الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليكم يرد الأمر وهو عظيم
…
فإني بكم طول الزمان رحيم
إذا لم تكونوا للخطوب وللردى
…
فمن أين يأتي للديار نعيم
وإن الفتى إن لم ينازل زمانه
…
تأخر عنه صاحب وحميم
فردوا عنان الخيل نحو مخيم
…
يقلبه بين البيوت نسيم
وشدوا له الأطراف من كل وجهة
…
فمشدود أطراف الجهات قويم
إذا لم تكن سيفًا فكن أرض وطأة
…
فليس لمغلول اليدين حريم
وإن لم تكن للعائذين حماية
…
فأنت ومخضوب البنان قسيم
ولقد ذكرت باتحادكم وحسن تعاهدكم ما كان من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم- عند تغييب سيدنا عثمان في أهل مكة، من مبايعة أهل الشجرة على حفظه، وصيانته صلى الله عليه وسلم، فصاروا يعنون بالعشرة المبشرين بالجنة"1.
1 انظر: مذكرات الثورة العرابية لأحمد عرابي جـ1 ص259، وما بعدها.
5-
الرواية ونشأة اللون التعليمي:
أما هذا اللون من النثر -وهو الرواية- فقد نشأ منه في تلك الفترة اللون التعليمي؛ بعد أن وضع بذوره رفاعة الطهطاوي في الفترة السابقة؛ فقد ألف علي مبارك1 كتابًا سماه "علم الدين"، وجعل هدفه تقديم معارف منوعه أولًا،
1 ولد في قرينة برنبال من قرى الدقهلية سنة 1239هـ، وتنقل مع والده في عدة أقاليم بالوجه البحري حتى استقر بعرب السماعنة بالشرقية، وهناك تلقى علومه الأولية على يد والده، ثم بمساعدة بعض المربين، وبعد ألوان من النضال التحق بمدرسة القصر العيني التجهيزية، ثم صعد إلى المهندسخانة، ثم اختير عضوًا في البعثة المسافرة إلى فرنسا، وبعد أربع سنوات من الدراسة استقدم إلى مصر في عهد عباس، وما زال يعمل في حقل التعليم وتنظيمه، والإشراف عليه، حتى وشي به لدى سعيد فأرسل ضمن حملة ساعدت بها مصر تركيا في حروبها مع روسيا، وهناك قاسى كثيرًا، ولكنه عاد سالمًا، وبعد عودته سرح من الخدمة فعاد شبه متعطل، ثم أعيد إلى بعض المناصب التافهة، ولكنه لم يجد فرصته إلا بعد أن مات سعيد، فقد وجد في عهد إسماعيل فرصًا للعمل المثمر، فكان ناظرًا للقناطر الخيرية، ثم كان وكيلًا لديوان المدارس، ثم أشرف على إدارة السكك الحديدية، ثم ديوان الأشغال، ونظارة =
ثم المقارنة بين أحوال الشرق وأحوال الغرب ثانيًا، واختار لتلك المعارف والمقارنة قلب الحكاية، واتخذ صورة الرحلة من مصر إلى أوروبا شكلًا لهذه الحكاية، ثم آثر جعل بطلها شيخًا ريفيًّا مصريًّا أزهريًّا مستنيرًا يصاحب في تلك الرحلة عالمًا إنجليزيا، تعرف به في مصر وهيأ له -بعد أن أعجب به- أن يصحبه إلى أوروبا، ومما يدور بين البطل والعالم الإنجليزي، ومما يكون في الرحلة من مواقف عديدة، يقدم المؤلف مجموعة كبيرة من المعلومات، في العلوم الإنسانية والطبيعية وغيرها، كما يعقد مقارنات بين الشرق والغرب.. ومن هنا كان هذا العمل رواية؛ لأنه اتخذ شكل الرحلة وحكايتها، ثم هو تعليمي؛ لأنه لا يقصد إلى غرض فني أدبي، بل إلى غرض ثقافي تربوي، هو تقديم هذه المعارف والمقارنات في إطار مشوق1.
وواضح أن هذا العمل يتفق مع ما سبق أن ألفه رفاعة الطهطاوي من قبل، باسم "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، فكلاهما معلومات ومعارف تقدم في شكل رحلة، وكلا المؤلفين أزهري مصري يجمع إلى ثقافته الشرقية العربية الدينية، ثقافة أوروبية حديثة، وإن كان علي مبارك تخصص في الهندسة، ورفاعة تخصص في الأدبيات، غير أن عمل علي مبارك قد اعتبر رواية تعليمية على حين اعتبر عمل رفاعة بذورًا لهذا اللون فحسب؛ لأن عمل رفاعة خال تمامًا من العناصر الروائية، باستثناء عرضه للرحلة الواقعية -التي قام بها المؤلف- في صورة يغلب عليها جانب التقريرات الرسمية، والترجمة والسرد العلمي في كثير من المواطن، حتى لقد سمى المؤلف كل فص باسم "مقالة".
1 عن تحليل هذا العمل وتقويمه اقرأ: تطور الرواية العربية للدكتور عبد المحسن بدر ص61، وما بعدها.
أما علي مبارك فعلى الرغم من أن عمله هو الآخر يحكي رحلة المؤلف، فإنه قد أكسب هذه الرحلة شكلًا خياليًّا، حيث وضع لها أشخاصًا بعضهم له أصل من الواقع مثل علم الدين، الذي ليس إلا علي مبارك نفسه، وبعضهم من صنع خيال المؤلف، مثل السائح الإنجليزي، وغيره من الشخصيات، وهذا الجانب الخيالي من جهة، ثم قصد المؤلف قصدًا إلى الحكاية والقص -مما صرح به في صدر الكتاب- من جهة أخرى، قد جعل من هذا العمل رواية تعليمية، ولم يقف بها عند مرحلة البذور الأولى التي وضعها أستاذه الطهطاوي، وقد كان من مظاهر الخيالية والروائية، ومحاولة البعد عن جو الكتاب التعليمي، تسمية المؤلف لكل فصل من الكتاب باسم "مسامرة".
غير أن عمل علي مبارك مع ذلك ليس رواية ناضجة، وذلك لغلبة الجانب العلمي عليه، ولشيوع الجفاف فيه، ثم لعدم التزامه للمقاييس الروائية، وذلك أن المؤلف كثيرًا ما يقدم المعارف والعلوم في هذا العمل ناسيًا أنه يحكي ويقص، وناسيًا أنه وعد بتقديم ما سيقدم في إطار حكاية، ثم هو كثيرًا ما يقطع تسلسل القص لينتهز فرصة -أي فرصة- لحشد المعلومات، وهو أيضًا يجري الأحاديث على ألسنة الشخصيات دون مراعاة لطبيعة هذه الشخصيات، ولا لثقافتها. وأخيرًا هو لا يعني بالتشويق، ولا يلتفت أصلًا إلى العنصر الغرامي -مما تتميز به الرواية التعليمية بصفة خاصة-، ولا يهتم كثيرًا برونق الأسلوب1.
ومن هنا يضعف العنصر الروائي، ويبعد الكتاب عن مقومات الفن، ويعد -في أحسن الاحتمالات- رواية تعليمية غير ناضجة، ومع ذلك فعلي مبارك رائد في هذا اللون من ألوان الرواية الذي يهدف إلى التعليم والمقارنة، ولكتابة فضل السبق على تلك الأعمال التي ستظهر أكثر نضجًا وفنًّا في الفترات التالية..
يقول علي مبارك: ".. وقد رأيت النفوس كثيرًا ما تميل إلى السير والقصص وملح الكلام، بخلاف الفنون البحتة، والعلوم المحضة، فقد تعرض عنها في كثير من الأحيان، لا سيما عند السآمة والملال من كثرة الأشغال،
1 المصدر السابق ص64-66.
وفي أوقات عدم خلو البال، فحداني هذا أيام نظارتي لديوان المعارف، إلى عمل كتاب أضمنه كثيرًا من الفوائد، في أسلوب حكاية لطيفة ينشط الناظر إلى مطالعتها، ويجد فيها رغبته فيما كان من هذا القبيل، فيجد في طريقه تلك الفوائد، ينالها عفوًا بلا عناء، حرصًا على تعميم الفائدة وبث المنفعة، فجاء كتابًا جامعًا، اشتمل على غرر الفوائد المتفرقة في كثير من الكتب العربية والإفرنجية، في العلوم الشرعية، والفنون الصناعية، وغرائب المخلوقات وعجائب البر والبحر.. مفرغًا في قالب سياحة عالم مصري، وُسِمَ "بعلم الدين" مع رجل إنجليزي، كلاهما هيان بن بيان، نظمهما سمط الحديث، لتأتي المقارنة بين الأحوال المشرقية والأوروبية1".
هذا وبالإضافة إلى فضل الريادة التي ينسب إلى عمل علي مبارك في ميدان الرواية التعليمية بخاصة، ينسب إليه كذلك فضل الإسهام في لفت الأنظار إلى الفن القصصي بعامة.
وفي مجال لفت النظر إلى هذا الفن، وتشجيع الأقلام على تناوله، وتشجيع القراء على الشغف به، يذكر بعض من ترجموا أعمالًا روائية كبيرة في تلك الفترة، وفي طليعة هؤلاء، يأتي اسم محمد عثمان جلال، الذي ترجم رواية "بول وفرجيني" للكاتب الفرنسي "برناردين دي سان بيير"، وقد عرب محمد عثمان جلال هذه الرواية، وسماها باسم عربي هو "الأماني والمنة في حديث قبول وورد جنة"، بل إنه قد تصرف فيها بما يتلاءم مع الجو العربي، والذوق العربي والقارئ العربي. وبلغ من هذا التصرف، أن جعل لغتها السجع، بل أنطق بعض أبطالها بالشعر العربي الفصيح، وعلى الرغم من أن مثل تلك الترجمة أو مثل هذا التعريب، مما لا يعد من الأعمال الفنية الدقيقة، فإن ما قام به محمد عثمان جلال -رغم عيوبه- قد كان من ألوان النشاط الروائي الفعال الذي أسهم في نقل هذا النوع الأدبي الغربي إلى الأدب المصري الحديث.
1 انظر: علم الدين لعلي مبارك ص6-8.