المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتب الأدب وتجددها: - تطور الأدب الحديث في مصر

[أحمد هيكل]

فهرس الكتاب

- ‌محتويات الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: فترة اليقظة

- ‌أهم أسباب اليقظة

- ‌أسلحة علمية للحملة الفرنسية

- ‌ أول الاتصال الفعلي بالثقافة الحديثة:

- ‌الأدب وأولى محاولات التجديد

- ‌الشعر

- ‌ النثر:

- ‌الفصل الثاني: فترة الوعي

- ‌أبرز عوامل الوعي

- ‌اشتداد الصلة بالثقافة الحديثة

- ‌ إحياء التراث العربي:

- ‌ مؤسسات سياسية ومجالات ثقافية:

- ‌ الثورة الأولى:

- ‌الأدب وحركة الإحياء

- ‌أولا: الشعر

- ‌الاتجاه التقليدي وبعض لمحات التجديد

- ‌ ظهور الاتجاه المحافظ البياني:

- ‌ثانيًا: النثر

- ‌ الكتابة الإخوانية، واتجاهها إلى التقليد:

- ‌ الكتابة الديوانية وميلها إلى الترسل:

- ‌ المقالة ونشأتها:

- ‌ الخطابة وانتعاشها:

- ‌ الرواية ونشأة اللون التعليمي:

- ‌ المسرحية وميلادها:

- ‌ كتب الأدب وتجددها:

- ‌الفصل الثالث: فترة النضال

- ‌حوافز النضال واتجاهاته:

- ‌ من جرائم الاحتلال البريطاني:

- ‌ مراحل النضال وطرائقه:

- ‌ بعض معالم النضال المشرقة:

- ‌الأدب بين المحافظة والتجديد

- ‌أولا: الشعر

- ‌سيطرة الاتجاه المحافظ البياني

- ‌ ظهور الاتجاه التجديدي الذهني:

- ‌ثانيًا: النثر

- ‌ المقالة وظهور أول طريقة فنية للنثر الحديث:

- ‌ الخطابة ونشاطها:

- ‌ القصص بين استلهام التراث، ومحاكاة أدب الغرب:

- ‌ المسرحية وأولية الأدب المسرحي:

- ‌الفصل الرابع: فترة الصراع

- ‌دوافع الصراع ومجالاته

- ‌بين الروح الوطنية والانحرافات الحزبية

- ‌ بين نشوة النصر، ومرارة النكسة:

- ‌ نمو الحياة الثقافية:

- ‌ غلبة التيار الفكري الغربي:

- ‌الأدب وغلبة الاتجاه التجديدي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الشعر

- ‌ تجمد الاتجاه المحافظ البياني:

- ‌ انحسار الاتجاه التجديدي الذهني:

- ‌ ظهور الاتجاه الابتداعي العاطفي:

- ‌ثانيا: النثر

- ‌مدخل

- ‌المقالة وتميز الأساليب الفنية

- ‌ الخطابة وازدهارها:

- ‌ القصص واستقرار اللون الفني:

- ‌ المسرحية وتأصيل الأدب المسرحي:

- ‌مراجع الكتاب

- ‌المراجع العربية

- ‌المراجع الأجنبية

الفصل: ‌ كتب الأدب وتجددها:

7-

‌ كتب الأدب وتجددها:

ونعني بها هذا اللون من الكتابات التثقيفية، التي تجم بين مختارات من الشعر، والنثر، والتاريخ، والحكم، والأمثال، وغير ذلك مما يمتع الأديب، ويفيد المتأدب من ثقافة عامة، تتشكل بثقافة المؤلف، وتصور- إلى حد كبير- ثقافة عصره.

وقد عرفنا في أدبنا القديم ألوانًا من هذه الكتب، عند أبي الفرج في كتابه "الأغاني"، وعند ابن عبد ربه في كتابه "العقد الفريد".. وكانت تلك الكتب -رغم طابعها الثقافي العام- تسمى "كتب أدب"، بمعنى عام لكلمة أدب، يراد به الثقافة الإنسانية العامة، التي يتخللها الشعر والنثر، وجيد القول المأثور على وجه العموم.

وقد حفظت لنا تلك الفترة التي نسوق عنها الحديث، بعض الأعمال التي يمكن أن توضع في هذا اللون من التأليف الأدبي.. وأهم تلك الأعمال كتابان لرفاعة الطهطاوي، الذي امتد به الأجل إلى تلك الفترة1، وكان لها فيها نشاط لا يمكن أن يغفل هذان الكتابان هما:"مناهج الألباب المصرية، في مباهج الآداب العصرية"، ثم "المرشد الأمين للبنات والبنين"، وكل من الكتابين، يقدم معلومات شتى ومعارف منوعة، في أسلوب أدبي، وتتخللها مختارات الشعر والنثر، وتتناثر فيها المأثورات والتواريخ، وتحليها الحكم والأمثال، ثم إن ما في هذين الكتابين من معلومات ومعارف، تلونها ثقافة رفاعة، التي تجمع بين الشرق والغرب، ويمتزج فيها ما هو عربي أزهري، بما هو أوروبي باريسي، وهي بعد ذلك تصور طابع العصر الذي التقى فيه تياران، أحدهما عربي قديم، وثانيهما غربي حديث

ومن هنا يمكن اعتبار هذين الكتابين امتدادًا، أو تطورًا لهذا اللون من الأدب التأليفي، الذي عرفناه قديمًا عند أبي الفرج صاحب الأغاني، وابن عبد ربه صاحب العقد.

ويشترك الكتابان في أن لغتهما مرسلة حينًا مسجوعة حينًا آخر، وهي في الحالتين واضحة معجبة، وأجود بكثير من لغة رفاعة في كتابيه السابقين، "تخليص الإبريز" و"مواقع الأفلاك"، ويغلب استخدام السجع والتأنق الأسلوبي في هذين الكتابين المتأخرين، حين يكون المقام عاطفيًا وجدانيًا،

1 توفي رفاعة سنة 1873م.

ص: 85

كما يغلب الترسل المتقارب للغة العلم، حين يكون الموقف فكريًا أو علميًا.

على أن الكتابين بعد اشتراكهما في هذه الصفات العامة ينفرد كل منهما بسمات خاصة، فالكتاب الأول يغلب عليه جانب التثقيف العلمي، بمقالات عن التجارة والصناعة والزراعة والسياسة، هذا بالإضافة إلى العلوم الإنسانية كالتاريخ والأخلاق، أما الكتاب الثاين فيغلب عليه التهذيب الأدبي بمقالات في الآداب والتربية، والدين والوطنية والاجتماع، وما إلى ذلك

وفيما يلي نماذج من الكتابين:

يقول رفاعة في مقدمة "مناهج الألباب": ".... وهو نخبة جليلة، وتحفة جميلة، في المنافع العمومية، التي بها للوطن توسيع دائرة المدنية.. وعززتها بالآيات البينات، والأحاديث الصحيحة والدلائل المبينات، وضمنتها الجم الغفير من أمثال الحكماء، وآداب البلغاء وكلام الشعراء

"1.

ويقول في "المرشد الأمين" في حديثه عن الوطن وكون مصر أحسن الأوطان: "الوطن هو عش الإنسان الذي فيه درج، ومنه خرج، ومجمع أسرته، ومقطع سرته، وهو البلد الذي نشأته تربته، وغداه هواؤه، وحلت عنه التمائم فيه، قال أبو عمرو بن العلاء: مما يدل على حرية الرجل وكرم غريزته، حنينه إلى أوطانه، وتشوقه إلى متقدم إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه، والكريم يحن إلى أحبابه كما يحن الأسد إلى غابة، ويشتاق اللبيب إلى وطنه، كما يشتاق النجيب إلى عَطَنه، فلا يؤثر الحر على بلده بلدًا، ولا يصبر عنه أبدًا، قال الشاعر:

بلاد بها نيطت علي تمائمي

وأول أرض مس جلدي ترابها

وكان الناس يتشوقون إلى أوطانهم، ولا يفهمون العلة في ذلك، حتى أوضحها علي بن العباس الرومي، في قصيدة لسليمان بن عبد الله بن طاهر، يستعديه على رجل من التجار يعرف بابن أبي كامل، أجبره على بيع داره، واغتصبه على بعض جدرها، فقال ابن الرومي:

1 انظر: مناهج الألباب المصرية لرفاعة الطهطاوي -المقدمة ص4.

ص: 86

ولي وطن آليت ألا أبيعه

وألا أرى غيري له الدهر مالكًا

وحبب أوطان الرجال إليهم

مآرب قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم

عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا

فقد ألفته النفس حتى كأنه

لها جسد إن بان غودر هالكا

ولا يشك أحد في أن مصر وطن شريف إن لم نقل: إنها أشرف الأمكنة؛ فهي أرض الشرف والمجد في القديم والحديث، وكم ورد في فضلها من آيات بينات وأثار وحديث، فما كأنها إلا صورة جنة الخلد، منقوشة في عرض الأرض، بيد الحكمة الإلهية، التي جمعت محاسن الدنيا فيها، حتى تكاد أن تكون حضرتها في أرجائها ونواحيها

"1.

ثم يقول في الكتاب نفسه عن تعليم المرأة: "ينبغي صرف الهمة في تعليم البنات؛ فإن هذا مما يزيدهن أدبًا وعقلًا، ويجعلهن للمعارف أهلًا، ويصلحن به لمشاركة الرجال في الكلام والرأي، فيعظمن في قلوبهم ويعظم مقامهن

وليمكن للمرأة -عند اقتضاء الحال- أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال، على قدر قوتها وطاقتها، فكل ما يطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن، وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة؛ فإن فراغ أيديهن عن العمل، يشغل ألسنتهن بالأباطيل، وقلوبهن بالأهواء وافتعال الأقاويل، فالعمل يصون المرأة عما لا يليق، ويقربها من الفضيلة، وإذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال، فهي مذمة عظيمة في حق النساء، فالمرأة التي لا تعمل تقضي الزمن خائضة في حديث جيرانها، وفيما يأكلون ويشربون ويلبسون ويفرشون، وفيما عندهم وعندها، وهكذا

"2.

وهذا الكلام بالإضافة إلى كونه نصًّا أدبيًّا ذا قمية في ذاته، يعتبر ريادة لفكرة إصلاحه اجتماعية كبير، وهي فكرة تحرير المرأة، فقد سبق رفاعة بها قاسم أمين بزمن، وإن لم يتوسع فيها توسع هذا الأخير.

وهكذا يضيف رفاعة إلى ألوان رياداته، لونًا آخر يذكر له مع كل ثناء عرفان بالفضل.

1 انظر: المرشد الأمين لرفاعة الطهطاوي ص90.

2 انظر: المصدر السابق ص66.

ص: 87