الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة
ما يتعلق بالفلسفة وفيه فصول
الفصل "الأول": (في بيانها)
قال [صاحب] إغاثة اللهفان: الفلسفة معناها محبة الحكمة، والفيلسوف أصله فيلاسوفا أي محب الحكمة، ففيلا هو المحب وسوفا هي الحكمة. والحكمة نوعان: قولية وفعلية.
فالقولية: قول الحق. والفعلية: فعل الصواب.
والفلاسفة اسم جنس لمن يحب الحكمة، انتهى.
أقول: يعني الفلاسفة جمع فلسفي، معناه منسوب إلى محبة الحكمة، تجمع على فلاسفة كأشاعرة، وبيان هذا الجمع في شروح الشافية، ثم قال: وقد صار اسم الفلاسفة في عرف كثير من الناس مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء ولم يذهب إلاّ إلى ما يقتضيه العقل في زعمه، وأنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع أرسطو وهم المشّاؤون خاصة. وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم- يعني في كتابه الشفا وغيره-.
ثم قال: أول من عرف عنه القول بقدم العالم أرسطو، وكان مشركاً يعبد الأصنام، وله في الإلهيات كلام كله خطأ من أوله إلى آخره، وقد تعقبه بالرد عليه طوائف المسلمين، انتهى.
أقول: ثم صارت الفلسفة إسماً للفن. قال في الإحياء: وأما الفلسفة فهي ليست عِلماً برأسها، بل هي أربعة أجزاء، أحدهما: الهندسة والحساب وهما مباحان. الثاني: المنطق وهو داخل في الكلام. والثالث: الإلهيات وهي بحث عن ذات الله تعالى وصفاته وهي داخلة في الكلام، والفلاسفة انفردوا فيها بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة. والرابع: الطبيعيات وهي بحث عن الأجسام الطبيعية، - بسيطة: وهي الأفلاك والعناصر.- أو مركبة: وهي المعادن والنبات والحيوان. وبعض مباحث الطبيعيات مخالف للدين الحق، انتهى.
أقول: والطبيعيات أيضاً داخلة في الكلام، ومعنى دخولها فيه، أن الكلام باحث عن الأجسام الطبيعية البسيطة والمركبة على وفق العقل والشرع، وكذا باحث عن الإلهيات على وفقهما، وتقييد الجسم بالطبيعي.
احتراز عن الجسم التعليمي، وهو عبارة عن مقدار له ثلاثة أبعاد، طول وعرض وعمق، لأن ذا يبحث عنه في الهندسة والجسم الطبيعي: عبارة عما قام به ذلك المقدار. وجعل الغزالي الفلسفة في كتابه المسمى بـ "المنقذ من الضلال" ستة أقسام، وجعل الخامس السياسة، وهي بحث عن المصالح المتعلقة بالأمور الدنيوية والإيالة السلطانية. والسادس خُلقية - بضم الخاء المعجمة- وهي البحث عن الأخلاق. قال: وجمع كلامهم فيها يرجع إلى حصر أخلاق النفس وذكر جناسها وأنواعها وكيفية اكتساب فضائلها واجتناب رذائلها، وإنما أخذوها من كلام الصوفية المتألهين المثابرين على ذكر الله تعالى، ومخالفة النفس والهوى، ومزجوها بكلامهم توسلاً بالتجمل بها إلى ترويج باطلهم، ولقد كان في عصرهم جماعة من المتألهين أتباع الأنبياء، انتهى.
وذكر في المنقذ-الرياضيات- بدل الهندسة والحساب وهي أشمل لشمولها الهيئة. وقال في المنقذ: إن كلام الفلاسفة في الرياضيات برهاني، وفي الإلهيات تخميني، وقال فيه: وأما الإلهيات ففيها أكثر أغاليطهم. ومجموع ما غلطوا فيها يرجع إلى عشرين أصلاً يجب إكفارهم في ثلاثة منها، وتبديعهم في سبعة عشر، وقد أبطلنا جميعها في كتابنا المسمى: بـ "تهافت الفلاسفة". وأما الثلاثة: فقولهم بأن الأجسام لا تحشر، وأن الله تعالى لا يعلم الجزئيات بل الكليات فقط، وأن العالم قديم، إلى آخر ما قال ....
يقول العبد الفقير، وأشدّ ما يجب إكفارهم فيه قولهم بالعقول العشرة، وإسناد جميع المخلوقات إلى العقول العشرة، قالوا: إن الله تعالى لم يخلق إلا العقل الأول- لعنوا بما قالوا- فهم في قولهم بالعقول المذكورة أشد شركاً من عبدة الأوثان، إذ عبدة الأوثان لا يعتقدون للأوثان خلقاً وإيجاداً، وإنما يعتقدونها شفعاء عند الله فيعبدونها طمعاً في شفاعتهم.
وقال في المنقذ: لما كان كلام الفلاسفة في الرياضيات أموراً برهانية لا سبيل إلى جحدها، ربما يظن الناظر فيها أن كلامهم في الإلهيات كذلك فيعتقد بها ويكفر بالتقليد المحض. ولهذا ينبغي زجر كل من يشرع في الرياضيات عن الخوض فيها، وكل من يخوض فيها إلا وينخلع من الدين وينخلع من رأسه لجام التقوى. وقال فيها: وأما المنطقيات فليس فيها ما ينبغي أن ينكر، بل هو من جنس ما ذكره المتكلمون في مباحث النظر، وإنما يفارقونهم ببعض الاصطلاحات وبزيادة استقصاء الفلاسفة فيها، انتهى.
قوله: كلام الفلاسفة في الرياضيات برهاني، فيه نظر، لأن بعض