الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسألة التواتر]
(11)
ثانيهما يدعونه التواترا
…
ترى به العلم اليقيني حاضراً
أي ثاني ما في اللف - وهو قوله: "بلا انحصار" فإنهم يسمونه المتواتر؛ والتواتر لغة: التتابع، وهو كون الشيء بعد الشيء بفترة، وضبطه إمام الحرمين بأنه ما يوجب العلم أي بنفسه إيجابا عاديا ولذا قلنا:"ترى به العلم اليقيني حاضرا"، أي أنه لا يختلف عنه من هذه الحيثية. وفي النخبة: أنه المفيد للعلم اليقيني بشروطه، واليقين هو الاعتقاد الجازم المطابق وهذا هو المعتمد، أن خبر التواتر يفيد العلم الضروري وهو الذي يضطر الإنسان إليه بحيث لا يمكنه دفعه وبه قيدناه في النظم [كما] في أصله، وقيل: إنه لا يفيد العلم إلا نظريا. قال الحافظ: "وليس بشيء لأن العلم بالتواتر حاصل لمن ليس له أهلية النظر كالعامي إذ النظر: ترتيب أمور معلومة أو مظنونة يتوصل بها إلى علوم، أو ظنون وليس في العامي أهلية ذلك، فلو كان نظريا لما حصل لهم" انتهى وفي شرح شرح الورقات أن إمام الحرمين يقول: "إنه نظري"، وفسر كونه نظريا بتوقفه على مقدمات حاصلة عند السامع، وهي المحققة لكون الخبر متواترا من كونه خبر جمع وكونهم بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب وكونه خبرا عن محسوس لا أنه يحتاج إلى نظر عقب سماع الخبر. قال المحلي - في شرح جمع الجوامع -:"فلا خلاف في المعنى أنه ضروري لأن توفقه على تلك لا ينافي كونه ضروريا" انتهى ولا يخفى أن المتواتر على هذه الكيفية ليس من مباحث علم الإسناد إذ علم الإسناد: ما يبحث فيه عن صحة الحديث، أو ضعفه ليعمل به أو يترك من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء والمتواتر: لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث.
واعلم أن قولنا: إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه - المراد إلى الواقعة التي أخبر بوقوعها، سواء: كانت بعينها مضمون خبرهم، ويسمى الخبر - حينئذ - متواترا تواترا لفظيا أو قدرا مشتركا بين أخبارهم ويسمى حينئذ متواتر تواترا معنويا كما إذا [أخبر واحد] عن حاتم، أنه أعطى دينارا وآخر أنه أعطى فرسا، [وآخر أنه أعطى فقيرا كذا وكذا] فقد اتفقوا على معنى كلي، وهو الإعطاء. ولذا قلنا في "بغية الآمل":
واللفظ لا يختص بالتواتر
…
بل جاء في المعنى كإقدام الوصي
كرم ربي ذلك الوجه الرضي، وذلك ما ثبت من الروايات المتكاثرة بأنه قتل يوم بدر كذا، ويوم خيبر كذا، ويوم أحد كذا، وبأنه لا يعلم أنه فر عن زحف من الزحوف وهذه دلالة قطعية بأنه شجاع. وقد ذكر الأئمة أن أكثر الأحاديث النبوية التي تواترت من القسم الثاني، والأقل من القسم الأول، وعد منه حديث:"من كذب علي متعمدا" رواه من الصحابة نحو مائة، وقيل: مائتين وحديث: "تقتلك يا عمار الفئة الباغية"، قال الذهبي - في ترجمة عمار من النبلاء -:"حديث متواتر" قال الحافظ ابن حجر: "ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل لعلم شرقا وغربا المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى آخر الشروط، أفاد العلم اليقيني بصحة نسبته إلى قائله. ومثل ذلك في الكتب المشهور كثير" انتهى قال السخاوي: "ذكر شيخنا [يريد ابن حجر] الأحاديث التي وصفت بالتواتر: حديث الشفاعة، والحوض فإن عدد رواتهما من الصحابة
زادوا على الأربعين وممن وصفهما بذلك عياض في الشفا، وحديث "من بنى لله مسجدا"، وحديث "الأئمة من قريش"، وحديث حنين الجذع، وحديث النهي عن الصلاة في معاطن الإبل كما قاله فيه ابن حزم، وحديث اهتزاز العرش لموت سعد، وحديث انشقاق القمر" انتهى. [و] قال الحاكم أبو سعيد:"حديث الموالاة، وحديث غدير خم رواه جماعة من الصحابة وتواتر النقل به حتى دخل في حد التواتر". وذكر محمد بن جرير: حديث غدير خم وطرقه من خمسة وسبعين طريقا، وأفرد له كتابا سماه "كتاب الولاية" وصنف الذهبي جزءا في طرقه وحكم بتواتره، وذكر أبو العباس ابن عقدة - حديث غدير خم من مائة وخمسين طريقا وأفرد له كتابا. وذكر السيد محمد رحمه الله في التنقيح من أمثلة المتواتر - حديث رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام بالصلاة؛ فإنه روي من طرق كثيرة قال ابن عبدالبر: رواه ثلاثة عشر من الصحابة وقال السلفي: أربعة عشر وقال ابن كثير: عشرون، وجمع زين الدين رواته فبلغوا خمسين، فيهم العشرة- رضي الله عنهم وكذلك قال الحاكم ابن البيع:"إن العشرة اجتمعوا على روايته وجعل ذلك من خصائص [هذه] السنة الشريفة" ومن أمثلة ذلك أحاديث المسح على الخفين قال صاحب الإمام: "عن ابن المنذر: روينا عن الحسن البصري أنه قال: حدثني سبعون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين"، وذكر ابن عبدالبر أنه من السنن المتواترة قال زين الدين:"رواه أكثر من ستين من الصحابة منهم العشرة رضي الله عنهم"انتهى.