المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ غلبة التيار الفكري الغربي: - تطور الأدب الحديث في مصر

[أحمد هيكل]

فهرس الكتاب

- ‌محتويات الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: فترة اليقظة

- ‌أهم أسباب اليقظة

- ‌أسلحة علمية للحملة الفرنسية

- ‌ أول الاتصال الفعلي بالثقافة الحديثة:

- ‌الأدب وأولى محاولات التجديد

- ‌الشعر

- ‌ النثر:

- ‌الفصل الثاني: فترة الوعي

- ‌أبرز عوامل الوعي

- ‌اشتداد الصلة بالثقافة الحديثة

- ‌ إحياء التراث العربي:

- ‌ مؤسسات سياسية ومجالات ثقافية:

- ‌ الثورة الأولى:

- ‌الأدب وحركة الإحياء

- ‌أولا: الشعر

- ‌الاتجاه التقليدي وبعض لمحات التجديد

- ‌ ظهور الاتجاه المحافظ البياني:

- ‌ثانيًا: النثر

- ‌ الكتابة الإخوانية، واتجاهها إلى التقليد:

- ‌ الكتابة الديوانية وميلها إلى الترسل:

- ‌ المقالة ونشأتها:

- ‌ الخطابة وانتعاشها:

- ‌ الرواية ونشأة اللون التعليمي:

- ‌ المسرحية وميلادها:

- ‌ كتب الأدب وتجددها:

- ‌الفصل الثالث: فترة النضال

- ‌حوافز النضال واتجاهاته:

- ‌ من جرائم الاحتلال البريطاني:

- ‌ مراحل النضال وطرائقه:

- ‌ بعض معالم النضال المشرقة:

- ‌الأدب بين المحافظة والتجديد

- ‌أولا: الشعر

- ‌سيطرة الاتجاه المحافظ البياني

- ‌ ظهور الاتجاه التجديدي الذهني:

- ‌ثانيًا: النثر

- ‌ المقالة وظهور أول طريقة فنية للنثر الحديث:

- ‌ الخطابة ونشاطها:

- ‌ القصص بين استلهام التراث، ومحاكاة أدب الغرب:

- ‌ المسرحية وأولية الأدب المسرحي:

- ‌الفصل الرابع: فترة الصراع

- ‌دوافع الصراع ومجالاته

- ‌بين الروح الوطنية والانحرافات الحزبية

- ‌ بين نشوة النصر، ومرارة النكسة:

- ‌ نمو الحياة الثقافية:

- ‌ غلبة التيار الفكري الغربي:

- ‌الأدب وغلبة الاتجاه التجديدي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الشعر

- ‌ تجمد الاتجاه المحافظ البياني:

- ‌ انحسار الاتجاه التجديدي الذهني:

- ‌ ظهور الاتجاه الابتداعي العاطفي:

- ‌ثانيا: النثر

- ‌مدخل

- ‌المقالة وتميز الأساليب الفنية

- ‌ الخطابة وازدهارها:

- ‌ القصص واستقرار اللون الفني:

- ‌ المسرحية وتأصيل الأدب المسرحي:

- ‌مراجع الكتاب

- ‌المراجع العربية

- ‌المراجع الأجنبية

الفصل: ‌ غلبة التيار الفكري الغربي:

المحطات الأهلية المحلية؛ ما لبث أن خضع لإشراف الدولة1، واهتم بالمواد الثقافية عن طريق البرامج، والأحاديث، والتمثيليات، بل تجاوز ذلك إلى الاهتمام بالمواد الأدبية الخالصة كالأشعار، والقصص والنقد، مما كان له أثر في الحياة الثقافية بعامة، وفي الحياة الأدبية بخاصة.

1 وجدت محطات إرسال وإذاعات ساذجة قبيل سنة 1932، وكان يديرها بعض تجار أجهزة الراديو، ثم أصبحت الإذاعة تحت إشراف الدولة في مايو سنة 1934، وكانت تديرها شركة ماركوني تحت إشراف وزارة الداخلية حينًا، وتحت إشراف وزارة المواصلات حينًا، وتحت إشراف وزارة الشئون في بعض الأحايين، ثم أنهت الحكومة المصرية عقدها مع شركة ماركوني وصيرت الإذاعة جهازًا مصريًا لحمًا ودمًا منذ يومًا سنة 1947.

ص: 248

4-

‌ غلبة التيار الفكري الغربي:

شهدت تلك الفترة تحولًا خطيرًا في الحياة الفكرية، وقد تمثل هذا التحول في تغلب التيار الفكري المتجه إلى الغرب، والمستدبر للشرق، والقائم أولًا على الشعور الوطني لا الإسلامي ولا العربي، والمهتم ثانيًا بالارتباط بالواقع المحلي، واتخاذ الغرب مثلًا أعلى لترقية هذا الواقع والنهوض به، ثم المبتعد آخر الأمر على التراث وتمجيده1.

وقد كان هناك أسباب عديدة دفعت بهذا الاتجاه الفكري إلى الأمام، بعد أن كان في الفترة السابقة يأتي في المحل الثاني، ويكاد ينحصر تفوقه في المجال السياسي والإصلاحي فحسب، مع ترك التفوق في المجال الفكري والأدبي للاتجاه المحافظ المؤمن أساسًا بالفكرة الإسلامية، والمتجه ابتداء إلى تطوير الحاضر بالاتكاء على أمجاد الماضي، وعدم الافتتان بكل ما هو غربي2.

1 اقرأ ما ورد عن هذا التيار في الفصل السابق، المقال 2- مراحل النضال وطرائقه

وانظر مراجع هذا المقال.

2 اقرأ ما ورد عن هذا التيار في الفصل السابق، المقال -مراحل للنضال وطرائقه، وانظر مراجع هذا المقال.

ص: 248

أما أهم تلك الأسباب التي جعلت من الاتجاه الغربي اتجاهًا رئيسيًا متفوقًا، ودفعت به إلى الأمام في المجال الفكري والأدبي، فأهمها: تلك الروح التي خلفتها الحرب العالمية الأولى، ومن بعدها ثورة سنة 1919؛ فشأن الحروب والثورات أن تزلزل القيم، وتدعو إلى التغيير، وتدفع إلى التطلع نحو الجديد.

كذلك كان من أهم الأسباب، هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، واتضاح فشل فكرة الخلافة والجامعة الإسلامية، بقيام ثائرين في تركيا نفسها، يلغون الخلافة، ويرفضون الجامعة الإسلامية، وينادون بفكرة الوطنية المحلية1؛ الأمر الذي شجع على تبني الفكرة نفسها في مصر، بل على ظهور كتاب جريء، يقرر أن الخلافة ليست شكلًا حتميًّا للحكم يفرضه الإسلام، وهو كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق، أحد كتاب جريدة السياسية2.

ثم كان من أهم أسباب تفوق هذا الاتجاه كذلك، ازدياد الاتصال بالغرب في المجال الفكري بسبب عودة طائفة من الدارسين في أوروبا إلى مصر، ممن كانوا يؤمنون بهذا الاتجاه الغربي ويروجون له، من أمثال محمد حسين هيكل، ومحمود عزمي وطه حسين.

كما كان من أسباب تفوق هذا الاتجاه، سيطرة روح حزب الأمة على الحياة في تلك الفترة؛ فذلك الحزب الذي أسس ذلك الاتجاه في الفترة السابقة، قد تحول في هذه الفترة أولًا إلى الوفد، حين اشترك أعلامه في تبني القضية الوطنية تحت اسم "الوفد المصري" بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى3،

1 انظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد حسين جـ2 ص128 وما بعدها.

2 لمعرفة تفاصيل عن قضية هذا الكتاب اقرأ: في أعقاب الثورة المصرية لعبد الرحمن الرافعي جـ1 ص226-228. واقرأ المنار، م26 جـ3 ص612-217 وجـ5 ص363-391.

3 انظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد حسين جـ2 ص129، وثورة سنة 1919 لعبد الرحمن الرافعي جـ1 ص75.

ص: 249

ثم تفرع عن هذا الحزب، حزب "الأحرار الدستوريين" مؤلفًا من الخارجين من الوفد، والمعارضين لسياسة سعد زغلول رئيس الوفد1، وهكذا جاء حزب "الوفد" وحزب "الأحرار" امتداد لحزب الأمة، حيث كان على رأس الأول سعد زغلول، المناصر في الفترة السابقة لذلك الحزب، والمؤازر لمفكرة لطفي السيد، كما كان على رأس الثاني عدلي يكن، ثم عبد العزيز فهمي، ثم محمد محمود، وكلهم ربيب حزب الأمة، بل إن ثالثهم كان ابن الرئيس الأول لذاك الحزب2.

وبرغم أن حزب "الوفد" كان في عهوده الأولى يقود القوى الشعبية، ويمثلها من الناحية السياسية إلى حد كبير، قد كان في المجال الفكري كحزب "الأحرار" يمثل روح حزب الأمة، من حيث الاتجاه إلى الغرب واستدبار الشرق، ومن حيث الاعتماد أساسًا على فكرة الوطنية المحلية، وعدم الاتساع بها إلى فكرة القومية العربية، أو الجامعة الإسلامية.

وقد ساعد على ذلك استخدام هذين الحزبين الرئيسيين -اللذين يمثلان هذا الاتجاه الفكري- لطائفة من الكتاب الكبار، الذين كانوا في جملتهم من أصحاب هذا الاتجاه3.

1 انظر: في أعقاب الثورة المصرية لعبد الرحمن الرافعي جـ1 ص68.

2 انظر: ثورة سنة 1919 جـ1 ص75، وفي أعقاب الثورة المصرية جـ1 ص68، والاتجاهات الوطنية جـ2 ص129 "هامش".

3 كان من صحف الوفد: "البلاغ" و"البلاغ الأسبوعي" و"كوكب الشرق"، وكان من صحف الأحرار:"السياسة"، و"السياسة الأسبوعية"، وكان من كتاب الوفد في أوائل تلك الفترة: عباس العقاد وسلامة موسى، كما كان من كتاب الأحرار في أوائل تلك الفترة: هيكل وطه حسين. وقد ظل العقاد كاتب الوفد الأولى حتى سنة 1935، حين هاجم وزارة توفيق نسيم لعدم إعادتها للدستور، الذي يحقق آمال البلاد، فغضب مصطفى النحاس لهجوم العقاد على نسيم الذي كان في نظر النحاس تمهيدًا لعودة الوفد إلى الحكم، وإزاء إصرار العقاد على مهاجمة نسيم فصله الوفد "انظر: العقاد دراسة وتحية ص65، وما بعدها".

أما طه حسين فقد ظل مواليًا للأحرار، حتى سنة 1932 حين أخرجه صدقي من الجامعة، وكان الوفديون والأحرار متضامنين لمحاربة صدقي، فأخذ طه حسين يكتب في صحف الوفد باسم هذا التضامن أولًا، وما زال يقرب من الوفد حتى لم يعد مع الأحرار حين فضوا التضامن، بل حتى صار وزيرًا في وزارة الوفد بعد ذلك بسنوات.

"انظر: مجلة الهلال -أول فبراير سنة 1966 ص 161 و"طه حسين الكاتب والشاعر"، لمحمد السيد كيلاني".

ص: 250

وقد بدأ هذا الاتجاه حادًّا في السنوات العشر الأولى من سني هذه الفترة، ومثل ما يشبه المراهقة الفكرية، أو الحيرة "الأيديلوجية" التي تبحث عن المثل في عصبية واندفاع، فتخطئه كثيرًا، ولا تكاد ترى وجه الحق إلا بعد جهد، ومن هنا دعا أصحاب هذا الاتجاه إلى خلق الأدب القومي1، كما دعوا إلى استلهام الماضي الفرعوني2، ونادوا باتباع الغرب حينًا3، وبالارتباط بشعوب البحر الأبيض حينًا آخر4.

ثم بدأ أصحاب هذا الاتجاه يهدئون من ثورتهم، ويعدلون من خطتهم، بل بدأوا يقربون كثيرًا من نقطة الإشراق في الماضي العربي الإسلامي، ويخففون من اندفاعهم نحو كل ما هو غربي، فبدأ الدكتور محمد حسين هيكل، الذي احتضن دعوة الفرعونية حينًا، ودعوة الأدب القومي حينًا آخر، والذي جعل الغرب، وقيمه ورجالاته مثلًا أعلى في بعض الأحايين5؛ بدأ يكتب عن "حياة

1 قام بهذه الدعوة طائفة من كتاب السياسة الأسبوعية "وفي مقدمتهم، هيكل، "انظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر جـ2 ص137 وما بعدها". وانظر: "في أوقات الفراغ" و"ثورة الأدب" للدكتور محمد حسين هيكل.

2 تزعمت صحيفة "السياسة الأسبوعية" كذلك هذا الاتجاه الذي تبناه الدكتور محمد حسين هيكل أيضًا فترة من حياته، قبل أن يتحول إلى الاتجاه الإسلامي. "انظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد حسين جـ2 ص135 وما بعدها".

3 كتب في ذلك كثيرون مثل طه حسين، ومحمود عزمي وهيكل. "انظر: أعداد السياسة الأسبوعية منذ سنة 1926".

4 كتب في ذلك طه حسين، وبسط فكرته عن هذا الموضوع في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر".

5 لقد كتب في أول عهده عن "جاك جاك رسو"، حيث أخرج عنه كتابًا في جزأين، الأول سنة 1921، والثاني سنة 1923، كما كتب عن آخرين من قادة الفكر الغربي مثل:"أناتول فرانس"، و"بيرلوتي" اللذين كتب عنهما في كتابه "في أوقات الفراغ" الذي ظهر سنة 1925.

ص: 251

محمد1"، ويهيم في "منزل الوحي2"، كما بدأ الدكتور طه حسين يحوم "على هامش السيرة3"، وإن بقي سنوات بعد ذلك أكثر من صاحبه افتنانًا بالغرب وإيمانًا به4، ثم تبعهما -بعد سنوات- الأستاذ عباس العقاد، فشرع يجلو العبقريات الإسلامية، ويتغنى بالحضارة العربية، ويزداد إيمانًا بتلك الحضارة وأعلامها على مر السنين5.

أما الاتجاه المحافظ الذي كان له السبق في المجال الفكري خلال الفترة السابقة، فقد أصبح في المحال الثاني، وراحت فكرته السياسية تتطور رويدًا رويدًا لتحل فكرة الجامعة العربية محل فكرة الجامعة الإسلامية6، كما راح يقاوم بعنف دعوات أصحاب الاتجاه الأول، ويخوض معهم صراعًا فكريًّا7، تؤججه السياسة والحزبية، والصحافة في كثير من الأحايين8، لكنه استطاع آخر الأمر، أن يحد من غلواء أصحاب الاتجاه الغربي، بل

1 بدأ يكتب عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مقالات في: "السياسة الأسبوعية" منذ سنة 1932، وأخرج كتابه حياة محمد سنة 1935.

2 أظهر هذا الكتاب سنة 1936 بعد أن زار الأراضي المقدسة.

3 بدأ طه حسين ينشر هذا الكتاب مقالات في "الرسالة" سنة 1933، ثم أخرجه كتابًا بعد ذلك.

4 تمثل في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" الذي صدر سنة 1938.

5 بدأ العقاد يكتب "العبقريات"، والتراجم والدراسات الإسلامية منذ سنة 1942 حين أصدر "عبقرية محمد".

6 انظر: في تطور فكرة الجامعة العربية: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد حسين جـ2 ص88 وما بعدها.

7 اقرأ صورة من هذا الصراع في كتاب: "المعركة بين القديم والجديد" لمصطفى صادق الرافعي.

8 مما يصور ذلك مثلًا أن ردود الرافعي على طه حسين حول "الشعر الجاهلي" نشرت في كوكب الشرق، لسان حال الوفد، نظرًا لدفاع "السياسة" عن طه حسين، وهي لسان حال الأحرار.

ص: 252

استطاع أن يكسب نفرًا من قادتهم، لا في جانب المحافظة والاتجاه إلى الماضي والإيمان بالجامعة الإسلامية، بل في جالنب الاعتدال والإنصاف، والإيمان بروائع التراث العربي، وأمجاد الماضي الإسلامي، حتى كفروا أخيرًا بما دعوا إليه أولًا من محلية ضيقة، وفرعونية منصرمة، وفرنجة تابعة1.

وإذا كان هيكل وطه حسين والعقاد يمثلون الاتجاه الغربي، في حدته أولًا ثم في اعتداله أخيرًا، فإن الرافعي وعزام والزيات2 يمثلون الاتجاه المحافظ،

1 لقد عبر الدكتور محمد حسين هيكل عن العودة إلى الاعتدال والإنصاف، في مقدمة كتابه "في منزل الوحي".

2 المراد مصطفى صادق الرافعي، وعبد الوهاب عزام، وأحمد حسن الزيات.

أما الرافعي، فقد ولد في بهتيم من قرى القليوبية سنة 1880، ونشأ بطنطا حيث كان يعمل والده، وتنقل معه في دمنهور والمنصورة، فتعلم بمدرسة دمنهور الابتدائية، والمنصورة الابتدائية، التي نال منها شهادته، ثم أصيب بالصمم في تلك المرحلة، وقعدت به تلك العاهة عن مواصلة الدراسة الرسمية، فتفرغ للدراسة الحرة والتثقيف الذاتي، وعمل كاتبًا بمحكمة طلخا الشرعية سنة 1899، ثم نقل إلى إيتاي البارود، فطنطا حيث ظل كاتبا بمحكمتها إلى آخر حياته، ولم يتجاوز الدرجة السادسة، ثم توفي سنة 1937، ودفن بطنطا. "اقرأ عنه في "حياة الرافعي" لسعيد العريان".

وأما عزام فقد ولد في بلدة الشوبك بالجيزة في أول أغسطس سنة 1895، وتعلم بالأزهر والقضاء الشرعي، واشتغل مدرسًا في كليات الشريعة واللغة العربية والآداب، وقد كان قد أوفد إمامًا في سفارة مصر بلندن، فاستغل وجوده في إنجلترا في تعلم الإنجليزية، وإعداد رسالته لنيل الدكتوراه، وكان موضوع رسالته "الشاهنامة"، وله رحلات كثيرة إلى تركيا والحجاز والعراق بالشرق، وإلى لندن وبروكسيل في الغرب، وقد عمل سفيرًا لمصر بالمملكة السعودية، وتوفي سنة 1958، "اقرأ عنه في: النثر العربي المعاصر لأنور الجندي ص725 وما بعدها".

وأما الزيات، فقد ولد في قرية كفر دميرة القديمة مركز طلخا سنة 1885، وتلقى علومه في الأزهر عشر سنين، ثم انتقل إلى الجامعة القديمة، ثم علم في الفرير، حيث تعلم الفرنسية، ثم دخل مدرسة الحقوق الفرنسية، وأدى امتحانها في باريس، ثم عمل رئيسًا لقسم اللغة العربية في الجامعة الأمريكية في القاهرة سنة 1925، ثم عين أستاذًا للأدب العربي في المعلمين العالية ببغداد سنة 1929، ثم عاد من العراق سنة 1932، وأصدر الرسالة سنة 1933، ثم عين رئيسًا لتحرير مجلة الأزهر، ثم مجلة الرسالة التي أصدرتها وزارة الثقافة، ونال جائزة الدولة التقديرية سنة 1963، وظل عضوًا بالمجمع اللغوي، والمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، إلى أن توفي سنة 1968 "اقرأ عنه في: النثر العربي ص655 وما بعدها".

ص: 253

في صراعه من أجل الفكرة الإسلامية والتراث العربي، وفي انتصاره بعد ذلك في ترويض المندفعين، وحملهم على كثير من الاعتدال.

وهكذا أصبح التيار الفكري الرئيسي هو التيار العربي المعتدل، المؤمن بالفكر الغربي، واتخاذه مثلًا أعلى مع الالتفات إلى مواطن الإشراق في الماضي العربي والإسلامي، ومحاولة الإفادة من تلك المواطن ما أمكن، ووراء هذا التيار يأتي تيار أقل قوة منه، وهو التيار المحافظ المؤمن بالفكر العربي الإسلامي، واتخاذه فلسفة ومذهبًا بل حمى يذاد عنه ويحارب من أجله، هذا مع التسليم ببعض جوانب الخير في الحضارة الغربية، ومحاولة الانتفاع بها ولكن بحذر.

ووراء هذين التيارين وجد تيار ثالث كان في تلك الفترة أضعف من التيارين السابقين، ولكنه كان ذا أثر في الحياة الفكرية لا يخفى. هذا التيار، هو التيار الغربي المتطرف، الذي كان يؤمن بالغرب وماديته إيمانًا مطلقًا، ولا يرى في الشرق، وروحانيته شيئًا يستحق أن يؤخذ به، وقد تحمس هذا الاتجاه المتطرف لكل الدعوات التي دعا إليها الاتجاه الغربي، وزاد عليها تطرفًا وصل أحيانًا إلى حد الهدم، ومن ذلك الدعوة إلى احلال اللغة العامية محل اللغة الفصحى. وكان يمثل هذا الاتجاه سلامة موسى1، وإذا جاز أن نطلق على الاتجاه الأول الاتجاه الحضاري، وعلى الثاني الاتجاه الروحي، أمكن أن نطلق على الاتجاه الثالث الاتجاه المادي، فقد كان التفكير المادي بخاصة أساس الاتجاه الأخير2.

1 اقرأ مثالًا من كتابات سلامة موسى حول إحلال العامية محل الفصحى في: مجلة الهلال عدد يولية سنة 1926. واقرأ بعض آرائه في العربية والعرب في كتابه: "البلاغة العصرية"، وكتابه "اليوم والغد"، واقرأ تفصيل تاريخ الدعوة إلى العامية، وما لها من أصول استعمارية في كتاب الدكتورة نفوسة زكريا "تاريخ الدعوة إلى العامية وأثرها في مصر"، واقرأ عرضًا للموضوع نفسه في مقال الأستاذ محمود شاكر في الرسالة العدد 105 الصادر في 7 يناير سنة 1965.

2 لقد عنى سلامة موسى بترجمة آراء "ماركس" و"دارون" و"فرويد"، وكان من المبشرين دائمًا بالاتجاهات المادية، والمناهضين للاتجاهات الروحية، وقد ولد =

ص: 254

وقد عاشت هذه الاتجاهات الثلاثة في الحياة الفكرية خلال تلك الفترة، وأثرت في أدبها تأثيرًا يختلف وضوحًا وخفاء، أو قوة وضعفًا، تبعًا لما كان لكل اتجاه من قوة ونفوذ، أو تبعًا لما كان لكل من ظروف ملائمة وأرض ميهأة، وسوف نرى ذلك كله حين يكون الحديث عن الأدب إن شاء الله، حيث نرى ابتداء أن أبرز نتاج، وأكثره وأهمه كما وكيفًا، هو الذي خلفه زعماء الاتجاه الأول، من أمثال هيكل وطه حسين والعقاد، كما أن النتاج الذي يليه هو نتاج زعماء الاتجاه الثاني، من أمثال الرافعي والزيات وعزام، وأخيرًا يأتي في نتاج الاتجاه المادي المتطرف الذي يتزعمه سلامة موسى، وهذا اللون الأخير برغم فاعليته وتأثيره في جيل تال، لا يعد عنه العبض نتاجًا أدبيًّا بقدر ما يعد كتابة إصلاحية، وفصولًا فكرية ومقالات صحفية.

= سلامة موسى بإحدى قرى الشرقية سنة 1877، وتعلم في المراحل الأولى بمصر، ثم سافر إلى أوروبا سنة 1908، وقضى مدة بين فرنسا، وإنجلترا، ثم عاد إلى مصر سنة 1913، متأثرًا أكثر بالثقافة الإنجليزية، واشتغل بالصحافة، فكتب في الهلال والبلاغ وغيرهما، ثم أنشأ المجلة الجديدة سنة 1929.

وكان أول من ترجم التفسير المادي للتاريخ لماركس إلى العربية، وتوفي سنة 1958. اقرأ عنه في: النثر العربي المعاصر لأنور الجندي ص364 وما بعدها، واقرأ عن تزعمه للجناح الغربي المتطرف كلام "جيب" في كتابه: Studies on the Civilization of Islam، pp. 284-285

ص: 255