الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمته1، وسوف نرى حين نتحدث عن الأدب، كيف كان مرد الاتجاهات الأدبية المختلفة إلى هذه الأنماط من المشاعر والأحاسيس، بل كيف تشكل النتاج الأدبي عمومًا بهذا الطابع الاجتماعي، وما حدد معالمه من أبعاد.
1 من أمثال الشاعر علي محمود المتوفى سنة 1949.
3-
نمو الحياة الثقافية:
نمت الحياة الثقافية في مصر بعد ثورة 19، وكان هذا النمو نتيجة لعوامل عديدة، ومن أهم تلك العوامل: تدعيم الجامعة، واتضاح شخصيتها، بعودة طلائع بعثاتها إلى الوطن، وإسهام هذه الطلائع بنشاط واضح في الحياة الثقافية، وكان من ألمع هؤلاء، الدكتور طه حسين، والدكتور أحمد ضيف، والدكتور علي العناني1، كما كان من أسباب تدعيم الجامعة
1 عاد طه حسين من بعثته في فرنسا سنة 1919، وعاد أحمد ضيف سنة 1918، وعاد علي العناني سنة 1921.
وقد ولد طه حسين في عزبة الكيلو "على بعد كيلو من مغاغة مركز المنيا"، وذلك سنة 1889، وتلقى دروسه الأولى في كتاب القرية بمغاغة، ثم انتقل إلى القاهرة ليدرس في الأزهر سنة 1902، وحين أنشئت الجامعة الأهلية أخذ يتردد عليها من سنة 1908، ثم تفرغ لها حين أسقط في العالمية سنة 1912. ونال الدكتوراه من الجامعة سنة 1914 على بحثه:"ذكرى أبي العلاء"، ثم أوفد في بعثه في نفس العام إلى فرنسا، فدرس نحو عام في مونلييه، ثم عاد إلى مصر لعجز ميزانية الجامعة سنة 1915، ثم سافر في أواخر هذا العام إلى باريس بعد إصلاح شئون الجامعة، وظل بها حتى سنة 1919، وكان قد نال الدكتوراه سنة 1918 على بحثه "فلسفة ابن خلدون"، ثم دبلوم الدراسات العليا في التاريخ القديم سنة 1919، ثم عاد إلى مصر، فعمل مدرسًا للتاريخ القديم بالجامعة القديمة، ثم أستاذًا للأدب العربي حين ضمت الجامعة إلى الحكومية سنة25، ثم انتخب عميدًا للآداب سنة 1930، ثم أخرج من الجامعة في عهد صدقي سنة 1932، ثم أعيد إلى الجامعة سنة 1936، ثم انتخب عميدًا سنة 1938، ثم عين مستشارًا فنيًا لوزارة المعارف، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية في وزارة الوفد سنة 1942، ثم أحيل إلى التقاعد سنة 1944، ثم عاد وزيرًا للمعارف في وزارة الوفد سنة 1950، ونال جائزة الدولة التقديرية سنة 1961، وخلف بعد ذلك لطفي السيد في رياسة =
واتضاح شخصيتها وضعها تحت إشراف الدولة سنة 1925، وضم مدارس الحقوق والطب والعلوم إليها، ثم تتابع1 الكليات الأخرى إلى حرمها بعد ذلك، حتى تمت جامعة مكتملة2.
كذلك كان من مظاهر نمو الحياة الثقافية في مصر خلال تلك الفترة، إصلاح الأزهر وإنشاء كلياته المتخصصة3، كما كان من مظاهر نمو الحياة الثقافية أيضًا توسع الدولة في التعليم نسبيًا، وبخاصة في مجال التعليم العام، ثم ازدياد الاهتمام بتعليم المرأة، وإيفاد كثير من البعثات4، التي لم تقتصر على الجانب الحكومي، بل تعدته إلى الهيئات والمؤسسات، التي يأتي
= المجمع اللغوي. "اقرأ عنه: في "طه حسين الكاتب والشاعر" لمحمد السيد كيلاني"، "ومع طه حسين" لسامي الكيلاني و"الهلال" عدد أول فبراير سنة 1966".
واقرأ عنه في: Studies on the Civilization of Islam: Gibb.pp. 275-279
أما أحمد ضيف فقد ولد سنة 1880، وتخرج في دار العلوم سنة 1909، وأرسلته الجامعة في بعثة إلى فرنسا، فحصل على الدكتوراه سنة 1917، وعاد في أوائل سنة 1918، فعمل في الجامعة، إلى أن نقل منها سنة 1925 إلى المعلمين العليا، ثم عاد إلى دار العلوم سنة 1932، وما زال بها حتى صار وكيلًا لها سنة 1938، ثم أحيل إلى المعاش سنة 1940، فعمل في كلية الآداب حتى توفي سنة 1945، "اقرأ عنه في:"تقويم دار العلوم، لمحمد عبد الجواد ص164 وما بعدها".
أما علي العناني فقد ولد سنة 1881، وتخرج في دار العلوم سنة 1910، وأرسلته الجامعة في بعثة إلى ألمانيا، وحصل على الدكتوراه سنة 17، وقضى فترة بتركيا، ورجع إلى مصر نحو سنة 1921، وعين مدرسًا بالجامعة، ثم نقل منها سنة 25 إلى المعلمين العليا، ثم إلى دار العلوم، ثم إلى وزارة المعارف ليعمل مفتشًا، وتوفي سنة 1943 اقرأ عنه في:"تقويم دار العلوم" ص221، وما بعدها".
1 انظر: في أعقاب الثورة المصرية لعبد الرحمن الرافعي جـ2 ص21-22، وانظر: محمد فريد للمؤلف نفسه ص377.
2 انظر: تقويم جامعة القاهرة الصادر سنة 1957 ص1-4.
3 انظر: الأزهر -تاريخه وتطوره- ص265 وما بعدها.
4 انظر: تاريخ البعثات الحكومية لمحمد فؤاد شاكر "مكتوب على الآلة الكاتبة بمكتبة وزارة التربية بقم 1208".
في مقدمتها بنك مصر؛ حيث أوفد طائفة من أبناء الأمة للتخصص في فنون مختلفة، لينتفع بهم في مجالات الصناعة التي احتضنتها شركات البنك حينذاك1.
على أن هناك أجهزة أخرى غير هذه الأجهزة التعليمية الرسمية، وغير الرسمية قد أسهمت بشكل واضح في النمو الثقافي الذي شهدته البلاد في تلك السنين.
وقد كانت الصحافة أهم تلك الأجهزة؛ فقد استتبع الصراع الحزبي الذي كان سمة السياسية في تلك الفترة، أن أنشأ كل حزب صحيفة أو أكثر، وكان هذا أساسًا لخدمة أغراض الحزب، ولكن رؤي أن ملء الصحف بحديث السياسة وحدها لا يلفت أنظار القراء، ولا يجلب كثيرًا من الأنصار، ومن هنا اهتمت الصحف الحزبية بالنواحي الثقافية التي لا صلة لها بالسياسة، وكان لتلك الصحف كتاب، هم أساسًا من الرواد الثقافيين، لا من الزعماء السياسيين، وهكذا كان لحزب الوفد من الصحف:"البلاغ" و"كوكب الشرق" و"البلاغ الأسبوعي"، وكان له من الكتاب -في أوائل تلك الفترة- طائفة منهم: عباس العقاد وسلامة موسى وعبد القادر حمزة. كذلك كان لحزب الأحرار من الصحف: "السياسة" والسياسة الأسبوعية"2، كما كان له من الكتاب طائفة منهم: الدكتور محمد حسين هيكل، والدكتور طه حسين، والدكتور محمود عزمي.
1 انظر: في أعقاب الثورة المصرية لعبد الرحمن الرافعي جـ2 ص 268.
2 ظهرت " السياسة" في 30 أكتوبر سنة 1922، و"السياسة الأسبوعية" في 13 مارس سنة 1926، بمثابة ملحق أدبي للسياسة، وظهر "البلاغة" في سنة 1923، و"كوكب الشرق" في سبتمر سنة 1924، و"البلاغ الأسبوعي" في سنة 26 نوفمبر سنة 1926، "انظر تطور الصحافة المصرية لإبراهيم عبده ص 206 وما بعدها".
وقد كان كتاب صحف الوفد متأثرين بالثقافة الإنجليزية كما كان كتاب صحف الأحرار متأثرين بالثقافة الفرنسية1.
على أن الأمر لم يقتصر على هذه الصحف الحزبية، أو ذات اللون الحزبي الواضح، بل كانت هناك صحافة ثقافية، أو ذات مسلك ثقافي في الظاهر على الأقل، وتمثل مجلتا الهلال والمقتطف هذا اللون من الصحافة، وقد كان يغلب على الأولى الطابع الأدبي، وعلى الثانية الطابع العملي، وأصحاب كل من المجلتين كانوا من المتمصرين الشاميين، الذين يقدرون مصلحة البلاد حينًا، ويخطئونها في كثر من الأحايين2.
كذلك لم يقف الأمر عند هذين اللونين من الصحافة المسهمة في نمو الثقافة عن طريق الترويج للأحزاب السياسية حينًا، وعن طريق إنجاح المؤسسات الشامية حينًا آخر؛ بل إن صحافة وطنية ثقافية خالصة قد ولدت خلال تلك الفترة، وأدت أجل الخدمات إلى البلاد في تلك السنوات، ومثل ميلادها مرحلة تحول في الحياة الثقافية والفكرية على السواء، وقد تمثلت هذه الصحافة في مجلات "الرسالة" و"الرواية"3 و"أبوللو"4 و"الثقافة"5، وأمثالها.
1 وقد كان لون إحدى الثقافتين واضحًا في آثار إحدى الطائفتين، على حين كان يتضح لون الثقافة الأخرى في الطائفة المقابلة، فعلى حين نجد طه حسين مثلًا يهتم ببودلير، وينهج نهج ديكارت نجد العقاد يهتم بتوماس هاردي، ويأخذ طريق هازلت.
2 انظر: بعض ما يؤخذ على اتجاه أصحاب المقتطف في: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد حسين جـ1 ص73، وما بعدها وجـ2 ص334، وما بعدها، وانظر بعض ما يؤخذ على اتجاه أصحاب الهلال في المصدر نفسه جـ2 ص327، وما بعدها.
3 أنشأ هاتين المجلتين الأستاذ أحمد حسن الزيات، الأولى في يناير سنة 1933، وظلت تصدر حتى سنة 1953. أما الثانية فظهرت في فبراير سنة 1937، وظلت إلى سنة 1940، ثم ضمت إلى الرسالة.
4 أنشأ هذه المجلة الدكتور أحمد زكي أبو شادي في سبتمبر سنة 1932، واستمرت عامين، فكان آخر أعدادها في ديسمبر سنة 1934.
5 أصدرت هذه المجلة لجنة التأليف والترجمة والنشر برياسة الأستاذ أحمد أمين في يناير سنة 1939، واستمرت 14 عامًا.
وهناك جهاز آخر بعد جهاز الصحافة، لا شك أنه قد أسهم بنصيب في تنمية الثقافة في تلك الفترة، هذا الجهاز هو المسرح، فقد ازداد الاهتمام بهذا الجهاز، فأنشئت الفرقة القومية، وجعل على رأسها خليل مطران1، كما كانت قد أنشئت فرق مسرحية أخرى كفرقة رمسيس2، وقد أسهم هذا النشاط المسرحي الخصب في إفساح آفاق المشاهدين، إلى ما كان من إنضاج فن المسرحية، وإخصاب الأدب المسرحي، على ما سنرى حين يكون الحديث عن الأدب المسرحي في هذه الفترة.
ولا يمكن في مجال الحديث عن الأجهزة الثقافية، وإسهامها في التنمية الثقافية خلال ذاك العهد، أن نغفل السينما، فقد دخلت مصر لأول مرة خلال هذه الفترة3، وبرغم أنها بدأت بأفلام أجنبية صامتة، وبأفلام عربية صامتة كذلك، ثم ثنت بأفلام ناطقة، ولكنها هزيلة -برغم ذلك قد أدت السينما بدورها خدمات لا تنكر في مجال تنمية الثقافة؛ حيث أطلعت مشاهدين كثيرين على أقطار بعيدة، وأشركتهم في قضايا عديدة، كما حركت خيالهم، ووسعت دنياهم، ونمت مشاعرهم، وزادت من معارفهم.
كذلك لا يمكن أن تغفل الإذاعة في مجال الحديث عن الأجهزة الثقافية التي عرفت في هذه الفترة، فقد دخل المذياع إلى مصر لأول مرة خلال هذه السنين. وبرغم أنه بدأ يتلقى إذاعات إعلانية، ومواد ترفيهية هزيلة مما كانت ترسله
1 أنشئت هذه الفرقة سنة 1935.
2 أنشئت فرقة رمسيس سنة 1923.
3 ظهر أول فيلم مصري سنة 1927، وهو فيلم ليلى، وكان فيلمًا صامتًا، وظهر أول فيلم مصري ناطق سنة 1935، وهو فيلم أولاد الذوات. انظر: صحيفة الأخبار العدد الصادر في 12 نوفمبر سنة 1967.