الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلامهم في الهيئة تخميني، كما قال البيضاوي عند قوله تعالى:{فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29] إن قيل: [أليس] أن أصحاب الأرصاد أثبتوا تسعة أفلاك، قلت: فيما ذكروه شكوك
…
إلى آخر ما قال. واعترض صاحب المواقف على كثير من أدلة الفلاسفة على مسائل الهيئة، ودفع هذا النظر: أن هيئة الفلاسفة كانت في الأول بحثاً عن الدوائر الموهومة، وهي الهيئة المخلية وأدلتها برهانية البتة، وهذا مراد الغزالي، ثم جعل متأخرو الفلاسفة الهيئة بحثاً عن الأجسام العلوية والسفلية، وهي الهيئة المجسمة وبعض مسائلها تخميني.
الفصل "الثاني": (في نقل ما ذكره العلماء في ذم الفلسفة والفلاسفة)
والمراد من الفلسفة هنا هي الطبيعة والإلهية، خصوصاً الإلهية، لأن أكثر أغاليطهم فيها سبق نقلاً عن الغزالي. فنقول: أول من ذم الفلاسفة هو الله تعالى، قال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر: 83] وأحد وجوه تفسير هذه الآية أن يراد من العلم علوم الفلاسفة والدهريين من بني يونان، وكانوا إذا سمعوا بوحي الله تعالى دفعوه وصغّروا علوم الأنبياء إلى علمهم. وعن
سقراط أنه سمع بموسى عليه السلام، وقيل له لو هاجر [ت] إليه، فقال: نحن ثوم مهذبون فلا حاجة إلى من يهذبنا، كذا في الكشاف والمدارك.
قال التفتازاني في رد الفصوص: إن الفلاسفة هم السفهاء والكفرة والأشقياء المنكرون للشرائع والنحل والجاحدون لتفاصيل الأديان والملل، القائلون: إنها نواميس مرلفة لانتظام أمور الورى وحيل مزخرفة لا حقيقة لها.
عليهم لعنة الله والملائكة والناس تترى انتهى.
وقال الطيبي في حاشية الكشاف: قال الشيخ شهاب الدين التوربشتي في وصية لبعض أصحابه: أوصيه أن يسد سمعه عن أباطيل الفلاسفة فضلاً عن الإصغاء إليها، ثم إنها لا تثمر إلا الهوان في الدنيا والخزي في الآخرة نعوذ الله من ذلك، انتهى.
وقال صاحب المواقف بعد نقله اختلافات الفلاسفة في النجرة: الغرض من نقل هذه الاختلافات إبداء ما ذكروه من الخلافات ليتحقق ويتبين للعاقل الفطن أنه لا يثبت لهم فيما يقولونه ويعتقدون ولا محول على ما ينقلونه عن أوائلهم، وإنما هي خيالات فاسدة وتمويهات باردة يظهر ضعفها بأوائل النظر ثم البعض بالبعض يعتبر، انتهى.
قال الغزالي في المنقذ: وجب الحكم بكفر أرستطاليس ومن قبله من الفلاسفة كأفلاطون وسقراط وغيرهم، وكفر متبعيهم من متفلسفة الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهم.
إن قلت: منون أمثالهم؟ قلت: الذين يحبون الفلسفة ويخوضون فيها ويسمونها حكمة على طريق التعظيم، مثلما يعظمون علوم الشريعة ويعظمون الفلاسفة ويسمونهم الحكماء تعظيماً لهم كتعظيم مشايخ الدين أو كتعظيم النيين. ويفتخرون بما حصلوه من الفلسفة ويستجهلون من عري منها في علوم الشريعة. فورب السماء والأرض إن هؤلاء هم المتفلسفون الكفرة، وقد وجدت من أمثالهم في عصر أخي جلبي فقال فيهم في ديباجة حاشية كتاب صدر الشريعة: إن الفقه قلت الرغبة إليه عند المتفلسفين الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، جهنم يصلونها وبئس القرار، انتهى.
يقول البائس الفقير، جامع هذه الرسالة: ولعل المتفلسفين في عصرنا أكثر منهم في عصره.
إن قلت: من أين له علم بأن ليس للمتفلسفين في الآخرة إلا النار؟ قلت: من قوله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102][المراد مما يضرهم السحر] قال في
المدارك: وفي الآية دليل على أن السحر واجب الاجتناب كتعلم الفلسفة التي تجر إلى الغواية، انتهى.
والآية نزلت في أهل التوراة اشتغلوا بكتب السحر وقل التفاتهم إلى التوراة ومعنى اشتراه: استبدلوه بكتاب الله تعالى، والخلاق بمعنى النصيب كذا في التفاسير. إن قلت: أليس قد قال السيد الشريف في شرح المواقف: إن الفلاسفة هم الأذكياء؟ قلت: نعم. لكن قال الإمام الجوزي في كشف الناموس: كان للفلاسفة فطنة فاستخرجوا بفطنتهم علوماً هندسية ومنطقية ولما تكلموا في الإلهيات خبطوا، إذ لا سبيل للعقل إليها، ولذلك اختلفوا فيها ولم يختلفوا في مثل الهندسيات، انتهى.
أقول: وكذا خبطوا في بعض مواضع الطبيعيات كما سبق عن الغزالي قوله: إذ لا سبيل للعقل إليها أي جميعها، إذ بعضها يستقل فيه العقل كوجود الصانع القديم ووحدته وسائر صفاته المعلومة بدليل العقل، لكن الفلاسفة خبطوا في صفاته تعالى. وقال البيضاوي في قوله تعالى:{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا} [الطور: 32] فإن الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر، انتهى.
أقول: والكاهن مشهود عليه بالكذب والخبط، فظهر أن الكافر قد يكون ذا فطنة، ألا ترى أن الإفرنج يستخرجون يفطنتهم ودقة نظرهم صنائع تتحير فيها العقول، لكنهم يقولون: إن الله تعالى هو المسيح ابن مريم، أو يقولون: إن المسيح ابن الله.