الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله عز وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أي فرض عليكم الجهاد. واختلف العلماء في حكم الآية فقال عطاء الجهاد تطوع والمراد من الآية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم وإليه ذهب الثوري وحكى عن الأوزاعي نحوه، وحجة هذا القول أن قوله كتب يقتضي الإيجاب ويكفي العمل به مرة واحدة وحجة من أوجبه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قوله عليكم يقتضى تخصيص هذا الخطاب بالموجودين في ذلك الوقت، وقيل: بل الآية على ظاهرها والجهاد فرض على كل مسلم ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا» أخرجه أبو داود بزيادة فيه (ق) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» وقيل: إن الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين وهذا القول: هو المختار الذي عليه جمهور العلماء. قال الزهري كتب الله القتال على الناس جاهدوا أو لم يجاهدوا فمن غزا فيها ونعمت ومن قعد عدة إن استعين به أعان وإن استنفر نفر وإن استغنى عنه قعد قال الله تعالى: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى ولو كان القاعد تاركا فرضا لم يعده بالحسنى، واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على ثلاثة أقوال: أحدها أنها محكمة ناسخة للعفو عن المشركين. القول الثاني: إنها منسوخة لأن فيها وجوب الجهاد على الكافة ثم نسخ بقوله تعالى: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً القول الثالث: إنها ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه فالناسخ منها إيجاب الجهاد مع المشركين بعد المنع منه، والمنسوخ إيجاب الجهاد على الكافة. وقوله تعالى: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ أي القتال شاق عليكم وهذا الكره إنما حصل من حيث نفور الطبع عن القتال، لما فيه من مؤنة المال ومشقة النفس وخطر الروح والخوف لا أنهم كرهوا أمر الله قيل: نسخ هذا الكره بقوله تعالى إخبارا عنهم: «وقالوا سمعنا وأطعنا» وقيل: إنما كان كراهتهم القتال قبل أن يفرض عليهم لما فيه من الخوف والشدة وكثرة الأعداء فبين الله تعالى أن الذين تكرهون من القتال هو خير لكم من تركه لئلا يكرهونه بعد أن فرض عليهم وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لفظة عسى توهم الشك مثل لعل، وهي من الله يقين.
وقيل: إنها كلمة مطمعة فهي لا تدل على حصول الشك للقائل وتدل على حصول الشك للمستمع، والمعنى أن الغزو فيه إحدى الحسنيين إما الظفر والغنيمة وإما الشهادة والجنة وقيل: ربما كان الشيء شاقا في الحال وهو سبب المنافع الجليلة في المستقبل، ومثله شرب الدواء المر فإنه ينفر عنه الطبع في الحال ويكرهه لكن يتحمل هذه الكراهة والمشقة لتوقع حصول الصحة في المستقبل وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً يعني القعود عن الغزو وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ يعني لما فيه من فوت الغنيمة والأجر وطمع العدو فيكم، لأنه إذا علم ميلكم إلى الراحة والدعة والسكون قصد بلادكم وحاول قتالكم وإذا علم أن فيكم شهامة وجلادة على القتال كف عنكم وَاللَّهُ يَعْلَمُ يعني ما في الجهاد من الغنيمة والأجر والخير وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ يعني ذلك والمعنى أن العبد إذا علم قصور علمه وكمال علم الله ثم إن الله تعالى أمره بأمر كان ذلك الأمر فيه مصلحة عظيمة فيجب على العبد امتثال أمر الله تعالى وإن كان يشق على النفس في الحال. قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): الآيات 217 الى 218]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ سبب نزول هذه الآية. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش وهو ابن عمته في سرية في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين وأمره على السرية وكتب له كتابا، وقال: سر على اسم الله ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين، فإذا نزلت فافتح الكتاب فاقرأه على أصحابك ثم امض لما أمرتك به، ولا تستكرهنّ أحدا منهم على السير معك فسار عبد الله يومين، ثم نزل وفتح الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرّحمن الرّحيم أما بعد فسر على بركة الله تعالى، بمن معك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فارصد بها عيرا لقريش لعلك تأتينا منها بخير. فقال: سمعا وطاعة ثم قال لأصحابه ذلك وقال إنه نهاني أن أستكره أحدا منكم فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ومن كان يكره فليرجع، ثم مضى ومضى أصحابه معه وكانوا ثمانية رهط، ولم يتخلف عنه أحد منهم حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع بموضع من الحجاز، يقال له نجران أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه، ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى نزل في بطن نخلة بين مكة والطائف فبينما هم كذلك إذ مرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما، وتجارة من تجارة الطائف وفي العير عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ونوفل بن عبد الله بن المخزوميان فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم، فاحلقوا رأس رجل منكم وليتعرض لهم فإذا رأوه محلوقا أمنوا، فحلقوا رأس عكاشة بن محصن، ثم أشرف عليهم فلما رأوه آمنوا وقالوا: قوم عمار فلا بأس علينا وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة وكانوا يرون أنه من رجب فتشاور القوم فيهم، وقالوا: متى تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم وليمتنعن منكم فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم، فقتله فكان أول قتيل من المشركين وأسر الحكم بن كيسان وعثمان وكانا أول أسيرين في الإسلام، وأفلت نوفل فأعجزهم واستاق المسلمون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام وسفك الدماء وأخذ الحرائب يعني المال، وعير بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين. وقالوا: يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام، وقاتلتم فيه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعبد الله بن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، ووقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ شيئا من ذلك وعنف المسلمون أصحاب السرية فيما صنعوا، وقالوا لم صنعتم ما لم تؤمروا به، فعظم ذلك على أصحاب السرية وظنوا أنهم قد هلكوا وسقط في أيديهم وقالوا يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى وأكثر الناس في ذلك فأنزل الله هذه الآية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير فعزل منها الخمس، وكان أول خمس في الإسلام وأول غنيمة قسمت فقسم الباقي على أصحاب السرية وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم. فقال بل نبقيهما حتى يقدم سعد وعقبة، وإن لم يقدما قتلناهما بهما. فلما قدما فاداهما فأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقتل يوم بئر معونة شهيدا وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافرا. وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا، وقتله الله، فطلب المشركون جيفته بالثمن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية وأما تفسير الآية فقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ يعني يا محمد عن الشهر الحرام يعني رجبا وسمي بذلك لتحريم القتال فيه وفي السائلين رسول الله صلى الله عليه وسلم قولان: أحدهما أنهم المسلمون سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أخطئوا أم أصابوا وقيل: إن المسلمين كانوا يعلمون أن القتال في الحرم وفي الشهر الحرام لا يحل فلما كتب عليهم القتال سألوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال في الشهر الحرام فنزلت هذه الآية: والقول الثاني أن السائلين هم المشركون وإنما سألوه على وجه العيب على المسلمين فنزلت هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ أي قل لهم يا محمد قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ أي عظيم مستكبر واختلف العلماء في حكم هذه الآية على قولين أحدهما أنها محكمة وأنه لا يجوز الغزو في