الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا القسم الثاني وهو الخفي يقال له المدلس بفتح اللام سمي بذلك لكون الراوي لم يسم من حدثه وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدثه واشتقاقه من الدلس بالتحريك وهو اختلاط الظلام لاشتراكهما في الخفاء ولما كان قد يرد المدلس بصيغة من الصيغ التي توهم اللقاء نحو عن وقال أشرنا إليه بما سمعته قال الحافظ ومتى وقع بصيغة صريحة كان كذبا وحكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلا أن لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث على الأصح
…
[مسألة المرسل الخفي:]
قد بيناه بقولنا:
(55)
والمرسل الخافي من معاصر
…
لم يلق من عاصره فذاكر
فهذا هو المرسل الخفي وهو ما رواه عن معاصر لم يقع له لقاءه بل بينه وبينه واسطة قال الحافظ والفرق بين المدلس والمرسل الخفي دقيق يحصل تحريره بما ذكرنا هنا وهو أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاءه إياه فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقيا لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه والصواب التفرقة بينهما ثم قال ويعرف عدم الملاقاة بإخباره عن نفسه بذلك أو بجزم إمام مطلع ولا يكفي أن تقع في بعض الطرق زيادة راو بينهما لاحتمال أن يكون من المزيد ولا يحكم في هذه الصورة بحكم كلي لتعارض احتمال الاتصال والانقطاع انتهى
وقال السيد محمد بعد هذا وكذلك اشترط البخاري تحقق اللقاء أي لمن روى عن المعاصرين حتى يؤمن الانقطاع واكتفى مسلم بعدم العلم بانتفائه أي اللقاء فإنه إذا كان معاصرا له وروى عنه دل عنده أنه قد اتفق به إذ حمل الثقة على السلامة أولى انتهى مع تفكيك عبارته وأبسط منه ما في التقريب وشرحه قال وفي اشتراط ثبوت اللقاء وعدم الاكتفاء بإمكانه وطول الصحبة وعدم الاكتفاء بثبوت اللقاء ومعرفته بالرواية عنه وعدم الاكتفاء بالصحبة خلاف منهم من لم يشترط شيئا من ذلك واكتفى بإمكان اللقاء وعبر عنه بالمعاصرة وهو مذهب مسلم بن الحجاج وادعى فيه الإجماع ومنهم من شرط اللقاء وحده وهو قول البخاري وابن المديني والمحققين ومنهم من شرط طول الصحبة بينهما ولم يكتف بثبوت اللقاء وهو أبو المظفر السمعاني ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه وهو أبو عمرو الداني انتهى قلت وقد بسطنا القول في هذا في شرح التنقيح واعلم أنها سبقت إشارة إلى قبول المرسل ورده وقد أشار السيد محمد في مختصره إلى أدلة قبوله ومراده ما يشمل المعضل وغيره فقال ولقابليه أدلة الأول إجماع الصحابة والخصم لا ينازع في قبوله يريد فإنه لا يرسل الصحابي إلا عن صحابي مثله والصحابة عدول ويمنع أي الخصم القياس عليه أي على قبول مرسل الصحابة بإبداء الفارق بين الصحابة ومن بعدهم وهو أي الفارق غلبة الديانة في الصحابة وورود الثناء عليهم كتابا وسنة وهو أي الفارق صحيح فبطل القياس الثاني من أدلة قابلي المرسل إجماع التابعين على قبوله كما نقله محمد بن جرير وقدمنا كلامه ومنع المخالف الذي لا يقبل المرسل صحته أي إجماع التابعين لأنه سكوتي فإن غايته أنه قبله البعض وسكت البعض والسكوت لا يدل على أن الساكت قائل بصحة ما قاله غيره لأن
المسألة ظنية أي مسألة قبول المرسل ولا يجب النكير فيها فلا يعلم موافقة الساكت بوجه إذ الظنيات لا نكير فيها فسكوته لا يدل على قوله بقبوله ولا قائل بأن هذا الإجماع قولي بل هو سكوتي قطعا ولأنا لا نسلم إجماع التابعين لثبوت الخلاف فيه عن محمد بن سيرين والزهري فإنهما لا يقبلانه فأين الإجماع وهما من أئمة التابعين ولو سلم فهو خاص بالتابعين ولا يصح قياس غيرهم عليهم لوجود الفارق كالصحابة أي كوجود الفارق بين الصحابة وغيرهم والفارق هنا بين التابعين وغيرهم ثبوت أنهم من خير القرون كما ثبت به الحديث وقد ذكر المنصور بالله أنه لا يسأل عن عدالة ثلاثة قرون وأن ذلك معلوم لأهل الفقه ولا يقال يقاس عليهم من هو مثلهم في العدالة لأن القصد ظن عدالة الوسائط الساقطة قالوا أي قابلوا المرسل الإرسال المجزوم بمنزلة التعديل المطلق وقد قال الجويني والباقلاني إنه يحرم أي الجزم في مواضع الخلاف على العالم والجواب عن هذا من وجوه الأول أنه مخبر عن اعتقاده لا عن الأمة ولذا لم تحل حكاية الإجماع بأن يقول إجماعا لأنها حكاية عن نفسه فلا تدليس منه إلا لو قالوا إجماعا
الثاني من الأجوبة أنه قد لا يعلم الخلاف في المسألة فلا يلزم أنه تدليس الثالث من الأجوبة أن تحريم الإرسال أو التعديل المطلق عليه ظني فيجوز أن يخالفه الرابع من الأجوبة أنه يلزم مثل ذلك في جميع مواضع الخلاف كالرواية بالمعنى فإن فيها خلافا والفتوى فيلزم أن تحرم الرواية بالمعنى والفتوى لأنها رواية بالمعنى ولا يقولون به الخامس من الأجوبة أنه يلزمه أي المانع أن لا يقبل إلا مرسل العالم بمواضع الخلاف لأنه الذي يصدق عليه ما ذكرتم والحق أن عادات العلماء والثقات قد اختلفت في ذلك بالتجربة بتجربتنا لطرائقهم في ذلك فتكون العادة متبعة في ذلك فمن عرفت عادته بشيء أقيم عليها دون مجرد الاحتمال من غير عادة يريد أن احتمال سقوط عدالة الساقط لا تقابل ما علم من اعتقاد اختلاف العلماء في قبول ذلك المرسل لأنه أي الاحتمال لا يحصل به ظن مع العلم باختلافهم في ذلك والله أعلم الثالث من أدلة قابلي المرسل تناول أدلة قبول الآحاد التي قدمناها للمرسل لأنه داخل في الآحاد وأجيب بالمنع أي بمنع جعل المرسل من الآحاد في السمعيات فإن الأدلة السمعية إنما دلت على قبول الصدر الأول من الصحابة والتابعين دون غيرهم وأما الدليل العقلي فمن اعتقد صحته أي صحة
الاستدلال بالعقل على قبول الآحاد لزمه قبول ما أفاد الظن من المراسيل والظاهر أن ما أفاد الظن أوجب العمل به ولذلك أجمعوا على قبول مراسيل الصحابة وقال الجمهور بصحة تعاليق البخاري المجزوم بها وكأن من أوجب الإسناد يرى وجوب طلب الظن الأقوى ومن قبل المرسل يكتفي لمجرد الظن بهذا القوي عند حصول الظن الرابع من أدلة القابلين حمل الراوي على السلامة موجب قبول مرسله ونكتة الجواب أن طريق المرسل أي الشخص المرسل إلى اعتقاد صحة ما أرسله ظني اجتهادي والتقليد في الاجتهاديات محرم على المجتهدين إلا عند الضرورة أي وقبول المراسيل تقليد لمرسلها وهو محرم على المجتهد كالجرح والتعديل وإنما وجب قبول الخبر أي من الراوي لأنه نقل لا اجتهاد له فيه بل هو ناقل عن غيره ولذلك يترك الاجتهاد للخبر وقد علمت من هذا الجواب حجة من أوجب الإسناد ولهم أي الذين أوجبوا الإسناد أيضا أن قبوله أي المرسل يستلزم قبول مرسل من يقبل المجاهيل أي وهو منكر أشد الإنكار وقبول سائر المختلف فيهم لأن قابل المرسل لا يدري من سقط بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال السيد محمد وقد يسند بعض الأئمة محيلا للغير على النظر في الإسناد فيذهب بعض من أتباعه أو غيرهم إلى أن روايته إلى من أسند الحديث إليهم يقضي بصحة الحديث عنده وتعديله لرجال إسناده فيحذف الأسانيد اختصارا ويرسل الحديث بصيغة الجزم وهذا مذهب بعض أصحاب الشافعي أن الرواية عن الرجل تقتضي تعديله وعليه عمل بعض مصنفي الزيدية كأنه يريد أحمد بن سليمان وصاحب الشفا والمهدي