الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقيدان عند الشارع، فالأول: مقيد ومخصوص بمن لم يعرف أن ذلك الضرر يتسبب إلى دفع ضرر أعظم منه في المضرور. والثاني: مقيد ومخصوص بمن لم يعرف أن الصبي سيصير كافرًا طاغيًا يحل قتله، لكن الشارع ترك ذينك القيدين لندورة وقوعهما اعتمادًا على فهم الراسخين في العلم إياهما وقد عرف الخضر عليه السلام بالمكاشفة أن خرق السفينة يؤدي إلى عدم غصبها، وأن الغلام سيصير كافرًا طاغيًا. وأما من قال: ليس لما انكشف لأهل الباطن حله لهم من المحرمات على العباد على الإطلاق سبب فيهم يحلله لهم ويوافق حله لهم بذلك السبب القيد المتروك في تحريم الشارع إياه على الإطلاق، فيكفر، لأنه ادعى بعض الأحكام في حق بعض العباد بعد النبي عليه السلام، وهذا هو القول بمخالفة الباطن الظاهر.
الفصل "العاشر": (دفاع عن الصوفية)
قال الإمام اليافعي في روض الرياحين: إن ما جاء من الصوفية مما يخالف العلم الظاهر، إما أنهم فعلوه في حال السكر والغيبة عن إحساسهم
فهم غير مكلفين في (ذلك) الحال، أو له تأويل في الباطن يعرفه علماء الباطن كما في قصة موسى والخضر عليهما السلام، انتهى
قوله: مما يخالف العلم الظاهر، أي مخالفة حقيقية كما فعلوه في حال السكر، أو في مخالفة ظاهرة كما فعلوه بتأويل. قوله: إما أنهم فعلوه في حال السكر وذلك كما لو كسر أحدهم إناء الغير بمصادفة قدمه في حال السكر والحركة، فذلك خطأ لا يأثم به بل يلزمه الضمان قوله: أو له تأويل في الباطن، أي: سبب خفي يحلله، ويوافق بذلك السبب القيد المتروك في العلم الظاهر.
قوله: يعرفه علماء الباطن، أقول: فتلك المعرفة تحلله لهم والشارع إنما حرمه على من لم يعرف السبب المحلل. ومن هذا الباب ما حكي أن الشبلي رحمة الله عليه لما استشعر من نفسه البخل، ألقى في البحر خمسين دينارًا له، لما عرف أن إلقاءه في البحر يزيل عن نفسه مرض البخل، ونهى النبي عليه السلام عن إضاعة المال، مخصوص بمن لم يعرف أن إضاعته تزيل عن نفسه مرض البخل، فإنك لو صرفت خمسين دينارًا لمدواة مرض الجسم لا يلام عليك، ومرض القلب أحق بالمدواة فليحترز صاحب الذهن القاصر عن إطالة اللسان إلى الأكابر.
وأما قول النسفي: النصوص تحمل على ظواهرها إن أمكن
والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطن، إلحاد، انتهى فالمراد من المعاني: التأويلات التي تخالف الظاهر المعلوم للمسلمين مخالفة حقيقية ولا يمكن تطبيقها به. ومراده من أهل الباطن ليس أرباب السلوك والمجاهدة، بل قوم من الملاحدة يسمون القرامطة الباطنية، لا دعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها، بل لها معان باطنة لا يعرفها إلا المعلم، يريدون بالمعلم شيخهم المضل. قال تقي الدين أبو العباس في مؤلف له: إن الباطنية يزعمون أن هذه النصوص لها تأويل باطن يخالف الظاهر المعلوم للمسلمين، فالصلاة عندهم معرفة أسرارهم، والصوم كتمان أسرارهم، والحج زيارة شيوخهم، وأمثال ذلك، انتهى
وقول النسفي: إن أمكن، معناه، إن لم تصرف القرينة عن ظواهرها وقوله: يدعيها أهل الباطن يُفهم منه أن ليس كل العدول عن ظواهرها عند إمكان الحمل على ظواهرها إلحادًا، بل الإلحاد هو المعاني التي تخالف شيئًا من ضروريات الدين كالتي يدعيها الباطنية، ولذا قال التفتازاني في تعليل كونه إلحادًا: لكونه تكذيبًا للنبي عليه السلام فيما علم مجيئه به بالضرورة لا كل ما يخالف ظاهر اللغة أو عرف الشريعة، وقد سمعنا من بعض من لم يتنبه لهذا