في إجبار البكر البالغ: بكر فجاز إجبارها كالبكر الصغيرة.
فيعارض بالصغر، ويعديه إلى الثيب الصغيرة، ويرجع به إلى المعارضة في الأصل).
أقول: التركيب قد تقدم في شروط العلة، ومرجع مركب الوصف: منع حكم الأصل، أو منع العلية.
ومرجع مركب الأصل: منع الحكم، أو منع وجود العلة في الفرع.
وقد تقدم المثال، وليس بالحقيقة سؤالا برأسه.
وأما التعدية: فكما لو قال المستدل في البكر البالغ: بكر فتجبر كالصغيرة، فيقول المعترض: معارض بالصغر، وما ذكرت –وإن تعدى به الحكم إلى البكر البالغ- فما ذكرته يتعدى إلى الثيب الصغيرة.
وهذا التمثيل يجعل السؤال راجعا إلى المعارضة في الأصل بوصف آخر، مع زيادة تعرض للتساوي في التعدية، دفعا لترجيح المعين بالتعدية،
فلا يكون سؤال آخر، وجوبه جوابها، ولا أثر لزيادة التسوية في التعدية.
قال: (منع وجوده في الفرع، مثل: أمان صدر من أهله في محله كالمأذون، فيمنع الأهلية.
وجوابه: ببيان وجود ما عناه بالأهلية، كجواب منعه في الأصل.
والصحيح: منع السائل من تقريره؛ لأن المستدل مدع فعليه إثباته لئلا ينتشر).
أقول: النوع الخامس: ما يرد باعتبار المقدمة الثالثة، وهي دعوى وجود العلة في الفرع، ويدفع وجودها بالمنع أو بالمعارضة، أو بدفع المساواة باعتبار ضميمة شرط في الأصل، أو مانع في الفرع، ويسمى الفرق، أو باعتبار نفس العلة لاختلاف في الضابط أو في المصلحة.
الأول: منع وجود الوصف المعلل به في الفرع، كما لو قال في أمان العبد/: أمان صدر من أهله كالمأذون له في القتال.
فيقول: لا نسلم أن العبد أهل للأمان.
والجواب: ببيان وجود ما يعنيه بالأهلية بحس أو عقل أو شرع، كما لو قال: أريد بالأهلية كونه مظنة لرعاية مصلحة الأمان، وهو بإسلامه وبلوغه كذلك عقلا.
فلو تعرض المعترض لتقرير معنى الأهلية بيانا لعدمها، فالصحيح لا يمكن منه؛ لأن تفسيرها وظيفة من تلفظ بها؛ لأنه العالم بمراده وهو المدعي فعليه الإثبات، ولئلا ينتشر الجدال فيعود المانع مستدلا.
وقيل: يمكن لأنه تتميم لمراده، مع أن قصده الهدم، كما هو مختار المصنف في المعارضة في الفرع.
قال: (المعارضة في الفرع، لما يقتضي نقيض الحكم، على نحو طرق إثبات العلة، والمختار: قبولها لئلا تختل فائدة المناظرة.
قالوا: فيه قلب التناظر.
رد: بأن القصد الهدم.
وجوابه: بما يعترض به على المستدل.
والمختار: قبول الترجيح.
أيضا: فيتعين العمل وهو المقصود.
والمختار: لا يجب الإيماء إلى الترجيح في الدليل؛ لأنه خارج عنه وتوقف العمل عليه من توابع ورود المعارضة لدفعها، لا أنه منه).
أقول: الثاني: المعارضة في الفرع بما يقتضي نقيض الحكم فيه، بأن يقول: ما ذكرت من الوصف –وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع- فعندي وصف آخر يقتضي نقيضه، ولابد للمعترض من بيانه على أصل بجامع يثبت عليته، وله الاستدلال في إثبات عليته بأي مسلك شاء من مسالكها، على نحو طرق إثبات المستدل للعلة، فيصير هو مستدلا والمستدل معترضا، فتنقلب الوظيفتان.
قال الآمدي وبعض الشراح بما يقتضي نقيض الحكم من نص أو إجماع أو
وجود مانع، أو فوات شرط، فإن أراد أن النص أو الإجماع مثبت للوصف صح، وإن أراد إظهاره من أنه مثبت للحكم لم يصح؛ لأنه حينئذ يكون فساد اعتبار، لا أنه معارضة في الفرع.
واعلم أنهم قد اختلفوا في قبول هذا السؤال.
والمختار: قبوله لئلا تختل فائدة المناظرة وهو ثبوت الحكم، إذ لا يتحقق بمجرد الدليل ما لم يعلم عدم المعارض.
قالوا: فيه قلب المناظرة؛ لأنه استدلال من معترض، فصار الاستدلال إلى المعترض والاعتراض إلى المستدل، وهو خروج عما قصداه من معرفة نظر المستدل في دليله إلى أمر آخر، وهو معرفة صحة نظر المعترض في دليله، والمستدل لا تعلق له بذلك، ثم نظره أو لا.
ورد: بأنه إنما يكون قلبا للمناظرة لو قصد به إثبات مقتضى دليله.
أما إذا قصد هدم دليل المستدل فلا، فكأنه يقول: دليلك لا يفيد/ لقيام المعارض، فأبطله ليسلم دليلك حتى يفيد، ولا يمكن أن يقصد به إثبات مدعاه؛ لأنه معارض بدليل المستدل، إذ المعارضة من الجانبين وكل يبطل الآخر، وجواب المعارضة في الفرع جميع ما مر من الاعتراضات من قبل المعترض على المستدل ابتداء.
الجواب: الجواب لا فرق.
[وقد يجاب بالترجيح بوجوه من وجوهه التي ستذكر في باب الترجيح عند العجز عما عداه].
وقد اختلف في قبول الترجيح، والمختار قبوله؛ لأنه إذا ترجح وجب العمل به للإجماع على وجوب العمل بالراجح وهو المقصود، بخلاف الترجيح في المعارضة في الأصل، لما يلزم من التحكم.
وقيل: لا يقبل؛ لأن تساوي الظن الحاصل بهما غير معلوم، ولا يشترط ذلك، وإلا لم تحصل المعارضة لامتناع العلم بذلك، نعم المعتبر حصول الظن –وهو غير مندفع- بالترجيح.
وعلى المختار، فهل يجب الإيماء إلى الترجيح في متن الدليل، بأن يقال مثلا: أمان من مسلم عاقل موافقا للبراءة الأصلية.
قيل: يجب؛ لأنه شرط في العمل به ولا يثبت الحكم بدونه، فكان كجزء العلة.
والمختار: لا يجب؛ لأن الترجيح خارج عن الدليل، وتوقف العمل عليه ليس جزءا من الدليل، بل شرط له لا مطلقا، بل إذا حصل المعارض واحتيج إلى دفعه، فهو من توابع ظهور المعارض لدفعه، لا أنه جزء من الدليل حتى يجب ذكره في الدليل.
قال: (الفرق: هو راجع إلى أحد المعارضتين، أو إليهما معا على قول).
أقول: الثالث الفرق: وهو إبداء خصوصية في الأصل هي شرط، وله ألا يتعرض لعدمها في الفرع، فيكون معارضة في الأصل أو إبداء خصوصية في الفرع هي مانع، وله ألا يتعرض لعدمها في الأصل، فتكون
معارضة في الفرع، وعلى قول لابد من التعرض لعدم الشرط في الفرع وعدم المانع في الأصل، فيكون مجموع المعارضتين، وعلى هذا اختلف في قبوله لكونه سؤالا واحدا أو سؤالين.
قال: (اختلاف الضابط في الأصل والفرع، مثل: تسببوا بالشهادة فوجب القصاص كالمكره.
فيقول: الضابط في الفرع الشهادة، وفي الأصل الإكراه، فلا يتحقق التساوي.
وجوابه: أن الجامع ما اشتركا فيه من السبب المضبوط عرفا، أو بأن إفضاءه في الفرع مثله أو أرجح، كما لو كان أصله المغري للحيوان، فإن انبعاث الأولياء على القتل طلبا للتشفي أغلب من انبعاث الحيوان بالإغراء سبب نفرته وعدم علمه، فلا يضر اختلاف أصلي التسبب، فإنه اختلاف أصل وفرع، كما يقاس الإرث في طلاق المريض على القاتل في منع الإرث، ولا يفيد أن التفاوت ملغى فيهما لحفظ النفس، كما ألغى التفاوت بين قطع الأنملة وقطع الرقبة، فإنه لا يلزم/ من إلغاء العالم إلغاء الحر).
أقول: الرابع: اختلاف الضابط في الأصل والفرع، كما لو قال في شهود الزور إذا قتل شخص بشهادتهم: تسببوا في القتل فيجب القصاص
قياسا على المكره، والخلاف عندنا في الأصل والفرع.
فيقول المعترض: الضابط مختلف، فإنه في الأصل الإكراه، وفي الفرع الشهادة، فقد يعتبر الشارع أحدهما دون الآخر.
وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن الضابط التسبب، وهو أم منضبط غرفا، فيصلح مظنة.
الثاني: بيان إفضاءه في الفرع مثل إفضائه في الأصل أو أرجح، فيثبت التعدية كما لو حصل في مسألة القصاص من الشهود، الأصل هو مغري الحيوان على القتل.
فيقول المعترض: الضابط في الأصل إغراء الحيوان، وفي الفرع الشهادة.
فيجيب المستدل: بأن إفضاء التسبب بالشهادة إلى القتل أقوى من إفضاء التسبب بالإغراء، فإن انبعاث أولياء المقتول على قتل من شهدوا عليه بالقتل طلبا للتشفي أغلب من انبعاث الحيوان على قتل من أغري عليه، بسبب نفرة الحيوان عن الآدمي وعدم علمه بالإغراء، وحينئذ لا يضر اختلاف أصلي التسبب، وهو كونه شهادة وإغراء، فإن حاصله قياس التسبب بالشهادة على قياس التسبب بالإغراء، والأصل لابد من مخالفته للفرع، كما يقاس إرث المطلقة في المرض على القاتل في المعاملة بنقيض المقصود.
ولا يقال: أحدهما إرث والآخر عدم إرث، إذ الاختلاف راجع إلى محل الحكم لا إلى الحكم.
قيل: التمثيل به ليس كما ينبغي؛ لأنه الغريب الذي اتفق على رده.
قلت: بل الغريب الذي اتفق على رده الغريب المرسل، وهذا هو الغريب الذي اعتبر بترتيب الحكم على وقفه فقط.
بل لو قيل على الأول: يرجع إلى القياس في الأسباب، إذ لا يتعذر مثل ما ذكر من الجامع فيها، كان متجها.
ولا يفيد في الجواب عن اختلاف الضابط أن يقال: التفاوت يلغي في القصاص بهما، وإن كان إفضاء أحدهما إلى الموت أشد، إذ لا يلزم من إلغاء فارق معين إلغاء كل فارق، بدليل أنه ألغى العلم فيقتل العالم بالجاهل، ول يلغ الإسلام ولا الحرية، فلا يقتل الحر بالعبد، ولا المسلم بالكافر.
قال: (اختلاف جنس المصلحة، كقول الشافعي:"أولج فرجا في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا، فيحد كالزاني".
فيقال: حكمة الفرع الصيانة عن رذيلة اللواط، وفي الأصل: دفع محذور اختلاط الأنساب/، فقد يتفاوتان في نظر الشرع.
وحاصله: معارضة.
وجوابه: كجوابه بحذف خصوص الأصل).
أقول: الخامس: اختلاف جنس المصلحة في الأصل والفرع، كما لو قال الشافعي:"يحد في اللواط كما يحد في الزنا؛ لأنه أولج فرجا في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا".
فيقول المعترض: اختلفت المصلحة؛ لأنهما في الزنا منع اختلاط النسب المفضي إلى عدم تعهد الأولاد، وفي اللواط دفع رذيلة اللواط، فقد يتفاوتان في نظر الشرع.
وحاصله معارضة في الأصل، إذ كأنه قال: العلة ما ذكرتم مع كونه موجبا لاختلاط النسب.
والجواب: كجواب المعارضة، بإلغاء ما أبداه من الوصف المختص بالأصل بطريقة كما مر.
قال: (مخالفة حكم الأصل لحكم الفرع، كالبيع على الناكح وعكسه.
وجوابه: أن الاختلاف راجح إلى المحل الذي اختلافه شرط، لا في حكم وبيان).
أقول: النوع السادس: ما يرد على المقدمة الرابعة، وهي قوله:[فيوجد] الحكم في الفرع، ولما قام الدليل عليه فلا سبيل إلى منعه، بل يدعي المخالفة ويبينه إما مقتصرا عليه، أو مدعيا أن دليلك يقتضي نقيضه وهذا يسمى قلبا.
الأول: مخالفة حكم الأصل لحكم الفرع، بعد تسليم علة الأصل في الفرع.
يقول المعترض: الحكم في الفرع مخالف لحكم الأصل، كما لو قاس البيع على النكاح وبالعكس. في عدم الصحة بجامع في صورة.
فيقول المعترض: الحكم مختلف بأن عدم الصحة في البيع عدم الانتفاع بالمبيع، وفي النكاح حرمة المباشرة.
والجواب: أن البطلان شيء واحد، وهو عدم ترتب المقصود من العقد عليه، وإنما اختلف المحل بكونه بيعا ونكاحا، واختلاف المحل لا يوجب اختلاف ما حل فيه، بل اختلاف المحل شرط في القياس ضرورة، فكيف يجعل شرطه مانعا، فيلزم امتناعه أبدا.
نعم، لو كان الاختلاف في الحكم أو في البيان وهو الجامع، لم يتعد إلى الفرع.
قال: (القلب: قلب لتصحيح مذهبه، وقلب لإبطال مذهب المستدل صريحا، وقلب بالالتزام.
الأول: لبث، فلا يكون قربة بنفسه، كالوقوف بعرفة.
[فيقول الشافعي: فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة.
الثاني: عضو وضوء فلا يكتفي فيه بأقل ما ينطلق كغيره.
فيقول الشافعي: فلا يقدر بالربع].
الثالث: عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالعوض، كالنكاح.
فيقول الشافعي: فلا يشترط فيه خيار الرؤية؛ لأن من قال بالصحة قال بخيار الرؤية، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم.
والحق: أنه نوع معارضة، اشترك فيه الأصل والجامع، فكان أولى بالقبول).
أقول: القلب: هو تعليق منافي الحكم المدعى –أو منافي لازمه- على الوصف/ الذي جعله المستدل علة للحكم إلحاقا بأصل المستدل، وذلك إما بتصحيح مذهب المعترض، فيلزم بطلان مذهب المستدل لتنافيها، وإما بإبطاله مذهب المستدل ابتداء، إما صريحا وإما بالالتزام.
مثال ما هو قلب لتصحيح مذهب المعترض: ما لو قال المالكي والحنفي في الاعتكاف إذا لم يكن منذورا: لبث فلا يكون قربة بنفسه كالوقوف بعرفة.
فيقول الشافعي: فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة.
الثاني: القلب لإبطال مذهب المستدل صريحا، كما لو قال الحنفي في مسح الرأس: عضو فلا يكفي فيه بأقل ما ينطلق عليه، كغيره من أعضاء الوضوء.
فيقول الشافعي: فلا يتقدر بالربع كسائر الأعضاء.
الثالث: القلب لإبطال مذهب المستدل بالالتزام، كما لو قال الحنفي في بيع الغائب: عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالمعوض كالنكاح.
فيقول الشافعي: فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح، إذ كل من قال
بالصحة قال بخيار الرؤية، فكان خيار الرؤية لازم الصحة عندهم، وإذا انتفى اللازم –وهو خيار الرؤية- انتفى الملزوم وهو الصحة.
والحق: أن القلب بأقسامه راجع إلى المعارضة؛ لأنها يثبت بها خلاف حكم المستدل، والقلب كذلك إلا أنه نوع خاص، إذ الأصل والجامع اشترك قياساهما فيهما، فكان أولى بالقبول من المعارضة المحضة، إذا قصد هدم دليل المستدل لأدى به إلى التناقض ظاهر فيه، ولأنه مانع للمستدل من الترجيح.
وجواب القلب: بيان عدم تأثير الوصف في حكم الغالب.
قال: (القول بالموجب، وحقيقته: تسليم الدليل مع بقاء النزاع، وهو ثلاثة:
الأول: أن يستنتج ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازمه، مثل: قتل بما يقتل غالبا، فلا ينافي وجوب القصاص كحرقه.
فيرد: بأن عدم المنافاة ليس محل النزاع، ولا يقتضيه.
الثاني: أن يستنتج إبطال ما يتوهم أنه مأخذ الخصم، مثل: التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص كالمتوسل إليه.
فيرد: إذ لا يلزم من إبطال مانع انتفاء الموانع ووجود الشرائط والمقتضي.
والصحيح: أنه مصدق في مذهبه.
وأكثر القول بالموجب لخفاء المأخذ، بخلاف محال الخلاف.
الثالث: أن يسكت عن الصغرى غير مشهورة، مثل: ما يثبت قربة فشرطه النية كالصلاة، ويسكت عن الوضوء قربة.
فيرد: ولو ذكرها لم يرد إلا المنع.
وقولهم: فيه انقطاع أحدهما، بعيد في الثالث لاختلاف الرادين.
/وجوب الأول: أنه محل النزاع أو مستلزم، كما لو قال: لا يجوز قتل المسلم بالذمي.
فيقال: بالموجب؛ لأنه يجب.
فيقول: المعنى بـ "لا يجوز" تحريمه، فيلزم نفي الذين الوجوب.
وعن الثاني: أنه المأخذ.
وعن الثالث: أن الحذف سائغ).
أقول: النوع السابع: ما يرد على قولهم بعد إثبات الحكم في الفرع وذلك هو المطلوب فيمنع، ويقال: بل النزاع بعد باق، ويسمى القول بالموجب.
وحقيقته: تسليم ما اعتمده المستدل حكما لدليله على وجه لا يلزم منه تسليم الحكم المتنازع فيه.
وهو على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يستنتج المستدل من الدليل ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملزومه كما لو قال المالكي في القاتل بالمثقل: قتل بما يقتل غالبا، فلا ينافي وجوب القصاص كحرقه.
فيرد القائل بالموجب بأن يقول: القتل بالمثقل لا ينافي وجوب القصاص عندي، وإنما النزاع في وجوب القصاص، وعدم المنافاة ليس محل النزاع ولا ملزوما له، وهو المراد من قوله:(ولا يقتضيه) إذ لا يلزم من عدم المنافاة بين شيئين كون أحدهما مقتضيا للآخر.
الثاني: أن يستنتج المستدل من الدليل إبطال ما يتوهم أنه مأخذ الخصم كما لو قال المالكي في المسألة المذكورة: التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص كالمتوسل إليه، وهي أنواع الجراحات القاتلة.
فيرد القائل بالموجب بأن يقول الحنفي: الحكم لا يثبت إلا بارتفاع جميع الموانع ووجود الشرائط ووجود المقتضي، وغاية ما ذكرت عدم مانع خاص، ولا يلزم منه انتفاء جميع الموانع ولا وجود الشرط ولا وجود المقتضي، فلا يلزم ثبوت الحكم.
وقد اختلف في المعترض إذا قال: ليس هذا مأخذي، هل يصدق أو لا؟ .
فقيل: لا يصدق إلا ببيان مأخذ آخر، إذ ربما كان ذلك مأخوذ وعاند.
والصحيح: أنه مصدق؛ لأنه أعرف بمذهبه ومذهب إمامه.
واعلم أن أكثر القول بالموجب من هذا القبيل، وهو ما يقع لاشتباه المأخذ لخفاء مأخذ الأحكام، وقلما يقع الأول وهو اشتباه محل الخلاف؛ لشهرته ولتقدم التحرير غالبا.
الثالث: أن يسكت عن صغرى غير مشهورة ويستعمل قياس الضمير كما لو قال في الوضوء: ما ثبت قربة فشرطه النية كالصلاة، ويسكت عن الصغرى وهي الوضوء ثبت قربه.
فيرد بالموجب، إذ لا يلزم أن يكون الوضوء شرطه النية، أما لو صرح بها لم يرد إلا المنع، بأن يقول: لا نسلم أن الوضوء ثبت قربة.
قال الجدليون: القول بالموجب في انقطاع/ أحد المتناظرين، إذ لو بين أن المثبت مدعاه أو ملزومه، أو المبطل مأخذ الخصم، أو الصغرى حق انقطع المعترض، إذ لم يبق له إلا تسليم المطلوب، وإلا انقطع المستدل، إذ قد ظهر عدم إفضاء دليله إلى المطلوب.
قال المصنف: قولهم ذلك صحيح في الأوليين، بعيد في الثالث لاختلاف مراديهما، إذ مراد المستدل أن المتروك في حكم المذكور لظهوره، ومراد المعترض أن المذكور وحده لا يفيد، فإذا بين مراده فله أن يمنع فيستمر البحث، وإن سلم انقطع.
وجواب القسم الأول: أن يبين أن الناتج محل النواع، إذ الخلاف مشهور فيما فرض أو هو ملزومه، كما لو قال: لا يجوز قتل المسلم بالذمي قياسا على عدم قتله بالحربي.
فيقال بالموجب، بأن يقول: هو عندي لا يجوز لكنه يجب قتله به، فإن "لا يجوز" نفي الإباحة، وهو ليس نفي الوجوب ولا يستلزمه لأنه أعم.
فيجيب: بأن المعنى بـ "لا يجوز" الحرمة، وذلك يستلزم عدم الوجوب.
وجواب الثاني: أنه المأخذ لاشتهاره بين النظار، وبالنقل عن أئمة مذهبهم.
وعن الثالث: أن الحذف سائغ والمحذوف مراد، فلا يضر حذفه، والدليل المجموع لا المذكور.
وفيه نظر؛ لأن الحذف إنما يسوغ إذا كانت مشهورة.
قال: (الاعتراضات من جنس واحد تتعدد اتفاقا، ومن أجناس كالمنع والمطالبة والنقض والمعارضة.
منع أهل سمرقند التعدد للخبط.
والمترتبة: منع الأكثر، لما فيه من التسليم للمقدم، فيتعين الأخير.
والمختار: جوازه؛ لأن التسليم تقديري فليرتب، وإلا كان منعا بعد تسليم، فيقدم ما يتعلق بالأصل ثم العلة لاستنباطها منه، ثم الفرع لبنائه عليها.
وقدم النقض على المعارضة في الأصل؛ لأنه يورد لإبطال العلة، والمعارضة لإبطال استقلالها).
أقول: الاعتراضات إن كانت من جنس واحد كالنقض، أو المعارضة في الأصل أو في الفرع، فقد اتفق الجدليون على جواز إيرادها دفعة، إذ لا