الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحقيقه أن الحمد (لله) لا يتصور فيه جهة كذب أصلا لأنه دائما مطابق للواقع -"والوضاع" مثله في نكتة المبالغة وفي البيت، الإشارة إلى ما يتضمنه التأليف.
(3)
ثم صلاة الله تغشى أحمدا
…
وآله وصحبه أهل التقى
أردف الثناء على الله تعالى بالدعاء لرسوله صلى الله عليه وسلم وأتى بحرف الترتيب للإشارة إلى تقديم الحمد على ذلك، لأن المشروع البداية بالثناء على الله لحديث:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه" الحديث. والعطف للجملة (الخبرية) الاسمية على الخبرية الفعلية وهما خبريتان لفظا إنشائيتان معنى كما قال القاضي زكريا: إن المقصود بها إيجاد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما أن المقصود بالأولى إيجاد الثناء على الله تعالى. وفسر القاضي زكريا الصلاة بالرحمة وهو تابع لغيره ممن فسرها بذلك وقال ابن القيم: إنه ضعيف كالقول بأن صلاة الله مغفرته، وهو رواية عن الضحاك. (ووجه ضعفه) الأول: أنه تعالى عطف الرحمة على الصلاة في قوله: (ألئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) والأصل فيه المغايرة وإن وقع خلافه فنادر (شاذ)(و) لا يحمل عليه أفصح الكلام.
والثاني: أن صلاته تعالى خاصة بأنبيائه ورسله والمؤمنين وأما رحمته فوسعت كل شيء فليست مرادفة لها، لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها فمن فسرها بالرحمة فهو: تفسير ببعض ثمراتها. (و) الثالث: أنه لا خلاف في جواز الترحم على المؤمنين بخلاف الصلاة على غير الأنبياء ففي جوازها خلاف على ثلاثة أقوال. الرابع: أنها لو كانت الرحمة بمعناها لقامت مقامها في امتثال الأمر وأسقطت الوجوب عند من قال بوجوبها، إذا قال:"اللهم ارحم محمدا " وليس كذلك وعد خمسة عشر وجها في رد القول: بأن الصلاة الرحمة هنا، واختار أنها ثناء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم والعناية به، وإظهار شرفه، وفضله، وحرمته. وذكر البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال:" صلاة الله على رسوله ثناءه عليه عند الملائكة". وقوله تغشى أحمدا هو اسم علم له صلى الله عليه وسلم كما قال عيسى - روح الله وكلمته - (ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد) وكما ثبت في حديث جبير بن مطعم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن لي أسماء أنا محمد (وأنا) أحمد (وأنا) الماحي الذي يمحو الله بي الكفر"، إذا عرفت هذا فاسماه
الأولان مشتقان من الحمد، والفرق بين محمد وأحمد من وجهين: الأول أن محمدا هو المحمود حمدا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له. وذلك مستلزم كثرة موجبات الحمد فيه وأحمد أفعل تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره. فمحمد زيادة حمد في الكمية وأحمد زيادة (حمد) في الكيفية فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر. (و) الثاني أن محمدا هو المحمود حمدا متكررا وأحمد هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره فدل محمد على كونه محمودا ودل أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه تعالى. وقوله:"وآله" عطف على أحمد، أتى بهم لما ثبت في حديث الصحيحين في بيان كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم التي أمر الله تعالى بها عباده فإنه علمهم الكيفية بذكر الآل. لما قالوا له صلى الله عليه وسلم: كيف نصلي عليك، قال:"قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " الحديث، فأمرهم بهذا اللفظ الشامل للآل. (و) أما من هم الآل ففيه أربعة أقوال: الأول من حرمت عليهم الصدقة وفيهم ثلاثة أقوال: الأول: بنو هاشم وبنو المطلب، والثاني: بنو هاشم خاصة، الثالث: بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، فيدخل فيهم بنو المطلب وبنو أمية وبنو نوفل ومن فوقهم إلى غالب، الأول للشافعي ورواية عن أحمد، الثاني لأبي حنيفة ورواية أيضا عن أحمد، الثالث لأشهب من أصحاب مالك.
الثاني: من الأربعة الأقوال أن (الآل) هم ذريته وأزواجه خاصة لحديث أبي حميد مرفوعا: "اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته"، مع ثبوت رواية حديث "وآله" فدل هذا المفصل أنهم المرادون بالآل. الثالث منها: أنهم أتباعه صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة حكاه ابن عبدالبر عن بعض أهل العلم وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبدالله ذكره البيهقي ورجحه النووي في شرح مسلم. الرابع منها: أن آله صلى الله عليه وسلم الأتقياء من أمته ودلائل الأقوال مبسوطة في محلها. وأقربها القول بأنهم من حرمت عليهم الصدقة لما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أحد الحسنين أخذ تمرة من الصدقة فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجها من فيه وقال: "أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة ".