الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحقوق، كذلك عملا على افتتاح كثير من المدارس الابتدائية والثانوية، ونتيجة لدعوة رفاعة إلى تعليم المرأة، افتتحت أول مدرسة للبنات، وحين رأى علي مبارك أن الهوة قد اتسعت بين التعليم الجديد الممثل في المدارس، وبين التعليم القديم الممثل في الأزهر، وأن الأزهر بصورته التي كان عليها في تلك الآونة لم يعد صالحًا لإمداد التعليم الحديث بالمدرسين الأكفاء، والمؤلفين الواعين، أنشأ مدرسة عالية تجمع بين القديم الصالح والجديد الحي، ويكون من أغراضها إمداد الدولة بالمدرسين والمؤلفين المتطورين، وهكذا أنشئت دار العلوم، وافتتحت سنة 1871 لتمثل اللقاء المتزن بين الثقافتين القديمة والحديثة، ولتخرج من لا نزال نرى تعاقب أجيالهم، وتتابع آثارهم في ميادين التعليم والتأليف، وفي آفاق اللغة العربية وآدابها، والدراسات الإسلامية1.
ولقد ساعد على نشر التعليم الحديث، وعلى طائفة من المثقفين، وإدراكهم أن الجهود الأهلية يجب أن تؤازر الجهود الرسمية؛ فقد تألفت جمعية سميت باسم "اتحاد الشبيبة المصرية" سنة 1879، ودعت إلى إنشاء المدارس لتعليم أبناء الشعب2، وبهذا تعددت المدارس بمختلف المستويات، وخطة الحركة التعليمية خطوات واسعة، وكان لذلك أثره في خلق طبقة كبيرة من المثقفين، كما كان أثره في إنماء الوعي.
1 اقرأ في تاريخ دار العلوم تقويم دار العلوم لمحمد عبد الجواد.
2 انظر تاريخ التعليم في مصر -عصر إسماعيل لأحمد عزت عبد الكريم ص76.
2-
إحياء التراث العربي:
وكان من نتاج هذا الوعي النامي في تلك الفترة، أن أحس كثير من المثقفين بوجوب إبراز عظمة بلادهم، وإشراق تاريخهم، ورقي ثقافتهم، وجلال حضارتهم، وأنهم هم وحضارتهم ليسوا عالة على ما جاء من الغرب، وخاصة إذا كان ما جاء من الغرب ملكًا في حقيقته لأولئك الأجانب الذين يمثلون السيطرة والاستغلال والتعالي، وهكذا أراد هؤلاء المثقفون أن يواجهوا الثقافة
الغربية الوافدة بثقافة عربية أصيلة، ولم يكن من الممكن أن تكون الثقافة التي خلفتها عصور التخلف الأخيرة هي الثقافة التي يمكن أن تسد حاجة هؤلاء المثقفين حينذاك، أو تصلح لمواجهة الثقافة العربية المتحدية، ومن هنا اتجه هؤلاء المثقفون إلى التراث العربي القديم، وإلى انتفاء جمهرة من روائعه لإحيائها ونشرها، للاتكاء عليها في إرضاء الوعي النامي، المتلهف إلى ثقافة عربية جيدة، تقف أمام الثورة الغربية الوافدة، وقد كانت نواة هذه الحركة "جمعية المعارف" التي ألفت سنة 1868 1، وما لبثت أن نمت نموًّا سريعًا وعنيت كثيرًا بإحياء عدد كبير من الكتب التاريخية والأدبية العربية، كما عنيت بنشر طائفة من الدواوين الشعرية، التي أنتجتها العصور العربية الزاهرة في المشرق والأندلس2.
وليس من شك في أن جميعة المعارف قد سارت على الدرب الذي بدأه رفاعة، وبعض رفاقه قبل ذلك بسنوات، حين تم على أيديهم إحياء بعض الكتب العربية3 متأثرين بأساتذتهم المستشرقين4.
وقد ساعد تلك الجمعية على إحياء ما أحيت من كتب التراث ودواوينه،
1 انظر: تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان جـ4 ص80.
2 من الكتب التي نشرتها جمعية المعارف: أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن أثير، وتاج العروس في شرح جواهر القاموس، وتاريخ ابن الوردي، وشرح التنوير على سقط الزند، وديوان ابن خفاجة الأندلسي، وديوان ابن المعتز العباسي، والبيان والتبيين للجاحظ، وشرح الشيخ خالد على البردة، ورسائل بديع الزمان الهمذاني.
3 من الكتب التي نشرت على يد هؤلاء الرواد من قبل: تفسير الفخر الرازي، ومعاهد التنصيص، وخزانة الأدب، ومقدمات الحريري انظر: الخطط التوفيقية جـ13 ص55-56.
4 كان سلفستر دي ساسي من أساتذة رفاعة، وقد نشر كليلة ودمنة ومقامات الحريري، ورحلة عبد اللطيف البغدادي. "انظر: تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان جـ4 ص148".